6 دقائق قراءة

دروس “اليعربية”: خطوط التماس ليس بديلاً من آلية إيصال المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا

تدعي روسيا أن آلية إيصال المساعدات عبر الحدود تنتهك سيادة سوريا. وتقترح بدلاً من ذلك إيصال المساعدات عبر دمشق من خلال ثلاثة معابر تسيطر عليها الحكومة وتربط مناطق سيطرتها بالمناطق الخارجة عن سيطرتها.


بقلم ليز موفة

14 يونيو 2021

عمان- بعد عام ونصف على إغلاق معبر اليعربية مع العراق، ما تزال منطقة شمال شرق سوريا ترزح تحت وطأة الإهمال الطبي نتيجة النقص الحاد في التمويل والإمدادات.

وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” حذرت، الشهر الماضي، من أن المستشفيات الموجودة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يهيمن عليها الأكراد، توشك على مواجهة نفاد مستلزمات إجراء فحص وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) والمعدات الوقائية والأوكسجين. وقد أسفر نقص الإمدادات عن توقف مركزين لعلاج كوفيد-19 عن العمل.

وتعود مجمل التحديات التي تواجه وصول الإمدادات السابقة إلى عدم وجود آلية لإيصال المساعدات عبر الحدود، وليظل عبور شحنات المساعدات إلى شمال شرق سوريا مرهوناً، بالتالي، بموافقة نظام الأسد، ما “يحرم [المنطقة] من الخدمات إلى حد يبعث على الاسى”، وفقًا لـ”أطباء بلا حدود”.

هذا الفشل في إيصال المساعدات عبر خطوط التماس إلى شمال شرق سوريا يُلقي بظلاله القاتمة على منطقة شمال غرب سوريا التي يتهيأ سكانها البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة لمصيرٍ مشابه في حال استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في مواجهة مسعى تجديد آلية إيصال المساعدات عبر الحدود، والتي من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في 10 تموز/ يوليو المقبل.

عمر قصير

اعتادت منطقة شمال شرق سوريا تلقي الكثير من المساعدات الطبية عبر معبر اليعربية الحدودي مع العراق، والذي كانت تستخدمه الأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى المنطقة من دون الاضطرار للمرور عبر دمشق.

ففي العام 2014، أقرّت الأمم المتحدة إنشاء آلية عابرة للحدود لإيصال المساعدات إلى جميع المناطق السورية من دون الحصول على موافقة النظام. وقد شملت هذه الآلية وقتها أربعة معابر: اليعربية في الشمال الشرقي، والرمثا في الجنوب، وباب السلام وباب الهوى في الشمال الغربي.

ومنذ أولى شحنات مساعدات الأمم المتحدة بداية العام 2018 وحتى آخرها هذه الشحنات في كانون الثاني/يناير 2020،  دخلت 19 شحنة عبر اليعربية، مكونة من 109 شاحنات كانت تحمل في معظمها إمدادات طبية. وقد تم رفد ما لا يقل عن خمسين منشأة طبية بكامل مستلزماتها من خلال الشحنات العابرة للحدود وحدها فقط، بحسب بيان للأمم المتحدة، فيما كانت الكثير من المنشآت الطبية الأخرى تعتمد  اعتماداً كبيراً على اليعربية في تأمين إمداداتها.

في العام 2019 وحده، تم نقل مائتي وعشرة  أطنان من المعدات الطبية عبر اليعربية. وبالتوازي مع ذلك، تم إرسال 451 طناً من المعدات الطبية جواً من دمشق. إلا أنّ العديد من المنشآت الصحية في شمال شرق سوريا “لم تصلها  الإمدادات المرسلة جواً من دمشق”، وفق ما كشف تقرير للأمم المتحدة.

في كانون الثاني/يناير 2020، أُغلِق معبر اليعربية، ما انطوى على أثار وخيمة على المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة العاملة شمال شرق سوريا.

ومن ثم، شكل “معبر اليعربية الحدودي آلية إيصال الإمدادات الطبية إلى شمال شرق سوريا الأكثر موثوقية وانتظاماً وفعاليةً من حيث التكلفة”، كما قالت لـ”سوريا على طول” ألكسندرا ماتي، مديرة قسم المناصرة للاستجابة للأزمة السورية بمنظمة “وورلد فيجن”. 

إلا أنه في كانون الثاني/يناير 2020، أُغلِق معبر اليعربية، ما انطوى على آثار وخيمة على المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة العاملة شمال شرق سوريا، وأثرّ بداهة بالتالي على تلبية احتياجات سكان المنطقة البالغ تعدادهم 1.4 مليون إنسان. 

إذ “منذ إغلاق معبر اليعربية، هناك تحديات هائلة في آلية سير برامج [الإغاثة] بكل مراحلها”، كما أكدت لـ”سوريا على طول” كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR). فقد “أسفر إغلاق اليعربية عن إغلاق 19 منشأة طبية مباشرةً، كما قامت السلطات السورية بإخراج الإمدادات الطبية المتجهة عبر خطوط التماس”. 

وعدا عن تحديات إيصال الإمدادات، تأثرت عشرات المنظمات غير الحكومية بفقدان التمويل الجديد للأمم المتحدة المخصص للاستجابة الإنسانية العابرة للحدود في شمال شرق سوريا. 

وفي حزيران/يونيو 2020، ناشدت حوالي عشرين منظمة دولية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إعادة فتح المعبر، إلا أنها فشلت في مسعاها. وأفادت هذه المنظمات أنه “31%  فقط من المنشآت الطبية التي كان يتم رفدها سابقاً بالإمدادات من خلال معبر اليعربية، قد حصلت على امدادات” منذ إغلاق المعبر، فضلاً عن أن “المنظمات غير الحكومية عاجزة عن سد فجوة الاحتياجات” المتأتية عن الإغلاق.

الأجندة الروسية

منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا العام 2015، شرعت روسيا بالضغط من أجل إغلاق المعابر المشمولة بآلية إيصال المساعدات الواحد تلو الآخر. وقد تمكنت من إلغاء التفويض الممنوح للأمم المتحدة باستخدام معبري اليعربية والرمثا في كانون الثاني/يناير 2020، ومن ثم باب السلام في تموز/يوليو من العام ذاته. 

من خلال زيادة تدفق المساعدات إلى دمشق، يأمل نظام الأسد استقطاب العملات الأجنبية والاستحواذ على جزءِ من التمويل بفرض أسعار صرف غير مواتية على المنظمات الإنسانية.

والآن، تهدد روسيا باستخدام حق النقض ضد تجديد القرار 2533 (2020) الذي تنتهي صلاحيته في 10 تموز/يوليو المقبل، والذي ينص على السماح بدخول المساعدات الإنسانية من آخر المعابر، وهو معبر باب الهوى، والذي يوصف بأنه “شريان الحياة” لأربعة ملايين إنسان محاصرين في آخر معقل للمعارضة في شمال غرب سوريا. 

وتدعي روسيا أن آلية إيصال المساعدات عبر الحدود تنتهك سيادة سوريا. وتقترح بدلاً من ذلك إيصال المساعدات عبر دمشق من خلال ثلاثة معابر تسيطر عليها الحكومة وتربط مناطق سيطرتها بالمناطق الخارجة عن سيطرتها. ويعود هذا المطلب جزئياً إلى رغبة روسيا في إرغام نظرائها الغربيين في مجلس الأمن الدولي على تقديم تنازلات، كما تحقيق مصالح اقتصادية للنظام. 

فمن خلال زيادة تدفق المساعدات إلى دمشق، يأمل نظام الأسد استقطاب العملات الأجنبية والاستحواذ على جزءِ من التمويل بفرض أسعار صرف غير مواتية على المنظمات الإنسانية العاملة بالتنسيق مع دمشق.

في الوقت نفسه، فإن إيصال المساعدات عبر خطوط التماس “سيساعد في إنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل من خلال العطاءات الناشئة [عن تلك المساعدات] والمشتريات المحلية، والتي تُغري الأطراف المتنفذة المرتبطة بالنظام بالاستيلاء عليها”، كما أوضح آرون لوند، الزميل في مؤسسة القرن البحثية في نيويورك، في تصريح سابق لـ”سوريا على طول”.

البديل الفاشل

بعد عام ونصف العام من إغلاق اليعربية، يثبت الوضع المزري في شمال شرق سوريا أن نقل المساعدات عبر خطوط التماس ليس بديلاً من المساعدات العابرة للحدود.

إذ بعد عام على إغلاق المعبر، لم يتسن سوى لقافلة برية واحدة للأمم المتحدة العبور من دمشق إلى شمال شرق البلاد. وقد استغرقت الحكومة السورية مؤخراً ما يزيد عن شهر لشحن حوالي 17,000 جرعة لقاح ضد وباء كوفيد-19 إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية التابعة لـ”قسد”.

وكثيراً ما تتأخر عمليات إيصال المساعدات. فجميع القوافل تحتاج موافقة من دمشق من أجل عبورها خطوط التماس. وبحسب الأمم المتحدة، فإن هذه العملية شديدة البطئ وتستغرق نحو ثلاثة إلى أربعة أشهر بالمتوسط، فيما يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 16 شهراً، وفقاً لتقرير صادر عن المنظمات غير الحكومية العاملة ضمن آلية خطوط التماس.

ولا يمكن الجزم أيضاً بشأن إمكانية وصول هذه القوافل الإنسانية إلى منطقة تحت سيطرة عدد كبير من المجموعات المسلحة. إذ “كثيراً ما اضطرت بعض المنظمات الدولية الساعية لعبور خطوط التماس في شمال شرق سوريا إلى الخروج عن مسارها كلياً عند نقاط التفتيش الحكومية”، كما أكدت بيتيلو.

 استغرقت الحكومة السورية مؤخراً ما يزيد عن شهر لشحن حوالي 17,000 جرعة لقاح ضد وباء كوفيد-19 إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية التابعة لـ”قسد”.

كذلك، تشتكي المنظمات الإنسانية أيضاً من انعدام الشفافية في عمليات التسليم عبر خطوط التماس، وقيام مسؤولي النظام بحرف المساعدات عن مسارها مراراً عبر جميع مراحل إيصال الإمدادات. 

ويظهر من خلال التجارب السابقة لإيصال المساعدات عبر خطوط التماس، كما في غوطة دمشق الشرقية خلال حصارها من قبل قوات النظام، عجز المجتمع الدولي عن الحيلولة دون حدوث مثل هذه التصرفات.

“ليس بإمكان الأمم المتحدة فعل الكثير. كل ما يمكنهم فعله هو تحميل الإمدادات كلها في الشاحنات، لكن يمكن للجيش السوري وأجهزة المخابرات أن يفعلوا ما يحلو لهم بهذه الشاحنات”، كما قال جون داوتزنبيرغ، رئيس قسم المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية (SAMS)، أكبر منظمة طبية عاملة في شمال غرب سوريا.

مضيفاً لـ”سوريا على طول”: “يبرز جلياً من خلال تجربتنا في الغوطة الشرقية أن إيصال المساعدات عبر خطوط التماس هو تجربة فاشلة. لأنك حين تنقلها عبر خطوط التماس وحدها، تصبح المساعدات الإنسانية تحت سيطرة رجال يحملون سلاحاً”. 

حجم الاحتياجات شمال غرب سوريا

حتى بافتراض صدق نظام الأسد في تيسير إيصال المساعدات عبر خطوط التماس، فإن هذه الآلية لن تلبي حجم الاحتياجات في شمال غرب سوريا.

إذ حالياً يتم “تقديم مساعدات “لـ2.4 مليون إنسان شهرياً من خلال المساعدات القادمة عبر الحدود”، وفق ما ذكر داوتزنبيرغ. مضيفاً أن “التقديرات الحالية تشير إلى أنه ربما يتسنى للمنظمات غير الحكومية توسيع نطاق عملها ومساعدة 300,000 شخص آخرين”.

“حتى يومنا هذا، لم تحدث أي عملية تسليم مساعدات عبر خطوط التماس من دمشق أو من أي منطقة حكومية إلى شمال غرب سوريا”

وتؤدي وكالات الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا دوراً لوجستياً ضخماً. إذ يؤمِّن برنامج الأغذية العالمي سلالاً غذائية لأكثر من 1.4 مليون إنسان شهريا، ويوفر حوالي ثمانين بالمئة من المساعدات الغذائية في شمال غرب سوريا ككل.

و”حتى يومنا هذا، لم تحدث أي عملية تسليم مساعدات عبر خطوط التماس من دمشق أو من أي منطقة حكومية إلى شمال غرب سوريا”، وفق ما أوضح داوتزنبيرغ. متسائلاً: “كيف لنا بالتالي أن نصدق أنه اعتباراً من الشهر التالي سيتسنى لهم إرسال [مئات الآلاف] من السلال الغذائية شهرياً، فيما عجزوا عن إرسال سلة واحدة فقط على مدى السنوات الماضية؟”

ويبقى حجم المخاطر المحتملة كبيرٌ على المدى القريب. إذ من المقرر وصول شحنة ثانية من لقاحات كوفيد-19 من منظمة الصحة العالمية إلى شمال غرب سوريا في تموز/ يوليو المقبل. وفيما تم تسليم حوالي 53,000 جرعة في نيسان/أبريل الماضي عبر معبر باب الهوى، ما تزال إمكانية تسليم الدفعة الثانية متوقفة كلياً على بقاء المعبر مفتوحاً أو إغلاقه. 

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال