رغم الحديث عن العودة من مخيم الركبان ..لا يزال النازحون السوريون “عالقين” بين الحدود المغلقة والجغرافيا السياسية
استعادت الحكومة السورية وحلفائها سيطرتها على الجيوب التي كانت تقع […]
4 أكتوبر 2018
استعادت الحكومة السورية وحلفائها سيطرتها على الجيوب التي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة جيباً تلو الآخر على مدار العام الماضي، حيث كان يتحول الحصار والقصف إلى مفاوضات تنتهي بإجلاء السكان والمقاتلين إلى شمال سوريا الواقع تحت سيطرة المعارضة.
ولكن في منطقة نائية من الصحراء الجنوبية الشرقية للبلاد، لم يكن لجيب المعارضة المحاصر هناك المصير نفسه.
وتمتد الخيام المؤقتة والمنازل الطينية التي تشكل مخيم الركبان على أرض محرمة بين الحدود السورية-الأردنية المعروفة باسم “الساتر الترابي”، وهي جزء من منطقة منزوعة السلاح مساحتها 55 كيلومتراً رسمتها روسيا والولايات المتحدة سابقاً. كما أن سلسلة الانفجارات التي نفذها تنظيم الدولة في السنوات الأخيرة دفعت الأردن إلى إغلاق معبرها الحدودي القريب في وجه مايقارب 50 ألف نازح سوري، ممادفعهم إلى التخييم في المنطقة الصحراوية المعزولة حيث ندرة المياه والمواد الغذائية والدواء.
ومما يزيد الأمر تعقيداً وجود قاعدة التنف، وهي قاعدة عسكرية تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، على بعد كيلومترات من المخيم تشكل نقطة أمامية أخرى في القتال ضد تنظيم الدولة المتضائل.
وقال سام هيلر، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، لمراسلة سوريا على طول مادلين إدوارد “أن الركبان والتنف والمنطقة المنزوعة السلاح التي تبلغ 55 كيلومتراً تخضع لقوانين مختلفة عن باقي الجيوب الواقعة تحت سيطرة المعارضة والتي تمكنت الحكومة السورية من استعادتها خلال العام الماضي”.
ومع ذلك، هناك تلميحات إلى أن وضع النازحين في الركبان قد يتغير قريبًا، بعد سنوات من العزلة شبه الكاملة.
كما تم اغلاق العيادة الطبية التي تديرها الأمم المتحدة على الجانب الأردني من الساتر الترابي مؤخراً وسط مزاعم بأن جماعات المعارضة في المنطقة كانت تقيد عبور الحدود. وعلى الرغم من إعادة فتح العيادة الطبية الآن، إلا أن الفصيل المحلي، لواء شهداء القريتين، أعلن عن خططه للنزوح إلى شمال غرب سوريا إلى جانب سكان المخيم “الذين يرغبون في القيام بذلك”.
ومنذ ذلك الحين، أفادت تقارير أن قادة المجتمعات المحلية في الركبان بدأوا بإجراء محادثات مع الحكومة السورية لتسهيل عملية المصالحة داخل المخيم، وذلك قبل العودة المحتملة لسكان المخيم إلى مسقط رأسهم، حيث أن معظمهم من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في ريف حمص.
وفي الثاني من تشرين الأول، صرح مصدر رسمي أردني لسوريا على طول أن الحكومة الأردنية “تشارك في محادثات جادة للغاية” مع روسيا بشأن عودة النازحين السوريين من الركبان.
ولكن موقع الركبان الحساس الذي يمتد بين القوات المدعومة من الولايات المتحدة والأراضي الحكومة السورية يعني أن مصير عودة السكان إلى مدنهم أو إلى الشمال الواقع تحت سيطرة المعارضة سيكون قضية سياسية مقلقة.
وذكر هيلر “الوضع الإنساني هناك يرثى له وهو مرتبط أيضًا بالجغرافية السياسية المتشابكة إلى حد ما”.
وأضاف ” هذا يجعل من الصعب حل مشكلة مخيم الركبان”.
في الآونة الأخيرة كان هناك الكثير من الأحاديث عن عمليات إجلاء مدنية محتملة أو حتى عودة السكان من مخيم الركبان. أولاً أعلن لواء شهداء القريتين عن خطط لقافلة الإجلاء إلى شمال سوريا، وبعد ذلك أقر قادة مجتمع الركبان هذا الأسبوع بأن المحادثات جارية مع الحكومة السورية لإيجاد نوع من المصالحة لسكان المخيم. ولكن لماذا الآن؟
إن حالة سكان مخيم الركبان – إذا كنت تريد أن تسميه مخيم- هي مشكلة مستمرة ومستعصية على ما يبدو. لقد أوضح الأردن بشكل رسمي أنه يعتبر المخيم داخل سوريا وهو أمر داخلي سوري ومشكلتة سورية. وفي هذه الأثناء، لدينا العديد من الأطراف المعنية على الجانب السوري – بما في ذلك الأمريكيون لأنهم جزء من التحالف ضد تنظيم الدولة وكذلك الحكومة السورية وحلفائها – الذين أثبتوا أنهم غير قادرين على تقديم المساعدات أو التفاوض أو ترتيب تسليم المساعدات الإنسانية لسكان الركبان.
لذلك لدينا عشرات الآلاف من السكان الذين تقطعت بهم السبل في هذه المنطقة الصحراوية، التي تعتبر غير صالحة للعيش وفق أي معيار، كما أنه لايتم تقديم المساعدات الإنسانية لهم بانتظام. لذلك، مع عدم وجود المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها، يصبح السؤال: “كيف يمكنك إخراج هؤلاء الأشخاص؟”
ومنذ فترة إلى الآن، كان هناك شائعات مستمرة حول المفاوضات والمزيد من الخطط المتضاربة حول نقل المخيم وسكانه، وتأمين مخرج آمن لهم إلى أجزاء أخرى من البلاد. وتبدو هذه الخطوات الأخيرة أكثر واقعية. ويبدو أن أحد هذه التطورات كان الاجتماع الأخير الذي جرى بين وجهاء المخيم وممثلي الحكومة السورية الذي قد يؤدي إلى طريق أكثر إنتاجية.
لطالما كانت الأوضاع الإنسانية في الركبان رهيبة، وكان هناك بعض المصالحات الفردية في المخيم وتسويات لبعض الوقت. لكن هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها جهودًا منظمة داخل المخيم نفسه من أجل العودة. هل هناك مؤشرات لماذا حدث هذا بسرعة أكبر الآن مقارنة مع ما كان يحدث من قبل؟
لنفترض في هذه المرحلة أن بعض هذه التطورات الجوهرية ستقود إلى حل. [بالطبع] سيكون من المفهوم أن سكان الركبان يئسوا من الأوضاع في المخيم وكذلك يئسوا من إمكانية الحصول على مزيد من المساعدات المنتظمة، وربما يبحثون عن مخرج.
في الوقت نفسه، لديك ما يوافق عليه الجميع تقريباً، وهو الوضع الإنساني الذي يرثى له، وهو مرتبط أيضاً ببعض الجغرافيا السياسية المتشابكة إلى حد ما وهذا يجعل من الصعب حل مشكلة مخيم الركبان.
ومن المؤكد أن دمشق وروسيا تنتقدان الولايات المتحدة بشكل منتظم لحرمان سكان الركبان من المساعدات الإنسانية، [ويدعون] أن الأمريكيين يرعون عناصر تنظيم الدولة داخل المنطقة المنزوعة السلاح. فهم لم يكن لديهم حافزاً كبيراً للاستسلام للأميركيين ودعم ما يعتبرونه احتلالاً غير شرعياً وخطيراً لهذا القسم من الصحراء.
وأعتقد أن الأمريكيين، في هذه المرحلة، تخلوا عن الضغط على الجانب الأردني للسماح بوصول المساعدات المنتظمة عبر الحدود، ولكن بعد ذلك أثبتوا أنهم غير قادرين على العثور على حلول بديلة من شأنها أن تحل وضع الركبان. وهم بذلك يحافظون على ما يدعون أنه موطناً لعناصر التنظيم، ولكن يبدو ذلك أنه أشبه بممارسة فعلية للضغط على الحكومة السورية.
والنتيجة هي أن سكان الركبان عالقون في الوسط، وإذا كانوا يريدون الخروج من هذا الظرف، فأنهم ربما يحتاجون إلى ترتيب ذلك بأنفسهم.
سكان الركبان يطالبون بالمساعدات الإغاثية في حزيران. تصوير: مخيم الركبان.
كتبت من قبل أن معبر التنف يستخدم للضغط على دمشق. هل بإمكانك أن توضح لنا ما الذي تعنيه بالضبط، وكيف يبدو الأمر على أرض الواقع؟
إن التنف والمنطقة المحيطة به، الممتدة عبر مساحة ٥٥ كم تقطع معبر التنف- الركبان الحدودي المؤدي إلى العراق، وهو ما يمنع سوريا وحلفائها من الوصول بشكل مباشر إلى العراق ويعرقل إعادة دمج سوريا اقتصاديا ضمن محيطها الإقليمي. وأعتقد، وفقا للفكرة السارية الآن داخل حكومة الولايات المتحدة، فإن هذا يزيد الضغط على دمشق للموافقة على تنازلات سياسية في المظاهر المختلفة للعملية السياسية.
والأميركيون، على حد علمي، لا يستخدمون التنف، كنوع من قاعدة انطلاق أو قاعدة عمليات لأي شيء يتجاوز مساحة ال ٥٥ كم، ولكن بمجرد تواجدهم هناك … فإنهم يحرمون دمشق وحلفائها من الاستفادة منه. ثم، أو على الأقل وفقا للنظرية، يمكن استخدام هذه المنطقة كنقطة للضغط على دمشق في وقت معين. إنه منطق مشابه للاستمرار، استمرار الوجود الأمريكي شرق نهر الفرات والذي لا يبدو على أنه خطوة استباقية، إنما قد يكون الأمريكيون فعليا يتواجدون هناك إلى أن تصبح دمشق وحلفائها أكثر استعدادا للمصالحة.
بالعودة إلى عمليات الإجلاء من الركبان، لماذا تعتقد أن دمشق ستوافق على إجلاء واسع النطاق أو مصالحة للمدنيين من المخيم؟ كيف يمكن أن تستفيد من ذلك؟
سننتظر لنرى كيف تسير جهود هذه المصالحة. وعلى حد علمي، كان هناك في وقت سابق، خروج لأعداد صغيرة من سكان المخيمات، ولكن بدون إطار منظم كبير ومتفاوض عليه. يبدو أن هذه المجموعة الأخيرة من البنود التي وقعتها جهات الركبان وتم إيصالها إلى دمشق عبر مبعوثها، تحمل آمالا كبيرة، لكنها، في الوقت ذاته، لا تبدو غير منسجمة مع “اتفاقيات المصالحة” التي وقعتها دمشق في أماكن أخرى، والتي أعادت دمج السوريين في النظام الذي تقوده دمشق.
ومن الصعب معرفة ما إذا كانت هذه هي الطريقة التي تفكر بها دمشق حيال هذا الأمر، ولكن بالتأكيد من خلال إنشاء خطوط التواصل والعلاقات مع سكان الركبان- الذين يوجدون تحت رعاية التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وضمن مجال الحماية هذا- فإن ذلك سيضعف مبرر الأمريكيين لمواصلة وجودهم ضمن هذه المنطقة وإبقائها خارج “سوريا بأكملها”.
من أكبر الانتقادات الموجهة لقوات التحالف في التنف أنهم لم يتمكنوا من تأمين شحنات المساعدات عبر الحدود إلى الركبان. برأيك، لماذا يبدو أن التحالف والأمم المتحدة قد توقفوا عن إقناع الأردن بتسليم المساعدات، لأنه يبدو الحل الأسهل؟
قيل لي من قبل إن جيش مغاوير الثورة المدعوم من الولايات المتحدة يقوم بتوزيع بعض المساعدات على السكان بكميات محدودة. ويبدو أنها غير كافية بالنسبة لعدد السكان في المخيم.
إن الوسيلة المباشرة والأكثر وضوحا ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻤﺨﻴﻢ وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات هي ﻋﺒﺮ اﻟﺤﺪود اﻷردﻧﻴﺔ. ولكن منذ انفجار السيارة المفخخة التي استهدفت النقطة العسكرية الأردنية في صيف عام ٢٠١٦، قام الأردن بإغلاق الحدود، وأصبح الموقف ثابتا بالنسبة للأردنيين.
[في حزيران، تبنى تنظيم الدولة هجوما بسيارة مفخخة على موقع عسكري أردني على طول الحدود السورية- الأردنية أسفر عن مقتل سبعة جنود أردنيين. ردا على ذلك، قامت الحكومة الأردنية بإغلاق معبر حدودي قرب مخيم الركبان، واستثنت أولئك الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية في العيادة التي تديرها الأمم المتحدة والتي افتتحت في العام التالي].
لديهم مخاوف حقيقية حول سكان المخيم وتسلل المتطرفين. ويبدو أنهم قلقون من أنهم سيتحملون مسؤولية هذا المخيم بطريقة أو بأخرى، ولذلك اتخذ الأردن موقفاً ثابتا لا يقبل المساومة، وقال إن المخيم هو مشكلة سورية داخل سوريا.
وباستثناء بعض شحنات المعونات العابرة للحدود، واستمرار إيصال المياه والوصول إلى نقطة الأمم المتحدة الطبية على أساس محدود، قال الأردنيون إن هذه أراضي سورية ويجب أن يتم توفير الخدمات فيها من قبل دمشق- رغم كل العقبات السياسية التي لا يمكن التغلب عليها.
ما أراه هو أنه من وجهة النظر الأمريكية، إن الأردن يميل لأن يكون حليفا جيدا، ولكن في بعض الأحيان هناك قضايا يشعر الأردنيون فيها بأنهم لا يريدون المساومة. ولهذا السبب أعتقد أن الأمريكيين وغيرهم قد تخلوا عن إقناع الأردنيين.
على مدى العامين الماضيين، رأينا الحكومة تستولي على مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة، واحدة تلو الأخرى. لماذا لم يكن الركبان من بين هذه المناطق؟
الركبان والتنف والمنطقة الممتدة على ٥٥ كم المحيطة بهما تخضع لقوانين مختلفة عن العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة وأصبحت تحت سيطرة الحكومة السورية خلال العام الماضي- معظمها بفضل الوجود الأمريكي على الأرض، والذي بدوره، يترجم إلى أنه مظلة تحمي هذه المنطقة.
ومنذ أن تقدمت الحكومة السورية وحلفاؤها شرقا في العام الماضي، بدا أنه لا يمكن انتهاك المنطقة، وفي حال حدث ذلك، ستقف القوة العسكرية الأمريكية ضد الحكومة السورية أو القوى الحليفة التي تحاول دخول المنطقة. وأعتقد أنه من غير المعقول أساسا أن تتعرض هذه المنطقة لهجوم عسكري حقيقي أو أن يتم انتهاكها بهذا الشكل.
لكن من الواضح أن لديها ثغرات سياسية أخرى والتي يبدو أن روسيا قد حددتها، ومن ثم استخدمتها، من أجل صرف الانتباه عن حرمان دمشق مما كان في مناطق المعارضة ومن ثم إحراج الأمريكيين وحلفائهم الأردنيين.
هذه المقابلة هي جزء من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض هناك. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.