6 دقائق قراءة

صمود حراك السويداء في مرحلة ما بعد الأسد

مع سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد، ما يزال حراك السويداء مستمراً، يراقب بحذر الحكومة الجديدة في دمشق ويخطط من أجل المستقبل


7 يناير 2025

مرسيليا- قبل شهر تقريباً، سقط النظام السوري وهرب بشار الأسد إلى خارج البلاد، وبذلك تحقق أعلى أهداف حراك السويداء، الذي اندلعت شرارته في آب/ أغسطس 2023، لكن الحراك يلعب دوراً رئيسياً من أجل سوريا الجديدة.

لمدة عام كامل، كانت سلام النوباني تمشي لمدة 45 دقيقة يومياً من منزلها في السويداء إلى ساحة الكرامة وسط المدينة، وهي القلب النابض لحراك السويداء المناهض لنظام الأسد في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.

كانت النوباني، وهي معلمة سابقة، جزءاً من حراك السويداء، منذ بدايته في آب/ أغسطس، وهي أول امرأة تشارك في اللجنة التنفيذية المنظمة للحراك.

”90 بالمئة من اللافتات في الساحة مكتوبة بخطّي”، قالت النوباني لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن السؤال اليومي الذي كان يتردد “ما هي الرسالة التي نريد أن نرسلها من ساحة الكرامة اليوم؟”.

اندلعت شرارة احتجاجات السويداء عندما رفع نظام الأسد أسعار المحروقات، في آب/ أغسطس 2023، لكن سرعان ما ارتفع سقف المطالب إلى الدعوة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الذي ينص على عملية الانتقال السياسي للسلطة وإجراء الانتخابات والإفراج عن المعتقلين، وبلغت المطالب ذروتها عندما هتف المتظاهرون بإسقاط النظام نفسه.

وبما أن النظام سعى منذ فترة طويلة إلى إظهار نفسه على أنه ”حامي الأقليات“، فكان رده على الاحتجاجات هادئاً، على عكس المناطق ذات الأغلبية السنية، التي قمع احتجاجاتها في عامي 2011 و2012 بشكل دموي.

لكن مع استمرار الاحتجاجات، أرسلت دمشق تعزيزات إلى المحافظة، ما أدى إلى اشتباكات مع الفصائل المسلحة المحلية في حزيران/ يونيو 2023. وبلغ هذا الأمر ذروته في تموز/ يوليو من العام نفسه، عندما اغتال النظام مرهج الجرماني، وهو قائد محلي ومشارك بارز في الحراك.

استمر حراك السويداء، رغم انخفاض عدد المشاركين فيه، إلى أن سقط النظام في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، حينها “تنفسنا أوكسجين النصر، وكان أوكسجين السويداء حينها مختلفاً تماماً”، بحسب النوباني.

في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر، أي في اليوم التالي لهروب بشار الأسد، احتشد أهالي السويداء، لكن هذه المرة احتفالاً بسقوط الأسد، وفي نفس الوقت يتابعون بحذر الحكومة الانتقالية الجديدة، التي تقودها هيئة تحرير الشام في دمشق.

تحرير السويداء

في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، أطلقت هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية عملية “ردع العدوان”، التي سرعان ما أدت إلى السيطرة على مدينة حلب ومن ثم تقدمت على حماة وحمص ، بالتزامن مع تقدم فصائل الجنوب شمالاً نحو العاصمة.

وفي السويداء، شكلت الفصائل المحلية غرفة عمليات مشتركة ضمت رجال الكرامة -أكبر فصيل محلي- إلى جانب شيخ الكرامة ولواء الجبل والقاهرون ومجموعات أصغر، كما قال أبو تيمور، الناطق باسم رجال الكرامة لـ”سوريا على طول”.

”مع الضغط الكبير ضد النظام في الشمال… قررنا تحرير السويداء”، بحسب أبو تيمور، لافتاً إلى أن “تحرير السويداء كان سهلاً ولم يكن صعباً”، وقبل بدء عملية التحرير أرسلوا “إنذاراً بإخلاء الأفرع الأمنية والوحدات العسكرية الكبيرة في المحافظة”.

في السابع من كانون الأول/ ديسمبر، استولت فصائل السويداء على مركز المحافظة، ثم تقدمت للسيطرة على أريافها، وفي غضون 24 ساعة كانت المحافظة “محررة” بالكامل. بعد ذلك تحركت غرفة العمليات المشتركة بسرعة لضمان الأمن وحماية مؤسسات الدولة من النهب، محققة درجات متفاوتة من النجاح.

وفي درعا المجاورة، انطلقت المجموعات المحلية (فصائل التسوية) للسيطرة على المحافظة، ومن ثم اندفعت شمالاً نحو العاصمة، وبحلول فجر يوم الثامن من كانون الأول/  ديسمبر سقطت دمشق.

حوكمة ما بعد النظام

بعد الأسد، اتخذ حراك السويداء خطوات لإنشاء هياكل جديدة والمشاركة في الحكم المحلي، إذ “أنتج الحراك كياناً انتخب عدة لجان: سياسية وإعلامية وقانونية”، كما قال الناشط سامر سلوم، عضو اللجنة التنفيذية للحراك لـ”سوريا على طول”.

ولعب الحراك دوراً في “حماية مؤسسات الدولة كالمدارس والمصارف والمستشفيات“، بحسب سلوم، وأشارت النوباني إلى أن المشاركين في حراك السويداء كان لهم أدوار مماثلة للمتطوعين في دمشق والمحافظات الأخرى، في تنظيف الشوارع والمرافق الحكومية بعد أن تعرضت لعمليات نهب.

وقال هشام الجوهري، وهو ناشط مدني شارك في الاحتجاجات، “إن المناقشات جارية حالياً لتشكيل مجالس محلية لإدارة شؤون المحافظة”، وقد كان هناك “اجتماع للنقابات [في منتصف كانون الأول/ ديسمبر] على المستوى الوطني لتوحيد العمل… وقيادة المرحلة المقبلة”.

وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر، أفادت وسائل إعلام أن حكومة تصريف الأعمال بدمشق عينت محسنة المحيثاوي مُحافظةً للسويداء، وهي من الطائفة الدرزية ومن أوائل المشاركات في حراك المحافظة، علماً أن دمشق لم تؤكد ذلك حتى الآن. قالت شبكة السويداء 24، أن الهيئات السياسية والدينية في المحافظة اختارت المحيثاوي ونوقش اسمها مع عدة وفود من الحكومة الانتقالية التي زارت السويداء لكن لم يصدر قرار رسمي بتعيينها.

عمل الجوهري نحو عقدين من الزمن في منظمات المجتمع المدني في السويداء. واليوم، تحاول هذه المنظمات أن تجتمع “للتحدث بصوت واحد”، وهو أمر لم يكن ممكناً تحت سطوة النظام السوري، على حد قوله.

”كانت المساحة المتاحة لنا [للعمل] مقيّدة، مع مخاطر السجن والاستجواب والخطف والقتل، لأن النظام يخاف من المجتمع المدني، بينما لو كنا مسلحين لما خاف منا لأن هذه هي لغته”، بحسب الجوهري، الذي عبر عن سعادته حالياً كونهم “قادرين على العمل علناً”.

وتابع الجوهري: “من الممكن أن نشكّل لجاناً للصحة والخدمات والوقود والتعليم“، موضحاً أن “الأفكار [ما تزال] جديدة، لأن السقوط السريع [للنظام] كان مفاجئاً”. وتسعى السويداء إلى “التنسيق والتواصل… مع القادة التقليديين والمثقفين [و] الناشطين، حتى يكون صوتنا ممثلاً للجميع”.

وبينما كان هناك خلافات في الماضي بين العديد من منظمات المجتمع المدني، “فإننا نتفق جميعاً اليوم على ضرورة مراقبة عمل مؤسسات الدولة لمنع الفساد والضغط على الجماعات المسلحة للتخلي عن السلاح”.

“هناك نقاش داخلي” حول شكل الحكم المستقبلي، بحسب الجوهري، مشيرا إلى وجود “توترات كبيرة حول نوع نظام الحكم: فيدرالي أو كونفدرالي، لامركزي أو انفصالي، وما إلى ذلك“.

في 29 كانون الأول/ ديسمبر، أرسلت حكومة تصريف الأعمال وفداً برئاسة وزير العدل شادي الويسي إلى السويداء لمناقشة مستقبل المحافظة. وقد دعا زعيم الطائفة الدرزية السورية، الشيخ حكمت الهجري إلى ”نظام لا مركزي“، مع تأكيده على ”رفض تقسيم البلاد“.  

وطوال أكثر من عقد من الثورة والحرب، تمتعت السويداء بنوع من الحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع، خاصة من الناحية الأمنية، إذ كانت الفصائل تسيطر على المحافظة، والسكان يستفيدون من الإعفاء من الخدمة العسكرية.

أعلنت هيئة تحرير الشام عن ضرورة اندماج جميع الفصائل السورية تحت مظلة وزارة الدفاع، وقالت في اجتماع مع أبناء الطائفة الدرزية أن “الجميع سوف يخضع للقانون”، بحسب بيان لها. وقد رفض أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قائد سوريا الحالي، فكرة الفيدرالية والتقسيم، مشدداً على أن سوريا يجب أن تبقى “موحدة”.

ويتفق السلوم والجوهري والنوباني على أن الانفصال ليس خياراً مطروحاً. قالت النوباني: “مستقبل السويداء هو مستقبل سوريا، لا نقبل بالانفصال وهذا رأي معظم الناس في السويداء”، بينما هناك شريحة من السكان “تريد إقليم جبل الدروز”، متساءلة: “لا أفهم كيف يريدون العيش لوحدهم. السنة والعلويون إخواننا”.

وشدد السلوم على أن ”مستقبل محافظة السويداء هو أن تكون جزءاً من سوريا الأم. نحن نؤمن بوحدة سوريا أرضاً وشعباً”، على حد قوله.

مخاوف من المستقبل

يشعر العديد من الدروز، باعتبارهم أقلية دينية في سوريا، بالقلق من هيئة تحرير الشام نظراً لتاريخها في محافظة إدلب، بحسب الجوهري، مستشهداً بمذبحة عام 2015، التي راح ضحيتها 20 درزياً على الأقل، في قرية قلب لوزة في إدلب على يد جبهة النصرة (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام قبل أن تعلن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة).

وكانت النصرة أيضاً مسؤولة عن عمليات مصادرة جماعية لأراضي ومنازل الدروز والمسيحيين في إدلب. في عام 2023، غيّرت هيئة تحرير الشام من سياستها، وردّت بعض الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها، كما شجعت كلاً من المسيحيين والدروز على العودة إلى قراهم في محافظة إدلب. 

منذ سيطرة “إدارة العمليات العسكرية” بقيادة هيئة تحرير الشام على معظم الأراضي السورية، أصدرت الإدارة السياسية والعسكرية عدة بيانات واجتمعت مع وجهاء المجتمع المحلي، بما في ذلك الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط، لإعطاء تطمينات للأقليات بأنهم ضمن حمايتها.

اعترف الجوهري بأن “كل الرسائل مطمئنة”، ومع ذلك “نحن في حالة من الحذر، لا يمكننا أن نأخذ بكلامهم في المراحل الأولى”.

إقرأ المزيد: الأقليات في إدلب ورقة بيد “تحرير الشام” لتبييض سجل طويل من الانتهاكات (خريطة)

وهناك مخاوف أخرى تتعلق بشكل الحكم في سوريا ما بعد الأسد، بحسب سلوم، الذي قال: “مخاوفنا من هيئة تحرير الشام تتمثل في فرض السلطة وعدم المشاركة في الحكومة، أو في التشكيل الوزاري”.

حتى الآن، كلّف الشرع رئيس وزراء، تولى بدوره تشكيل حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال حتى آذار/ مارس في العام الحالي. وقال الشرع الأسبوع الماضي أن صيانة دستور جديد قد تستغرق ما يصل إلى ثلاث سنوات، وأربع سنوات لإجراء انتخابات رئاسية.

كما يخشى البعض في السويداء من دور الدين في الدولة المستقبلية. ”نحن خائفون من الحكم الديني… من أفغنة سوريا، لذا فصل الدين عن الدولة هو الأهم”، بحسب الجوهري.

واتفقت النوباني مع هذا الرأي، قائلة: “نحن خائفون جداً من أسلمة الدولة، وأن تنص مسودة الدستور على أن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلماً”، ناهيك عن أنها لا تثق كثيراً في الشرع كـ”زعيم سياسي حقيقي”.

وقال الجوهري والنوباني أن الشعب “لن يقبل بسلطة الأمر الواقع [من دون] استفتاء شعبي ودستور جديد، ولن نقبل بأي شكل آخر”، وأضافت النوباني: “لا نريد استبدال طاغية بآخر، حتى لو كان الوجه [الجديد] أفضل”.

”نحن لم نعتصم في الساحات حتى نتخلص من طاغية ونستبدله بآخر. قد نعود إلى الساحات لنطالب بإسقاط أي نظام أو ديكتاتور”، وفقاً للجوهري. وختمت النوباني بالقول: “أنفاس الحراك لا تزال حاضرة”.

شارك هذا المقال