6 دقائق قراءة

سقوط الأسد ينعش مدينة دوما في الغوطة الشرقية اقتصادياً وعمرانياً

بعد سقوط النظام السوري، تغيرت ملامح الحياة في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، التي شهدت ازدحاماً في أسواقها التجارية وحركة ترميم وبناء غير مسبوقة، تزامنت مع عودة المهجّرين من أبنائها بقصد الزيارة أو الإقامة الدائمة


15 يناير 2025

دوما- بعد الإعلان عن سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، تغيّرت ملامح الحياة في الغوطة الشرقية، بما في ذلك مدينة دوما، التي شهدت ازدحاماً في أسواقها التجارية وحركة ترميم وبناء غير مسبوقة، تزامنت مع عودة المهجّرين من أبنائها بقصد الزيارة أو الإقامة الدائمة.

شعر السوريون والسوريات بحالة من “الحب والانتماء لهذا البلد، الذي أصبح للجميع، وبإمكان كل مواطن المساهمة في التغيير فيه ولو بشكل بسيط”، قالت المهندسة ريم الديري، 35 عاماً، لـ”سوريا على طول”، وهي موظفة في وزارة الكهرباء تقيم في مدينة دوما.

لبست سوريا ثوباً جديداً، و”تغيرت ملامح الأشخاص في شوارع الغوطة الشرقية، التي دبّت الحياة فيها من جديد”، بحسب الديري، لافتة إلى أن “حركة الشباب عادت إلى الغوطة، بعد أن كانوا يشكلون خزان موارد بشرية غير فعال بسبب ممارسات النظام ضدهم”.

حتى الآن ينتاب زياد الخير، 47 عاماً، شعورٌ بأن ما حصل “مجرد حلم”، حاله حال الكثير من الناس الذين لا يصدقون ما حصل، “بعد أن كانوا يعيشون في سجن بكل معنى الكلمة، وفجأة أطلق سراحهم جميعاً”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

سقوط الأسد السريع “أعاد للناس الأمل بمستقبل أفضل بعد أن عاشوا خيبة أمل لسنوات”، وهو ما انعكس على “الصعيد النفسي والمعيشي والاقتصادي وحتى الأمني”، بحسب زياد الخير، وهو تاجر من مدينة دوما، حتى أن “ابتسامة الناس تغيرت، وصارت صادقة بعد أن كنا نخاف من بعضنا”، على حد وصفه.

تأكيداً على ذلك، قالت الديري: “ملامح الناس أكثر شيء مفرح في الوقت الحالي، عندما خرجت في اليوم الأول بعد سقوط النظام كان الجميع مبتسماً ابتسامة لم أعهدها من قبل، وصادفت أشخاصاً في الشوارع لأول مرة” في إشارة إلى العائدين حديثاً أو المتخفّين خشية تعرضهم للاعتقال على حواجز النظام البائد.

قبل عام 2011، بلغ عدد سكان مدينة دوما 585 ألف نسمة، بينما انخفض العدد في سنوات الحصار، حتى بلغ عدد سكان المدينة لحظة سيطرة النظام عليها عام 2018، نحو 150 ألفاً فقط، كما قال المهندس خالد المكبتل، رئيس مجلس المدينة الحالي لـ”سوريا على طول”، مقدراً عدد السكان الحالي بنحو 450 ألفاً “وهو عدد يزيد بشكل ملحوظ” بعد سقوط النظام وعودة المهجرين.

منذ تولي حكومة تصريف الأعمال مهامها، في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعلنت عن العديد من الإجراءات التي من شأنها تحسين الظروف المعيشية للسوريين، بما في ذلك زيادة الرواتب والأجور بنسبة 400 بالمئة، وكان من المقرر العمل بهذه الزيادة في مطلع الشهر الحالي، لكن بما أن “أعداد العاملين المسجلين في الجهات العامة أكثر بكثير من الأعداد الفعلية”، تأجل العمل بالزيادة إلى شباط/ فبراير المقبل، كما جاء في تصريحات وزير المالية، محمد أبا زيد. يبلغ متوسط رواتب الموظفين في القطاع العام بسوريا نحو 25 دولاراً.

يعني ذلك، أن تحسين ظروف الموظفين ما زالت في إطار الوعود حتى الآن، إلا أن شعور السوريين بأن القادم أفضل، أسهم في تحريك عجلة الاقتصاد منذ الساعات الأولى لسقوط الأسد، كما قال عدد من المدنيين لـ”سوريا على طول”.

انتعاش اقتصادي

“هناك تحسن كبير على الصعيد المعيشي، وهناك بعض الأصناف من الفواكه كانت حكراً على عدد قليل من الناس، وغير متوفرة إلا في بعض المتاجر، مثل الموز، الذي بلغ سعر الكيلوغرام قبل سقوط النظام 35 ألف ليرة [2.3 دولار أميركي تقريباً]، بينما تراه منتشراً على البسطات في الشوارع، وبنفس المبلغ السابق تشتري ثلاثة أو أربعة كيلوغرامات”، بحسب زياد الخير.

محل خضار في سوق مدينة دوما، 09/ 01/ 2025، (حمزة حجازي/ سوريا على طول)

محل خضار في سوق مدينة دوما، 09/ 01/ 2025، (حمزة حجازي/ سوريا على طول)

واللافت أن تصريحات حكومة تصريف الأعمال “لم تحمل معها أعباءً اقتصادية، على عكس ما كان يحدث في فترة حكم الأسد”، كما قال زياد، إذ أصدر بشار الأسد في السنوات الأخيرة عدة مراسيم رفع بموجبها رواتب الموظفين، وكانت تلك المراسيم “نذير شؤم على المواطن. كنا نقول الله يجيرنا من هذه الزيادة، لأنها تعني ارتفاع الأسعار بأكثر من قيمة زيادة الرواتب”.

سابقاً، إذا ارتفعت الرواتب “من مئة ألف إلى مئتي ألف ليرة، فإن المصروف يرتفع من مئتي ألف إلى مليون ليرة”، قال زياد متهكماً، أما حالياً “نلاحظ العكس تماماً، في الوقت الذي تم الإعلان عن رفع الرواتب كنا نلاحظ هبوط الأسعار في السوق وتحسن قيمة الليرة”.

قبل أيام من سقوط الأسد، انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، مسجّلة 16,000 ليرة للدولار الواحد، فيما يبلغ سعر صرفها اليوم 11,400 ليرة للدولار، بحسب أسعار السوق السوداء.

ورغم الجو العام الذي يشير إلى أن “سقوط الأسد سيؤثر إيجاباً على الوضع الاقتصادي في سوريا، سواء من ناحية تحسن المردود المالي والقدرة الشرائية من جهة، أو السياسة الاقتصادية للحكومة الجديدة”، إلا أنه “لا يمكن القول أن الوضع المعيشي تحسن فعلاً، خاصة بالنسبة للموظفين الحكوميين”، بحسب ريم الديري.

عودة الترميم

“أينما تجولت في دوما اليوم تجد عمال البناء يرممون المباني المهدمة، وآخرون ينقلون الطوب إلى مكان الورشات في مشهد لم تألفه الغوطة” منذ سيطرة النظام البائد عليها، عام 2018 حتى سقوطها في أواخر العام الماضي، بحسب زياد الخير.

عامل بناء يحمل الطوب في إحدى ورشات البناء بمدينة دوما، 08/ 01/ 2025، (حمزة حجازي/ سوريا على طول)

عامل بناء يحمل الطوب في إحدى ورشات البناء بمدينة دوما، 08/ 01/ 2025، (حمزة حجازي/ سوريا على طول)

في السنوات الست الماضية، شهدت مدن وبلدات الغوطة الشرقية عمليات ترميم خجولة مقارنة بحجم الدمار الكبير الذي حلّ بها نتيجة قصف النظام البائد منذ أواخر عام 2012 حتى الساعات الأخيرة قبل التهجير، ويعود ذلك إلى أن “النظام فرض حصاراً كبيراً على عمليات الترميم في الغوطة”، كما قال خالد النسرين، صاحب شركة مقاولات في مدينة دوما، لـ”سوريا على طول”.

بلغ عدد المباني المدمرة المتضررة في الغوطة الشرقية 34,136 مبنى، منها 9,353 مبنى مدمراً كلياً، و13,661 بشكل بالغ، و11,122 بشكل جزئي، بحسب أطلس نشره معهد الأمم المتحدة للبحث والتطوير في عام 2019.

بعد سقوط النظام “تغيّر الحال، وشهدت البلد [دوما] انفتاحاً غير مسبوق على عمليات إعادة الترميم والبناء”، بحسب النسرين، لافتاً إلى أن “عامل البناء كان يعمل قبل سقوط النظام يوماً أو يومين في الأسبوع، بينما حالياً حركة العمل مستمرة بشكل يومي”.

كان النظام يعاقب مدن الغوطة الشرقية “الثائرة” بمنع عمليات الترميم، أو “يسمح بالترميم مقابل دفع رشاوى”، بحسب النسرين، لافتاً إلى أن “حواجز النظام كانت تطلب مبالغ مالية مقابل السماح بدخول مواد البناء، مثل الأسمنت والحصى والرمل، إلى دوما”.

في هذا السياق، وصف زياد الخير عملية الترميم في السنوات الأخيرة بـ”المعقدة”، لأن “الترميم يحتاج موافقة أمنية وهندسية من البلدية، ومواد البناء محتكرة، ولا يمكن شراء الإسمنت من دون واسطة”، وبينما “يتعامل المواطن السوري بالعملة المحلية المتدهورة، بينما يتم تسعير مواد البناء بالدولار”، وهذا يتسبب بـ”تذبذب الأسعار بشكل يومي”.

قبل سقوط الأسد، بلغ سعر طن الحديد 14 مليون ليرة سورية (ألف دولار تقريباً)، بينما يبلغ سعره حالياً ثمانية ملايين ليرة (725 دولاراً تقريباً)، بحسب زياد الخير. 

ويبلغ سعر طن الإسمنت حالياً 1.7 مليون ليرة (154 دولاراً) بعد أن بلغ سعره 2.4 مليون (165 دولاراً تقريباً)، و”السعر مستمر في الانخفاض”، بحسب النسرين، ناهيك عن “توفر عدة أنواع من الإسمنت: التركي، الأردني، اللبناني، إضافة إلى السوري”.

عمال بناء في إحدى الورشات بمدينة دوما، 08/ 01/ 2025، (حمزة حجازي/ سوريا على طول)

عمال بناء في إحدى الورشات بمدينة دوما، 08/ 01/ 2025، (حمزة حجازي/ سوريا على طول)

وأيضاً، أثرت الملاحقات الأمنية لفئة الشباب على حركة الترميم والبناء، خاصة أن هذا القطاع “معظم عماله من الشباب”، وفقاً للنسرين، الذي تعهّد -في فترة حكم نظام الأسد- مشروع إعادة تأهيل أرصفة بطول أربعة كيلومترات، وكان يعاني باستمرار من “ملاحقة العمال من دوريات الأجهزة الأمنية أو توقيفهم على الحواجز”.

يقدم مجلس مدينة دوما “التراخيص اللازمة لترميم المباني المهدمة، ويراقب عمليات الأعمار”، كما قال المهندس خالد المكبتل، مؤكداً أن “المعاملات فيما يخص البناء تغيرت 180 درجة عما كانت عليه” في فترة حكم النظام البائد، شريطة أن يكون “البناء منظماً ومستوفياً الشروط”.

وعن الإجراءات المتبعة، قال المكبتل: “يقدم صاحب العلاقة طلب ترميم للبلدية، ونحن بدورنا ندرس الطلب مع نقابة المهندسين للتأكد من أن البناء صالح للترميم أما لا”، وإذا كان البناء لا يصلح “نرفض الطلب لأن البناء يكون بحاجة إعادة بناء بموجب ترخيص جديد”.

أبدى المكبتل تعاون المكتب التنفيذي لمجلس مدينة دوما مع المواطنين الراغبين بإعادة ترميم مبانيهم المدمرة، شريطة مراعاة المعايير التنظيمية والمهنية، محذراً من “عمليات البناء العشوائية”، خاصة في ظل “عدم وجود مخفر شرطة يتابع المخالفات”، لذا تكتفي البلدية بـ”تنظيم ضبط مخالفة داخلي”، على حد قوله. 

وبينما عبرت ريم الديري عن سعادتها بعودة الحياة إلى مدينتها وبدء عمليات الترميم، أشارت إلى تخوفها من حالة الانفتاح المفاجئة في البلد، التي أدت إلى “استغلال الكثير من الأمور بطريقة غير منضبطة، ومنها كثرة البناء العشوائي وغير المنظم”.

شارك هذا المقال