7 دقائق قراءة

طرق غير آمنة تهدد حركة المدنيين والمنظمات في شمال شرق سوريا 

تتحول الطرق الخارجية في مناطق سيطرة قسد شمال شرق سوريا إلى مسارات خطرة ليلاً، وبعضها في وضح النهار، إذ تشهد عمليات "سطو مسلح" بحق المدنيين والعمال الإنسانيين.


بقلم سلام علي

26 سبتمبر 2024

أربيل، الحسكة- بعد منتصف ليلة الثامن من حزيران/ يونيو الماضي، أصيب حسن أحمد (اسم مستعار)، 44 عاماً، بطلق ناري في قدمه اليسرى من مسلحين ملثمين، أثناء محاولته نقل سيارة أحد أقاربه المعطلة بالقرب من قرية بكو، التي تبعد نحو 12 كيلومتراً شمال مدينة الحسكة.

في تلك الليلة، هاجم أربعة مسلحين يستقلون دراجتين ناريتين، أحمد وقريبه، بهدف سرقة ما بحوزتهم من مال، وعندما حاول الدفاع عن نفسه بعصا خشبية، أطلق أحد المهاجمين النار عليه، قبل أن يرد قريبه بإطلاق الرصاص من مسدسه، ما اضطرهم إلى الفرار دون تمكنهم من السرقة، كما روى أحمد لـ”سوريا على طول”.

ما أن يحل الظلام على شمال شرق سوريا، حتى تتحول بعض الطرق الخارجية، التي تربط المحافظات والمدن والبلدات ببعضها إلى مسارات خطرة، وبعضها خطر حتى في وضح النهار، رغم انتشار حواجز قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، نتيجة نشاط خلايا تنظيم داعش وانتشار عمليات السطو المسلح، التي يقوم خلالها أفراد وجماعات بالاعتداء على المركبات لسرقة ركابها.

“سطو” يهدد المدنيين والعاملين الإنسانيين

بعد عدة كيلومترات، يتفرع عن طريق الحسكة-الهول طريق يؤدي إلى سد الحسكة الجنوبي (الباسل)، المعروف باسم “طريق البترول”، نظراً لوجود العديد من آبار النفط على طوله، وهو من أخطر طرق الجزيرة السورية، حتى في ساعات النهار.

شهد “طريق البترول” العديد من حالات السطو، خلال هذا العام، إذ تعرض العديد من الأشخاص لعمليات سرقة، بعضهم أصيب بعيارات نارية من قطاع الطرق، الذين ينحدرون من القرى المنتشرة على جانبي الطريق، كما قالت عدة مصادر لـ”سوريا على طول”.

في 14 حزيران/ يونيو الماضي، تعرض آلان عمر، 37 عاماً، من سكان حي تل الحجر بمدينة الحسكة لعملية سطو، أثناء عودته من بحيرة سد الحسكة الجنوبي إلى مدينته، عبر “طريق البترول”، الذي يخلو كلياً من حواجز “الأسايش”.

أثناء مروره، اعترضه مسلحان يستقلان دراجة نارية بالقرب من قرية نهاب، وسلبا منه هاتفه المحمول وصندوق من الأسماك، يتراوح وزنه بين 20 و25 كيلوغراماً، إضافة إلى مبلغ مالي يقدر بحوالي 500 ألف ليرة سورية (34 دولاراً تقريباً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14,650 ليرة للدولار)، بحسب عمر، مقدراً إجمالي خسارته في تلك الحادثة بنحو 300 دولار أميركي، كما قال لـ”سوريا على طول”.

أضاف عمر: “شاهدت المسلحين بأم عيني لحظة خروجهم من قرية نهاب، ومن ثم قطعوا الطريق وأشهروا السلاح في وجهي”، وينحدر الشابان من “عشيرة الشرابين الذين يسكنون قرية نهاب”، كما قال عمر لـ”سوريا على طول”، الذي يملك محلاً لبيع اللحوم والأسماك في الحسكة، ويسلك طريق البترول بانتظام لشراء الأسماك من الصيادين في سد الحسكة.

وكذلك، لا يقل الطريق المؤدي من الحسكة إلى الهول، التي تبعد حوالي 40 كيلومتراً إلى الشرق، خطورة عن سابقه، إذ سجل أيضاً العديد من حالات السطو المسلح ضد مدنيين وموظفين عاملين في منظمات دولية وجمعيات إغاثية تقدم خدماتها لقاطني مخيم الهول، كما حصل في أواخر تموز/ يوليو الماضي، عندما اعترض مسلحون يستقلون دراجات نارية سيارة كانت تنقل موظفين في منظمة أنقذوا الأطفال (Save The Children) إلى مخيم الهول، الواقع في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بريف الحسكة.

بانتظام، ينقل السائق أحمد خليل (اسم مستعار)، الذي يعمل في منظمة دولية بمدينة الحسكة، موظفين من منظمته إلى مخيم الهول، وفي كل رحلة يعتريه “الخوف والقلق ذهاباً وإياباً”، خاصة أنه كان شاهداً على حادثة عملية سطو مسلح تعرضت لها سيارة منظمة دولية أخرى في أيار/ مايو الماضي، وكان على بعد عشرات الأمتار، كما قال لـ”سوريا على طول”.

عندما وصل إلى مكان الحادثة آنذاك علم أن أحد الموظفين “تعرض لطعنة سكين، وآخرون معه تعرضوا للضرب من المهاجمين، الذين لاذوا بالفرار بعد تنفيذ عملية السرقة”، بحسب خليل، متوقعاً “وجود علاقة وتواصل بين المهاجمين وأشخاص مقيمين في المخيم”، لأن توقيت الحوادث “يكون في أيام توزيع رواتب الموظفين في المخيم”.

تقع غالبية حوادث السطو في منطقة رد الشقرا، القريبة من جبل كوكب، الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وغالباً ما تكون في ساعات النهار، لأن الطريق غير سالك مساء نظراً لخطورته، كما قالت عدة مصادر لـ”سوريا على طول”.

علقت منظمات دولية ومحلية، أكثر من مرة، عملها في مخيم الهول، بعد تعرض سياراتها للسطو أثناء عبورها على الطرق المؤدية إلى المخيم، وهو ما أدى بدوره إلى “توقف الإمدادات الإنسانية بشكل مؤقت”، كما قال داوود داوود، المدير التنفيذي لمنظمة السلام، وهي منظمة محلية تعنى بتمكين المجتمعات في شمال شرق سوريا عبر المشاريع التنموية والإغاثية، بما في ذلك مخيم الهول.

تشكل عمليات السطو خطراً على حياة المدنيين وموظفي المنظمات، إضافة إلى ما تتسبب به من ضغوط نفسية وشعور بعدم الأمان لدى العاملين، “ما يؤثر على أدائهم ورضاهم عن العمل، وهذا قد يؤدي بدوره إلى انسحاب بعض الموظفين أو المتطوعين من العمل لشعورهم بالخوف”، بحسب داوود.

وتؤدي الاعتداءات إلى توقف عمل المنظمات الإنسانية، وهو ما يؤثر بالمحصلة على المستفيدين، الذين تتراجع ثقتهم بالمنظمات.

من ناحية أخرى، تتطلب هذه الحوادث الأمنية زيادة في النفقات على الأمن والحماية، وهذا يحدّ من الموارد المتاحة للمشاريع، وقد تضطر المنظمات إلى إعادة تقييم مواقع جديدة لتنفيذ مشاريعها أو تأجيل انطلاقتها، ما يعني “التأثير على الجدول الزمني للتدخلات الإنسانية”، وفقاً لداوود.

أيضاً، تنعكس التحديات الأمنية على جذب التمويل للمشاريع، بسبب المخاطر المرتبطة بالعمل في مناطق غير آمنة، بحسب الداوود.

الخوف يحدّ من الحركة الخارجية

لحماية عامليها من السطو، تنقل المنظمات الدولية موظفيها إلى مخيم الهول عبر قافلات تتكون من عدة سيارات، تصل أحياناً إلى 25 سيارة، لكن ذلك “يؤدي إلى تأخير وصول الموظفين إلى عملهم”، بحسب خليل.

وبدورهم، “لا يحمل الموظفون هواتفهم الثمينة أو الذهب على سبيل المثال أثناء ذهابهم إلى المخيم”، وفقاً لخليل، الذي لا يحمل مبلغاً مالياً أكثر من 300 ألف ليرة (20 دولاراً تقريباً) أثناء ذهابه إلى الهول.

يربط “الطريق الخرافي” بين مدينة الحسكة ودير الزور، ويمتد على طول 180 كيلومتراً، وهو من المسارات التي تخلو تماماً من حركة المدنيين ليلاً، وتقتصر الحركة فيها على القوات العسكرية التابعة لـ”قسد”، إذ يتجنب أهالي دير الزور السفر إلى المدن الأخرى بشمال شرق سوريا ليلاً “خوفاً من خلايا تنظيم داعش أو التعرض لعمليات التشليح والسرقة”، كما قال طلحة اسماعيل، صحفي من دير الزور، لـ”سوريا على طول”.

بالقرب من هذا الطريق، اعتدى مسلحون مجهولون، عند الساعة العاشرة صباحاً في 18 أيلول/ سبتمبر الحالي، على سيارات تابعة لمنظمة “ITF” الدولية المختصة بنزع الألغام، وسرقوا معدات وسيارة إسعاف والهواتف المحمولة للموظفين.

“ربما كنت عرضة للسلب أيضاً”، قال هادي أحمد حج سعيد، 32 عاماً، الذي مرّ من مكان الحادثة بعد أقل من ساعة من وقوعها، وشاهد تجمعاً لدوريات قوى الأمن الداخلي (الأسايش) وسيارات مدنية أخرى في المكان.

وأيضاً، يعدّ طريق الحسكة الشمالي المؤدي إلى الطريق الدولي، والذي يتجه في منتصفه إلى مدينة القامشلي شرقاً وعاموداً شمالاً وتل تمر والدرباسية غرباً من الطرق الخطرة ليلاً، وشهد أيضاً عدة عمليات سطو مسلح بالقرب من جسر قريبة بكو، على بعد 13 كيلو متراً شمال مدينة الحسكة.

يعمل عمر أحمد، 50 عاماً، على سيارة أجرة في مدينة الحسكة، ولكنه منذ عدة سنوات يرفض أي طلب خارج المدينة بعد مغيب الشمس، لأن “الطرق غير آمنة ليلاً وتحدث عمليات سطو باستمرار”، كما قال لـ”سوريا على طول”، لذلك يقتصر عمله داخل المدنية أو القرى القريبة، شريطة أن يكون توقيت رحلاته في ساعات النهار.

وكذلك، يمتنع سمير عبد القادر (اسم مستعار)، 44 عاماً، وهو سائق رافعة لنقل السيارات (وانش)، عن أي طلب خارج مدينة الحسكة، باستثناء الطرق الشمالية والغربية للمدينة “وحصراً مع أناس أعرفهم وخلال ساعات النهار”، أما الطرق الشرقية والجنوبية “لا أسلكها ليلاً ولا نهاراً”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

خوف عبد القادر من تعرضه لعملية سطو مسلح، وصلت به حدّ رفض مساعدة شقيقه، الذي “تعطلت سيارته قبل غروب الشمس بالقرب من قرية بكو شمال الحسكة عند غروب الشمس” في آب/ أغسطس الماضي، لذلك “تركناها حتى صبيحة اليوم التالي”، وفقاً له,

في وقت سابق من هذا العام، تعرض صديق عبد القادر لعملية سطو، وأصيب بجروح بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل المهاجمين، كما تعرض أحد أقاربه لعملية سلب بلغت خسارته فيها نحو 1,300 دولار أميركي، وهي حوادث متكررة تجعله أكثر حرصاً قبل الموافقة على أي طلب.

ضعف الردع يعزز “السطو”

تنتشر حواجز قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، التابعة للإدارة الذاتية في غالبية الطرق التي تصل مناطق سيطرتها ببعضها، لكن وجودها “لا يشكل رادعاً لإيقاف تلك الحواجز”، بحسب أحمد خليل السائق في المنظمة الدولية، وهذا مؤشر على ضعف الأجهزة الأمنية من وجهة نظره.

من جهتها، اعتبرت زوجة آلان عمر، الذي تعرض لعملية سطو، أن “عدم تطبيق قوانين صارمة بحق المهاجمين يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتكرار الحوادث”، كما قالت.

وانهالت التعليقات الساخرة في وسائل التواصل الاجتماعي على تعرض سيارات منظمة “ITF” للنهب، وانتقدت بعض التعليقات الأجهزة الأمنية المحلية لعدم تطبيق استراتيجيات فعالة لمكافحة السطو المسلح وبسط الأمن على الطرق الخاضعة لسيطرتها، كما جاء في أحدها متسائلاً “وين السلطة القائمة؟”.

بعض عمليات “السطو المسلح” تندرج تحت “السرقة الموصوفة المشددة”، بحسب قانون العقوبات الصادر عن الإدارة الذاتية، الذي يصفها بذلك في حال اجتمعت ثلاثة من الظروف الآتية: ليلاً، بفعل شخصين أو أكثر، أو أن يكون السارقون مقنعين، وأحدهم أو جميعهم يحملون سلاحاً وبتهديد أو إكراه من كان موجوداً بواسطة أحدهم، بالإضافة إلى ظروف أخرى.

وتعد السرقة الموصوفة المشددة من أخطر أنواع السرقات، كما جاء في المادة 245 من قانون العقوبات، ويعاقب فاعلها بالسجن من عشر سنوات حتى خمسة عشر سنة، وغرامة خمسة ملايين ليرة.

في الثالث عشر من حزيران/ يونيو الماضي، ألقت قوى الأمن الداخلي، القبض على سبعة أشخاص، قالت أنهم “متورطين بعمليات تشليح وسطو مسلح” في ريف الحسكة، وصادرت الأسلحة التي كانت بحوزتهم، دون أن تعلن عن الحكم الصادر القضائي الصادر بحقهم.

وفي منتصف حزيران/ يونيو الماضي، هرع أحد أصدقاء راغب ابراهيم رشو، 74 عاماً، إلى حاجز لقوى الأمن الداخلي يتمركز على “طريق البترول”، طلباً للمساعدة بعد أن تعرضوا لإطلاق نار من قبل مهاجمين حاولوا سرقة ما بحوزتهم، “لكنهم لم يقدموا المساعدة مبررين ذلك بعدم وجود قرار بالتحرك من مكانهم”، كما قال رشو لـ”سوريا على طول”.

من منزله الكائن في مدينة الحسكة، روى رشو تفاصيل الحادثة التي كادت أن تودي بحياته، إذ دارت اشتباكات بينهم وبين قطاع طرق مسلحين، ما أدى إلى إصابته واثنين من أصدقائه إضافة إلى أحد المهاجمين، الذين حملوا جريحهم وفروا إلى أحد القرى القريبة.

مضى أكثر من شهرين على تقديم بلاغ عن الحادثة لكن “لم ينتج عنها شيئاً حتى الآن”، كما قال رشو بانزعاج، خاصة أنه أخبر قوى الأمن الداخلي بالقرى التي تسلل منها المهاجمون، متسائلاً: “لماذا لا ينفذون حملات لملاحقة المتورطين في تلك القرى؟”.

تواصلت “سوريا على طول” مع الرئاسة المشتركة لقوى الأمن الداخلي في مقاطعة الجزيرة للحصول على تصريح رسمي حول عمليات السطو المسلح ودورهم في الحدّ منها، لكن لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

بعد إصابته، نُقل حسن أحمد إلى مشفى الحكمة بغرض العلاج، ليصل بعده بساعات شخص آخر كان قد تعرض لكسر في الجمجمة، وتبين لاحقاً أنه نفس الشخص الذي اعتدى على أحمد، وأصيب أيضاً بالحادثة، ولكنه “فر من المستشفى” قبل أن يُلقى القبض عليه.

وكّل أحمد محامٍ لمتابعة القضية، لكن “دون جدوى، إلى الآن لم تستطع قوى الأمن اعتقال المعتدي، رغم أنها اعتقلت الشخص الذي رافقه في المستشفى”.

شارك هذا المقال