6 دقائق قراءة

ريف حمص: آخر اهتمامات المجتمع المدني والسلم الأهلي فيه رفاهية!

وثقت مجموعة السلم الأهلي في سوريا-حمص، 64 عملية في حمص، منذ التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2024 حتى 12 شباط/ فبراير 2025، وهي أرقام تقديرية في ظل غياب الإحصاءات الرسمي


4 مارس 2025

دمشق- لم يكن الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، يوماً عابراً لمنظمات المجتمع المدني، لا سيما العاملة في مناطق سيطرة النظام السوري السابق، التي نشطت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكان لها دور كبير في التوعية والتدريب والتمكين، لا سيما في المدن الكبرى مثل دمشق.

لسنوات طويلة، كان المجتمع المدني حكراً على المؤسسات التابعة للحكومة، مثل الاتحاد النسائي، اتحاد الطلبة، واتحاد الفلاحين، إذ أجبر النظام السوري مواطنيه على نبذ عمل المنظمات خوفاً من تأثيرها، وبعد عام 2011 عملت المنظمات في مناطق سيطرته، البالغ عددها 120 منظمة بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)،  تحت رقابته وبإشراف وزارة التنمية الاجتماعية التابعة له، بما في ذلك المنظمات الدولية.

وبينما استهدف المجتمع المدني في مناطق المعارضة سابقاً المناطق الأشد فقراً في المخيمات والأرياف، كان حضور الريف السوري بمناطق سيطرة النظام خجولاً في قائمة أولويات المجتمع المدني، وإن وجد كان يقتصر على برامج التمكين الحرفي كالخياطة.

بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، شهدت العديد من مناطق سيطرته السابقة، لا سيما أرياف حمص والساحل السوري، عمليات أمنية ضد شخصيات تابعة له، رافقها عمليات تصفية وصفت بـ”الفردية”، لذا ارتفعت أصوات تشدد على ضرورة من الحدّ من هذه التصرفات التي تهدد السلم الأهلي، وتتساءل أين المجتمع المدني من الريف السوري في هذه الظروف؟

ريف حمص الأسوء!

منذ مطلع العام الحالي، ما تزال حمص هي البؤرة الأكثر توتراً، خاصة في أريافها، إذ شهدت المنطقة عدة عمليات خطف، من قبيل اختطاف الأكاديمية والناقدة السورية رشا العلي، أستاذة الأدب العربي في جامعة حمص (البعث سابقا)، وما يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن.

وفي هذا السياق، وثقت مجموعة السلم الأهلي في سوريا-حمص، (مبادرة مجتمعية تم تأسيسها بعد سقوط النظام لضمان تعزيز السلم الأهلي بحمص)، 64 عملية في حمص، منذ التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2024 حتى 12 شباط/ فبراير 2025، وهي أرقام تقديرية في ظل غياب الإحصاءات الرسمية.

يبدو أن التهيئة المدنية للمجتمع في حمص وريفها كانت قاصرة، عدا عن أنها تختلف من منطقة لأخرى في الريف ذاته، بحسب بشار مبارك، ناشط مدني من حمص، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنه “يجب التفريق بين الأرياف نفسها، فعلى سبيل المثال لا يمكن وضع ريف وادي النضارة ذو الغالبية المسيحية، الواقع غرب المدينة، بمقارنة مع المخرم الريف العلوي البسيط، الواقع شرق المدينة”، إذ  “حاولت الكنائس في هذه الأرياف العمل على التنمية والمدنية حتى لو بحدودها الدنيا”، وبالتالي عوضت غياب المنظمات.

في المقابل “تركز عمل الناشطين في المدن ومراكزها”، نظراً “لتوافر اللوجستيات والفنادق والقاعات وتعدد المجتمعات، وهو ما يجعل قبول الكثير من المصطلحات والمفاهيم المدنية متاحاً أكثر في المدن”، بحسب مبارك، الذي شدد على ضرورة العمل في الأرياف لأن “قوة السلسلة في أضعف حلقاتها”، وبالتالي فإن “تهميش هذه الأرياف يتحول إلى صاعق ينفجر إلى أبعد من حدود القرية”، على حد وصفه.

من جهته، ألقى مهند الهامش، مدير رابطة العمل الشبابي في مدين حمص، اللوم على “النظام السابق بالدرجة الأولى، الذي همش الريف على صعيد تواجد فئة الشباب من خلال وضع غالبية المشاريع التنموية في المدن، وعمل على تعزيز فقر الأرياف ليبعدها عن التنمية”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

هذا لا يعفي المنظمات من المسؤولية، التي “عززت هذه الصورة بعدم التفاتها إلى الأرياف، لأنها لم تكن ترند التمويل، ومنها أرياف حمص، التي عانت من حرب أهلية زادت الشرخ بين مختلف قراها”، بحسب الهامش.

بدورها، تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية الجديدة مع منظمات المجتمع المدني على “تعزيز برامج تمكين المجتمعات المحلية”، بحسب معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، إبراهيم الإبراهيم، لكن “ضعف الموارد من أبرز التحديات التي تؤثر بشكل مباشر على فعالية البرامج والمشاريع”، في الفترة الحالية، كما أوضح في حديثه لـ”سوريا على طول”.

وأضاف الإبراهيم: “يمكن من خلال دعم مشاريع التدريب والتمكين تحقيق تحسن ملموس في القدرة على مواجهة الأزمات، كما أن ضمان توزيع الإغاثة بشكل عادل وشفاف يعزز من ثقة المجتمع ويسهم في استقرار الأوضاع”.

تحدي السلم!

منذ الأشهر الأولى للثورة، شدد السوريون والسوريات في مظاهراتهم على قبول الآخر، المخالف فكرياً وسياسياً، ورفعوا لافتات في مظاهراتهم قالوا فيها: “لا للعنف”، “لا للطائفية”، بينما جهد النظام السباق على تعزيز الخطاب ضد الآخر المخالف وتخوينه وإلصاق تهم فيه من قبيل “إرهابي”، لأنه رفض انتهاكات الأسد وعارض حكمه.

لا يمكن  إنكار أن بعض السوريين انقادوا لهذه الرواية، التي ربطها النظام بوجوده، بمعنى أن انهياره سوف يهدد السلم الأهلي، وربما يُقتل الناس على هوياتهم بعد زواله، وهذا الشعور راود العديد من أهالي ريف حمص بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على البلاد، وما يزال حاضر حتى الآن، وهذا يؤكد ضرورة دخول مفاهيم السلم الأهلي إلى هذه المناطق.

لكن “الحديث عن السلم الأهلي بأرياف حمص صعب في الوقت الحالي، لأن المجتمع غير مهيأ لذلك”، بحسب الدكتور زياد ونوس، عضو في لجنة العمل المدني بالمخرم، لأن هناك أشخاص “يريدون خروج أولادهم الموقوفين” في سجون الحكومة الجديدة، وفي المقابل “في قرى أخرى هناك أشخاص يطالبون بحق أولادهم الذين ماتوا في المعتقلات وتطالب بمحاسبة المجرمين”، لذا “البداية يجب أن تكون من الدولة”، من وجهة نظره.

رداً على ذلك، قالت الناشطة المدنية حنين أحمد، من حمص، أن “الأرياف مهيأة ليس للحديث عن السلم الأهلي فحسب، وإنما عن العدالة الاجتماعية، المحاسبة، السرديات، الانتهاكات، والمظلوميات أيضاً”، ولكن “الحديث عن السلم الأهلي دون كل العوامل السابقة يعتبر قاصراً”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

وأجمعت المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول” بغرض إنتاج هذا التقرير، من نشطاء وعاملين في منظمات المجتمع المدني على أن أبناء الريف ليسوا متعصبين، ويقبلون الآخر بالفطرة، لكنهم بحاجة لتدريبات وأدوات مدنية تساعدهم على تجاوز المرحلة الحالية وتقبل الآخر المختلف سياسياً ودينياً واجتماعياً من دون إقصاء.

لكن يبقى السؤال، الذي يعد نقطة الانطلاق للعمل “ماذا يجب أن يفعل المجتمع المدني ليجعل الريف مهيئاً للعمل المدني؟”، تساءل الناشط مبارك.

الاقتصاد والعدالة الانتقالية

يمثل الطعام والشراب جزءاً من “الاحتياجات الأساسية” التي تمثل قاعدة هرم ماسلو للاحتياجات، وإذا كان الشخص يتضور جوعاً من المستحيل أن يفكر في الاحتياجات الأعلى مثل احترام الآخرين، لذا يتعين على الأشخاص الذين يتولون مناصب قيادية حكومية أو في منظمات المجتمع المدني التأكد من تلبية الاحتياجات وفقاً لهذا الهرم.

“نريد أن نأكل ويحكمنا من يريد”، بهذه العبارة اختصر مواطن سوري احتياجات العديد من أبناء بلده، وبالتالي كيف نقنع شخصاً بضرورة السلم الأهلي وهو جائع؟

وبناء على ذلك، توافق النشطاء الأربعة، الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” على جملة معايير تعبر عن صعوبات العمل المدني فيما يخص السلم الأهلي في أرياف حمص، وهي: العزلة بين المدينة والريف أو ضمن أحياء المدينة الواحدة، الوضع الاقتصادي المتردي وانشغل كل فرد بتأمين لقمة العيش، غياب سلطة مدنية وعدم وجود مؤسسات فاعلة، قلة الأمان أو عدم الشعور به في الوقت الحالي، إضافة إلى غياب مؤسسات مدنية فاعلة وعازمة على العمل بريف حمص، إما بسبب غياب التمويل أو لأن الريف ليس من أولوياتها اليوم.

بعد أقل من شهر على سقوط النظام السوري، شهدت ساحة الحجاز بدمشق وقفة للمطالبة بمعرفة مصير المعتقلين والمغيبين قسرياً، وطالب المشاركون بالعدالة الانتقالية ومحاسبة الجناة لبناء سوريا جديدة.

الفنانة يارا صبري وزوجها الفنان ماهر صليبي يشاركان في وقفة ساحة الحجاز للمطالبة بالكشف عن مصير المعتقلين، 

لا يمكن تجاوز “العدالة الانتقالية” في سوريا، البلد الذي شهد وقوع انتهاكات جسيمة على يد العديد من أطراف النزاع، وعلى رأسهم نظام الأسد، طيلة سنوات الثورة السورية، إذ يطالب السوريون من كل الأطراف ضرورة تطبيقها ومحاسبة المتورطين، كخطوة أولى لتحقيق العدالة الانتقالية، التي تعد بدورها القاعدة التي يمكن الانتقال منها إلى السلم الأهلي.

“تطبيق العدالة الانتقالية وزرع مفهومها في الأرياف، وخصوصاً ريف مدينة حمص، لا يقع على عاتق المنظمات فقط، إنما على عاتق الدولة التي تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى اليوم”، بحسب الناشطة المدنية حنين أحمد، خاصة بعد حدوث “العديد من الانتهاكات على يد الفصائل العسكرية أثناء دخول أرياف حمص الشرقية والغربية”، وبالتالي “لن يتحقق سلم أهلي ما زال المفهوم الحامل له لا يتم التمكين به والعمل عليه في الأرياف”، على حد قولها.

ومن جهته، شدد د.زياد ونوس على ضرورة أن “تستفيد الحكومة الحالية من أخطاء المرحلة السابقة، وأن تجعل الأرياف أولوية في تحقيق العدالة الانتقالية”.

“المساواة والعدالة هم أساس أي سياسة تعزز السلم الأهلي”، بحسب معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، إبراهيم الإبراهيم، لذا فإن “المساواة في تقديم الخدمات تضمن حصول جميع أفراد المجتمع على حقوقهم بشكل عادل”، وهو ما تسعى الوزارة إلى تحقيقه، وفقاً لها.

مهما اتفقت الآراء على أهمية السلم الأهلي، تبقى حبراً على ورق إن لم تدخل حيز التنفيذ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتركيز على حمص، التي تعد خاصرة تلك البلاد، واستقرارها وسلمها الأهلي ينعكس على كل المحافظات السورية.

شارك هذا المقال