طبيب في نقطة طبية قريبة من خطوط التماس في الرقة يسرد تفاصيل الوضع الطبي
تزداد وتيرة العنف في مدينة الرقة، عاصمة تنظيم الدولة في […]
31 أغسطس 2017
تزداد وتيرة العنف في مدينة الرقة، عاصمة تنظيم الدولة في سوريا، مع اقتراب قوات سوريا الديمقراطية – المدعومة من امريكا – من مركز مدينة الرقة في الشهر الثالث للمعركة.
وينصبّ وابل الغارات الجوية والمدفعية على المناطق السكنية، في ظل حصار كلي للمدينة، مما يعني أن إمدادت الغذاء والماء والدواء جميعها محدودة.
ويحول قناصة تنظيم الدولة دون خروج المدنيين، الذين يستخدمونهم كدروع بشرية، من مناطقهم إلى مناطق قسد التي باتت تبلغ نسبتها 70% من مدينة الرقة، كما أن الطرقات التي كانوا يسلكونها للهروب رُصفت بالألغام البرية والعبوات الناسفة.
وقتل نحو 800 مدني منذ بداية معركة الرقة في 6حزيران، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا.
وفي أواخر تموز، ذكرت المنظمة الدولية لأطباء بلا حدود، أن عدداً كبيراً من المرضى احتجزوا داخل مدينة الرقة، دون دعم طبي أو بشيء لا يكاد يذكر.
و تدير منظمة أطباء بلا حدود سيارات إسعاف، ونقطة طبية متقدمة على أطراف الرقة، وتدعم المستشفيات في تل أبيض المجاور، وكوباني، حيث يتم نقل المرضى بعد استقرارهم.
عمر الموسى هو واحد من الأطباء العاملين في مركز طبي تشرف عليه منظمة أطباء بلا حدود، بالقرب من مدينة الرقة، وقبل عمله بالقرب من خطوط التماس على الجبهات القتالية في الرقة، عمل الموسى، والذي طلب عدم التعريف به باسمه الحقيقي، في مستشفى تدعمه أطباء بلا حدود في تل أبيض.
وفيما يلي، يسرد الموسى لألاء نصار، مراسلة سوريا على طول، ما يراه ويسمعه خلال عمله: حالات اليأس والصدمة عند البالغين والأطفال على حد سواء، وبتر الأعضاء الذي ينفذ في الواقع يومياً، نتيجة الألغام البرية التي زرعها تنظيم الدولة، والتدافع لإنقاذ الجرحى.
وقال الموسى” أكثر ما يهم حالياً هو حال المدنيين الخارجين من هول المعارك داخل الرقة… ومعالجتهم طبيا ونفسياً وحمايتهم”.
ماهي نوعية الإصابات التي استقبلتموها والتي ترونها هناك بين النازحين من الرقة الذين وصلوا إليكم؟ وأين يتم استقبالهم وإقامتهم للاستشفاء؟
نحن نستقبل المصابين النازحين من محافظةالرقة ونواحيها منذ أكثر من عام ونصف، بعد توالي مراحل “التحرير” للمناطق الرئيسية التي تقع قبل الرقة.
كانت أغلب الإصابات من القتال الهمجي، وغير المنظم في تحرير تلك المناطق على حساب المدنيين العزل، للأسف لم يكترث أحد من الأطراف المتقاتلة للشعب الذي لا يملك من أمره شيئاً سوى الفرار إلى المجهول من نيران تلك المعارك، وغالبية من يتمكن من الفرار أو الرجوع إلى بيته تكون الألغام بانتظاره فترديه قتيلاً أو جريحاً أو يفقد أحد أعضاء جسده.
عائلة من الرقة، نزحت السبت. حقوق نشر الصورة لحملة الرقة.
وقعت بين يديّ عدّة حالات أثناء المعركة، وأهمها بتر طرف سفلي عند الفخذ بعد إصابة 3 مدنيين بلغم أثناء عبورهم من الرقة إلينا، ولم يكن موجود لدي سوى عدة جراحية بسيطة، واستغرقت العملية ساعتين حيث قمت بخياطة العضلات وترميم الأربطة ولحسن الحظ كان الشريان الفخذي سليم، وبعدها قمت بتجبير عظم الفخذ بلوح خشبي، فهذا ما كان متوفراً لدي، وإعطاء المصابين سيرومات وبعض المضادات الحيوية لمدة أيام حتى تماثلوا للشفاء بعون الله.
وكنا نستقبل مصابي المعارك من المدنيين في المشافي بتل أبيض وبعض المراكز المتقدمة من خطوط التماس على الجبهات القتالية، ولقلة الإمكانيات نعالجهم ويخرجون إلى مكان أكثر أمانا في مشفي كوباني، (75كم شمال غرب مدينة الرقة).
ما الذي يخبرونكم به النازحون من الرقة عن الوضع داخل المدينة؟
معظم النازحين حين يلوذون بالفرار يشعرون كأنهم فروا من المعتقل إلى الحرية والحياة رغم عدم توفر أقل المتطلبات لهم، ويسردون لنا كيف عانوا من داعش أشد المعاناة في المعاملة على كل الأصعدة، اجتماعياً ونفسياً، ناهيك عن ظروف معيشية ضنكة في ظل حصار التنظيم وأثره عليهم في الآونة الأخيرة.
ما هي أهم التدابير التي يمكن أن تأخذها الجهات المقاتلة على الأرض (وفي السماء) في الرقة لحماية المدنيين، حسب رأيك؟
في الحقيقة رأيي الشخصي لن يؤخذ بعين الاعتبار، لأن معظم الجهات المقاتلة على الأرض وفي السماء، كلهم يجدون لأنفسهم الأعذار الواهية، بالرغم من أنني لست ضد القضاء على ذلك التنظيم المتعجرف، ولكن كان الأجدر بالطرف الآخر ترك فرصة للمدنيين العزل للفرار ومساعدتهم قدر المستطاع وتشديد الحصار على داعش وقطع الإمداد حتى يتمكنوا منهم تماماً وليس قصف المدنيين العشوائي .
أكثر ما يهم حالياً هو حال المدنيين الخارجين من هول المعارك داخل الرقة، وأطالب بتأمينهم من حيث المأكل والمسكن والمشرب، ومعالجتهم طبياً ونفسياً، وحمايتهم والعمل على إزالة الألغام من طريق الفارين من المدينة، للحد من الإصابات وحالات البتر التي نعاينها بشكل شبه يومي .
طفل في مركز طبي تابع لـ(قسد) بعد الخروج من أحياء مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة،يوم السبت 12آب. حقوق نشر الصورة لحملة الرقة.
هل هناك وجه مقارنة بين عملك كطبيب سابقاً في المشافي وبين عملك حالياً باستقبال مصابي الرقة؟
لا يوجد أي وجه للمقارنة بين العمل في مشافي المنظمة نفسها، والعمل في نقطة ساخنة وجبهة قتال يأتيك إليها المصابون من كل حدب وصوب، وبالرغم من وجود إمكانيات في المنظمة إلا أنها تتخذ إجراءاتها بما يناسب عملها في الإمكانيات الموجودة، حيث يتم تحويل المصاب إلى باقي المشافي كمشفى تل أبيض التي تديره المنظمة.
أبشع الأيام التي عشتها كانت في أوائل أيام معركة الرقة الأسطورية في (حزيران) في قتال داعش وكابدنا أشد العناء عند معالجة الجرحى، حيث كانت داعش تحاصرنا من كل الجهات، وكنا نعاني من نقص في المواد الطبية، واضطررت في حالات كثيرة القيام بتدابير أولية لإجراء عدة أعمال جراحية وتمت بنجاح بفضل الله والحديث في هذا المجال يطول.
كنت أعمل في المركز الصحي والمشفى العسكري بعد تحرير مدينة تل أبيض الحدودية، والآن أعمل في قسم طوارئ (عبارة عن نقطة طبية محاذية لإحدى المخيمات التي تديرها قسد)، وقد كان من المفترض أن أكون الآن متخرجاً من تخصصي ولكني لم أكمل سنتي الثانية في الطب العام في ظل الظروف الأمنية الحالية.
هناك تقارير إعلامية عن أن الأطفال الخارجين من الرقة يصيبهم نوع من التبلد تجاه فحص الأطباء لهم دون أن يقوموا بردات فعل الأطفال الطبيعيين بإبعاد الطبيب عنهم مثلاً، أو إبعاد أدوات الفحص أو البكاء .. هل شهدت مثل تلك الحالات .. أو أي ردات فعل غريبة لمصابين سواء أطفال أوشباب.
بالنسبه للأطفال قد شعرت فعلياً بنوع من البلادة وعدم الاكتراث عند معاينتي لبعض الأطفال وهذه الحالة نشأت نتيجة حالة الهلع والرعب المستمرة التي عاشوها والتي جعلت ردات فعلهم مختلفة عن الطبيعية في هذا السن، منهم من فقد أباه أو أمه أو أكثر من شخص من عائلته وأعتقد أن ذلك سيبقى في ذاكرتهم مدى الحياة.