سر خان شيخون
عمّان - السقوط السريع لمدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وقبلها آخر المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي، بيد القوات الحكومية السورية، الأسبوع الماضي، أثار الكثير من الأسئلة عن سر الانهيار السريع لمقاومة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام التي تتشارك السيطرة على شمال غرب سوريا، كما عن دور تركيا الداعمة لتلك الفصائل، والمرتبطة في الوقت ذاته بتفاهمات مع روسيا التي لعبت دوراً عسكرياً حاسماً في تقدم القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها في المنطقة التي يُفترض أنها "منطقة خفض تصعيد" بحسب اتفاقات أستانة التركية-الروسية-الإيرانية.
28 أغسطس 2019
عمّان – السقوط السريع لمدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وقبلها آخر المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي، بيد القوات الحكومية السورية، الأسبوع الماضي، أثار الكثير من الأسئلة عن سر الانهيار السريع لمقاومة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام التي تتشارك السيطرة على شمال غرب سوريا، كما عن دور تركيا الداعمة لتلك الفصائل، والمرتبطة في الوقت ذاته بتفاهمات مع روسيا التي لعبت دوراً عسكرياً حاسماً في تقدم القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها في المنطقة التي يُفترض أنها “منطقة خفض تصعيد” بحسب اتفاقات أستانة التركية-الروسية-الإيرانية.
إذ منذ بدء القوات الحكومية والروسية تصعيدها ضد شمال غرب سوريا نهاية نيسان/أبريل الماضي وحتى مطلع آب/أغسطس الحالي، فشلت هذه القوات في إحداث اختراق يذكر في المنطقة. لكن الأمر تبدل تماماً، منذ انهيار الهدنة التي تم التوصل إليها في الجولة الثالثة عشرة من محادثات أستانة في 1 آب/أغسطس الحالي.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، “تمكنت قوات النظام منذ انهيار وقف إطلاق النار عصر الاثنين الخامس من شهر آب الجاري وحتى الـ 23 من الشهر ذاته، من تحقيق تقدمات متسارعة على الأرض تجلت بالسيطرة على أكثر 35 مدينة وبلدة وقرية وتلة في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وبذلك تكون قوات النظام قد بسطت سيطرتها على كامل ريف حماة الشمالي للمرة الأولى منذ عام 2012 […] فضلاً عن سيطرتها على مواقع ونقاط استراتيجية كاستراد دمشق – حلب الدولي الذي يمر من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، بينما كانت قوات النظام لم تتمكن من السيطرة سوى على 25 منطقة في ريفي حماة وإدلب منذ بداية التصعيد الأعنف نهاية نيسان الفائت وحتى الأول من شهر آب الجاري على الرغم من القصف الجوي والبري الهستيري”.
معركة تلال
تزامن سقوط مدينة خان شيخون والبلدات المحيطة بها مع دخول رتل عسكري تركي كان ينوي تثبيت نقطة مراقبة جديدة في تل النمر الاستراتيجي على بعد 8 كم شمال غرب المدينة، قبل أن تقوم الطائرات الحربية باستهداف الرتل وإجباره على التوقف، ولتسارع القوات الحكومية بعدها إلى إطباق الحصار على المدينة عبر السيطرة على تل النمر، إضافة إلى تل سكيك الواقعة شرق خان شيخون.
فإضافة إلى القصف البري والجوي المكثف، اعتمدت القوات والمليشيات الحكومية في تقدمها السريع، كما قال محمد رشيد، عضو المكتب الإعلامي في الجبهة الوطنية للتحرير، على السيطرة على “التلال المرتفعة وصولاً لتل النمر، ما مكنه من إطباق الحصار على خان شيخون”.
مضيفاً في تصريح لـ”سوريا على طول”، أن “كل التقدمات التي أحرزها النظام والروس مؤخراً كانت ليلاً وبعد قصف شديد جداً”.
هيئة تحرير الشام
في كانون الثاني/يناير الماضي، ظهر “الشرعي” في هيئة تحرير الشام، أبو الفتح الفرغلي، في تسجيل مصور نشرته وكالة “إباء” التابعة لـ”الهيئة”، يقف إلى جانب دبابات وعربات عسكرية تمت مصادرتها من حركة “أحرار الشام” في ريف إدلب.
ويقول الفرغلي في التسجيل: “هذه دبابات البغاة التي نجحت هيئة تحرير الشام في تحريرها منهم. هذه الدبابات كانت مخزنة للبغي على المسلمين المجاهدين. كانت مخزنة في أشد الأوقات التي كنا نحتاجها ضد النظام النصيري. هذه الدبابات تعمل بأتم الجاهزية، حررت وستوجه لمكانها الطبيعي في قتال النظام”.
وقد تمت مصادرة الدبابات والآليات العسكرية نتيجة اشتباكات بين هيئة تحرير الشام، وقوات الجبهة الوطنية للتحرير -وهو تحالف عسكري يضم 12 فصيلاً معارضاً مدعوماً من تركيا، شُكل أوائل العام 2018- بعد اتهام “الهيئة” مقاتلين من حركة نور الدين الزنكي المنضوية في “الجبهة”، بقتل خمسة من مقاتلي “الهيئة” في كانون الثاني/ يناير الماضي. لكن الهجوم “الانتقامي” لم يقتصر على حركة “الزنكي” غرب حلب، بل توسع ليشمل سهل الغاب بريف حماة الخاضع لسيطرة “حركة أحرار الشام”، وريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي الخاضع لسيطرة فصائل أخرى من المعارضة.
صورة مأخوذة من مقطع فيديو يظهر فيها “الشرعي” في هيئة تحرير الشام، أبو الفتح الفرغلي، عقب الاستيلاء على دبابات لحركة أحرار الشام في إدلب
خلال حملتها العسكرية، استولت “الهيئة” على جميع “الدبابات، وورش تصنيع السلاح، والمقرات العسكرية، والمستودعات وغيره”، بحسب مصدر إعلامي سابق في “أحرار الشام” تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. مضيفاً: “خرج المقاتلون من جبهاتهم على نحو مشابه للخروج بالباصات الخضراء التابعة للنظام [التي تستخدم في التهجير]؛ خرجوا بالسلاح الفردي فقط”.
إذ لوقف إطلاق النار، أجبرت “الهيئة” فصائل المعارضة في المنطقة على توقيع اتفاق يقضي بتسليم أسلحتها الثقيلة، وإجلاء ما لا يقل عن 1700 مقاتل من الجبهة الوطنية الراغبين في الخروج إلى عفرين في محافظة حلب.
أما بالنسبة للمقاتلين الذين قرروا البقاء في المنطقة خشية إفراغ جبهاتها من المقاتلين، فقد فرضت “الهيئة”، بحسب قيادي عسكري في “أحرار الشام”، تواجدهم على جبهات خارج مناطقهم تحددها “الهيئة”.
وأضاف القيادي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام: “للأسف، كان معظم نقاط الرباط خالياً تماماً من المرابطين. فالجماعة [تحرير الشام] انشغلوا بفرض الضرائب خلال الفترة الماضية”.
فوق ذلك، فإنه مع بدء تقدم القوات والمليشيات الحكومية، لم يظهر السلاح الثقيل، وضمنه الدبابات التي تحوزها “الهيئة” لـ””يوجه لمكانه الطبيعي” كما تعهد الفرغلي قبل أشهر. فكان أن “الفصائل زجت بكامل قوتها المتبقية، فيما الجولاني يكنز سلاحنا الثقيل”، على حد تعبير القيادي في “أحرار الشام”، مشدداً أن “المعادلة كانت لتختلف لو كانت الفصائل ما تزال بسلاحها وقوتها في المنطقة”.
واتهم أربعة من المصادر العسكرية والإعلامية العاملين مع فصائل المعارضة، تحدثت إليهم “سوريا على طول” لغرض إعداد هذا التقرير، هيئة تحرير الشام بعدم المشاركة بثقلها العسكري في عمليات الدفاع عن خان شيخون.
إذ أكد قيادي عسكري في الجيش الحر في ريف حماة الشمالي، طلب عدم الكشف عن اسمه وفصيله العسكري، أن “تحرير الشام لم تشارك بـ10% من قوتها في العمليات الأخيرة للتصدي لقوات النظام”. مبيناً أن “تحرير الشام لم تشارك كهيئة تحرير الشام، وإنما شارك مقاتلوها من أبناء المنطقة”. واعتبر أن “هناك مناطق صمدت فيها [تحرير الشام] بسبب أبناء المنطقة، بينما لم تصمد في مناطق أخرى. وشاركت بقية الفصائل بكل إمكاناتها إلى جانب الهيئة”.
وقد حاولت فصائل المعارضة التكيف مع الواقع الذي فرض عليها بالقتال من دون سلاح ثقيل. إذ شكلت “أحرار الشام” ما سمته “قوات المغاوير” أو النخبة لتقاتل على الجبهات التي شهدت عمليات عسكرية على مدار الأشهر الأربعة الماضية.
وكشف القيادي في “أحرار الشام”، أن ما يميز قوات المغاوير “ليس سلاحهم الثقيل، وإنما قدرتهم القتالية العالية. هم مقاتلون من كل المنطقة تم تجميعهم ضمن [وحدة] المغاوير، قادرون على القيام بعمليات معقدة وصعبة تحتاج صبرا، وينفذون ضربات قوية موجعة، ضمن الإمكانات الموجودة بين أيديهم، وهي محدودة”.
لافتاً إلى كون “الفصائل ضعيفة أيضاً مالياً بسبب التضييق الذي يمارس عليها. أما الهيئة فبيدها كل المعابر والتجارات، والحركة الاقتصادية في [المناطق] المحررة، والتهريب”.
وبحسب مصدر إعلامي عامل مع أحد فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، فإنه “قبل دخول النظام والروس باتجاه المنطقة، لم يظهر السلاح الثقيل على الأرض. وبعض الفصائل أرسل سلاحه الثقيل قبل دخول الرتل التركي بيوم واحد فقط، وبعضها أحدث ضجة إعلامية فيما على الأرض لم يقدم شيئاً”.
وأضاف: “لا يوجد سلاح ثقيل عند الهيئة على الخطوط الأمامية. توجد مدافع وما في دبابات، وحتى مدافع خجولة”.
وقد سعت “سوريا على طول”، على امتداد الأيام الثلاث الماضية، إلى الحصول على رد من “هيئة تحرير الشام” للرد على الاتهامات والتعليق على مجريات المعارك في خان شيخون وجوارها، عبر التواصل مع اثنين من العاملين في المكتب الإعلامي لـ”الهيئة”، لكن من دون جدوى.
في هذا السياق، يشار إلى موقف “تحرير الشام” أيضاً خلال تمكن القوات والمليشيات الحكومية من السيطرة على مدينة قلعة المضيق، بريف حماه الشمالي، في أيار/ مايو الماضي.
إذ كانت تخضع قلعة المضيق لسيطرة فصيل “جيش النصر” المدعوم من تركيا، والذي كانت “تحرير الشام” استولت على سلاحه الثقيل أيضاً في كانون الثاني/يناير الماضي.
وخلال اجتماع عقده قائد “تحرير الشام” أبو محمد الجولاني مع عدد من الإعلاميين في ريف إدلب عقب سيطرة القوات الحكومية على المنطقة، برر الجولاني ما حصل بقوله إن مدنيي تلك المناطق كانوا يمنعون الفصائل من بناء التحصينات فيها.
لغز الموقف تركيا
رغم انسحاب فصائل المعارضة من بلدات اللطامنة وكفرزيتا ومورك وخان شيخون، ما تزال تتواجد إحدى نقاط المراقبة التركية في مدينة مورك بريف حماة الشمالي (نقطة المراقبة التاسعة)، والتي تم إنشاؤها لضمان “خفض التصعيد” بموجب اتفاق أستانة بين روسيا وتركيا وإيران باعتبارها دولاً ضامنة للاتفاق.
أيضاً، وفي تعليقه على هجوم القوات والمليشيات الحكومية على شمال غرب سوريا، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي عقده في موسكو الإثنين الماضي، أن “دعم القوات الجوية الروسية لعمليات الجيش السوري في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لا تنتهك أي اتفاقات في أستانة وسوتشي”. مضيفاً أن الاتفاقات تستثني “المجموعات الإرهابية ولا ينطبق عليها أي اتفاق”.
ويوم الإثنين الماضي أيضاً، زارت مجموعة من الضباط الأتراك نقاط المراقبة التركية المنتشرة في شمال غرب سوريا من أجل تفقدها والإطلاع على سير عمليات المراقبة والدوريات المسيرة بينها، بحسب ما نقلت وسائل إعلام سورية معارضة.
فيما قالت “شبكة المحرر الإعلامية”، اليوم الأربعاء، إن تركيا تنوي إقامة نقاط مراقبة جديدة على أتوستراد حلب-اللاذقية في محافظة إدلب.
ونقلت الشبكة عن مصدر عسكري من المعارضة السورية قوله إن “القوات التركية تنوي إنشاء عدد من نقاط المراقبة التركية العسكرية بين النقاط المتواجدة والمثبّتة سابقاً، وذلك لدعم تثبيت تواجدها ومنع تقدّم قوات الأسد على المنطقة المحرَّرة، ودعماً للحلّ السياسي وتسريعِه”.
تأتي هذه التطورات بعد القمة التي جمعت الرئيس التركي بنظيره الروسي في موسكو، أمس الثلاثاء، والتي تطرقت إلى الوضع في محافظة إدلب واتفاق سوتشي، إنما من دون الإعلان عن أي إجراءات لوقف التصعيد الحكومي-الروسي في شمال غرب سوريا، والذي أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتهجير نحو مليون مدني.
ففيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ختام القمة، إنه تفاهم مع نظيره التركي “على إجراءات لإزالة بؤر العناصر الإرهابية في منطقة إدلب شمال سوريا”، اعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده “لا يمكنها الإيفاء بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها بموجب اتفاقية سوتشي إلا بعد وقف هجمات النظام السوري على إدلب”.
بالرغم من ذلك يظل سر ما حصل في خان شيخون مرتبطاً أساساً بفصائل المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام.
في هذا السياق، تساءل القيادي العسكري في الجيش الحر عن مصير السلاح الثقيل الذي استولت عليه الهيئة بقوله: “هل بيع للنظام، أم تخفيه الهيئة، أم هي خائفة عليه؟”. مضيفاً: “النصرة [هيئة تحرير الشام] من الأخير [في المحصلة] ليسوا أصحاب الأرض، وما عندهم شيء يخسروه”.