5 دقائق قراءة

دمشق تتزين في أعياد الميلاد وسط مخاوف لدى المسيحيين من القيادة الجديدة

بعد سيطرة "إدارة العمليات العسكرية"، التي تقودها هيئة تحرير الشام، على دمشق، رصدت عدسة "سوريا على طول" مظاهر احتفال المسيحيين بأعياد الميلاد في بعض أحياء دمشق، وسط حالة من الخوف والترقب


23 ديسمبر 2024

دمشق- بعد تردد لعدة أيام، قررت سالي، 45 عاماً، تزيين منزلها في العاصمة دمشق، وأضاءت الشجرة المزينة بالأجراس، احتفالاً بعيد الميلاد المجيد، الذي يصادف 25 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، متأملة أن يكون العام الجديد عام خير لها ولعائلتها ولجميع المسيحيين في سوريا.

في صبيحة الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، استفاقت سالي، وهي معلمة تقطن في شارع بغداد، على أصوات الرصاص، ليتبين أنه “رصاص فرح” بسقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد، الذي “ترك البلد وهرب تاركاً الأقليات التي طالما ادعى الدفاع عنها”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

عبّرت سالي عن فرحتها بزوال “سنوات من الظلم التي مارسها آل الأسد”، لكنها لم تخف قلقها من القادم، خاصة أن “ماكينة الإعلام الرسمي زرعت في أذهاننا لسنوات أن المعارضة تحمل فكراً إسلامياً متشدداً، وقد يضيقون علينا في ممارسة طقوسنا أو حرية لباسنا”، وفقاً لها.

“فرحة النصر لا تقدر بثمن، لأن الحرية حلم جميع السوريين” بكل مكوّناتهم وأطيافهم، شريطة أن تكون سوريا الجديدة “بلد الجميع من دون تمييز”، على حد قول سالي.

شارك العديد من المسيحيين المقيمين في دمشق لحظات الفرح الأولى لسقوط الأسد، ولكن بعد أيام بدأ الخوف يتسلل في أوساطهم، وتتردد جملة واحدة أحاديثهم المغلقة “لا نعرف ما هو القادم”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، ساندرا خوري، 30 عاماً، وهي موظفة في إحدى الشركات بدمشق.

حملت الأيام الأولى “شعارات مطمئنة، لكننا نريد أن يكون الواقع مثل هذه الشعارات”، بحسب خوري، التي أبدت تخوفها من إمكانية “فرض حكم إسلامي متشدد إقصائي”، بينما”نحن نؤيد حكماً مبنياً على دستور يضمن حقوق الجميع، وأن تستلم العقول النيّرة من كل الأطياف وزارات الدولة ومؤسساتها، بحسب كفاءتها”، خاصة أن سوريا “تضم الكثير من الشخصيات المتميزة علمياً وعملياً”.

لم تتعرض خوري لأي مضايقات من عناصر هيئة تحرير الشام كونها لم تصادفهم أو تصطدم معهم، لكنها سمعت عن “حسن تعاملهم”، وأنهم زاروا “عدة كنائس في دمشق من أجل لقاء الناس وطمأنتهم”، على حد قولها.

زينة أعياد الميلاد في أحد شوارع باب شرقي في العاصمة دمشق، 20/ 12/ 2024، (سوريا على طول)

زينة أعياد الميلاد في أحد شوارع باب شرقي في العاصمة دمشق، 20/ 12/ 2024، (سوريا على طول)

تعليقاً على ذلك، قال نادر جبلي، كاتب وحقوقي سوري مقيم في باريس، أن “مشكلة الأقليات في سوريا قديمة. بدأت مع الاستعمار، وكانت دائماً أداة للسيطرة والتحكم، إذ انقسم المستعمرون إلى فئة تحمي الكاثوليك، وأخرى الأرثوذكس، وثالثة الدروز، ثم جاء الاستعمار الفرنسي وكرس الطائفية بتقسيم المناطق حسب الأقليات”.

وبدوره، عمّق نظام الأسد أزمة الأقليات، إذ “لعب هذه اللعبة بشكل سام بهدف السيطرة”، كما أوضح جبلي لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن “الأسد زرع صورة توحي بوجود بعبع سني خطير سيذبح البقية إذا وصل للسلطة، لهذا يجب أن تتكتل الأقليات وتقف وراء النظام كي يحميها، خاصة بعد أحداث الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي، وقد حقق نجاحاً كبيراً”.

اقرأ المزيد: المسيحيون في سوريا: وقود صراع بذريعة الحماية

زينة داخلية

منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، لم تغب زينة أعياد الميلاد عن بيوت المسيحيين في مناطق سيطرة نظام الأسد المخلوع، رغم أنها تأثرت بالظروف الأمنية والاقتصادية، التي مرت بها البلاد، بما في ذلك تقنين الكهرباء.

وبعد سيطرة “إدارة العمليات العسكرية”، التي تقودها هيئة تحرير الشام بزعامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على دمشق، رصدت عدسة “سوريا على طول” مظاهر احتفال المسيحيين بأعياد الميلاد في بعض أحياء دمشق، ذات التواجد المسيحي، مثل باب توما وباب شرقي والقصاع.

زوار يتجولون في سوق "الكريسماس" بمدينة المعارض في العاصمة دمشق، 20/ 12/ 2024، (سوريا على طول)

زوار يتجولون في سوق “الكريسماس” بمدينة المعارض في العاصمة دمشق، 20/ 12/ 2024، (سوريا على طول)

وكذلك، افتتح سوق “الكريسماس” في مدينة المعارض بدمشق، في 20 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، التي تعتاد العاصمة دمشق تنظيمه كل عام، لكن هذا العام ظهرت أعلام الثورة السورية إلى جانب زينة أعياد الميلاد في المعرض، الذي شهد ازدحاماً كبيراً.

ومع ذلك، ربما عزز مخاوف المسيحيين في دمشق ما وقع على الأقليات في شمال غرب سوريا من انتهاكات، قبل أن تطوي هيئة تحرير الشام صفحة الماضي وتبدأ بردّ الممتلكات لأصحابها، في أيلول/ سبتمبر 2023، عزز مخاوف المسيحيين في دمشق.

ورغم أن الهيئة قدمت نموذجاً مغايراً لها في حلب، التي سيطرت عليها في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، بتقديم تطمينات للأقليات وتسجيل عدد محدود من الانتهاكات بحقهم هناك، بقيت الهواجس لدى المسيحيين من سكان دمشق، بحسب العديد من المصادر الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول”، وانعكس ذلك على احتفالاتهم، إذ “اقتصرت أجواء الميلاد هذا العام على الزينة الداخلية في العديد من الكنائس والبيوت”، بحسب خوري.

اقرأ المزيد: حماية الأقليات: مسيحيو حلب بين وعود هيئة تحرير الشام وذكريات مؤلمة

“بيت ألبيرتو اليسوعي” في منطقة جرمانا بدمشق، وهو مركز تابع للرهبنة اليسوعية، اكتفى بتزيين المكان داخلياً، وهو بيت يهتم بالشباب والجامعيين، ويوفر لهم مكتبة للقراءة ومكاناً للدراسة، إضافة إلى تنظيم ورشات فنية بمجالات عدة مثل الموسيقى والرسم، ويفتح أبوابه لمختلف الطوائف، كما أوضح دانيال عطا الله، أحد المشرفين على البيت، لـ”سوريا على طول”.

أرسل البيت رسالة إلى أعضائه “من أجل المشاركة في تزيين المكان وكان هناك تجاوب من جميع الأعضاء”، بحسب عطا الله، قائلاً: “في هذا المكان المجتمعي المتنوع، تعاون الجميع من أجل إدخال الفرحة، وشاركوا في تزيين شجرة الميلاد داخل البيت الذي يعتبرونه مثل بيتهم”.

ولم يخفِ عطا الله وجود مخاوف في الشارع المسيحي، لكن هذا الخوف “موجود أيضاً عند الجميع وليس عند المسيحيين وحدهم”، مشدداً على ضرورة “عدم تكريس هذه المخاوف، طالما أن الأمور جيدة حتى الآن”، مع ضرورة “مراقبة ما يجري”.

وفي هذا السياق، عزا جميل دياربكرلي، المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان، ومقره في السويد، مخاوف المسيحيين إلى أن “من قام بعملية رد العدوان هو طرف إسلامي راديكالي، وفي كثير من المناطق كان له تجارب سيئة جداً”، ناهيك عن أن “حدوث أي تغيير في المنطقة يثير مخاوف المسيحيين لأنهم كانوا دائماً من يدفع الثمن”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

تطمينات يضمنها شكل الدولة

لا ينكر الحقوقي جبلي أن “الأكثرية السنية هي التي تعرضت للعنف والبؤس، وما دفعته من أثمان لم يدفعها أحد”، ومع ذلك “تبقى الأغلبية مسؤولة عن مشكلة الأقليات، فخطابها هو الذي يحسم المشكلة إما بتضخيمها أو تصغيرها”.

لذا “التطمينات مهمة جداً ونحن بحاجة لها”، بحسب جبيلي، لكن “التطمينات الحاسمة والنهائية تتحقق عندما تتوفر دولة وطنية حديثة ذات دستور ديمقراطي يُعلي من شأن المواطنة، وتكون فيه الحريات مُصانة وفيها دولة مؤسسات مفصولة عن الدين، حينها ننسى انتماء الأشخاص الديني أو العرقي، وينتهي أي شيء اسمه أقليات”.

من جهته، رفض دياربكرلي فكرة التطمينات، مستائلاً: “أليس المسيحيون جزءاً من المجتمع السوري؟ أليست هذه الأمور من أبسط حقوق الإنسان في أي دولة كانت؟”، وبالتالي “أنا ضد إعطاء تطمينات على ممارسة الطقوس وعلى حياتهم، هذه التطمينات تكون بشكل الدولة التي سنشهدها لاحقاً، ويتضمنها الدستور، لأن الأفراد إذا أعطوا هذه التطمينات يمكن أن يسحبوها لاحقاً”.

ومن هذا المنطلق “تأتي المخاوف كوننا لا نستطيع التكهن بمستقبل سوريا، بينما ستزول هذه المخاوف عندما نجد حكومة تغيير حقيقية، وعندما ننطلق نحو سورية جديدة ودستور وعقد اجتماعي جديدين”، وبذلك “تزول مخاوف المسيحيين”، بحسب دياربكرلي.

وشدد الحقوقي دياربكرلي على ضرورة “أن نكون منفتحين على أي تغيير في البلاد، شرط أن يحقق الاستقرار ويمارس الحكم بطريقة تشاركية تضمن حالة التنوع في المجتمع”، لافتاً إلى أن “المسيحيين ليسوا مرتبطين بنظام الأسد. نحن كنا قبل الأسد ومعه وسنبقى بعده”.

شارك هذا المقال