طالبة تعود إلى الغوطة المحاصرة بعد تخرجها من الجامعة: في دمشق نعرف الحقيقة ولا نستطيع أن ندافع عنها
فبراير 9, 2017
بعد تخرجها من كلية هندسة الحواسيب في جامعة دمشق، في كانون الأول، غادرت مريم دمشق الهادئة نسبيا، الشهر الماضي، باتجاه منزلها في الغوطة الشرقية المحاصرة.
كانت مريم، البالغة من العمر23 عاما، لا تزال طالبة في السنة الثانية، عندما حاصرت قوات النظام الغوطة الشرقية، وهي مجموعة من البلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة، إلى الشرق من دمشق، عام 2013.
وبينما كانت تدرس في دمشق، كانت عائلتها التي تعيش الآن في دوما، تعاني بسبب القصف والغارات الجوية.
وعبر شبكة من الأنفاق، التي تربط الغوطة بالعالم الخارجي، تمكنت مريم من الدخول إلى الغوطة الشرقية، للمرة الأولى منذ خمس سنوات، الشهر الماضي.
ومن خلال هذه الأنفاق، التي يسيطر الثوار على أحد أطرافها بينما يسيطر النظام على الطرف الآخر، يستطيع الأهالي الدخول والخروج من الغوطة الشرقية، الخاضعة لسيطرة المعارضة.
ووصفت مريم دوما عندما رأتها للمرة الأولى منذ مغادرتها، لمراسلة سوريا على طول، بهيرة الزرير قائلة “رأيت الحزن في أرجائها، في عيون أهلها وأطفالها وشوارعها المدمرة”.
ماهي أسباب عودتك إلى الغوطة الشرقية؟ ألم تفكري بالبقاء في دمشق بدلا من العودة إلى الغوطة بكل ما تعانيه من دمار وقصف؟
سبب عودتي إلى الغوطة هي العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا، فأنا فتاة ولا أستطيع البقاء لوحدي في دمشق، وكان قرار العودة بيد عائلتي.
نعم فكرت بالبقاء في دمشق وإكمال دراستي الجامعية بدلا من العودة، ولكن الوضع في دمشق صعب جدا، فالتشييك الأمني موجود في كل مكان، وخاصة عندما ينظر عنصر الأمن إلى هويتي ومكان ولادتي الغوطة الشرقية، كان يقول لي “أنتي من بلد الإرهابيين”، فكنت أشعر بالغربة في بلدي.
ولكن انتمائي لبلدتي وأهلها جعلني أصر على العودة لأشارك أهلها مصيرهم لذلك يجب أن أكون وفية للغوطة وأهلها.
في دوما: ” التعليم مستمر… الثورة مستمرة”. تصوير: شبكة الثورة السورية والذاكرة الإبداعية للثورة السورية.
كيف دخلتِ إلى الغوطة الشرقية؟ وكيف كان لقاؤك الأول مع عائلتك ومدينتك؟
دخلت الغوطة الشرقية عبر الأنفاق الواصلة إلى الغوطة، عبر تقديم أوراق الى المكتب المختص بالأنفاق في برزة وهو حي مهادن منذ 2013، ويسمح النظام بالدخول اليه، ولكن ببعض التشديدات الأمنية.
(تقع برزة على بعد 1كم إلى الغرب من الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتضم مدخلا لواحد من عدة أنفاق، تربط مناطق سيطرة الثوار والنظام في ضواحي دمشق الشرقية).
الأوراق التي يجب أن تكون بحوزتي هي الهوية الشخصية لأنني من أهالي الغوطة فيقومون بتشييك أمني لملفي.
لم تكن الغوطة كما رأيتها آخر مرة منذ صيف 2012، رأيت الحزن في أرجائها، في عيون أهلها وأطفالها وشوارعها المدمرة فالغوطة حزينة والبسمة التي كنت أراها قبل الثورة لم تعد موجودة.
كان لقائي حارا واختلطت مشاعر البكاء وعناق أبي وأمي الذين لم أراهما منذ وقت طويل.
حدثينا عن حياتك داخل دمشق بعد خمس أعوام من بقائك فيها؟
كنت أقيم مع أربع زميلات في منزل قمنا باستئجاره منذ بداية قدومي لدمشق، ولكن وضع عائلتي المادي، بعد الحصار، لم يعد يسمح لهم بأن يرسلوا لي مصروفي الشهري الذي كنت أتلقاه منهم.
فانتقلت إلى السكن الجامعي، لأنه قريب من الجامعة لكي أوفر أجرة مواصلات، وبين الحين والآخر كان أخي في الأردن يرسل لي مبلغ 25 ألف ليرة سورية، كي أستطيع تلبية احتياجاتي الأساسية ريثما أعود إلى الغوطة.
وكنت أطمئن على عائلتي كل يوم، وأبقى في حالة توتر وخوف عليهم بسبب القصف والحصار الذي يتعرضون له.
الحياة في دمشق كانت صعبة، وخاصة عندما تعرف الحقيقة ولا تستطيع أن تدافع عنها، فأنا كنت مع بلدتي ولكن في السر.
كيف كان شعورك وأنت داخل دمشق بينما الغوطة تتعرض للقصف والموت؟
كنت أمام شعور متناقض هو حاجتي لإنهاء دراستي والعودة إلى الغوطة، وتأييدي للذين يقتلون ويقصفون عائلتي، كان هذا الشعور يمتزج بالألم والقهر.
وكثيرا ما كنت أضطر للتهرب من الأسئلة المتعلقة بالثورة، بينما يقول العديد من الطلاب أن أهالي الغوطة إرهابيين، وبدوري ألتزم الصمت ولا أدافع عن عائلتي ولا المدنيين هناك.
كان السكوت قاتلأ .
ترجمة: سما محمد