سوريون يعبرون إلى بريطانيا غير مكترثين بالانتخابات الحاسمة لـ”خطة رواندا”
مصير آلاف طالبي اللجوء، بما فيهم السوريين، مرتبط بانتخابات بريطانيا المزمع إجراؤها في تموز، التي ستحدد مستقبل خطة الحكومة الرامية إلى ترحيل اللاجئين إلى رواندا
21 يونيو 2024
بريستول- عندما كان عبد الرحمن في الخامسة عشرة من العمر، غادر مسقط رأسه في مدينة الرقة، شمال شرق سوريا، عام 2018، بغية اللحاق بأخيه في المملكة المتحدة، وكان له ذلك، قبل شهر واحد، أي بعد أربع سنوات أمضاها في تركيا وانتقل منها إلى أوروبا ليعبر أخيراً القناة الإنجليزية.
يتمنى عبد الرحمن، ابن الحادية والعشرين حالياً، أن يستقر به المطاف هنا ولا يضطر إلى شدّ الرحال مجدداً، ولكن هذا يعتمد -إلى حد ما- على نتائج الانتخابات البريطانية المزمع إجراؤها في الرابع من تموز/ يوليو المقبل.
من المتوقع أن تحدد الانتخابات مصير خطة الحكومة البريطانية المثيرة للجدل الرامية إلى ترحيل طالبي اللجوء، الذين دخلوا البلاد “بشكل غير قانوني” بعد كانون الثاني/ يناير 2022 إلى رواندا، حيث سيُنظَر في قضاياهم هناك، وقد يكون عبد الرحمن وشقيقه من المشمولين، لأن شقيقه وصل في أواخر 2022.
علِم عبد الرحمن، الذي طلب أن يُعرَّف باسمه الأول فقط، خشية أن يؤثر حديثه مع الإعلام على طلب لجوئه، بخطة رواندا قبل صعوده على متن القارب في “كاليه” الفرنسية، في 18 أيار/ مايو، لكن ذلك لم يثنه عن قراره.
“تأثرت خطتي بعض الشيء، ولكن في النهاية لا أملك خياراً آخر”، قال لـ”سوريا على طول” من الفندق الذي يقيم فيه على أطراف مدينة ديربي وسط انجلترا، مضيفاً: “أخي هنا، ولا يمكنني العودة إلى سوريا”.
استبعد عبد الرحمن أن يتم إرسالهم إلى رواندا “إننا نقدم طلب لجوء لأننا طالبين الحماية، ولا أعتقد أن يتم ترحيلنا إن لم يكن لدينا مشاكل”، وفقاً له.
يتطلع عبد الرحمن إلى الحصول على حماية تجنبه الترحيل، ولكن هناك أكثر من خمسين ألف طالب لجوء مثله مهدّدين بالترحيل إلى شرق أفريقيا. تبلغ نسبة السوريون منهم واحد من كل خمسة.
حتى تموز/ يوليو، سيبقى مصير هؤلاء غامضاً حتى شهر تموز/ يوليو على الأقل، إذ أخبر ريشي سوناك رئيس الوزراء الحالي قاضي محكمة عليا، الشهر الماضي، أنَّ رحلات الإبعاد لن تقلع إلى رواندا قبل الانتخابات السريعة التي دعا إليها في الرابع من الشهر المقبل.
إذا بقيت الخطة قائمة، قد يتعرض الشقيقان للترحيل سواء كان لديهما طلب لجوء ساري أم لا. وفي حين بلغت نسبة قبول طلبات لجوء السوريين في المملكة المتحدة 98 بالمئة، منذ عام 2020 حتى 2022، كانت نسبة قبول طلباتهم في رواندا خلال الفترة ذاتها صفراً.
“لا دليل” على أن المهاجرين يرتدعون
واجهت خطة رواندا، التي تم تقديمها لأول مرة، في نيسان/ أبريل 2022، تحديات قانونية منذ البداية. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 ، قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأنَّ الخطة غير قانونية لأن رواندا ليست دولة ثالثة آمنة.
وفي وقت لاحق، أقرَّت الحكومة “قانون سلامة رواندا” في نيسان/ أبريل، ما أتاح لها تجاهل حكم المحكمة ومعاملة رواندا بصفته بلد آمن لطالبي اللجوء. ووسمت جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، البرلمان البريطاني بـ”مسرح الجريمة” بعد إقرار القانون.
وصف سوناك الخطة بأنها “رادع لا غنى عنه” لثني طالبي اللجوء عن التوافد إلى المملكة المتحدة، لكن جماعات حقوق الإنسان ترى أنه “لا يوجد دليل” على أنَّ الخطة ستردعهم، ويرون أن على الحكومة التركيز على تقديم طرق آمنة للجوء.
وفيما انخفض عدد الوافدين الجدد إلى المملكة المتحدة العام الماضي، ارتفع عدد طالبي اللجوء الذين يعبرون القناة في قوارب صغيرة باضطراد في عام 2024، إذ أبحر أكثر من عشرة آلاف شخص حتى الآن. هناك عوامل متعددة تؤثر على قرارات الناس بالعبور، منها: الطقس الأكثر دفئاً، والصراعات المستمرة، والعنف الذي تمارسه الشرطة ضد المهاجرين في شمال فرنسا وبلجيكا.
تشير الزيادة في عمليات العبور إلى أن طالبي اللجوء لم يثنهم تهديدات المملكة المتحدة بترحيلهم حال وصولهم إلى الشواطئ البريطانية عن القدوم، كما في حالة عبد الرحمن، لأن هناك العديد من الأسباب التي تدفعهم في المضي برحلاتهم، ولا يملكون الكثير من الخيارات البديلة.
لا يوجد حاليا سوى خيارات محدودة جدا من الطرق الآمنة والقانونية لطالبي اللجوء الراغبين في السفر إلى المملكة المتحدة، التي أوقفت برنامج إعادة التوطين الرئيسي للاجئين السوريين في عام 2021.
“على الحكومة الجديدة تقديم نظام حماية للاجئين يحترم الحق الأساسي للفرد في البحث عن الأمان”، قال محمد عمر، رئيس الخبراء من خلال الخبرة والشراكات في” جمعية العمل من أجل اللاجئين” في المملكة المتحدة لـ”سوريا على طول”.
“ينبغي إنشاء مسارات جديدة” تمكن اللاجئين من الوصول إلى المملكة المتحدة “دون الاضطرار لعبور القناة، وخوض رحلات خطرة”، وفقاً لعمر. لقي ما لا يقل عن 14 شخصاً حتفهم منذ مطلع العام الحالي حتى الآن، بينهم سوريون، أثناء محاولات العبور.
“المعاملة كمجرم”
وصل إياد (اسم مستعار) إلى المملكة المتحدة في تموز/ يوليو 2022، بعد ستة أشهر على الموعد الذي يجنبه تهديد الترحيل إلى رواندا. احتُجِز مع أكثر من مئة ألف طالب لجوء ضمن حملات اعتقالات جماعية“، في أواخر نيسان/ أبريل، بعد إقرار سلامة رواندا.
في حملة الاعتقالات، التي وُثِّق بعضها في مقطع فيديو “احتفالي” لوزارة الداخلية، سُحِب إياد وعشرات طالبي اللجوء الآخرين من أسرَّتِهم وأخرجوا من أماكن إقامتهم مكبلي الأيدي في ساعات النهار الأولى.
قضى إياد، الذي طلب أن يتم التعرف عليه باسم مستعار لأن عائلته لا تعلم بأمر احتجازه، شهراً واحداً في مركز ترحيل كولنبروك ، بالقرب من مطار هيثرو في لندن.
خلال فترة احتجازه هناك، حُبس الشاب السوري في زنزانته لمدة 12 ساعة يومياً، لم يكن يستطيع تناول الطعام والشراب بسبب الضغوطات النفسية، وفقاً للمتطوعين في “مجموعة دعم اللاجئين” شمال ديربيشاير. وافق إياد على مشاركة قصته مع “سوريا على طول” عبر المتطوعين، ولكن دون إجراء مقابلة مباشرة معه.
قال جيمس إيدن، أحد المتطوعين في المجموعة ورئيس مجلس نقابات العمال في تشيسترفيلد والمنطقة، إن المتطوعين الذين زاروا إياد في الاحتجاز صدموا من تدهور حالته.
“لم يكن يأكل أو يخرج من زنزانته”، قال إيدن، علماً أنه “كان متألقاً جداً، بشوشاً ومفعماً بالحيوية، ولكن حاله تبدل كثيراً على حد قول المتطوعين”.
في 31 أيار/ مايو، أُطلِق سراح إياد بكفالة، لكنه ما يزال مهددًا بالترحيل وملزماً بالامتثال إلى مركز الهجرة أسبوعياً. عادة، يتعين على طالبي اللجوء أن يقدموا تقريراً عن أوضاعهم كل أسبوعين أو كل شهر.
“في الواقع، يستخدم إياد وآخرين كوقود للانتخابات”، قال إيدن.
“الشروط الإضافية للتقارير الواجب تقديمها ترهق إياد نفسياً وتزيد من ضغوطه”، بحسب باربرا سانسوم، المتطوعة في “مجموعة دعم اللاجئين” شمال ديربيشاير، مشيرة إلى أنه “يتوجس في كل مرة يذهب فيها لتقديم التقرير، خشية الاعتقال [ثانية]”.
تُرِك إياد مُعدماً بعد إطلاق سراحه، حيث “يقيم الآن مع الأصدقاء والعائلة لأنه فقد مسكنه”، بحسب سانسوم، ويتعين عليه “التقدم من جديد لطلب الدعم، ولكننا لا نعلم كم سيستغرق القرار”.
“هذا غير مُبرَر على الإطلاق… ليس عليهم تقديم وإثبات حالة لجوئهم في رواندا. إنهم لا يُمنحون الفرصة لإثباتها أصلاً” قالت سانسوم، مضيفة: “عُومِل إياد كمجرم، دون أن يرتكب أي خطأ”.
موقف الأحزاب في المملكة المتحدة
تعتبر خطة رواندا، التي تبلغ تكلفتها 500 مليون جنيه إسترليني، الخط الفاصل بين حزب العمال والمحافظين في المملكة المتحدة، إذ وعد حزب العمال إلغاء مخطط [رواندا] فور وصوله إلى السلطة في الانتخابات إذا تمكن من ذلك، وهو أمر تشير استطلاعات الرأي إلى أنه قد يحدث.
كثف سوناك من جهوده لتحقيق خطة حكومته في ترحيل اللاجئين إلى رواندا، مشيراً في مناظرة تلفزيونية في 4 حزيران/ يونيو، إلى أنه على استعداد لإخراج المملكة المتحدة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إذا وقفت في الطريق.
تعارض أحزاب المعارضة في طيف اليسار، بما في ذلك حزب العمال وحزب الخضر والديمقراطيون الأحرار والحزب الوطني الاسكتلندي، الخطة. كما عارض حزب المعارضة اليميني المتطرف الإصلاح البريطاني “ريفورم يو كيه” الخطة سابقاً، غير أنه وعد بخطط إبعاد أخرى في سياسته بخصوص الهجرة.
ويرى خبراء الهجرة إن الاعتقالات، التي يتم بثها، هي “مواد جيدة للحملة الانتخابية”، التي يقودها المحافظون الحاكمون أكثر من كونها ذات صلة بالترحيل الفعلي. لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن هذه الجهود قد لا تؤتي أكلها. إذ إن ما يشغل بال الناخبين في المملكة المتحدة، وفقاً للأنباء، هو أزمة تكاليف المعيشة في البلاد وخدمات الرعاية الصحية الوطنية، أكثر من شؤون الهجرة.
وفي الوقت الذي يزعم حزب العمال أنه يعارض خطة رواندا، لم يستجب للدعوات التي تناشد بإيجاد طرق آمنة للجوء، بحسب خبراء في مجال الهجرة، كما أنه يتبع تكتيكات “رادعة”مماثلة لتلك التي يتبعها المحافظون، وهي تكتيكات يرى خبراء أنها غير ناجعة، وتعرض حياة الناس للخطر.
أشار كير ستارمر، زعيم حزب العمال، في مناظرة في 4 حزيران/ يونيو إلى أنه منفتح ومتقبل لإرسال طالبي اللجوء إلى بلدان ثالثة أخرى من أجل الحد من الهجرة.
في الوقت الحالي، لا يمكن لعبد الرحمن وإياد وغيرهما من طالبي اللجوء، بما فيهم الناجين من التعذيب، فعل أي شيء سوى الانتظار.
لا يمكن لعبد الرحمن تخيل فكرة التهجير من جديد. كان فرحه بلم شمله مع شقيقه في بريطانيا في الشهر الماضي بعد فراق دام ست سنوات “لا يوصف بالكلمات”، كما قال. يبعد عن شقيقه المقيم في ليفربول، الذي ينتظر معالجة طلب لجوئه أيضاً، مسافة ساعتين، ويلتقيان كلما سنحت لهما الفرصة.
إن كان له القرار، كلّ ما يحتاجه أن يحط رحاله في مكانه الحالي، وينطلق منه لإعادة بناء حياته في البلد الذي خاطر بحياته للوصول إليه، لأنه يرى أن “الأمور كلها جيدة هنا”، قائلاً: “أريد أن أبقى وأبدأ العمل بأسرع وقت، أياً كان العمل”.
نُشِر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور