صدمة ما بعد السقوط: رحيل الأسد لا يكفي لعودة مهجري حمص إلى منازلهم
في اليوم التالي لسقوط الأسد، بدأ العديد من النازحين التوافد إلى حمص من مناطق نزوحهم في شمال غرب سوريا، لكن حجم الدمار الكبير، شكلّ صدمة لهؤلاء والعديد منهم عادوا من حيث أتوا
20 ديسمبر 2024
حمص- عاش السوريون نشوة انتصار الثورة السورية وسقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، لا سيما المهجرّون في شمال غرب سوريا، الذين تجدد الأمل لهم بالعودة إلى مواطنهم الأصلية، وطيّ صفحة النزوح بما فيها من قهر.
في اليوم التالي لسقوط الأسد، توافد العديد من النازحين في شمال غرب سوريا إلى مدنهم وبلداتهم للقاء ذويهم وتفقد منازلهم، كما هو حال عمر الموسى، 30 عاماً، الذي التقى بوالده في منطقة الحولة بريف حمص بعد فراق دام 13 عاماً، كما قال لـ”سوريا على طول”، إذ بعد اندلاع الثورة السورية غادرت عائلته إلى لبنان، بينما بقي في الحولة حتى تهجيره منها في عام 2018 إلى شمال غرب سوريا.
لم يتوقع الموسى، وهو أب لطفلين، المقيم حالياً في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني (المعارض)، أن تكون الأوضاع في حمص وريفها بهذا السوء “الدمار كبير، والخدمات الأساسية معدومة: لا كهرباء ولا إنترنت ولا مياه”، ناهيك عن أن بيت العائلة في الحولة بحاجة إلى ترميم “وإذا تم ترميمه لا يستوعبنا. نحن خمسة أبناء خرجنا صغاراً أو شباباً، والآن أربعة منا متزوجون ولدينا أطفال”، بحسب الموسى، الذي يعمل بمركز تدريبات في مجال الذكاء الصناعي.
صُدم الكثير من النازحين، الذين يشكلون نحو 50 بالمئة من عدد سكان شمال غرب سوريا (مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني)، البالغ نحو ستة ملايين نسمة، بحجم الدمار وسوء الخدمات في مدنهم وبلداتهم الأصلية، سواء الذين سارعوا إلى العودة أو الذين اكتفوا بتصفح صور بيوتهم لعدم قدرتهم على تأمين مصاريف السفر إليها.
“عادت سوريا لنا، وعشنا فرحة الانتصار لعدة أيام، ومن ثم بدأت تظهر أزمة عودة المهجرّين إلى منازلهم المهدمة” جزئياً أو كلياً، قالت أم أمين، المهجرة من حي الوعر بحمص إلى كفرديان بريف إدلب الشمالي، لـ”سوريا على طول”.
تعد حمص واحدة من المحافظات الأكثر دماراً، إذ بلغ عدد المباني المدمرة 13,778، منها 3,082 مبنى مدمر كلياً، و5,750 بشكل بالغ، و4,946 بشكل جزئي، بحسب أطلس نشره معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب في عام 2019.
حاله حال العديد من مهجّري حمص، زار أبو أمين حي الوعر، الذي يبعد 186 كيلومتراً عن مكان نزوحه في شمال غرب سوريا، من دون أن ترافقه زوجته، “لأننا لا نستطيع تأمين حتى تكاليف زيارة المدينة”، بحسب أم أمين.
شاهدت أم أمين منزلها المدمّر، الذي نزحت منه قبل ست سنوات، عبر صور التقطها زوجها أثناء زيارته، قائلة: “تعرض المنزل لقصف مباشر على إحدى غرفه فدُمرت كلياً، بينما تعرضت جدران المنزل كاملاً للتصدع، لذا لا يمكن السكن فيه من دون هدّه بالكامل ومن ثم إعادة بنائه”.
يعمل زوج أم أمين موظفاً في محل حلاقة، وبالكاد تأمين العائلة مصاريفها اليومية، بينما تُقدّر تكلفة “إعادة إعمار المنزل حوالي 15 ألف دولار أميركي، ونحن لا نملك منها 50 دولاراً فقط” لتأمين مصاريفنا اليومية، على حدّ قولها.
حبّ الأرض وصعوبة العودة
في أيار/ مايو 2014، توصلت فصائل المعارضة السورية في أحياء حمص القديمة والنظام السوري إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة، يقضي بخروج المحاصرين بعد حصار دام 700 يوم تقريباً، إلى ريف حمص الشمالي.
تعرضت مدينة حمص لقصف ممنهج ما أدى إلى تدمير العديد من أحيائها القديمة والمناطق الأثرية والدينية فيها، ناهيك عن المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين، منها: مجزرة كرم الزيتون، التي وقعت في كانون الثاني/ يناير 2012، وراح ضحيتها أكثر من 43 قتيلاً بينهم ثمانية أطفال، ومجزرة الخالدية في شباط/ فبراير 2012، وراح ضحيتها نحو 220 شخصاً، بينهم أطفال، إضافة إلى مجازر أخرى في الحولة ودير بعلبة وغيرهما من المناطق.
عبد الله مسرّة، 28 عاماً، ابن حيّ الخالدية في حمص القديمة، واحدّ من المحاصرين الذين خرجوا في اتفاق التهجير، عام 2014، وكان شاهداً على الدمار الذي تعرضت له المدينة، لذا لم يتفاجأ، عندما عاد بعد سقوط النظام إلى المدينة بحجم الدمار، لكنه عاد ليحتفل بسقوط الأسد فيها، كما قال لـ”سوريا على طول”.
عاش مسرّة مرارة التهجير مرتين، الأولى عندما خرج من حي الخالدية بحمص إلى ريف حمص الشمالي، والثانية في صيف 2018، عندما توصلت فصائل المعارضة إلى اتفاق مع نظام الأسد المخلوع، يقضي بخروج مقاتلي المعارضة ورافضي التسوية إلى شمال غرب سوريا.
وقف مسرّة على أطلال منزله المدمر في حي الخالدية، ومن ثم عاد إلى حيث يقيم حالياً من زوجته وطفليه في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، مبرراً ذلك بسببين، الأول: “منزلنا عبارة عن شقة سكنية ضمن بناء، وهذا البناء مدمّر بالكامل، لذا المشكلة ليست فقط في إعادة إعمار منزلي الذي لا قدرة لي على إعماره، وإنما المشكلة بالبناء كاملاً أو حتى الحي بأكمله، كون الحي مدمرٌ بما فيه من بنى تحتية وخدمات”، والثاني: “غياب فرص العمل في المكان الذي يجب أن أعود إليه”.
“تمنيت أن أعود إلى منزلي الذي ترعرعت فيه، وأن يرى أطفالي، الذين ولدوا في مكاني نزوحي، المنزل الذي نشأ فيه أبوهم والمدينة التي عاش فيها، لأنهم لا يعرفون شيئاً عن موطنهم الأصلي”، بحسب مسرّة.
وفي هذا السياق، قال الناشط أنور أبو الوليد، المهجّر من دير بعلبة بحمص منذ عام 2012، أن “معظم الذين زاروا الحيّ تقريباً عادوا إلى مكان نزوحهم، ولم يتمكنوا الاستقرار بسبب حجم الدمار الذي حلّ ببيوتهم”.
وأضاف أبو الوليد لـ”سوريا على طول”: “ما حدث من تدمير في حمص على يد النظام السوري المخلوع وميليشياته الطائفية كان ممنهجاً، ومن الواضح أن هدف التدمير منعناً من العودة إلى حمص مستقبلاً، لكن بعد التحرير تغيّر كل شيء، والناس عازمة على العودة، لكن هذا يتطلب وقتاً من جهة، وتدخلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لأجل إعادة الإعمار وتأمين عودة المهجرين”.
بلغ عدد سكان دير بعلبة، في عام 2010، نحو 85 ألف نسمة، لم يعد منهم حتى الآن سوى عشرة بالمئة، بحسب أبو الوليد، مشيراً إلى أن “معظم بيوت الحي مدمرة كلياً أو جزئياً، وهذا يشكل عبئاً ثقيلاً على الأهالي الراغبين بالعودة، لأن إعادة المدنيين إعمار منازلهم تتطلب مبالغ طائلة لا يمكنهم تأمينها”.
وبينما لا يمكن الكثير من مهجري حمص على المدى المنظور إلى منازلهم، تمكن أبو الوليد من العودة بعد رحلة تهجير امتدت منذ 12 عاماً، وكانت على مراحل “من دير بعلبة إلى أحياء أخرى بحمص، ومن ثم إلى ريف حمص الشمالي، وأخيراً إلى الشمال السوري”، وما كان ليستطيع العودة والاستقرار بحمص “لولا أن عائلتي عادت إلى الحي قبل سنتين ورمّموا جزءاً من المنزل”، على حد قوله.
الإعمار شرط العودة
تسع سنوات قضاها ماجد العثمان، 39 عاماً، مهجراً في شمال غرب سوريا، “عانينا خلالها في خيام إدلب من حرّ الصيف وبرد الشتاء، معاناة لا يمكن لإنسان أن يتخيلها”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وفور سقوط الأسد، ترك العثمان، وهو عامل بناء، مخيم “تجمع القلوب الرحيمة الرابع” قرب مدينة قباسين بريف حلب، إلى مدينة حمص وقرر البقاء فيها “رغم الصدمة التي تلقيتها نتيجة حجم الدمار الكبير”.
“بيتي مدمّر، والخدمات في حمص سيئة جداً، ومع ذلك قررت البقاء لأنني حصلت على فرصة عمل، لأن العيش في مدينتي بكرامة أفضل من المعيشة في مخيمات النزوح”، بحسب العثمان، وهو أب لسبعة أطفال.
يخطط العثمان “ترميم غرفة واحدة ومنتفعاتها”، على أمل أن تتكفل “الحكومة الحالية أو الدول العربية أو المجتمع الدولي بإعادة الإعمار”، بما في ذلك بيته، “حتى تعود الناس إلى منازلها وينتعش الاقتصاد”.
وبعد مرور أقل من أسبوعين على سقوط الأسد، ما تزال سوريا تعيش حالة من الفوضى الإدارية، رغم دعوة العاملين والموظفين للعودة إلى أعمالهم ومؤسساتهم منذ اليوم الأول على لرحيله، فيما تعمل البلديات بالحدّ الأدنى، وهو ما دفع العديد من المدنيين إلى إطلاق حملات تطوعية، من قبيل تنظيف الشوارع، للمساهمة في تحسين الأوضاع.
لذا، يبدو أن ملف إعادة الإعمار أو دعم ترميم المنازل المدمرة جزئياً، مؤجل حتى الآن، لا سيما أن هذا الملف بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي، في بلد أنهكته الحرب طيلة 14 عاماً.
منذ أن باشر صفوان الكنج عمله كرئيس للمجلس المحلي في منطقة الحولة، بعد رحيل الأسد، بدأ بـ”إجراء اتصالات مع بعض المنظمات والناس المقتدرين من أهل البلد لتحسين البنى التحتية الضرورية، لكن حتى الآن لم نجد الاستجابة المطلوبة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وأضاف الكنج: “كل الخدمات والمنظومات متهالكة: الزراعية، الصناعية، الإسكانية، والبنى التحتية بما فيها شبكات المياه والكهرباء”، لذا “نتطلع إلى مساعدة الدول الشقيقة والصديقة من أجل إعادة الإعمار ونهضة بلدنا”.
قالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، أمس الخميس، أن صندوق النقد الدولي يراقب عن كثب الوضع المتقلب في سوريا، مؤكدة على أنه “مستعد لمساعدة سوريا في إعادة الإعمار مع المجتمع الدولي”.
إلى أن تبدأ عملية الترميم والإعمار، وفي ظل “غياب أي نوع من الخدمات في حمص، أجرى الناس عملية مراجعة سريعة، وقرر الكثير منهم العودة إلى الشمال السوري، لأن بيوتهم التي تركوها لا تصلح للاستخدام”، بحسب الكنج.
“لا يمكنني إعادة ترميم منزلنا على نفقتي الخاصة، وإذا استطعت تأمين المبلغ تحتاج عملية الترميم من سبعة إلى ثمانية أشهر”، وهذا “أشعرني بالإحباط، لذا بدلاً من الاستقرار في حمص، اصطحبت والدي معي إلى اعزاز، على الأقل فيها استقرار وظيفي لي، وتتوفر فيها الخدمات من إنترنت وكهرباء ومياه”، ختم عمر الموسى.
شارك في إعداد هذا التقرير عمار ياسر حمو