6 دقائق قراءة

سوريا في الاستراتيجية الإيرانية “ما بعد سليماني”

بين تلك الصورة، وما نشر من صور لبقايا أشلاء سليماني، مسيرة للجنرال الإيراني حافلة بالدماء والقتل على الأرض السورية


9 يناير 2020

عمان – فور الإعلان عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بضربة أميركية استهدفته في بغداد، ساد الفرح أوساط سوريين كانوا ضحية سليماني ومليشياته في سوريا، وعادت ذاكرتهم إلى أول صورة له في جبال اللاذقية، نشرت في تشرين الأول/أكتوبر 2015، رفقة مجموعة مقاتلين مدعومين من إيران.

بين تلك الصورة، وما نشر من صور لبقايا أشلاء سليماني، مسيرة للجنرال الإيراني حافلة بالدماء والقتل على الأرض السورية، حيث تنقّل للإشراف على عمليات مليشياته بدءاً من قمع المتظاهرين السلميين وصولاً إلى المشاركة في عمليات عسكرية ضد فصائل المعارضة السورية وتالياً تهجير المدنيين في أكثر من منطقة سورية.

الدور العسكري المبكر لـسليماني في سوريا، عبر فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، دفع بالاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات عليه في حزيران/يونيو 2011.

كذلك، أشرف الجنرال الإيراني على تأسيس عدد من المليشيات الطائفية الرديفة للقوات الحكومية السورية. وقد وصف بأنه “الأب الروحي” لهذه المليشيات التي أدارها عبر شخصيات إيرانية مقربة منه، بعضها قضى خلال العمليات العسكرية ضد المعارضة السورية، من مثل نائبه حسين همداني الذي قتل في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بريف حلب.

من هو سليماني؟

حتى مقتله، قاد سليماني “فيلق القدس” لعشرين عاماً، حاز خلالها على وسام “ذو الفقار”، الأعلى في إيران، كما تمت ترقيته إلى رتبة “فريق” التي “لم يحصل عليها رجل قبله في تاريخ الحرس الثوري على مدى أربعين عاماً”، بحسب ما ذكر محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية في القاهرة، لـ”سوريا على طول”.

عدا عن ذلك، تجاوز سليماني، وفقاً للخبير في الشأن الإيراني، ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات، هاني سليمان، حدود منصبه في “فيلق القدس”، بأن صار أشبه “بوزير خارجية تصدير الثورة الإيرانية، على اعتبار أن فيلق القدس معني بتصديرها للخارج”.

واعتبر سليمان، في حديثه إلى “سوريا على طول”، أن “سليماني لا يقلّ، ومن دون مبالغة، عن روحاني أو حتى المرشد الأعلى [علي خامنئي] في قيمته الرمزية والأمنية. إذ قاد الجنرال الإيراني مهمة تشكيل عشرات المليشيات الشيعية وتسليحها في العراق وسوريا ولبنان واليمن”. 

تلك المليشيات حملت أسماء طائفية، وأحدثت تغييراً ديموغرافياً في مناطق نفوذها، عدا عن كونها تنفذ الأيديولوجية الإيرانية، خصوصاً بعد فتح مراكز تجنيد لها في العراق وسوريا. “لذا، أصبح سليماني رجلاً عملياتياً مؤثراً على الأرض بقوة، أكثر من أي شخصية أخرى، وله نفوذ سياسي وأمني؛ يطرح رؤيته السياسية ويفرضها على عدد من المراكز الاستراتيجية في الإقليم”، وفق سليمان.

مع ذلك، فقد أقدم سليماني على ارتكاب “خطأ استراتيجي فادح، تمثّل بتواجده مع قادة عراقيين ولبنانيين في مكان واحد، ما جعل قتلهم بضربة واحدة فرصة لا يمكن تفويتها أميركياً. [إذ إن] واشنطن كانت تمتلك الكثير من المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بتحركات القادة الإيرانيين” بحسب أبو النور.

سوريا بعد مقتل سليماني

إلى جانب ردود الأفعال بين واشنطن وطهران، التي أعقبت مقتل سليماني، يترقّب السوريون انعكاس هذه الحادثة على الملف السوري، لا سيما أن القتيل امتلك “شخصية كاريزمية لها حضورها في الساحة السورية، وقدرة على التواصل مع رأس النظام السوري وقياداته، وسجّلاً حافلاً من التجارب الميدانية” برأي الدكتور نبيل العتوم، الخبير في الشؤون الإيرانية.

ومن ثم، يتوقع العتوم، كما قال لـ”سوريا على طول”، أن يؤثر مقتل سليماني بدرجة كبيرة على “القدرة العملية للمليشيات الإيرانية المتواجدة على الأراضي السورية”، وكذلك “إضعاف قدرة حزب الله اللبناني، خاصة أن سليماني كان ممسكاً بقوة بالملف السوري، وسعيه خلال السنوات الماضية إلى تدشين ما يعرف بالكاردور [الممر] الإيراني الذي يمتد من العراق إلى سوريا ولبنان”.

أما على صعيد القوات الحكومية، فقد كان سليماني، بحسب العتوم، مشرفاً بشكل مباشر على توجيه نخبة من الضباط السوريين بهدف كسب ولائهم لصالح إيران. إذ عمل في سوريا على مسارين. الأول، تمثل في إدماج المليشيات ضمن كيان الجيش، بما يغّير في نسب التمثيل الطائفي داخله لصالح الطائفة الشيعية. أما الثاني، فتركز على إنشاء مليشيات مستقلة ككيان مواز للجيش، على غرار الحرس الثوري الإيراني، بإشراف مباشر من إيران، مع حضور رمزي لضباط سوريين يأتمرون بأمر إيران. 

وفيما يبرز، بالنتيجة، احتمال أن يؤدي مقتل سليماني إلى إعادة “التوازن الطائفي النسبي في مؤسسة الجيش التي سعى سليماني إلى ضربها”، فإن الحدث لن يؤدي بالضرورة، برأي العتوم، إلى تراجع الحضور الإيراني على الأرض السورية. مستشهداً بالقصف الإسرائيلي المتواصل ضد المليشيات الإيرانية والقوات الحكومية في سوريا، والذي لا بد وأنه “أثر على القوة العسكرية الإيرانية” هناك، لكنه لم يؤد في الوقت ذاته إلى انسحاب إيران، بل هي وسعت من رقعة انتشارها وبقوة في “الحريق السوري” على طول الجغرافيا السورية “التي تشكل أحد الأوراق المهمة بالنسبة لإيران”.

كذلك، يجعل مقتل سليماني، كما ذهب الخبير هاني سليمان، مهمة خلفه إسماعيل قاآني ثقيلة، إذ من الصعوبة “سد الفجوة وتعويض شخص مثل سليماني”. متوقعاً “وجود مقارنة لا إرادية بين الشخصين، بما يشكل عبئاً على القائد الجديد”. وبالتالي، فإن “مستقبل قيام المليشيات بنفس الدور والقوة أصبح محلّ شك، مع وجود اعتبارات كبيرة للرد الأميريكي، خاصة بعد مقتل سليماني بهذا الشكل الدرامي”.

مع ذلك، لا يرجح سليمان تراجع مليشيات إيران أو المدعومة منها عن أهدافها، بل “سيكون هناك تفكير وترتيب للأولويات والتحركات على الأرض”. وهو ما ذهب إليه أيضاً المحلل العسكري والاستراتيجي السوري، أحمد حمادة، معللاً ذلك بأن “المليشيات [الشيعية] تعمل بعقيدة ومصلحة”.

ساحات الثأر السورية

رداً على مقتل سليماني، نفّذ الحرس الثوري الإيراني هجوماً صاروخياً على قاعدتين عسكريتين في العراق، الثلاثاء الماضي، تتواجد فيهما قوات أميركية، في عملية أطلق عليها “الشهيد سليماني”. وهي بحسب وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، تمثل دفاعاً عن النفس، بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، إذ استهدفت القاعدة المسؤولة عن الهجوم الأميركي، لافتاً إلى أن بلاده “لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب”.

سبق الهجوم الصاروخي تهديد على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، توعد فيه بقصف إيران في حال تعرضت القوات والمصالح الأميركية في المنطقة لرد إيراني على مقتل سليماني. إلا أن أول تصريح لترامب بعد العملية جاء بعكس ما كان متوقعاً، إذ اكتفى بالإعلان عن حزمة “عقوبات اقتصادية جديدة على النظام الإيراني”.

وقد كان الرد الإيراني عموماً متوقعاً، بحسب مصادر “سوريا على طول”. إذ إن عدم الرد سيؤدي مستقبلاً إلى عدم قدرة إيران على “ضبط قيادات الوسط [الصف الثاني] في الحرس الثوري، وستفشل في استقطاب شبان جدداً إلى الحرس الثوري، [وضمنه] فيلق القدس و[قوات] الباسيج [شبه العسكرية]”، بحسب رئيس المنتدى العربي، محمد أبو النور، ما قد “يعرض نظام [إيران] القائم أساساً على تلك القوات للخطر”.

ولا يرتبط الردّ الإيراني بشخص سليماني فحسب، وإنما بمستقبل نفوذها وأذرعها ووكلائها. إذ تملك إيران، بحسب العتوم، “أكثر من 67 مليشيا في العراق، و34 في سوريا. ويمثل العراق بالنسبة لها رأس الحربة في مشروعها”. لذا، فهي ستستخدم كل ما لديها من أوراق “لوقف استهدافها، ومنع أي دولة من تقليص أو تحجيم نفوذها”.

في الوقت ذاته، تحاول إيران، برأي العتوم، “تحسين شروط التفاوض، وهي تدرك بأن عليها الجلوس مع واشنطن من أجل ذلك”.

وإذا كان الردّ الرسمي الإيراني انتهى بقصف القاعدتين في العراق، كما قال وزير الخارجية جواد ظريف، فقد اعتبر المرشد الأعلى، علي خامنئي، أن الرد “غير كافٍ” وأن على القوات الأميركية “مغادرة المنطقة”، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالية رد إيران عبر أذرعها ووكلائها.

في هذا السياق، وفيما استبعد المحلل العسكري والاستراتيجي أحمد حمادة، ضربة إيرانية مباشرة أخرى، لأنها ستكون مكلفة لهم”، توقع أن يتواصل الرد الإيراني “عن طريق المليشيات التي تدعمها في المنطقة الجنوبية بسوريا والجولان، وربما في التنف، وكذلك في شمال شرق سوريا”.

وهو السيناريو الذي أيده العتوم، معتبراً أن أي عمل عسكري واسع لإيران عبر الأراضي السورية سيكون عبر توظيف حزب الله اللبناني”. إذ إن “حزب الله دون غيره من المليشيات المدعومة من إيران لديه قدرة على تنفيذ عمليات نوعية موجعة”، بحسب قوله. 

لكن ذلك يظل غير ممكن حالياً، وفق العتوم، لأن استخدام حزب الله للردّ على أميركا أو مصالحها “يعني جرّ إسرائيل إلى مواجهة مباشرة، وبالتالي تدمير حزب الله. وإيران بحاجة للحزب في الوقت الراهن”. ومن ثم، قد تتجه العمليات الإيرانية، بدلاً من ذلك، ضد المصالح الأميركية “في العراق أو مياه الخليج أو عبر توظيف جماعة الحوثي”.

هذا الدور الكبير لإيران خارج حدودها، عبر مليشياتها، يتطلب استئصال رأسها سعياً إلى تقليص نفوذها، وهو ما دفع واشنطن إلى “ضرب هذه المليشيات عبر تفريغها من قادتها. إذ تعي واشنطن جيداً أن عمل هذه الميليشيات يعتمد على قادتها بشكل كبير”، بحسب الخبير سليمان.

شارك هذا المقال