6 دقائق قراءة

رحلة تحديث بيانات “الكملك”: السوريون أمام معركة استقرار جديدة في تركيا

يعمل آلاف السوريين في مدينة اسطنبول من دون أذونات عمل أو بطاقات حماية صادرة عن دائرة الهجرة فيها، لذلك يتوجب عليهم تحديث البيانات في الولايات مصدر "الكملك"، ما يعني أن المشكلة أكبر من "صعوبة الحصول على موعد بسبب الضغط على السيستم"


بقلم عمر نور

28 مارس 2022

باريس- بعد أن تم إيقاف بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) الخاصة به، يتعين على أنس زيدان، المقيم في اسطنبول “قطع مسافة 600 كيلومتراً لتحديث بياناتي في الولاية التي استخرجت منها الكملك”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

زيدان، 24 عاماً، الذي وصل إلى تركيا عام 2017 بعد تهجيره من حي برزة الدمشقي، واحد من آلاف اللاجئين السوريين في تركيا الذين تلقوا رسالة نصية من إدارة الهجرة التركية، في 22 آذار/ مارس، تفيد بإلغاء بطاقات الحماية المؤقتة الخاصة بهم “الكملك”، بعد انتهاء الفترة المسموح بها لتحديث بياناتهم، وهي 60 يوماً، ما يستوجب مراجعة إدارة الهجرة لتحديث بياناتهم بأسرع وقت ممكن.

وقبل رسالة الإلغاء، طلبت إدارة الهجرة من اللاجئين السوريين تحديث عناوين سكنهم، محذرة من إيقاف بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بهم، لكنها لم تلتزم بالمهلة المحددة، كما في حالة ياسين أبو فاضل، 36 عاماً، الذي يقيم في اسطنبول، ويحمل بطاقة “كملك” صادرة عنها، إذ وصلته الرسالة الأولى “في 16 شباط، فيما وصلت رسالة قرار الإلغاء في 23 آذار، أي قبل انقضاء المهلة”، كما قال.

لقطة شاشة للرسالة النصية التي وصلت لياسين أبو فاضل

لكن، بالنسبة لزيدان، تحديث البيانات يعني السفر إلى ولاية اسبرطة، جنوب تركيا، “بسيارة خاصة، لأنني لا أملك إذن سفر”، كونه يعمل في اسطنبول بشكل مخالف، وبتكلفة “قد تصل إلى 1000 ليرة تركية”، في حين يبلغ راتبه الشهري من عمله في مغسل للسجاد 4250 ليرة تركية. 

ويعمل آلاف السوريين في مدينة اسطنبول من دون أذونات عمل أو بطاقات حماية صادرة عن دائرة الهجرة فيها، لذلك يتوجب عليهم تحديث البيانات في الولايات مصدر “الكملك”، ما يعني أن المشكلة أكبر من “صعوبة الحصول على موعد بسبب الضغط على السيستم، أو دفع مبالغ مالية للسماسرة مقابل تأمين موعد”، بحسب الناشط الحقوقي في قضايا اللاجئين، طه الغازي، الذي أشار في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “تكاليف حجز موعد من السمسار لعائلة مكونة من 7 أو8 أشخاص قد تصل إلى 1500 ليرة تركية”.

تداعيات الإلغاء

أعادت رسائل دائرة الهجرة حالة القلق التي يعيشها السوريون في تركيا إلى الواجهة، وكأنها “سياسة ممنهجة تتبعها السلطات التركية، ممثلة برئاسة الهجرة ووزارة الداخلية”، قال ياسين أبو فاضل، الذي ينحدر من مدينة حماة، في إشارة إلى الحملات المستمرة ضد السوريين، من قبيل ترحيل المخالفين منهم إلى بلادهم.

وكان أبو فاضل قد حدّث عنوان سكنه “في دائرة النفوس بمنطقة أفجلار التي أقطن فيها”، لكن من دون تحديثها في إدارة هجرة اسطنبول نظراً “لصعوبة الحصول على موعد والضغط الكبير على دوائر الهجرة الثلاث الموجودة في المدينة”.

وفيما تتمثل معاناة أبو فاضل بصعوبة الحصول على موعد ووقع الرسالة “النفسي” عليه، تواجه أنس زيدان مجموعة من العقبات، أهمها ضرورة “تثبيت عنوان سكني في دائرة النفوس قبل أن أحدث بياناتي في مكتب الهجرة”، ما يعني أنه لا يمكن تحديث البيانات من دون استئجار منزل، لكن هذا “يفوق قدرتي، لأنني يجب أن أدفع تأمين المنزل، وأجرة السمسار، بالإضافة إلى إيجار الشهر الأول”.

وأحد الحلول التي عرضت على زيدان “الحصول على عنوان سكن عن طريق أحد السماسرة مقابل 1300 ليرة تركية”، ولكن في حال “كشفت الشرطة على العنوان الجديد المثبت ولم تجدني سأواجه نفس المشكلة من جديد”، وقد بدأت الشرطة التركية مطلع العام الحالي حملة للكشف على عناوين السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة.

وسبق لزيدان أن حاول نقل “الكملك” إلى اسطنبول، لكن لم يتمكن من ذلك “لعدم قدرتي على استخراج إذن عمل من المكان الذي أعمل به”.

ويواجه أحمد تيزيني، 25 عاماً، من مدينة حمص، نفس مشكلة زيدان، إذ يتعين عليه تحديث بياناته في ولاية كوتاهية، التي تبعد 300 كيلومتر عن مكان إقامته في اسطنبول، معبراً عن حيرته في “كيفية تأمين عنوان سكن بأقل التكاليف”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

أيضاً، سيضطر تيزيني إلى الحصول على إجازة عمل مفتوحة من مشغل الخياطة الذي يعمل فيه، كونه لا يعرف المدة التي يحتاجها لإنهاء إجراءات تحديث البيانات، ويتخوف أيضاً من “عدم إمكانية العودة إلى اسطنبول في حال لم أحصل على إذن سفر، وبالتالي سأضطر إلى العودة إليها مخالفاً”. وتفرض الحكومة التركية على حملة “الكملك” استخراج إذن سفر للتنقل بين الولايات التركية.

وبالنسبة لغالبية العمالة السورية في اسطنبول “التوقف عن العمل لعدة أيام مشكلة كبيرة لنا، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها غالبية السوريين”، بحسب زيدان، ورغم أنه غير متزوج، إلا أنه “مسؤول عن عائلتي في دمشق، وعليّ أن ألتزم بإرسال مصروف شهري لهم”.

وإلى أن يتجاوز السوريون الذين ألغيت بطاقات “الكملك” الخاصة بهم، سيواجهون مشكلة “توقف مصالحهم بشكل شبه كامل”، بحسب رئيس رابطة المحامين السوريين الأحرار، المحامي غزوان قرنفل، فالذين “يحصلون على مساعدة من الهلال الأحمر سيتوقف صرف المعونات لهم، والمشافي لن تستقبل أي مريض لا يحمل الكملك”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

تعليقاً على ذلك، قالت مسؤولة الاتصال في اللجنة السورية التركية المشتركة، إناس النجار، أن اللجنة “عقدت اجتماعاً عاجلاً مع رئاسة الهجرة، في 24 آذار/ مارس”، ومن النتائج المباشرة للاجتماع، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”: “عدم فصل مساعدة الهلال الأحمر لمن تم تجميد الكملك الخاص به”، أما أصحاب الحالات الإنسانية العاجلة كالمرضى “وعدت الهجرة بإصدار تعميم يسمح لهؤلاء بمراجعة إدارة الهجرة من دون الحاجة إلى حجز موعد مسبق وتحديث بياناتهم”. 

استهداف اللاجئين؟

أثناء مشاركته في جلسة “دور المجتمع الدولي في إدارة تدفقات اللاجئين: سوريا وما بعدها”، في منتدى الدوحة، قال رئيس إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، صواش أونلو، في 27 آذار/ مارس، إن بلاده أنشأت بإمكاناتها الخاصة مناطق آمنة شمالي سوريا، مشيراً إلى عودة 500 ألف سوري طوعاً إلى تلك المناطق.

وتزامن ذلك، مع تصريح رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، سالم المسلط، إذ قال في لقاء مع صحفيين أتراك بأن الائتلاف يسعى “إلى العودة الطوعية الآمنة للسوريين من تركيا”، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في أوساط سوريين.

قبل ذلك، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في تصريح صحافي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، في 2 آذار/ مارس الحالي، إن بلاده تعمل مع الأردن من أجل عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم.

وفي 27 شباط/ فبراير الماضي، أعلنت السلطات التركية عن جملة من الإجراءات الخاصة بالسوريين المقيمين على أراضيها والقادمين الجدد، منها توزيع الكثافات في الأحياء، بهدف منع نشوء أحياء للسوريين كما حدث في اسطنبول وأنقرة. 

ويتخوف ياسين أبو فاضل من أن يصطدم بإجراء “توزيع الكثافات”، كونه يحمل “الكملك” من اسطنبول، ففي حال ألغيت بطاقته بشكل نهائي، قد يُطلب منه “الحصول على كملك جديد من ولاية أخرى”، كما قال، معتبراً أن “كل شيء وارد، وخصوصاً أن هناك خطة لتقليل كثافة السوريين في بعض المناطق بتركيا ومنها اسطنبول”.

كل ذلك “يشكل قلقاً على المجتمع السوري في تركيا، فكل الجهات والأطراف تدفع بالسوريين إلى عودة طوعية، لكنها قسرية تماماً”، وفقاً للناشط طه الغازي.

ويتفق المحامي قرنفل في أن الإجراء الأخير، المتمثل بإلغاء بطاقة “الكملك” للسوريين، هي “ضمن السياق العام، الذي يقصد فيه التضييق ما أمكن على اللاجئين السوريين لدفعهم للعودة إلى بلادهم”، وفق قوله. 

وفيما شددت مؤسسات حقوقية ووسائل إعلام سورية تعمل من تركيا على أن “لا داعي للقلق”، من هذه الرسائل، مشيرة إلى إمكانية وجود “خطأ في منظومة دائرة الهجرة التركية (سيستم) وستجري معالجته خلال أيام”، واستدلت بعضها بوصول رسائل بالخطأ إلى أشخاص لا يحملون “الكملك” أصلاً أو أنهم حصلوا على الجنسية، شدد المحامي قرنفل، الذي وصلته رسالة رغم حصوله على الجنسية التركية، على  خطورة الرسالة كونها “تعني إفقاد اللاجئ المركز القانوني الذي يتمتع فيه، والذي يخوله أن يكون موجوداً على الأراضي التركية بشكل مشروع”.

وأضاف قرنفل “إن توقيف الشرطة لأي شخص ألغي الكملك الخاص به قد يعرضه للترحيل، وهذه كارثة، خاصة أننا نتحدث عن عائلات بأكملها، فعندما يتم ترحيل رب العائلة يعني أن أفرادها سيضطرون للرحيل معه”.

وفي ذلك، قالت إناس النجار إن “الرسالة لا تعني إبطال الكملك، وإنما هي تعليق، لذلك لن يتم ترحيل أحد بسبب مشكلة رسائل الإلغاء الأخيرة”، مشيرة إلى أن الإجراء “تحقق أمني من السلطات التركية لمعرفة مكان الإقامة الحالي للاجئين”.

وأضافت النجار أن الرسائل وصلت إلى “السوريين الذين لم يقوموا بأي حركة على السيستم، سواء بالمستشفيات أو في قطاع التعليم، ولا حتى في (HES code) الخاص بالتحقق من أجل الأشخاص خلال جائحة كورونا”، وبتحديث البيانات “يمكن التأكد من أن هؤلاء الأشخاص موجودين على الأراضي التركية”.

وأوضحت النجار أن “كل شخص يمكنه التحقق من حسابه في E-Devlet، فإذا لم يجد معلوماته، أو كان الكملك متوقفاً يجب أن يراجع دائرة الهجرة”، لكن إذا كانت معلوماته كاملة “يمكنه تجاهل الرسالة حتى وإن وصلت إليه”.

البحث عن مخرج

في 22 آذار/ مارس، اتصل شاب سوري بالناشط الحقوقي طه الغازي، وأخبره أنه “حاول إحراق نفسه لعدم تمكنه من نقل كملك أفراد عائلته من ولاية العثمانية إلى اسطنبول، رغم وجود أوراق نظامية وتنطبق عليه شروط النقل”، بحسب قوله.

الشاب “عدل عن قراره، بعد أن تم التواصل مع إدارة الهجرة وحصل الشخص على الكملك لأفراد عائلته”، لكن “أن يفكر اللاجئ بحرق نفسه لعجزه عن تسوية أدنى حقوقه الإدارية أمر خطير”، وفقاً للغازي، معتبراً أنه “يتعين على جميع الجهات المعنية أن تسأل نفسها ما الذي دفعه إلى ذلك؟”.

أمام هذه الإجراءات والرسائل “السلبية”، يتمنى أن يحصل ياسين أبو فاضل “على الجنسية التركية، التي حصلت زوجتي عليها، أو أن أجد سبيلاً للهجرة إلى أوروبا”، معتبراً أنه وفقاً للظروف والقرارات الحالية “لم تعد تركيا بيئة آمنة للسوريين”.

وفيما كان يستبعد أنس زيدان فكرة اللجوء إلى أوروبا، يبحث اليوم عن أي طريقة للخروج “بعد التضييق المستمر علينا”، مشدداً على أن أمنيته حالياً “الحصول على فرصة للعيش الكريم تمكننا من مساعدة أهلنا”.

شارك هذا المقال