مدة القراءة: 8 دقائق |

سوريا على طول تخرج الدفعة الحادية عشرة من الصحفيين: “هناك مستقبل نتطلع إليه”


يوليو 16, 2018

خرجت سوريا على طول الدفعة الحادية عشرة من الشبان والفتيات السوريين الطموحين، يوم الأحد، بعد أن أكملوا دورة مدتها ثلاثة أشهر في البحث عن الأخبار وإعداد تقارير موضوعية ومعمقة.

وشهدت الأشهر القليلة الماضية تغيرات كبيرة في سوريا، حيث عمل الفريق المكون من ١٢ متدربا – ست فتيات وستة شبان– على متابعة التطورات عن كثب إلى جانب كادر غرفة الأخبار في سوريا على طول، في عمان- الأردن.

وهز القصف الروسي والسوري المكثف والاقتتال الداخلي بين جماعات المعارضة البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث استعادت القوات الموالية للحكومة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في وسط وجنوب سوريا.

ويحمل المتدربون – الذين يينحدرون من محافظات حمص ودرعا ودمشق والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق التي تتحدث عنها سوريا على طول بانتظام- خلفيات دينية وثقافية واقتصادية متنوعة.

وكان البعض يعد التقارير عن مدنهم، في حين عمل آخرون على إلقاء الضوء على القضايا المعقدة في مناطق سورية أخرى لم يسبق لهم زيارتها قط. وكان لكل واحد منهم وجهات نظر ومهارات فريدة من نوعها انعكست في تقاريرهم.

وخريجو يوم الأحد هم من بين أكثر من من 160 متدرباً سورياً أكملوا برنامجنا التدريبي في عمان منذ بدايته في عام 2014، وكثيرون منهم استمروا في مجال الصحافة، حيث أن 60٪ من خرّيجينا يعملون الآن في وسائل إعلام أردنية وأماكن أخرى.

وبرنامجنا التدريبي الحالي ممول بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية.

وفي ما يلي لمحة حول ما يجري داخل غرفة أخبار”سوريا على طول” ومقابلات مع بعض المتدربين والمتدربات الذين شاركوا في إعداد التقارير التي نشرناه خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ماريا أيمن، ٢٤ عاما، من ضواحي الغوطة الشرقية في دمشق.

من الصعب ألا تميز ماريا أيمن في غرفة أخبار سوريا على طول. فمنذ بدء التدريب، أفشت الفتاة البالغة من العمر ٢٤ عاما جوا من المرح والحيوية والحماس بين زملائها، حتى عندما كنا نعد التقارير عن أسوأ الأزمات في مسقط رأسها.

قالت ماريا “أريد أن أكون تلك الفتاة التي يلجأ إليها الناس للحصول على الدعم، والضحك… هذه فلسفتي”.

درست ماريا الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق قبل أن تفر من سوريا في عام ٢٠١٣، عندما انشق والدها -وهو ضابط في الجيش السوري- وانضم إلى المعارضة. ومنذ ذلك الحين، كانت تتابع فرص الحصول على منح دراسية وتعمل على تطوير لغتها الإنجليزية، وهي تتحدث الآن اللكنة الأمريكية.

تضمنت أعمال ماريا مع سوريا على طول تقريرا عن الصحافيين النازحين حديثا من الغوطة الشرقية والذين فقدوا عملهم في محافظة إدلب- حيث تقيم أسرتها الآن- ومقابلة مع أول امرأة تترأس إدارة مجلس محلي في المعارضة.

قالت ماريا “هناك الكثير من الأشياء التي تقف في وجه النساء”.

“نريد توعية المرأة بأنه إذا كنت تريدين تحقيق هدفك، لا يوجد شيء يقف ضدك”.

أجريت هذا الأسبوع مقابلة مع أول امرأة تترأس مجلس محلي تابع للمعارضة. ما الذي دفعك لإجراء هذه المقابلة؟ برأيك ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في مستقبل سوريا؟

عندما أتيت إلى سوريا على طول لإجراء مقابلة القبول وسألوني ما هي المواد التي تفضلين التكلم عنها، قلت أحب التحدث عن المواضيع التي تخص النساء، لأن دور المرأة كان مهمشاً بالرغم من أنها أكثر المتضررين ماديا ونفسيا.

فوجود امرأة، مثل ايمان هاشم، وصلت لرئاسة مجلس محلي لأول مرة في مناطق المعارضة يبين لنا أنه من الممكن ان يكون هناك فكر جديد في سوريا وتصبح أكثر انفتاحاً وتطوراً.

خاصة وأن المرأة تستطيع تقديم أشياء لا يمكن للرجل تقديمها. واتمنى في يوم من الأيام أن يصبح دور المرأة مشابهاً لدور الرجل في سوريا خاصة و الوطن العربي عامة.

هناك الكثير من الأشياء التي تقف في وجه النساء. فهي تبقى خائفة من رفض المجتمع ورفض أهلها لها، لهذا نحن نريد توعية المرأة بأنه إذا كنت تريدين تحقيق هدفك، لا يوجد شيء يقف ضدك.

في المكتب الجميع يعرفك. تطلقين النكات وتنشرين الابتسامة والطاقة الايجابية حولك. كيف أثر طبعك هذا على  عملك كصحفية؟

أولا كوني منقبة، فإن النقاب يثير تخوفات الشخص الآخر ويجعله حذراً في التحدث معي. لذا أحاول أن أنشر الإيجابية بان أمزح وأضحك ليتمكن من التحدث معي بأريحية وليعلم أنني أملك روحاً جميلة. وخاصة فريق الصحفيين الأجانب، هذا اللباس غريب قليلا بالنسبة لهم، لذا من يتحدث معي يحاول البقاء متحفظا.

لم أكن أرغب بأن يكون هناك أي حاجز يمنع أي إنسان من التحدث معي أو يعيق حصولي على الفائدة.

صحيح أن الأوضاع بسوريا سيئة جدا، والوضع متدهور نفسيا ومعنويا، وخاصة أن أهلي مهجرين بإدلب ومنذ خمس سنوات لم أجتمع بوالدي، لكن برغم ذلك هناك ضوء في آخر الطريق وستنتهي المأساة، وأنا عن نفسي رغم كل شيء أضحك. بعض الأشخاص يرون ذلك أمرا سيئا  لكن بنفس الوقت هناك من سيقول هذه الفتاة رغم كل شيء متفائلة.

إذا كنا جميعا نشعر بالحزن واليأس، من سيكتب عن سوريا؟ …

مع حالات الموت التي يراها الصحفيون كل يوم، قد يأتي يوم يتوقفون فيه عن الكتابة لأنهم مرهقون ولم يعودوا قادرين على التحمل أكثر.

أريد أن أكون تلك الفتاة التي يلجأ إليها الناس للحصول على الدعم، والضحك. هذه فلسفتي ليست فقط في سوريا على طول، ولكن في الحياة بشكل عام.

سيأتي اليوم الذي انتظرناه. وفي يوم من الأيام، ستتحسن الأمور في سوريا وسنظل بحاجة إلى شخص يجعلنا نضحك.

لين السيد، ٣٠ عاما، من محافظة درعا.

أمضت لين طفولتها بين منزل عائلتها في محافظة درعا والعاصمة السورية، وكان هناك كلمتين تخشاهما لين كثيرا… “لقد جاؤوا”.

قالت لين لسوريا على طول، مع بداية الحرب، “عندما كان النظام يدخل أي منطقة، كنا نقول (لقد جاؤوا) لنعبر عن مخاوفنا بكلمتين”.

ومع بدء الشهر الأخير من تدريب لين، شنت الحكومة السورية هجوما عسكريا مكثفا على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة درعا. وقتل المئات من المدنيين وشرد أكثر من ٣٠٠ ألف مدني بسبب القتال والقصف على جميع أنحاء المحافظة.

ومع سيطرة الحكومة على المزيد والمزيد من الأراضي في درعا، بدأت لين تسمع عبارة “لقد جاؤوا” من أصدقائها الذين ما زالوا في سوريا.

قالت لين عند سماع تلك الكلمات مرة أخرى، “كنت أشعر بالرعب”.

ومع زيادة تغطية سوريا على طول الإعلامية في درعا خلال الحملة، اعتمدت لين على شبكة واسعة من المصادر في محافظتها للمساهمة في تغطيتنا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ساعدت في نقل قصة عشرات الآلاف من النازحين من درعا، الذين تقطعت بهم السبل على طول الحدود السورية مع مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

قالت لين، قبل أن تعمل مع سوريا على طول، كانت “متفرجة سلبية”، لكن ذلك قد تغير.

“اليوم أستطيع أن أفعل شيئا. حتى إن كان مجرد مقالة أو منشور على الفيسبوك، على الأقل يمكنني فعل شيء”.

أنت من محافظة درعا. خلال الشهر الأخير من التدريب، بدأت حملة للحكومة، وفي نهاية المطاف خضع جزء كبير من المحافظة لسيطرة الحكومة. ساهمتي في نقل الأخبار عن درعا، من الحديث عن النازحين على الحدود إلى العمليات العسكرية في المحافظة. كيف كان شعورك وأنت تتحدثين عن مسقط رأسك؟

لأكون صريحةً، عندما كان هناك حملات على حلب والغوطة الشرقية كنت أسمع الأخبار وأشعر بأنني بعيدة جداً عما يجري هناك لأنني لم أكن في قلب الحدث، كما أن مشاهدة الأخبار كمتابع تختلف كثيرا عن تغطية الحدث كصحفي ومتابع في نفس الوقت.

وهنا كصحفية ومتابعة كان لدي شعورين متزامنين مع بعضهما، الأول هو الإحساس بالمسؤولية.

كنت أريد أن أساعد أصدقائي وأحبابي في درعا وخصوصاً الإعلاميين، وقبل التدريب كنت أشاهد مايحدث فقط ولم يكن بإمكاني أن أفعل شيئاً، لكن الآن أصبح بإمكاني أن أكتب وأدركت أن كلمتي بإمكانها أن تساعدهم.

قبل أن أشارك في سوريا على طول كنت مجرد متابع سلبي، أشاهد مايحدث وأبكي، أما اليوم يمكنني أن أقدم شيئاً ولو حتى من خلال منشور على الفيس بوك.

والشعور الثاني هو معرفتي التامة بما يحدث هناك، أي عندما يقول لي أحد من الذين أتواصل معهم أن النظام جاء، أعرف تماماً ماذا يعني هذا. لأننا سابقاً، كنا نستخدم كلمة “اجو” للتعبير عن كل مخاوفنا، وهنا يجب أن نسكت و لا ننطق بأي حرف.

(وأثناء الحملة على درعا) عندما كنت أتحدث مع أي شخص ويقول لي “اجو” كان يتملكني الرعب والخوف.

في وقت سابق من هذا الشهر، قدمتي تقريراً عن متابعة النازحين السوريين لمباريات كأس العالم في دير بلوط، وهو مخيم في شمال غرب سوريا. مع كل ما يجري من أحداث سلبية في البلاد، لماذا اخترت الكتابة عن الرياضة؟

طرحت فكرة المونديال وفكرة معرض الزهور “تقرير آخر لم ينشر بعد” عندما كانت درعا تقصف، وكنت أتواصل مع السكان في دمشق ويقولون لي أنهم سعداء وأنهم ذاهبون لحضور معرض الزهور، كنت أشعر بالغضب جداً في داخلي. وأتساءل كيف يمكن أن تكونوا سعداء ودرعا التي لاتبعد إلا حوالي 70 أو 80 كليومتراً عنكم تقصف؟ كان من الصعب جداً تغطية الأزمة عاطفيا في بلادنا.

أما بالنسبة لتقرير كأس العالم، فأنا لدي أخوة في المنزل يحبون كرة القدم كثيراً وعندما يقترب كأس العالم أو دوري أبطال أوروبا يحرصون على أن يكون كل شيء جاهزاً كشاشة التلفزيون والانترنت الجيد.

وعندما رأيت صورة النازحين يشاهدون كأس العالم أمام الخيمة في دير بلوط على الفيس بوك، بدأت أفكر بالنازحين كيف أنهم بالرغم من أوضاعهم الرهيبة والغبار من حولهم يشاهدون كأس العالم في المخيم، وهنا قررت أن أتواصل مع صاحب الفكرة.

وعندما تمكنت من التحدث مع المصور رامي السيد، صاحب الفكرة، قال لي أن هؤلاء الشباب يبحثون عن فسحة أمل لينسوا تعبهم والضغوطات من حولهم، ومن أجل ذلك، اشترى كل شيء من أمواله الخاصة.

كان ذلك متنفسهم الوحيد، كانوا يذهبون كل ليلة لمشاهدة المباريات.

وبالنسبة لي، اهتممت بفكرة المونديال لاننا سواءاً كنا نتحدث عن النازحين في الشمال أو القنابل التي تنهال على درعا، فالإثنين قضية واحدة، جميعهم يعانون، وأعتقد أن تلك الأشياء مهمة وتساعد الناس على الاستمرار بالحياة.

محمد الغزاوي ، 24 عاماً من قرية عيلما في درعا.

نشأ محمد الغزاوي، 24 سنة، وهو يريد أن يصبح صحفياً. لكن عندما أنهى امتحاناته الثانوية، أقنعه والده بالتخلي عن حلمه في أن يصبح صحفياً ويدرس الهندسة بدلاً من ذلك.

وأدرك كلا من الغزاوي ووالده حدود أن يكون الشخص صحفياً في سوريا، حيث كانت الأخبار تسيس بشكل محكم منذ فترة طويلة مع وجود عدد قليل من المنافذ غير التابعة للحكومة.

وقال الغزاوي لسوريا على طول ” لو أنني درست الصحافة [في سوريا]، لما أتيحت لي الفرصة لأكون مستقلاً بالفعل، وإذا أردت قتل صحفي، اسرق منه استقلاليته”.

محمد الغزاوي يستلم شهادة التدريب الصحفي من سوريا على طول، يوم الأحد.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كتب الغزاوي عن الهجوم العسكري الحكومي على محافظة درعا وعودة اللاجئين السوريين من لبنان. وفي وقت سابق من هذا الشهر، انضم مع مراسلي سوريا على طول أثناء العمل الميداني عند الحدود الأردنية السورية، حيث كان أفراد عائلته على بعد كيلومترات فقط من الجانب الآخر من الحدود.

وأضاف الغزاوي “إن خلفيتك تؤثر دائماً على العمل الذي تقوم به، ولكن إذا أردت أن تكون صحفياً ناجحاً عليك أن تضع مشاعرك جانباً”.

قلت أنك لطالما حلمت بأن تدرس الصحافة، ما الذي منعك من ذلك؟

لو أنني درست الصحافة [في سوريا]، لما أتيحت لي الفرصة لأكون مستقلاً بالفعل أو أمارس الإعلام الحقيقي والمحايد، أو على الأقل المحايد النسبي، في سوريا أنت مقيد تماماً، وبهذه الطريقة لن أستطيع أن أوّجه رسالتي ولا أن أحقق طموحي. فإذا كنت تريد أن تقتل صحفياً، اسرق منه استقلاليته وطموحه وحياديته.

هناك العديد من الأطراف المتنازعة في الساحة  السورية، من تنظيم الدولة وفصائل المعارضة إلى الحكومة، كيف كان بإمكاني البقاء في سوريا ومشاهدة الفساد دون انتقاده؟ هناك حريتك محدودة بغض النظر عن مكان وجودك. وبطريقة أو بأخرى، كنت سأبيع صوتي وكلماتي دون أي تأثير يعود بالفائدة على المجتمع.

أنت من محافظة درعا، وأثناء التدريب بدأت الحملة العسكرية الحكومية على درعا وعاد جزء كبير من المحافظة إلى سيطرة الحكومة. كيف كان شعورك وانت تغطي أحداث مدينتك؟

عندما تغطي أحداث مدينتك لابد من أن يحيطك شعور الخوف، هذا ماكنت أشعر به أثناء تغطية الحملة.

عندما شاركت بمادة النازحين على الحدود في درعا كان والدي ووالدتي على الحدود، وعند تغطية هكذا خبر تشعر دائمًا أن هناك نقص في نقل الخبر، لأنه بغض النظر عما اكتبه فإن ذلك لن يعبر أبداً عن الوضع الذي هم فيه. إنه أمر صعب بالفعل، ومن الصعب وصفه.

مهمة الصحفي هي ايصال رسالة ما، ولكن بالرغم من إيصال تلك الرسالة دون أن يتمكن من فعل أي شيء ملموس في الواقع أو يقدم أي مساعدة لأهله يشعر بأنه عاجز. لهذا السبب يشعر الصحفي بالعجز عندما يتعلق الأمر بمساعدة أهله وأصدقائه.

دائماً تؤثر خلفيتك على العمل الذي تقوم به، لكن إذا أردت أن تكون صحفياً ناجحاً فيجب أن تضع مشاعرك جانباً.