من شخصية مغمورة إلى رقم صعب في المعارضة السورية: ما سر قوة عبد الرحمن مصطفى؟
بقي عبد الرحمن مصطفى، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، شخصية مغمورة لا باع لها في السياسة حتى عام 2014، على عكس وزنه الحالي في مؤسسات المعارضة، حيث يملك سطوة، بدعم تركي، على حساب منافسيه من سياسي المعارضة.
28 سبتمبر 2023
باريس- حتى عام 2014، كان عبد الرحمن مصطفى، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة شخصية مغمورة، ليست ذات باع بالسياسة، على عكس وزنه الحالي في مؤسسات المعارضة، حيث يملك سطوة، بدعم تركي، على حساب منافسيه من سياسي المعارضة.
قبيل انتخابات الائتلاف الوطني، التي أجريت في 12 أيلول/ سبتمبر الحالي، أشعل مصطفى جدلاً واسعاً في أوساط السوريين، بعد تلفظه بألفاظ “غير لائقة” بحق زملائه داخل الائتلاف، وفرضه انتخاب هادي البحرة، رئيساً جديداً خلفاً للشيخ سالم المسلط، ما يُبرز مجموعة من التساؤلات حول شخصيته، وصلاحياته، ومن أين اكتسب قوته في مؤسسات سورية تعمل تحت نظر الجارة تركيا.
تناولت “سوريا على طول” سيرة عبد الرحمن مصطفى، مستندة على مقابلات مع شخصيات كانت على صلة معه، رفضت الإدلاء بأسمائها الصريحة نظراً لحساسية الموضوع، وقاطعت معلومات المصادر الخاصة بمصادر مفتوحة ومعلومات منشورة. كما أنها حاولت التواصل مع مصطفى عبر حسابه الشخصي في “فيسبوك”، ومع اثنين من تياره، لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر التقرير.
الطريق إلى الشأن العام
ولد عبد الرحمن مصطفى، عام 1964، بمدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي، لعائلة تركمانية بسيطة، وهو حاصل على إجازة جامعية بالاقتصاد من جامعة حلب، كما جاء في تعريفه على الموقع الرسمي للائتلاف، لكن المعلومات التي أدلى بها مصدران عملا معه في مؤسسات المعارضة لسنوات زعما أنه دخل المعهد التقاني للعلوم المالية والمصرفية في حلب لدراسة المحاسبة، لكنه لم يكمل دراسته.
في أواخر الثمانينات، انتقل مصطفى للعمل في ليبيا، بصفة “موظف خدمات”، ثم مترجماً لإحدى الشركات التركية بحكم لغته التركية، ومن ثم تنقل للعمل في أكثر من دولة: بلغاريا، تركيا، والسعودية، كما قال مسؤول سابق في المجلس التركماني السوري، عمل مع المصطفى.
في عام 2012، بدأ مصطفى مسيرته السياسية عندما “تولى مهاماً فعالة على صعيد تنظيم التركمان ضمن الثورة السورية”، وكان في عداد الهيئة التأسيسية لـ”منبر تركمان سورية”، في العام ذاته، الذي “يعتبر أول نجاح مؤسساتي يحققه تركمان سورية”، بحسب النبذة التعريفية المنشورة على موقع الائتلاف.
رداً على هذه الرواية، قال المسؤول السابق في المجلس التركماني، طالباً من “سوريا على طول” عدم الكشف عن اسمه لـ”حساسية الموضوع” على حد وصفه، أن “مصطفى دعي إلى اجتماعين في عام 2013، كما دعي حينها حوالي ألف شخصية تركمانية سورية في اسطنبول وأنقرة، بهدف تشكيل المجلس التركماني السوري”، مشيراً إلى أن الاجتماعات كانت “برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزارة خارجية بلاده”.
حاول مصطفى، آنذاك، الدخول في الانتخابات، بدعم من إحدى الأحزاب التركية، لكن المشاركون انتخبوا 40 شخصاً بصفة أعضاء في المجلس، لم يكن مصطفى منهم، ما دفع مسؤول في حزب الحركة القومية التركي (MHP) إلى “الاتصال برئاسة المجلس التركماني من أجل تعيين مصطفى في المجلس”، وعندما اعتذر المجلس “طلب الحزب تعيينه بصفة أوفيس بوي [مُستخدم]، وعُين بهذه الوظيفة لعدة أشهر”، بحسب المصدر.
في انتخابات المجلس التركماني، التي جرت في أيلول/ سبتمبر 2013، حصل مصطفى على مقعد في المجلس، بصفة عضو، وانتخب نائباً لرئيس المجلس المنتخب آنذاك، فايز عمرو، الذي جاء خلفاً للدكتور سمير حافظ. في أيار/ مايو 2014 انتخب مصطفى رئيساً للمجلس.
دخول الائتلاف
في عام 2014، سعى المجلس التركماني دخول الائتلاف الوطني، لكن قوبل بالرفض، لأن “الائتلاف كان يضم ثلاثة أعضاء من الإخوة التركمان، ورأينا أن العدد كاف للمكون التركماني”، كما قال مسؤول سابق في الائتلاف لـ”سوريا على طول”. تشكل الائتلاف عام 2012، بواقع 63 عضواً، وبعد دعوات توسيع دائرة الممثلين عام 2014 بلغ عدد الأعضاء 113 عضواً.
بعد توسيع الائتلاف، في ذات العام، تمكن المجلس التركماني من دخول الائتلاف بسبعة أعضاء، بينهم عبد الرحمن مصطفى، إلى جانب عضوين سابقين، أي بلغ عدد التركمان تسعة أعضاء. ودخلت عدة كيانات أخرى آنذاك، من قبيل المجلس الوطني الكردي.
لكن عدد التركمان في الائتلاف يزيد عن ممثلي المجلس التركماني، إذ انضم بعضهم بصفة مستقلين أو كممثلين عن كيانات أخرى، من قبيل المجالس المحلية، وبحسب المسؤول السابق في الائتلاف “تقدر نسبة التركمان بحوالي 16% من أعضاء الائتلاف”.
في أيار/ مايو 2017، انتخب مصطفى نائباً لرئيس الائتلاف الوطني رياض سيف، مستفيداً من الصراع الذي دار بين سيف وخالد خوجة في انتخابات رئاسة الائتلاف، وهي آخر انتخابات للائتلاف تجمع مرشحين اثنين لمنصب الرئاسة، كما قال المسؤول السابق، معتبراً أنه “مر عبر القافلة ولم تكن العين عليه”.
وأضاف: “كان يبدو عبد الرحمن مصطفى شخصاً عادياً، لكن ارتباطاته بالأتراك كانت واضحة”.
وبعد قرابة 10 أشهر، أعلن سيف استقالته من الائتلاف، لأسباب مرتبطة بـ”الضغوط السياسية، والصحية لرئيس المجلس، وبعضها مرتبط بنائبه عبد الرحمن مصطفى”، كما قال عضو حالي في الائتلاف لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى “حدوث صدامات بين سيف ومصطفى، والأخير مع أعضاء آخرين”.
في 28 شباط/ فبراير 2018، تسلم عبد الرحمن مصطفى رئاسة الائتلاف لإتمام ولاية الرئيس المستقيل، ريثما يجري انتخاب رئيس جديد. وفي أيار/ مايو من العام ذاته، انتخب مصطفى رئيساً للائتلاف من دون وجود منافسين له على المنصب.
مع نهاية مرحلة رياض سيف، دخل الائتلاف في مشاكل داخلية كبيرة، تتعلق بانقسام المؤسسة حول قرار المشاركة في مباحثات سوتشي، وتعرض الائتلاف لمزيد من الضغوط من الجانب التركي”، كما قال المصدران من الائتلاف لـ”سوريا على طول”.
وفي هذا السياق، قال المسؤول السابق في الائتلاف، أن أنقرة طلبت منهم “تعيين رئيس للائتلاف يوافق على الذهاب لسوتشي”، مستدركاً: “كان طلبهم بطريقة دبلوماسية، وبذريعة أن هناك مصالح مشتركة تجمعنا، ومصطفى قد يكون حلاً وسيعطي دعماً أكبر للمعارضة”، أي أن الجانب التركي “أقنعنا أن الحل بشخص عبد الرحمن مصطفى”.
إلى الحكومة المؤقتة؟
بعد نحو عام ونصف من رئاسته للائتلاف، انتقل إلى رئاسة الحكومة السورية المؤقتة التابعة له، في أيلول/ سبتمبر 2019، رغم أنه اسمه “لم يكن مطروحاً لتولي الحكومة خلفاً لجواد أبو حطب، الذي طلبت تركيا من الائتلاف مراراً ضرورة إقالته”، كما قال العضو الحالي في الائتلاف.
حتى قبيل ساعات قليلة من إعلان تسلم مصطفى رئاسة الحكومة، كان اسم أنس العبدة هو المطروح على الطاولة، على أن يبقى مصطفى في رئاسة الائتلاف، لكن بعد لقاءين جمعا العبدة بالجانب التركي، قررت أنقرة في اللحظات الأخيرة، تبديل المناصب بينهما، بحيث يتولى مصطفى رئاسة الحكومة، وعبدة رئاسة الائتلاف، بحسب معلومات متطابقة من المصدرين في الائتلاف، السابق والحالي.
وقال المسؤول السابق في الائتلاف: “يبدو أن عبد الرحمن مصطفى كان مناسباً أكثر للأتراك في رئاسة الحكومة، كونه أكثر ليناً وطواعية للأتراك، ما يحقق لهم النفوذ الأكبر على الأرض”، على اعتبار أن مؤسسات المعارضة في الداخل السوري تتبع إدارياً للحكومة التي يرأسها مصطفى.
مع تولي مصطفى رئاسة الحكومة، بدأت “مرحلة توسيع نفوذه، بتعميق علاقته مع الولاة الأتراك والجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية التركية، وأوكلت إليه مهمة إعادة تشكيل المجالس المحلية، وإخراج كتلة ممثلي المجالس المحلية والمحافظات من الائتلاف وتعيين بديل عنهم”، بحسب المسؤول السابق.
“وتعاظم نفوذ مصطفى عندما حظي بدعم تركي لا محدود من الأجهزة الأمنية التركية، ووزارة الخارجية، وحزب الحركة القومية التركي”.
قبل تسلم عبد الرحمن مصطفى رئاسة الحكومة، كان هناك علاقة بينها وبين الائتلاف، الذي ينظم عمل الحكومة، بحيث “كانت تجتمع الحكومة مع الائتلاف دورياً، وتقدم له تقارير حول أعمالها، مع إمكانية استجواب الائتلاف للحكومة ورئيسها” بحسب العضو الحالي في الائتلاف، لكن مع وصول المصطفى “احتج على تبعية حكومته للائتلاف، ورفض وجود أي علاقة ناظمة بينهما، كما رفض ما يعرف بلجنة متابعة الحكومة في الائتلاف”، على حد قوله.
أفضت هذه العلاقة بينهما إلى “سوء العلاقات واضطرابها، ليتدخل الأتراك عدة مرات من أجل حل الخلافات”، وفقاً للعضو، الذي قال أن “الحكومة والائتلاف توصلا إلى اتفاق لتشكيل لجنة مهمتها إعادة صياغة العلاقة الناظمة بينهما، وهو ما فعلته اللجنة، لكن مصطفى والائتلاف رفضوا الورقة التي أعدتها اللجنة”.
وزعم العضو أن عبد الرحمن مصطفى “اشتكى علينا للجانب التركي، وبدورهم اتصلوا بنا وأخبرونا بضرورة ترك الحكومة وعدم التدخل بشأنها”.
وكان يتعين على مصطفى ترك عضويته في الائتلاف بعد تسلم رئاسة الحكومة، وهذا منصوص عليه في النظام الأساسي للائتلاف ومعمول به، إذ تخلى جواد أبو حطب عن عضويته في الائتلاف عندما كُلف برئاسة الحكومة، لكن “مصطفى رفض التخلي عن عضويته، وأجبر الائتلاف على تغيير القانون، في حالة تشبه تماماً ما فعله النظام بالدستور السوري لتسليم بشار الأسد السلطة”، بحسب المسؤول السابق في الائتلاف.
في نيسان/ أبريل 2022، أجرى الائتلاف تغييرات على النظام الداخلي، تحت اسم “الإصلاح الداخلي”، وتنص المادة السابعة من النظام الجديد على أنه “يجوز لأي ممن تمت تسميتهم ممثلين في الائتلاف تقلد أي منصب بدرجة وزير أو أعلى أو رئاسة الحكومة المؤقتة، على أن تعدل عضويته في الائتلاف إلى عضو غير ناخب لحين انتهاء تكليفه”.
لماذا التمسك به؟
حاول أعضاء من الائتلاف الوطني سحب الثقة من عبد الرحمن مصطفى ومحاسبته وعزله من رئاسة الحكومة، مرتين، لكنهم فشلوا بذلك، لأن “الأتراك تدخلوا بشكل فوري، وحذرونا من أنه لا يمكن المساس به أو محاسبته نهائياً وأنه خط أحمر”، كما قال المسؤول السابق في الائتلاف.
قبل ذلك، حاول رئيس المجلس التركماني السوري السابق، الدكتور وجيه جمعة، تغيير ممثلي المجلس في الائتلاف، في الربع الأول من عام 2018، ومن بينهم عبد الرحمن مصطفى، لكن رباعي الائتلاف: بدر جاموس، أنس العبدة، عبد الأحد اصطيفو، وهادي البحرة، “رفضوا فكرة استبداله، رغم أن الائتلاف لا يحق له منع أي مكون من استبدال ممثليه”، بحسب العضو الحالي في الائتلاف.
وأضاف عضو الائتلاف: “بعد عدة أشهر، أعاد الدكتور وجيه إرسال كتاب جديد للائتلاف ينص على استبدال ممثله عبد الرحمن مصطفى وممثل آخر، لكن الائتلاف رفض تنفيذ ما جاء بالكتاب”.
تجلت العلاقة الوثيقة بين رباعي الائتلاف ومصطفى بانتخابات الائتلاف الأخيرة، التي جرت في أيلول/ سبتمبر الحالي، حيث لعب مصطفى دوراً في فرض هادي البحرة رئيساً للائتلاف الوطني. تعليقاً على ذلك، وصف المسؤول السابق في الائتلاف العلاقة بين مصطفى والرباعي بأنها “حلف الشر، يحتاجهم ويحتاجونه”، لكن “ربما سلطته أعلى منهم بسبب دعمه، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون محاسبته أو الحد من صلاحياته”.
يملك عبد الرحمن مصطفى أعلى نسبة من الأصوات داخل الائتلاف، “ضمن خطة ممنهجة، بدأت به من المجلس التركماني وأوصلته إلى ما هو عليه اليوم، فهو يملك الآن أصوات المجلس التركماني والفصائل والمجالس المحلية ومجالس المحافظات داخل الائتلاف”، ويشكلون 30% تقريباً من إجمالي أصوات الائتلاف، بحسب المسؤول السابق في الائتلاف.
واتفقت المصادر الثلاث الذين تحدثت إليهم “سوريا على طول” لغرض إنتاج هذه المادة، عن أن تمكين عبد الرحمن مصطفى يأتي ضمن استراتيجية أنقرة الهادفة لخلق ورقة تفاوض بيدها في حال توصلت إلى اتفاق مع النظام السوري.
وقال المسؤول السابق من الائتلاف: “قد تصل أنقرة إلى اتفاق في أي وقت مع النظام، لذلك هم يريدون معارضة سورية قابلة للانصياع والجلوس على الطاولة لتمرير الاتفاق، وبوجود مصطفى صار الائتلاف ورقة مهمة بيد تركيا، بعد أن كان ورقة للسوريين يفاوضون عبرها لنيل حريتهم”.
وبدوره، اعتبر المسؤول السابق في المجلس التركماني أن “شخصية عبد الرحمن مصطفى مناسبة فيما لو تم التطبيع مع النظام السوري”، مشيراً إلى أن لمصطفى حظوظ بـ”التواجد في المرحلة القادمة في حال صار توافق على حل سياسي”.