سعر صرف الليرة السورية: تحسن نسبي هل يمكن التعويل عليه؟
خلافاً لسياسة النظام السابق، يحاول البنك المركزي إلغاء الفجوة بين سعر الصرف الرسمي لليرة السورية وسعرها في السوق السوداء، علماً أنها شهدت تحسناً ملحوظاً بعد سقوط الأسد ومن ثم عادت إلى حدودها تقريباً
17 ديسمبر 2024
باريس- خلافاً لسياسة النظام السوري السابق، حاول مصرف سورية المركزي (البنك المركزي) إلغاء الفجوة بين سعر الصرف الرسمي لليرة السورية وسعرها في السوق الموازية (السوداء)، علماً أنها شهدت تحسناً ملحوظاً بعد سقوط بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، ومن ثم تراجعت إلى حدودها قبل عملية “ردع العدوان” التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر.
بلغ سعر صرف الليرة في البنك المركزي، اليوم الثلاثاء، 15,000 ليرة للدولار الأميركي، بينما سجلت 14,800 ليرة للدولار في السوق السوداء، بينما بلغ سعرها في 14 من الشهر الحالي قرابة 12,000 للدولار الواحد وهو أدنى سعر صرف خلال عام 2024، بعدما هبطت إلى نحو غير مسبوق في الساعات الأخيرة قبل سقوط الأسد مسجلة 19,000 ليرة للدولار.
التحسن الطفيف لسعر الليرة “كان متوقعاً، وقد يستمر هذا التحسن” نتيجة “زيادة الطلب على الليرة السورية من القادمين إلى سوريا بقصد الزيارة أو العودة النهائية، وهم يحملون القطع الأجنبي”، بحسب الدكتور كرم شعار، خبير اقتصادي سوري.
وتوقع شعار في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن تتخذ الحكومة الانتقالية، المكلفة من أحمد الشرع، قراراً تمنع فيه تداول الليرة التركية، وهي العملة المتداولة في شمال غرب سوريا، رغم أن “القرار سيحدث إرباكاً بالفترة الأولى، إلا أنه جيد على المدى البعيد”، إذ من غير المقبول أن تعتمد الدولة على تداول العملات الأجنبية على أراضيها “وهذا من شأنه أن يزيد الطلب على الليرة”.
واستبعد شعار أن “يكون التحسن الحالي ناتج عن البنك المركزي”، مشيراً إلى أن “ما حدث خارج تصرفات وإدارة المركزي الجديد”، الذي أصدر يوم أمس أول نشرة صيرفة له منذ سقوط نظام بشار الأسد.
وفي هذا السياق، قال مناف قومان، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، أن ما حدث هو “تحسن لحظي”، ناجم عن “قراءة السوق السوداء، التي تعد المسعّر الفعلي لليرة السورية لكافة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، إضافة إلى “زيادة الطلب عليها”.
وأشار قومان في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “التحسن نسبي ولا يمكن التعويل عليه إطلاقاً”، وعندما تستقر الأوضاع “ستعود السوق للتسعير الفعلي الناتج عن عدة عوامل مثل التضخم والاحتياطي النقدي والتجارة والطلب والعرض والحركة الاقتصادية، إضافة إلى جملة من العوامل السياسية والاجتماعية”.
وفق نشرتيّ أسعار الصرف الصادِرتين عن البنك المركزي، أمس واليوم، يبدو أن الأخير يحاول الاقتراب من أسعار السوق الموازية، ولكن من غير المعلوم ما إن كان سيستمر في سياسته هذه أو سينجح فيها، وهذا يعتمد على “السياسة النقدية التي سيتبعها، وهل سيتدخل في السوق أم سيترك الخيار لقوى السوق لتحديد السعر”، بحسب قومان، الذي قال أن تحركات المركزي الحالية اقتصرت على “إلغاء بعض القرارات السابقة وتعليق بعضها، ولم يخرج في مؤتمر صحفي للكشف عن الأوضاع المالية والنقدية”.
الثبات هو المطلوب
شدد الخبير شعار على ضرورة “احتفاظ البنك المركزي بالقطع الأجنبي الموجود بحوزته قدر الإمكان، وأن لا يستخدم القطع الذي يدخله لإعادة طرحه في السوق أو لتحسين الليرة”، معتبراً أن المهم حالياً “تحسن سعر الصرف لحد معين فقط وأن لا تتجاوزه الليرة”.
لذا في هذه الفترة، يجب أن يكون هناك “حالة من الثبات إلى حد ما، والتسعير العادل”، ويمكن تحقيق ذلك عبر التعويم الموجه (المكبوح) “الذي تستخدمه العديد من دول العالم، بحيث تتغير العملة ضمن حدود معينة معقولة، ويتدخل المركزي إن زادت عن هذه الحدود”، بحسب شعار.
“لدى البعض قناعة خاطئة، وهي أنه كلما كانت العملة أقوى كان الاقتصاد أقوى، ما يعني أن اقتصاد الكويت أقوى من اقتصاد اليابان، كون الدينار الكويتي أعلى من الين الياباني، وهذا غير صحيح”، بحسب شعار.
من جانبه، توقع قومان أن يبقى سعر الصرف ضمن “نطاق متذبذب شديد، كون الوضع غير مستقر بعد، ولا يمكن التنبؤ بالنطاقات التي يمكن أن يتحرك السعر خلالها”، وبالتالي لا يمكن تقييم السعر وتحركاته إلا بعد “صدور جملة من الأرقام والبيانات الاقتصادية والمالية عن المصرف المركزي ووزارة المالية”.
وقال شعار: “من الصعب التنبؤ باتجاه أسعار الصرف، لأننا لا نعلم السياسة النقدية للحكومة الجديدة”، متأملاً أن تكون إدارة البنك المركزي “على درجة كافية من الوعي، وأن تبتعد عن أسعار الصرف المتعددة والمتوازية، وأن يستخدموا سعر صرف واحد عادل ومستقر يكبح السوق السوداء”.