6 دقائق قراءة

سكان دمشق ضحية القصف الإسرائيلي وتغلغل إيران في أحيائها

لطالما كانت منطقة المزة مقصداً للسوريين وغيرهم، كونها من المناطق الآمنة والراقية وتتميز بجودة الخدمات، لكن تغلغل الشخصيات المحسوبة على إيران وحزب الله حولها إلى هدف متكرر للقصف الإسرائيلي.


9 أكتوبر 2024

دمشق- نعى سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي الطبيبة السورية رهف قمحية، التي قتلت بغارة إسرائيلية استهدفت مبنى سكنياً في منطقة المزة بالعاصمة دمشق، مساء أمس الثلاثاء، وهي واحدة من أصل “سبعة مدنيين بينهم أطفال ونساء”، قتلوا في الغارة، بينما أصيب 11 آخرون بجروح، وفق الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا). 

أما الرواية الإسرائيلية تشير إلى أن الغارة استهدفت عضواً رفيعاً في حزب الله اللبناني، الذي قتل زعيمه حسن نصر الله في ليلة 28 أيلول/ سبتمبر الماضي، وقالت وسائل إعلام أن الضربة استهدفت نائب فيلق القدس محمد رضا فلاح زاده.

تنحدر قمحية من محافظة حمص، وهي طبيبة مقيمة في اختصاص أمراض الكلى بمستشفى المجتهد في دمشق، اجتازت الامتحان الوطني الطبي الموحد في أيار/ مايو 2023، كما ذكرت على صفحتها الشخصية في فيسبوك.

صورة للدكتورة رهف قمحية بعد اجتيازها الامتحان الوطني الطبي نشرتها على صفحتها الشخصية في 4 أيار/ مايو 2023

صورة للدكتورة رهف قمحية بعد اجتيازها الامتحان الوطني الطبي نشرتها على صفحتها الشخصية في 4 أيار/ مايو 2023

لطالما كانت منطقة المزة مقصداً للسوريين وغيرهم، كونها من المناطق الآمنة والراقية وتتميز بخدماتها مقارنة بالمناطق الأخرى، نظراً لوجود سفارات وبعثات رسمية ومنظمات أممية، إضافة إلى المقرات الأمنية والعسكرية السورية، لكن تغلغل الشخصيات المحسوبة على إيران وحزب الله حولها إلى هدف متكرر للقصف الإسرائيلي. 

“تغير كل شيء منذ أن عشعش الحرس الثوري وحزب الله في المزة على حساب أمننا وسلامتنا”، قال مروان نوري (اسم مستعار)، 68 عاماً، من سكان المزة فيلات، الذي تعرض منزله لبعض الأضرار بقصف إسرائيلي، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، استهدف مبنى سكنياً في الحي وأسفر عن مقتل حسن جعفر قصير، صهر حسن نصر الله.

في ذات اليوم، الذي تعرض منزل نوري لأضرار، قتلت دانة الغزي في القصف الإسرائيلي على المزة، وقبل يوم واحد قُتلت المذيعة صفاء أحمد، الموالية للنظام، في غارة إسرائيلية استهدفت شقيق قصير، المدعو محمد جعفر قصير، من أبرز قيادات حزب الله.

“تحطم زجاج النوافذ في المنزل”، قالت منال نوري ابنة مروان، 35 عاماً، التي تعمل في أحد مراكز التجميل في دمشق، وقد بلغت تكلفة تصليح الأضرار التي لحقت بالمنزل 2.5 مليون ليرة سورية (170 دولاراً أميركيا، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14,650 ليرة للدولار الواحد).

من منزل عمتها في حي الشعلان، حيث تقيم العائلة منذ تضرر منزلها، قالت نوري عبر تطبيق “واتساب” أن الضربة الإسرائيلية في الثاني من هذا الشهر كانت “قوية وقريبة من منزلنا. اهتزت الأرض تحت أقدامنا كأنه زلزال”.

شحب لون وجه أبيها، فسارعت نوري إلى نقله لمستشفى المواساة القريب قبل أن يفقد وعيه، كما حصل معه في موقف مشابه، عندما استهدفت إسرائيل، في 20 كانون الثاني/ يناير من هذا العام، مبنى سكنياً لعناصر من الحرس الثوري الإيراني على بعد 300 متراً من منزلهم. 

علّق والدها على الحادثة قائلاً: “شعرت بغثيان وتسارعت دقات قلبي، ومن ثم فقدت الوعي ولم أعرف ما حصل بعدها”، ومنذ مطلع العام الحالي يعيش حالة من “الترقب والقلق” في ظل استمرار القصف الإسرائيلي لأهداف إيرانية أو جماعات محسوبة عليها في العاصمة دمشق.

التخفي بين المدنيين

في السنوات الماضية، كان القصف الإسرائيلي يركز على المقرات العسكرية الإيرانية أو التابعة لحزب الله اللبناني والميليشيات المدعومة من طهران، وهذا لا ينفي تعرض مناطق مدنية لقصف تل أبيب، كما في منطقة المزة، التي تعرضت للقصف مراراً وتكراراً، بما في ذلك استهداف القنصلية الإيرانية، بغارة إسرائيلية مطلع نيسان/ أبريل الماضي.

تدّعي إسرائيل دقة ضرباتها، لكن العديد من الغارات الإسرائيلية حصدت أرواح مدنيين، كما في حالة الطبيبة قمحية والغزي وغيرهما، ويعود ذلك أيضاً إلى تخفي شخصيات محسوبة على إيران وحزب الله في الأحياء السكنية.

وقالت عدة مصادر مدنية محلية لـ”سوريا على طول” أن: شخصيات إيرانية أو محسوبة عليها تتخذ من منطقة المزة، السيدة زينب، كفرسوسة، قرى الأسد، الصبورة، الكسوة، الشاغور، وعدد من مدن وبلدات جنوب دمشق ومحيط مطار دمشق الدولي، مساكن لها وأحياناً مراكز تنسيق وربما مراكز عسكرية.

التغلغل في صفوف المدنيين من جهة، وتصاعد العمليات الإسرائيلية ضد ما يطلق على نفسه “محور المقاومة”، التي تقودها إيران من جهة أخرى، يزيد من مخاوف المدنيين، كما في حال منال نوري ووالدها، كون منزلهما يقع بـ”القرب من الشقق السكنية لقيادات وعناصر إيرانية”، على حد قولها.

والدها كان متصالحاً مع “فكرة الموت والعدمية”، وهو معلم متقاعد أمضى حياته بتعليم مادة الفلسفة في إحدى المدارس الحكومية، لكن “القصف القريب مني خلق لديّ سلسلة أفكار مرضية عن الموت”، كما قال.

“دائماً كنت أشعر بالأمان هنا، ولكن مع القصف تغيرت نظرتي بأنني أعيش في منطقة آمنة”، بحسب نوري الذي يرتجف عندما يسمع أي صوت غريب بالقرب منه، قائلاً: “القصف الذي دمر نوافذ منزلي، تسبب بجرح بليغ في ذاكرتي المكانية”. 

بعد أن كانت المنطقة التي تسكنها عائلة نوري الأكثر أماناً في دمشق، صارت “الأخطر للعيش” على حد وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي وثق مقتل 14 مدنياً خلال تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، جراء استهداف “مباني سكنية”.

وقال المرصد في تقريره، الذي نشر اليوم، أن إيران وميليشياتها أقدمت على “شراء عشرات الشقق السكنية ضمن شقق السوريين”، مشيراً إلى تخوف السكان من تزايد الهجمات الإسرائيلية على المباني السكنية، بعد أن صارت تأوي “نازحين لبنانيين” وصلوا إلى سوريا بعد التصعيد على لبنان.

ينشط في سوريا ما لا يقل عن 15 ميليشيا إيرانية، أبرزها: لواء فاطميون، ولواء زينبيون، وحزب الله العراقي، وحزب الله اللبناني، وعصائب أهل الحق، ولواء أبي الفضل العباس، وفيلق الوعد الصادق، وسرايا طلائع الخراساني، بحسب تقرير تحليلي لمركز جسور للدراسات، مقره تركيا، نشر في أيار/ مايو الماضي.

أثناء حديثه مع “سوريا على طول”، تنهّد نوري ثم قال: “كأن سوريا محتلة وليست لها قوات تحميها من أي عدوان”، وعدا عن أن “إيران لا تعير أي اهتمام لسيادة سوريا، فهي تستبيح أرضنا وتعرضها للخطر”.

“المشكلة أكبر من ضربة هنا ورد هناك، إيران أخضعت دمشق لها”، وأدخلتها في “معركة مفتوحة نتائجها قد تكون كارثية”، بحسب نوري، معبراً عن استيائه من الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وهي حرب من أجل “تقاسم الكعكة ونهب الثروات” على حد تعبيره.

اللغة الفارسية نذير خطر

تسكن بيان مالك (اسم مستعار)، 39 عاماً، في بلدة السيدة زينب، أو كما يطلق عليها السوريون “الست زينب”، جنوبي العاصمة دمشق بنحو عشرة كيلو مترات.

تعدّ البلدة، التي تضم مقام السيدة زينب، أحد أهم المزارات “الشيعية” في سوريا، ويزورها الحجاج الشيعة، بما في ذلك الإيرانيون، من قبل اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، أي أنه يمكن سماع اللغة الفارسية في البلدة.

لكن، منذ أشهر تشعر مالك بـ”الذعر”، وتعيش في “حالة استنفار” عند سماع كلمات فارسية بجوارها، خشية القصف الإسرائيلي الذي لاحق المجموعات المحسوبة على إيران، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

قبل أربع سنوات، سكنت مجموعة عسكرية تابعة لإيران في بناء مجاور لمنزل مالك، لذا مع كل قصف إسرائيلي يستهدف بلدتها أو أهدافاً إيرانية في سوريا تشعر بأنها في دائرة الخطر، ويتردد إلى ذهنها العديد من الأسئلة أهمها “كيف أحمي عائلتي”، بحسب مالك، وهي أم لثلاثة أطفال، وتسكن “السيدة زينب” منذ عشرين عاماً.

رفضت مالك تزويد “سوريا على طول” بأي معلومات عن المجموعة وتبعيتها أو أي تفاصيل عن مكان وجودها “خوفاً على سلامة عائلتي وجيراني”، على حد تعبيرها.

لم يسبق أن شعرت مالك وغيرها من المدنيين الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” بالاستياء من المدنيين الإيرانيين، الذين يقيمون في المنطقة أو يترددون إليها، لكن المشكلة في العسكريين الموجودين ضمن الأبنية السكنية، ورغم تقديم السكان شكاوى متكررة للجهات المعنية بخصوص تلك العناصر، إلا أن الأخيرة لم تستجب لطلباتهم.

“ألا يكفينا كل الأزمات التي نمر بها من فقر ودمار حتى يضاف إليها الحرب بين إسرائيل وإيران داخل ديارنا؟”، تساءلت مالك، وهي معيدة جامعية، مضيفة: “لا ندري إن كنا سنواجه مصيراً مشابهاً للمدنيين الذين قتلوا نتيجة لعبة القط والفار”، في إشارة إلى تل أبيب وطهران.

واتهمت مالك أصحاب المكاتب العقارية والسماسرة بالتورط في انتشار العسكريين المحسوبين على إيران ضمن الأحياء السكنية، قائلة: “هؤلاء لا يهمهم سوى المزيد من الأموال، التي يحصلون عليها من الجماعات الإيرانية وحلفائها”، مقابل تأمين طلباتهم.

وقالت مالك ومصادر أخرى أن “موجة شراء عقارات السوريين ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 2013، لكنها شهدت ازدياداً ملحوظاً منذ عام 2016”. تشير تقارير إعلامية إلى تشجيع طهران للشركات والتجار ومواطنيها على شراء المنازل والعقارات والفنادق في أحياء دمشق الراقية بسوريا.

ويأخذ تفاعل بعض السوريين مع تغلغل العسكريين المحسوبين على إيران في الأحياء المدنية شكلاً كوميدياً أحياناً، كما جاء في منشور ساخر لحوارٍ بين اثنين، يقول الأول “كيفك جار ساكنين جديد هون؟”، فيرد الآخر “خوش آمديد”، وأرفق المنشور بصورة مأخوذة من مسلسل سوري تشير إلى أن النهاية هي الموت.

في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية، يتابع مروان نوري وابنته أخبار القصف على منطقة المزة، التي تبدد أملهُما بالعودة إلى منزلهما، كما قالت منال.

شارك هذا المقال