صراع السيطرة على “قطاع التعليم” بين حكومتي الإنقاذ والمؤقتة “المعارضتين” في إدلب
يجلس طلاب حرم جامعة حلب الحرة في شمال شرق محافظة […]
11 يناير 2018
يجلس طلاب حرم جامعة حلب الحرة في شمال شرق محافظة إدلب على كراسي بلاستيكية وأكوام من الصخور في الساحة الخارجية، يدونون ملاحظاتهم تحت أشعة الشمس، في حين يحاضر أستاذتهم أمامهم، على بعد أمتار قليلة من صفوفهم الدراسية الفارغة بأبوابها المقفلة والمحاطة برجال مسلحين يحرسونها.
وفيما يخص ذلك قال حسن عبيد، طالب جامعي من بلدة الدانا شمال ادلب “نحن نكمل تعليمنا أمام مباني كلياتنا المسلوبة”.
ويعتبر الحرم الجامعي الادلبي التابع لجامعة حلب الحرة أحد أحدث ساحات المعارك في الصراع على السلطة بين حكومات المعارضة المتنافسة في شمال غرب سوريا، وهي الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ السورية المشكلة حديثاً والمدعومة من قبل هيئة تحرير الشام.
وخلال الأيام الخمسة الماضية، قام الطلاب والأساتذة في الكليات والمعاهد الفنية (التقنية) التابعة لجامعة حلب الحرة في بلدتي الدانا وسرمدا المجاورة بالاعتصام والاستمرار في الدراسة، و رفضوا إغلاق كلياتهم نهاية الأسبوع الماضي من قبل حكومة الإنقاذ السورية التي تشكلت مؤخرًا.
وكانت حكومة الإنقاذ السورية تشكلت في إدلب أواخر عام 2017 بهدف إبعاد حكومة المعارضة الحالية، في حين تم التأسيس للحكومة السورية المؤقتة المنافس الرئيسي لحكومة الانقاذ السورية في تركيا عام 2013 كبديل لحكومة الأسد في دمشق.
اجتماع طلاب وأعضاء هيئة التدريس للاعتصام واعطاء الدروس في الخارج في بلدة الدانا، في 8 كانون الثاني، الصورة من صفحة جامعة حلب في المناطق المحررة.
وبينما تصف حكومة الإنقاذ السورية نفسها بأنها غير حزبية ومستقلة لاتتبع لأحد، إلا أنها تتألف إلى حد كبير من الوزراء والمسؤولين الذين لهم صلة مع التحالف المعارض المتهم بالتشدد “هيئة تحرير الشام”، كما يصفها المناوئون لها على أنها واجهة لهيئة تحرير الشام وفصيلها الرئيسي جبهة فتح الشام، التي كانت سابقاً تابعة لتنظيم القاعدة في سورية.
ومنذ تأسيسها، عززت حكومة الانقاذ السورية السيطرة على الإدارة المدنية لمقاطعة إدلب وأصدرت عدداً من الأحكام وفقاً لتفسير حكم الشريعة الإسلامية الصارم التي تتبعه هيئة تحرير الشام.
وفي منتصف كانون الأول، أصدرت حكومة الإنقاذ السورية إنذاراً نهائياً بإغلاق جميع المكاتب التي تديرها منافستها الحكومة المؤقتة السورية، وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ عناصر هيئة تحرير الشام في تنفيذ قرار حكومة الإنقاذ السورية وداهموا مكاتب تابعة للحكومة السورية المؤقتة المعتدلة نسبياً، وذلك وفقاً لما ذكره موقع “العربي الجديد” الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له.
وكجزء من فرض حكومة الإنقاذ السورية التابعة لهيئة تحرير الشام سيطرتها قامت بتحويل رؤيتها إلى المؤسسات التعليمية في المناطق التي تسيطر عليها.
وتأسست جامعة حلب الحرة من قبل الحكومة السورية المؤقتة في كانون الأول من عام 2015 كبديل للجامعات التي تديرها الحكومة، ويقدر عدد الطلاب المسجلين حالياً في الجامعة بسبعة آلاف طالب، كما تتألف الجامعة من عدة فروع متواجدة في خمس مقاطعات في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.
وأعلنت حكومة الإنقاذ السورية سيطرتھا علی جامعة حلب الحرة قبل حوالي ثلاثة أسابیع، وعینت رئیساً جدیداً للجامعة، ورداً على ذلك، نقلت الحكومة المؤقتة مقر جامعة حلب الحرة من محافظة إدلب إلى قرية بشقاتين في ريف حلب الغربي.
وقال عبد العزيز الدغيم، وزير التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة لسوريا على طول هذا الأسبوع “نحن نرفض مصادرة إرادة رئاسة الجامعة ومحاولة الضم الإجباري إلى وزارة التعليم في حكومة الانقاذ “.
ولا يتم الاعتراف بالدرجات من جامعة حلب الحرة خارج الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، على الرغم من سنوات من الجهود المبذولة من قبل مسؤولي التعليم في الحكومة السورية المؤقتة.
ومنذ أن أعلنت حكومة الإنقاذ السورية سيطرتها على جامعة حلب الحرة، قام الطلبة والموظفون في المؤسسات التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة في شمال غرب سوريا بالخروج بمظاهرات متعددة ضد حكومة الإنقاذ السورية ودعماً للحكومة السورية المؤقتة.
وجاء إغلاق كليات جامعة حلب الحرة الذي شمل كلية القانون والآداب وهندسة المعلوماتية وغيرها في بلدتي إدلب الدانا وسرمدا، حيث يدرس نحو 4 آلاف طالب، يوم الخميس الماضي، وذلك بعد يوم واحد من احتجاج الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على زيارة قام بها رئيس الجامعة المعين من قبل حكومة الإنقاذ السورية.
وانتشر فيديو على الإنترنت في 4 كانون الثاني يظهر مجموعة كبيرة من الطلاب الذي كانوا يهتفون “طلاع برا”، ويجبرون إبراهيم الحمود، رئيس جامعة حلب الحرة المعين من قبل حكومة الإنقاذ على الرحيل.
وبعد يوم واحد، أعلنت حكومة الإنقاذ أنه تم إلغاء الحصص الدراسية في جامعة حلب الحرة حتى 14 كانون الثاني “حرصاً على سلامة أبنائنا الطلبة” وسط هجوم بري حكومي سوري وحملة تفجير في جنوب وجنوب شرق مدينة إدلب، ومنذ ذلك الحين تم تمديد الإغلاق حتى 20 كانون الثاني، واتسع نطاقه ليشمل جميع المؤسسات التعليمية.
وقال عبد الكافي، وهو محاضر في كليات الحقوق والآداب والمعلوماتية في جامعة حلب الحرة لسوريا على طول، يوم الثلاثاء، أنه عندما ذهب الطلاب والموظفون في الدانا وسرمدا إلى كلياتهم الأسبوع الماضي “رأوا الملثمين المسلحين يمنعوهم من الدخول إلى كلياتهم”.
محاضر في جامعة حلب الحرة يلقي محاضرته خارج الكلية في بلدة الدانا، 8 كانون الثاني، الصورة من صفحة جامعة حلب في المناطق المحررة.
ويقع مبنى جامعة حلب الحرة في قريتي الدانا وسرمدا في الأراضي التابعة لهيئة تحرير الشام التي تعتبر امتداد لحكومة الإنقاذ السورية، كما قامت كليات جامعة حلب الحرة في المناطق التابعة للجيش السوري الحر في ريف حلب الغربي والشمالي بتعليق الدوام كالمعتاد.
وذكر جمعة العمر، وزير التعليم العالي في حكومة الإنقاذ لسوريا على طول، يوم الثلاثاء، أن كليات الجامعة أَقفلت بسبب الغارات الجوية مؤكداً أن “هناك حراسة موجودة في الكليات”، كما أكد أيضاً أن مجلس تعليم حكومة الإنقاذ ” لا يتبع لهيئة تحرير الشام ولا لأي جهة كانت”.
ومع ذلك، لم يكن هناك أية غارات جوية أو تفجيرات في الدانا أو سرمدا منذ عدة أشهر، حسبما أكدته مصادر محلية لسوريا على طول، كما قال المحاضر عبد الكافي أن إغلاق الكليات في غياب التفجيرات الحالية يعتبر كسر للبروتوكول المتبع في العامين الماضيين.
وأضاف “نحن في العادة لا نغلق كل الأقسام والكليات في جامعة حلب، فأي منطقة تتعرض للقصف يغلق القسم الموجود في تلك المنطقة فقط”.
ويجري القتال العنيف بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة على بعد حوالي 60 كيلومتراً جنوب شرق سرمدا والدانا.
وعلى الرغم من إغلاق الكليات تجمع الطلاب والأساتذة بالقرب من المدرسة خلال الأيام الخمسة الماضية واعتصموا واستمروا بعملية التعليم في الخارج.
وتابع ” نحن هنا لنعبر عن رفض قرار إغلاق الكليات، ولو كان اغلاقاً مؤقتاً”.
وقال حسن عبيد، طالب في السنة الثالثة لسوريا على طول، أن “جميع الطلاب تحضر المحاضرات بسبب اقتراب موعد الامتحان، وتم تلقيم الأسلحة بوجه الطلاب وتم إطلاقها بالهواء وتهديدهم عن طريق الكلام أيضاً”.
“حيدوا التعليم عن السياسة” كتابات مؤرخة يوم الاثنين 8 كانون الثاني في الدانا. الصورة من صفحة جامعة حلب في المناطق المحررة.
وأكد العبيد أن “الطلاب ترفض التبعية لحكومة الإنقاذ، ويجب على حكومة الإنقاذ أن تعي هذا الأمر وألا تكون أداة لتدمير مستقبل التعليم في منطقتنا المحررة”.
وألقي القبض على ثمانية طلاب وعميد كلية الإعلام في سرمدا، بحسب تقارير إعلامية، على نقطة تفتيش تابعة لهيئة تحرير الشام، يوم الأحد الماضي، بعد مشاجرة لفظية مع مسلحين على أبواب مدرستهم، وفقاً لما أكده العبيد، وفيما بعد تم إطلاق سراح الطلاب، في حين تم احتجاز العميد وفقاً لصفحة طلاب جامعة حلب الحرة على فيسبوك.
وصرح كلاً من وزير التربية في حكومة الإنقاذ ونظيره في الحكومة السورية المؤقتة لسوريا على طول هذا الأسبوع أنهم لا يوافقون على تسييس التعليم في شمال غرب سوريا.
وقال جمعة العمر أن “الجامعات لا يجب أن تدخل في إطار الخلاف الحاصل بين الحكومتين، لكن جامعة حلب تعلن أنها تتبع للحكومة المؤقتة”.
ومن جهته صرح الدغيم، نظير العمر في الحكومة السورية المؤقتة، أنه يأمل “من زملائنا في الطرف الآخر القائمين على أمر التعليم في إدلب أن يرفعوا أيديهم عن التعليم والجامعات ويتركوا الجامعات تكمل عملها “.
وفي الوقت الراهن، لا تزال كليات الجامعة في شمال شرق إدلب مغلقة، ولا تزال الحصص الدراسية في الهواء الطلق.
وقال عبد الكافي المحاضر في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة ” وللأسف التجاذبات السياسية غلبت على مصلحة الطالب”.
ترجمة: بتول حجار