5 دقائق قراءة

“طرد الغاصب”: حلّ قانوني لاستعادة بيوت يسطو عليها حزب الله بالقنيطرة تبطله المخاوف الأمنية

رغم أن القانون السوري يكفل للمواطن رفع دعوى لـ"طرد الغاصب"، إلا أن المتضررين يشككون في نزاهة القضاء وخاصة إذا كان الخصم حزب الله ويتخوفون من الاعتداء أو الاعتقال.


12 مايو 2021

باريس- ثلاث سنوات مرت منذ عودة خالد عبد الرحمن (اسم مستعار) إلى قريته ضمن ما يُعرف بـ”مثلث الموت” في محافظة القنيطرة جنوب سوريا، لكن من دون تمكنه من استعادة منزله الذي تسطو عليه مجموعة عسكرية تابعة لمليشيا حزب الله اللبناني.

تعود قصة عبد الرحمن مع الميليشيا اللبنانية التابعة لإيران إلى العام 2014، حينما شنت هجوماً عسكرياً على منطقة “مثلث الموت” التي تضمّ قرى: سلطانة، وسبسبا، وماعص، وديرماكر، وكفرناسج، أفضت في النهاية إلى سيطرة تلك المليشيا على المنطقة في شباط/فبراير 2015، فيما نزح عبد الرحمن وعائلته المكونة من سبعة أشخاص، إلى المناطق الحدودية مع الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل منذ العام 1967. 

مع عودته إلى قريته في العام 2018، بموجب اتفاق التسوية بين النظام السوري والمعارضة السورية جنوب سوريا بضمانة روسية، وجد عبد الرحمن “مجموعة عسكرية من حزب الله تستولي على المنزل. وقد رفضت الخروج منه”، كما روى لـ”سوريا على طول”. مستذكراً عبارات التهديد من أحد عناصر المجموعة “بأن لا أعود، فيما كان يشهر سلاحه في وجهي”.

وقد تبددت أحلام عبد الرحمن بحياة مستقرة في منزله، رغم أنه تلقى “ضمانات من المفاوضين الروس بالعودة لقرانا ومنازلنا”، إضافة إلى “الحصول على مساعدات مالية وتقنية من مجلس المحافظة برعاية روسية لأجل ترميم وإصلاح الأضرار في منازلنا، وهو ما لم يحصل حتى الآن”، كما قال.

عبد الرحمن الذي يعمل معالجاً فيزيائياً، يتقاضى 120 ألف ليرة سورية شهرياً (38 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف في السوق الموازية والبالغ 3,100 ليرة للدولار). فيما تتراوح إيجارات المنازل في منطقته بين 80 و100 ألف ليرة (26 و32 دولاراً على التوالي). لذا، كان الخيار أن “نعيش في منزل والديّ المكون من ثلاث غرف فقط، مع شقيقي وعائلته المكونة من أربعة أفراد”.

المعاناة ذاتها يكابدها إبراهيم الجولاني (اسم مستعار). إذ يرفض عناصر حزب الله الخروج من “شقاء عمري”، كما وصف لـ”سوريا على طول” بيته الذي كان يبنيه “حجراً فوق حجر لمدة سبع سنوات عندما كنت أعمل في لبنان”.

ولطالما حاول الجولاني المطالبة ببيته طيلة السنوات الماضية، لكن من دون جدوى. فالقرار بشأن بيته “عند الحاج أبو عبد الله، وهو قيادي لبناني في حزب الله بمنطقة مثلث الموت”، بحسب رد عناصر الحزب، “متذرعين أن وجودهم في منزلي مرتبط بأسباب أمنية”، كون المنطقة قريبة من حدود الجولان المحتل.

ويبلغ عدد البيوت الذي يستولي عليها حزب الله في مثلث الموت، نحو 25 منزلاً، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من عضو اللجنة المركزية في القنيطرة، وهي لجنة مثلت قوات المعارضة في المنطقة خلال المفاوضات مع النظام صيف العام 2018 وأفضت إلى سيطرة قوات الأخير والمليشيات الداعمة لها على جنوب سوريا.

تدمير فوق السطو

كغيره من المتضررين، وقع أبو حسين ضحية استيلاء حزب الله على منزله في منطقة مثلث الموت، إذ تم تحويله إلى نقطة أمنية للمليشيا اللبنانية والفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام، نظراً لوجوده “في موقع استراتيجي على أطراف البلدة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لكن بعد فقدانه حق السكن في منزله الذي شيّده خلال سنوات اغترابه في السعودية، خسر أبو حسين المنزل ككل بفعل “غارة إسرائيلية استهدفته في العام 2019”. مع ذلك، ما يزال حزب الله يرفض إخلاء الموقع بدعوى أن “الظروف ظروف حرب ويجب أن أتعاون معهم”، كما أضاف.

وفيما دمّرت الغارات الإسرائيلية منزل أبو حسين، فإن بقاء حزب الله في الموقع وتحرّكهم في منطقة سكنية “يهدد عشرات البيوت لأخرى في المنطقة من غارات إسرائيلية مشابهة”، كما حذّر أبو حسين، الذي نقل مخاوفه إلى “ضابط برتبة رائد من مرتبات اللواء 90 الذي تتبع المنطقة له”. لكن رد الأخير كان التهديد في حال تكرار طلب المنزل المدمر “باقتيادي إلى فرع الأمن العسكري”.

وبالفعل، تعرض منزل في قرية عين التينة بريف القنيطرة الشمالي لغارة إسرائيلية في 10 أيار/مايو الحالي، وفقاً لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا). لذلك فإن استمرار سطو حزب الله على منازل المدنيين في القنيطرة أو غيرها في سوريا، وتالياً استهدافها بغارات إسرائيلية، يضع ممتلكات المدنيين أمام مخاطر طويلة الأجل ومدمرة. 

في هذا السياق، قالت سارة كيالي، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، لـ”سوريا على طول”، إن “المسؤول عن الضرر تحت القانون الدولي هو المنتهك لحقوق المدنيين”. موضحة أنه “إذا استهدف القصف هدفاً مدنياً فالمسؤولية على الجهة التي نفذت الهجوم”. وإذا “كان الهدف مثبتاً أنه عسكري، فلا يوجد شيء وفق القانون الدولي يلزم الجهة بدفع الأضرار”.

لكن، إذا كانت “مصادرة الأملاك غير متوافقة مع القانون الدولي فإن الجهة التي صادرت هي المسؤولة عن تعويض المتضررين”، وهو ما يحتاج إلى “تحقيق مستقل”، بحسب كيالي.

طرد الغاصب

خلال السنوات الماضية، طرق خالد عبد الرحمن كل الأبواب لاسترجاع منزله المغصوب من حزب الله. كانت البداية مع “اللجنة المركزية، التي أبدت عجزها عن فعل أي شيء إلا الطلب من اللجنة الروسية أن تتدخل”، كما قال. 

هكذا، تقدم عبد الرحمن، عبر اللجنة المركزية، بطلب إلى اللجنة الروسية. ليأتي الرد بأنه “يتوجب علي تقديم طلب إلى فرع [مخابرات] الأمن العسكري، كون المنطقة تحت سيطرته أمنياً”. وهو ما تم. لكن بدلاً من إخلاء المنزل من عناصر حزب الله، “تم استدعائي إلى مكتب العميد أسامة زهر الدين [مدير فرع الأمن العسكري بسعسع]، حيث تم تهديدي بالاعتقال”.

كذلك انتهى المطاف بإبراهيم الجولاني في فرع الأمن العسكري. إذ على خلفية تردده لمجلس محافظة القنيطرة ومطالبة اللجنة المركزية التدخل، تم استدعاؤه “إلى الفرع في بلدة سعسع بريف دمشق”، وطلب منه “عدم المطالبة بالمنزل مرة أخرى”، كما ذكر.

بعد فشل كل المحاولات في استعادة أبناء مثلث الموت لمنازلهم، بحث عبد الرحمن عن “أي مبرر قانوني أو أمني لإشغال منزلي من حزب الله أو أي جهة أمنية”، كما قال. واستعان بأحد المقربين من الأجهزة الأمنية “للبحث عن اسمي إذا ما كنت مطلوباً”. لكن “لم أجد أي قيد أمني على اسمي، ولا قرار بالحجز على أملاكي”، ما يعني، بحسب قوله، أن “بيتي مستولى عليه وليس مصادراً بدعوى قضائية أو بقرار أمني”.

وبحسب عضو اللجنة المركزية “لا سبيل لإخلاء المنازل من عناصر حزب الله الذي يبرر وجوده فيها بأسباب أمنية مهمة، بسبب قرب المنطقة من الحدود مع إسرائيل”. مستغرباً ردّ اللجنة المركزية الروسية التي اعتبرت أن “إشغال البيوت في مثلث الموت مسألة خاصة بالجيش السوري وحزب الله”.

وقد عرضت “سوريا على طول” تفاصيل مشكلة خالد عبد الرحمن وإبراهيم الجولاني على محام في دمشق، اعتبر أن “اللجوء إلى القضاء في مثل هذه الحالات هو المسار الصحيح”. إذ يتعين على صاحب المنزل أن “يتقدم بدعوى استراد حيازة أو طرد غاصب”، كما أوضح، على أن “يشرح حالة المنزل ويبرز عقد الملكية”.

وبما أن حزب الله “يقاتل في سوريا ضمن منظومة وزارة الدفاع السورية، فإن الخصومة تكون ضد وزارة الدفاع”، كما أوضح المحامي. مشيراً إلى أنه “يحق لوزارة الدفاع أخذ قرار من المحكمة بإشغال المنزل، إذا كانت الضرورة العسكرية تقتضي ذلك”، إذ بحسب قوله “يعطي القانون الأفضلية للأمن القومي”. لكن يترتب على الوزارة “دفع إيجار شهري لصاحب المنزل”.

وأضاف المحامي: “حتى إذا اقتضت الحاجة استملاك الأرض والمنزل، فإنه يجب دفع تعويض مالي” للمالك، بحيث “يتم تشكيل لجنة تخمين من المحكمة لتقدير سعر العقار المشغول”.

من جهته، قال المحامي حسان الأسود، الأمين العام للمجلس السوري للتغيير (المعارض)، إن “دعوى طرد الغاصب تكون إما مدنية أو جزائية أمام محكمة الصلح”. مبيناً أنه في حالة المتضررين في منطقة مثلث الموت “لا علاقة لصفة الجاني العسكرية، لسببين: الأول، حزب الله ليس جهة رسمية تابعة للجيش اللبناني، والفعل خارج عن طبيعة العمل العسكري”.

لذلك، وبموجب القانون السوري، “يمكن للمتضررين الحصول على حكم [قضائي]”، كما أوضح المحامي الأسود، في حال “كان القضاء مستقلاً وحيادياً ونزيهاً”.

لكن رغم أن القانون يكفل لخالد عبد الرحمن رفع دعوى لـ”طرد الغاصب”، إلا أنه يستبعد هذا الخيار. إذ عدا عن تشكيكه في نزاهة القضاء في النظر بقضية “خصمي فيها حزب الله”، فإن “رفع الدعوى تجعلني عرضة للاعتداء من عناصر حزب الله أو الاعتقال من الأجهزة الأمنية”.

شارك هذا المقال