طبيب في المخيمات الحدودية مع الأردن: المرضى أقرب للموت من الشفاء
في الصحراء ما بين الحدود السورية والأردنية، يركب الدكتور غياث […]
11 أكتوبر 2016
في الصحراء ما بين الحدود السورية والأردنية، يركب الدكتور غياث الحمصي، لثلاث مرات في الأسبوع، مع سائق صهريج إلى عيادة داخل خيمة، تقع هذه على بعد 250 كم شمال شرق عمان، حيث يجتمع 75 ألف سوري ممن تقطعت بهم السبل في مخيمين في الصحراء، مع قلة المياه الصالحة للشرب والغذاء والعناية الطبية.
وفي منتصف عام 2014، بدأ السوريون بالهروب من مناطق سيطرة تنظيم الدولة في شرقي سوريا إلى هذه الأرض اليباب، المنطقة العازلة بين البلدين. وأقاموا مخيماً بانتظار دخول الأردن في نهاية المطاف. وتوجه الحمصي، والذي كان قد هرب إلى المخيم في كانون الأول بعد أن سيطر تنظيم الدولة على قريته في شرقي حمص، إلى الإقامة خارج المخيم.
ولم يكن أهالي مخيم الركبان وحدلات، و تفصلهما عن بعضهما مسافة 50 كم على طول الساتر الترابي الذي يرسم الحدود الأردنية السورية يعتزمون الاستقرار في هذه المنطقة المحرمة.
ولكن وبعد سنتين، تكدست أكوام القمامة ومياه المجاري، وانتشرت الأمراض، ولم يرحل أحد. في حزيران، قتل تفجير انتحاري سبعة من حرس الحدود الأردني، فأعلنت عمان منطقة الركبان وحدلات “منطقة عسكرية مغلقة”، مانعة بذلك دخول المساعدات إلى المخيم، وكذلك دخول السوريين إلى الأردن كلاجئين.
ومنذ إغلاق الأردن حدودها في حزيران، سمحت الحكومة الأردنية بإدخال المساعدات إلى المخيم لمرة واحدة فقط، تتضمن مواد غذائية ومنظفات وذلك من خلال الرافعة، وفق ما ذكرت منظمة الصحة العالمية في آب. وتتفاوض الأمم المتحدة حالياً مع مسؤولين أردنيين لإزاحة المخيمات بضعة كيلومترات عن الحدود واستئناف العمليات الإنسانية في المخيم، وفق ما ذكرت منظمة العفو الدولية في الشهر الماضي.
وفي الوقت الحالي، يحاول المقيمون في المخيمات أن يصمدوا على كمية الماء المحدودة التي تدخلها اليونسيف. وأحياناً يحملون أوعيتهم البلاستيكية المتسخة إلى بئر ارتوازي على مسافة 45 دقيقة بالسيارة، حيث يعيش الحمصي وعائلته.
الخيمة التي يستقبل بها الحمصي المرضى. حقوق نشر الصورة لـ غياث الحمصي.
وبعد منع الخدمات الطبية الخارجية، بدأ الحمصي، والذي درس الطب في جامعة البعث في حمص وكان لديه عيادة خاصة هناك قبل الحرب، بالعمل في مخيم الركبان.
ومنذ نهاية آب، كان الحمصي شاهداً على وفاة 18رضيعاً بسبب الإصابة بـ اليرقان، من أعراض التهاب الكبد. بالإضافة إلى وفاة عشرة حوامل، وثمانية من الخدج نتيجة المضاعفات الطبية.
وختم الحمصي “أشعر بالإحباط واليأس، لعدم قدرتي على القيام بعملي كطبيب تجاه أبناء وطني في هذه الصحراء”.
ماهو الوضع الطبي في مخيم الركبان؟ ماذا حصل بعد أن أغلقت الأردن الحدود؟
بالنسبة للوضع الطبي في مخيم الركبان صفر، وخاصة بعد إغلاق الحدود الأردنية، والتفجيرات التي حصلت في أواخر حزيران. قبل التفجيرات كان الصليب الأحمر يزور أهالي المخيم مرتين أسبوعياً، وتم إقامة نقطة طبية مجهزة بالمعدات الطبية على الساتر، ولكن التفجيرات التي حصلت في الركبان، كان أثرها كارثياً على قاطني المخيم، أدت إلى انعدام المساعدات الغذائية والطبية، الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الطبي، وانعدام الخدمات الطبية.
بعد انعدام الخدمات الطبية المقدمة من المنظمات لأهالي المخيم، إلى ماذا لجأ أهالي المخيم لتسيير أمورهم الطبية؟
يوجد هناك (خيم طبية) يديرها، أطباء وممرضون نازحون إلى المخيم، وتم إقامة عدة صيدليات (خيم) أيضاً، تقدم خدماتها للمرضى، ولكن على الرغم من إيجاد هذه البدائل إلا أن الوضع بالمخيم سيئ جداً بسبب عدم توفر الأدوية اللازمة، وغياب أدوات التشخيص التي تحد من عملنا كأطباء، ويكون المريض عرضة للموت أكثر من الشفاء.
حدثنا عن عملك، صف لي يومك العادي في المخيم؟
أزور المخيم 3 مرات اسبوعياً، أو أقل حسب الجو، اذهب مع أصحاب صهاريج المياه التي تأتي إلى الآبار الارتوازية لتعبئة بعض المياه لسد احتياجات الأهالي، وأصل إلى الصيدلية حوالي الساعة 8 صباحاً.
وهذه الصيدلية التي أنشأها الممرض المساعد لي لبيع الأدوية هي ايضاً عيادة بنفس الوقت، وهي ملك له، وكنت أعرفه منذ زمن وتربطني به علاقة وثيقة، فأنا اكشف على المرضى بالعيادة وأزور العديد من المرضى بخيامهم، وفي السابعة مساء أذهب مع أحد أصحاب الدراجات إلى منزلي.
وبسبب غيابي اليومي عن المخيم تترتب كل الأعباء على الممرضين الموجودين فيه فهم الذين يقومون بالدور الأساسي كونهم المتواجدين على مدى 24 ساعة.
ما هي أدوات التشخيص التي يعتمد عليها الأطباء والممرضين بالمخيم؟ وما هي الحالات التي لا تستطيعون أن تقدموا لها أي خدمة طبية؟
أدوات التشخيص الموجودة في المخيم، هي السماعات، وميزان الضغط، وميزان الحرارة، عدة جراحة، جهاز رذاذ.
بالنسبة للحالات التي نقف عاجزين أمامها، لا نستطيع القيام بأي عمل جراحي وحتى الولادة القيصرية، لا نستطيع أن نقدم لها شيء يتم إسعافها إلى مدينة الطبقة وفي أغلب الأوقات تموت عالطريق.
والأطفال الخدج الذين هم بحاجة لحواضن يموتون بعد ولادتهم مباشرة لعدم وجود حواضن بالإضافة إلى مرضى غسيل الكلى فهم ينتظرون الموت ومريض السرطان أيضاً ينتظر موته دون قدرتنا على تقديم الرعاية الطبية لهم.
ما هي الأمراض المنتشرة بمخيم الركبان وكيف تتعاملون معها؟
أكثر الأمراض المنتشرة في المخيم، هي التهابات الأمعاء، والإسهال، ونقص الفيتامينات، السكري، الضغط، الإنفلونزا وبعض أمراض المعدة، الكلى، وسبب انتشار هذه الأمراض هي المياه غير النظيفة.
بالإضافة إلى إصابة أطفال حديثي الولادة باليرقان، وعدم قدرتنا على تشخيص المرض بسبب غياب أدوات التشخيص وعدم وجود الأدوية اللازمة، ما أدى إلى وفاة أكثر من 18 طفلا باليرقان.
بالنسبة للنقاط الطبية، فإننا نقوم بواجبنا قدر المستطاع، ولكن دورنا لا يتعدى الكشف على المريض، وتقديم بعض الإسعافات، وذلك بسبب محدودية الأدوات والأدوية التي نمتلكها، ونقف عاجزين أمام تقديم الخدمة الطبية، بشكل كامل.
بماذا تجيب المريض الذي لا تستطيع مساعدته؟ وما هو الموقف الأصعب بالنسبة لك؟
أهالي المخيم يعلمون أنه ليس باستطاعتي أن أقدم لهم شيئا بسبب غياب أدوات التشخيص، وأحيانا أذهب إلى زيارة العديد من المرضى في خيمهم، كالمعاقين، والأطفال الخدج، اقول لهم سامحوني لا أستطيع أن أقدم لكم شيئا.
وأغلب الحالات في المخيم صعبة للغاية، ولكن من أكثر المواقف الصعبة التي مرت علي هو امرأة كانت تنتظر مولوداً، بعد انتظارها له لمدة 15 عاما، وعند حلول وقت ولادتها كانت ولادتها متعثرة، وتحتاج إلى قيصرية فتم أخذها إلى الطبقة وقبل الوصول ماتت مع حلم قبل أن يتحقق.
ماهو شعورك كطبيب يقف عاجزاً أمام تأدية مهمته في إنقاذ المرضى؟
على الصعيد الشخصي أشعر بالإحباط واليأس، لعدم قدرتي أن أقوم بعملي كطبيب تجاه أبناء وطني في هذه الصحراء. وعند مراجعة أي مريض لي أو ذهابي لمعاينة أي حالة مرضية أقول في داخلي أن أبناء وطني هربوا من القصف إلى الأمان، ولكن حقيقة الأمر أنهم هربوا من القصف خوفاً من الموت ليموتوا بأمان.
ما هي الأدوية المتوفرة بـ”صيدليات” المخيم؟ وما هي الأدوية اللازمة، وكيف يتم تأمين هذه الأدوية؟
الأدوية المتوفرة في المخيم، تقتصر على بعض الأدوية الإسعافية، وقليل من المسكنات وبعض حبوب الصداع.
والأدوية الواجب توفرها في المخيم، هي إبر التهاب، وشراب التهاب، حب فلاجيل، حب فيتامين، شراب مضاد إسهال، حب إسهال، حبوب ادفيت الأمومة، سيرومات، أدوية جهاز الرذاذ، جرات الاوكسجين لأن هناك صعوبة بتبديلها، حب يرقان، إبر نفخة، وأدوية لأمراض المعدة والكلى، وأدوية مرضى السرطان.
ويتم تأمين الأدوية، من خلال شرائها من الطبقة أو الرقة أو الضمير.
حدثنا عن نفسك ولماذا أتيت إلى مخيم الركبان؟
درست الطب في جامعة البعث بحمص، أتيت إلى المخيم بمنتصف الشهر الأول، وكانت لدي عيادة في باب الدريب بحمص وكنت أعمل في مشافي خاصة بحمص.
بعد أن بدأت الثورة في حمص، وخرجت المظاهرات واندلعت الاشتباكات والعديد من حالات الاعتقال، نزحت إلى ريف حمص الشرقي وافتتحت عيادة خاصة وكنت اعالج فيها أهالي البلدة ولكن بعد سيطرة تنظيم الدولة على البلدة في أواخر 2015، نزحت مع العديد من أهلها إلى الحدود الأردنية.
فقررت اللجوء في بداية 2016 أنا وعائلتي، وذهبت إلى الحدود الأردنية وليس إلى أي بلدة أخرى تحت سيطرة النظام بعد اتهام النظام لي خلال عملي في القريتين اني اعالج الإرهابيين أي الثوار، وتم استدعائي أكثر من مرة إلى فرع الأمن بالبلدة.
وبسبب البرد القارس في كانون الأول من عام 2016 رفضت زوجتي وأبنائي بعد أيام البقاء في المخيم، فلدينا طفلين صغيرين في السادسة والثامنة من العمر.
علمنا من الأهالي بأن هناك تسجيل دور للدخول إلى الأردن، ومدة بقاء لا تقل عن أربعة أشهر في المخيم لنتمكن الدخول إلى الأردن. قمنا بتسجيل الدور وبعدها ذهبنا الى منطقة تبعد عن الساتر مسافة 20 دقيقة تسمى الارتوازية وهي عبارة عن مجموعة آبار ارتوازية خاضعة لسيطرة الدولة ومنذ تسعة أشهر وأنا فيها وأزور المخيم.
ترجمة: فاطمة عاشور