دمشق تراكم سيطرتها في شمال غرب سوريا على وقع مباحثات روسية تركية
سبعة كيلومترات باتت تفصل القوات الحكومية عن تلة الشيخ بركات الاستراتيجية، الواقعة في ريف حلب الغربي، بعد سيطرة تلك القوات على عشر قرى وبلدات في المنطقة
18 فبراير 2020
عمان – سبعة كيلومترات باتت تفصل القوات الحكومية عن تلة الشيخ بركات الاستراتيجية، الواقعة في ريف حلب الغربي، بعد سيطرة تلك القوات على عشر قرى وبلدات في المنطقة أمس الإثنين، في إطار عملية عسكرية واسعة تشنّها دمشق وحلفاؤها على شمال غرب سوريا منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2019.
بهذه السيطرة، تمكنت القوات الحكومية، بدعم جوي وبري من حليفتيها روسيا وإيران، من استكمال السيطرة على مدينة حلب وتأمينها، كما ذكر مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا. مشيراً إلى أن “النظام السوري وحلفاءه سيطروا على مساحة تزيد عن 2000 كيلومتر مربع خلال ثلاثة أشهر”.
وتكتسب تلة الشيخ بركات، على بعد كيلومترين غرب مدينة دار عزّة، أهميتها الاستراتيجية من كونها تكشف مناطق واسعة غرب حلب، كما تؤدي السيطرة عليها إلى فصل مناطق “غصن الزيتون” (عفرين) و”درع الفرات” (ريف حلب الشمالي) التي سيطرت عليها فصائل معارضة عبر عمليتين عسكريتين منفصلتين بدعم تركي، عن مناطق المعارضة الأخرى في إدلب وغرب حلب، ما يعني قطع طرق الإمداد بين المنطقتين. كذلك، فإنه بالسيطرة على “الشيخ بركات” تصبح القوات الحكومية على بعد 13 كيلومتراً من الشريط الحدودي مع تركيا، حيث تنتشر عشرات مخيمات النازحين من أرياف إدلب وحلب، وهي ذات المسافة أيضاً التي تفصل التلة عن معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
نتيجة ذلك، فإن فصائل المعارضة “ستبذل جهدها في منع عصابات الأسد من التقدم إلى دارة عزة وتلة الشيخ بركات”، كما قال النقيب ناجي مصطفى، الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، التابعة للجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة، لـ”سوريا على طول”.
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، أبو خالد الشامي، أن دمشق تعمل على تنفيذ “أهدافها على مراحل”، وصولاً إلى السيطرة على “جميع الأراضي المحررة [الخاضعة لسيطرة المعارضة] من دون استثناء وإعادتها تحت حكم الطاغية المجرم”، في إشارة إلى بشار الأسد. محذراً في تصريح لـ”سوريا على طول” من أن “سقوط إدلب يعني سقوط كل المناطق الأخرى في الشمال السوري”.
وجاء تقدم القوات الحكومية في ريف حلب الغربي، والتي تمكنت خلاله من استكمال السيطرة على الطريق دمشق-حلب الدولي (M5)، مكملاً لعملياتها في المدن والبلدات الواقعة على نفس الطريق في ريف إدلب الجنوبي والشرقي.
كذلك، بالتوازي مع العمليات العسكرية على محور تلة الشيخ بركات، تشن القوات الحكومية والمليشيات المساندة لها عمليات عسكرية على محور مدينة الأتارب غرب حلب. ووفقاً لمصدر عسكري مقرب من الجبهة الوطنية للتحرير، طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن اسمه، فإن “النظام يهدف إلى محاصرة مدينة الأتارب ومن ثم السيطرة عليها”. لافتاً إلى أن “سيطرته على الأتارب يفتح له الأفق باتجاه مناطق شمال إدلب، مثل مدينة سرمدا ومنطقة باب الهوى، بما في ذلك على وجه الخصوص أوتوستراد باب الهوى الاستراتيجي”.
وكان بشار الأسد قال الأحد الماضي، خلال استقباله رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، أن قواته عازمة على السيطرة على كامل الأراضي السورية، إذ إن “الشعب السوري مصمم على تحرير كامل الأراضي السورية” على حد تعبيره.
وفي مقابل العمليات العسكرية لدمشق في شمال غرب سوريا، تتضاعف الأزمة الإنسانية هناك، بحيث بلغ عدد النازحين من ريف حلب الغربي وأرياف إدلب، في الفترة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2019 و18 شباط/فبراير 2020، نحو 932,664 نازحاً، بحسب “منسقو استجابة سوريا”، وهي منظمة إغاثية محلية تنشط في المنطقة.
انهيار مفاجئ
تفسيراً لسيطرة دمشق على مناطق واسعة في شمال غرب سوريا خلال فترة زمنية وجيزة، قال النقيب ناجي مصطفى إن “الاحتلال الروسي والمليشيات الإيرانية وعصابات النظام استطاعوا التقدم في ريف حلب الغربي نتيجة استخدام سياسة الأرض المحروقة والقصف العنيف، إضافة إلى قطع طرق إمداد فصائل المعارضة عن بعض المناطق”. وهو ما أدى، بحسب مصطفى، إلى “انزياح [انسحاب] الفصائل عن هذه المناطق، وتشكيل خطوط دفاعية جديدة، وإعادة انتشار جديد، بهدف التصدي لمحاولات عصابات الأسد ومنع تقدمها إلى دارة عزة وتلة الشيخ بركات الاستراتيجية”.
وفيما تُتهم هيئة تحرير الشام بمسؤوليتها عن تهاوي دفاعات المعارضة في شمال غرب سوريا، جراء استيلائها سابقاً على السلاح الثقيل للفصائل الأخرى، وتالياً سحب الهيئة قواتها من مناطق القتال، كما حدث في معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، والتي سيطرت عليها القوات الحكومية في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، رأى الشامي أن تفسير تقدم القوات الحكومية السريع يتمثل في “حشد النظام المجرم كامل طاقته في جميع البلاد وزجها باتجاه المحرر”. موضحاً أن “النظام يشن حملة عسكرية بدعم من القوات الروسية والمليشيات الإيرانية منذ تسعة أشهر، وبكثافة نارية وصاروخية كبيرة، ما أدى إلى انهيار خطوط الدفاع الأولى، واستنزاف قدرة المجاهدين”. كما ألقى باللوم أيضاً على “مباحثات أستانة“، بضمانة روسية وإيرانية وتركية، والتي تسببت في “إفراغ المناطق والجيوب التابعة للمعارضة”، كما قال.
وكشف الشامي أن “الفصائل الثورية اجتمعت مؤخراً، واتفقت على إنشاء خطوط دفاعية تمكنها من كبح المحتل ومرتزقته من التقدم والتوغل في المناطق المحررة”.
بموازاة التطورات العسكرية، فشلت المباحثات الروسية-التركية التي عقدت اليوم وأمس في موسكو، بمشاركة دبلوماسيين ومسؤولي استخبارات من البلدين، في التوصل إلى اتفاق لوقف التصعيد في شمال غرب سوريا. فيما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمهل، في 5 شباط/فبراير الحالي، القوات الحكومية حتى نهاية الشهر للانسحاب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية في محافظة إدلب، في أعقاب تعرض قواته هناك لأكثر من هجوم على يد القوات الحكومية. لكن لا يبدو أن هكذا تحذيرات تؤخذ على محمل الجد من قبل دمشق وموسكو، كما يظهر باستمرار تقدم قوات النظام التي باتت تحاصر الآن 11 نقطة مراقبة تركية.