عائلات المفقودين في الجيش السوري دون معين: لم يعترف أحد بتضحيات أبنائنا
عندما وصل توفيق إلى محطة الباصات في مدينة حمص، وسط […]
27 يناير 2018
عندما وصل توفيق إلى محطة الباصات في مدينة حمص، وسط سوريا، في ١٢ شباط ٢٠١٤، اتصل بزوجته سعاد، كما كان يفعل دائماً عندما يسافر جنوباً من منزلهم في محافظة حماة.
قال توفيق، وهو قيادي في الجيش العربي السوري، كان يعمل في فرع أمن الدولة في حمص، لسعاد إنه عاد بأمان من جولته نصف الشهرية لزيارتها وأطفالهم الأربعة.
في وقت لاحق مساء ذلك اليوم، اتصلت سعاد بتوفيق مرة أخرى، لكن هاتفه كان خارج الخدمة، وعلى الفور، تذكرت مهمة عسكرية خاصة ذكرها عندما كان في المنزل.
عندما ازدادت مخاوف سعاد اتصلت بأحد زملاء زوجها في فرع الأمن، والذي بدوره أكد لها أن توفيق خرج في مهمة وسيتواصل معها عندما يعود.
تقول سعاد لسوريا على طول “بدأت دقات قلبي تتسارع”، واستمرت بمحاولة الاتصال بزوجها طوال الليل، لكنه لم يرد، وامتد الصمت لأيام.
تقول سعاد “بدأت أُطمئن نفسي وأقول ربما نفدت بطارية موبايله أو أنه في مكان لا يوجد فيه تغطية”.
جندي من جيش النظام في محافظة حلب، تشرين الثاني ٢٠١٥. جورج أورفاليان/ وكالة فرانس برس.
وتضيف بعد ثلاثة أيام من محاولتها الأولى للتواصل مع زوجها، اتصل فرع الأمن بها، وقال أحد الموظفين لسعاد إن توفيق لم يعد من مهمته وطلب منها إبلاغ الفرع في حال عاد للمنزل أو اتصل بها.
مرت أربعة أسابيع دون أي خبر من توفيق، ولاحظت سعاد أن راتبه الشهري، الذي يتم عادة إيداعه في بطاقة البنك الصادرة عن الحكومة، لم يصل.
وقال ضابط في فرع الأمن في حمص، حيث كان يعمل توفيق، لسعاد إنه نظراً لأن زوجها مسجل في عداد المفقودين، سيتوقف راتبه الشهري.
وتتذكر سعاد ما قاله الضابط لها “ادعي له من أجل أن يعود… لا يمكننا تسجيله كشهيد، لأن زوجك فقد بمهمة رسمية”.
عندما يتم التأكد من مقتل جنود الجيش العربي السوري في الحرب الدائرة هناك، يتم تسجيلهم رسمياً كشهداء، وهو مصطلح يستخدم بالعامية وبشكل رسمي في سوريا لوصف ضحايا الحرب، ويحق لأسر شهداء الجيش الحصول على عدد من الاستحقاقات الحكومية، بما في ذلك التعويض المالي، والراتب الشهري والرعاية الطبية.
ولكن بالنسبة لأسر جنود الجيش السوري الذين اختفوا، كتوفيق، لا توجد مثل هذه الامتيازات، وبدلاً من ذلك، تقول ثلاث عائلات لسوريا على طول، أنهم يواجهون كلاً من ألم فقدان أحد أفراد الأسرة، وصعوبة التعامل مع النظام القانوني الذي يوفر لهم القليل من التوجيه أو الدعم.
“لا توجد مكاتب لمراجعتها”
عندما أخبر موظفو مكان العمل السابق لتوفيق سعاد أن زوجها المفقود لن يحصل على راتب، تقول إنها شعرت بالضياع ولم تدري ما تفعل.
وبناء على اقتراح من الأصدقاء، كانت خطوتها التالية هي زيارة مكتب شؤون الشهداء في مدينة حمص. وهناك، قيل لها أنه لا يوجد شيء يمكن القيام به لمساعدتها.
حيث قالوا لها “زوجك ليس شهيدا، اسمه في قائمة المفقودين”
وتقول جميع العائلات التي تحدثت إليها سوريا على طول، والتي فقدت أحد أبنائها ممن كانوا جنوداً في الجيش السوري، أنهم لا يعلمون ما إذا كان هناك جهة حكومية مخصصة لقضية الجنود المفقودين.
تقول خيرية، ٢٦ عاماً، من سكان حمص، فقدت الاتصال بزوجها عماد، وهو ملازم أول في الجيش، في عام ٢٠١٦ “لا توجد مكاتب لمراجعتها – أو حتى للاستفسار عن وضع الشخص المفقود أو حقوق عائلته”.
وفقد عماد في معارك اندلعت بالقرب من الحاجز الذي كان يؤدي خدمته فيه في ريف حماة، كما تقول خيرية.
وأكد فراس الدمشقي، وهو محام يقيم في دمشق عمل على العديد من قضايا المفقودين، أنه ” لا يوجد في سوريا مكتب خاص لشؤون المفقودين”.
وبدلاً من ذلك، فإن أي معلومات متاحة بشأن وضع الجندي المفقود يتم تقديمها، كما يقول الدمشقي، من قبل “من كانوا معه في ساحة المعركة ومن قيادة الجيش فقط”.
وطلب الدمشقي عدم ذكر اسمه الحقيقي بسبب حساسية مناقشة المسائل ذات الصلة بالحكومة، ولأسباب مماثلة، طلب أقارب الجنود المفقودين الذين تحدثت معهم سوريا على طول، من أجل إعداد هذا التقرير، استخدام أسمائهم الأولى فقط.
وتقول خيرية، التي تعيش الآن مع ابنها ذو العامين وأقاربها في دمشق، إنها كثيراً ما تزور شعبة تجنيد الجيش السوري في العاصمة للاستفسار عن زوجها وإبلاغهم بالصعوبات المالية التي تواجهها في تربية طفلها أثناء غياب والده.
إلا أن كل ما قالوه لخيرية، أن وفاة عماد غير مؤكدة، حيث تقول سألوني في شعبة التجنيد “هل تريدين حقاً تسجيله كميت فقط من أجل الراتب؟”
وتضيف “لا أحد يهتم لأمرنا”.
وتواصلت سوريا على طول هاتفياً مع وزارة الدفاع السورية في دمشق ست مرات على مدار أسبوعين قبل أن يتم إخبارنا بأنه لا يمكن إعطاء تعليق لمنظمة مقرها عمان.
امتيازات الشهيد
تشير تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من ٦٠ ألف جندي سوري قتلوا خلال الحرب، وتتعهد الحكومة السورية بتقديم امتيازات واستحقاقات لأسر الجنود الذين تأكدت وفاتهم أثناء الحرب.
وفي الوقت الحالي، تشمل هذه المزايا “راتب شهري كامل لوالدي الشهيد الأعزب”، وفقاW لما ذكرته وكالة الأنباء السورية (سانا)، وبالنسبة للشهيد المتزوج تضمنت منح فرصة عمل بموجب عقد سنوي مباشر يجدد تلقائياً لزوجة الشهيد غير الموظفة أو لمن تختاره من أولادها.
وتشمل الميزات الأخرى تقديم الأموال اللازمة لإجراءات الدفن والرعاية الصحية للعائلة والنقل العام المجاني، كما يقول محامي دمشق، الدمشقي.
ومع ذلك، فإن امتيازات الجنود الذين قتلوا أثناء أداء الواجب كانت أكثر شمولاً قبل الحرب، كما يقول الدمشقي لسوريا على طول، واشتملت امتيازات ما قبل الحرب على دفع تعويض لمرة واحدة ومسكن ومدارس خاصة لأبناء الشهداء.
إلا أن سنوات الحرب أثرت بالاقتصاد السوري، مما ترك للحكومة أمام موارد متناقصة.
واليوم، بحسب الدمشقي “مع الحرب وكثرة أعداد الشهداء أصبحت الميزات قليلة جداً”، كما يتم إعطاؤهم الحد الأدنى من الرواتب، إضافة إلى أن مدارس أبناء الشهداء لم تعد قادرة على استيعاب العدد الكبير كما أن الحكومة تتأخر بدفع التعويض المادي للعائلات، على حد قوله.
ويضيف “الآن يتم منح عائلة الشهيد ساعة حائط أو عنزة أو صندوق برتقال تكريماً له، صار الأمر مهزلة”.
ومع كل ذلك، لاتزال استحقاقات أفراد الجيش المسجلين رسمياً كشهداء تفوق أي شيء تم تقديمه للأسر الثلاث التي تحدثت إليها سوريا على طول.
تقول سعاد أنهم أعطوها بطاقة مفقود بعد زيارتها إلى قسم إدارة الشؤون الاجتماعية في حمص، ولكن الأوراق لم تنفعها بشيء لتحسين حالتها.
وتضيف “صرت أعرضها عند الذهاب إلى الجمعيات الخيرية حتى تساعدني”، ففي بعض الأحيان تقدم هذه الجمعيات معونات كالمواد الغذائية الأساسية والبطانيات.
ولدعم عائلتها، تقوم سعاد بعمل يدوي من المنزل، كما أن ابنها أدهم ترك المدرسة للعمل كمساعد نجار، وتكافح الأسرة للحصول على لقمة العيش.
ومن جهة أخرى، ناقشت الحكومة السورية، في تشرين الأول، مشروع قرار من شأنه أن يعطي أبناء الجنود المفقودين الأفضلية في القبول الجامعي، بحسب ما ذكرته سانا.
“ليس هناك عدالة”
من الخيارات المتاحة لأسر الجنود المفقودين الذين يحاولون الحصول على استحقاقات حكومية أن يعلنوا عن وفاة أبنائهم عن طريق المحاكم. ومع ذلك، فإن العملية القانونية طويلة واحتمال نجاحها متدني، وفقا لما قالته مصادر قانونية لسوريا على طول.
يقول محمد نور الدين الحميدي، القاضي السابق الذي انشق عن حكومة نظام الأسد في عام ٢٠١٢ “القوانين السورية كانت بالمجمل خجولة فيما يتعلق بموضوع المفقودين”.
وتنص المادة ٢٠٥ من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه إذا كان الشخص مفقوداً “بسبب عمليات عسكرية أو حالات مماثلة”، فيتم اعتباره قتيلاً بعد مرور أربع سنوات.
إلا أن الحميدي يقول إنه من أجل الحصول على شهادة وفاة، تحتاج الأسر إلى رفع دعوى قضائية، ولا يجوز لهم القيام بذلك إلا بعد مرور أربع سنوات على الأقل من اختفاء الشخص.
وقال الحميدي: “تستطيع العائلات الحصول على جميع حقوقها إذا ربحت القضية”. حيث ترأس قضية ناجحة من هذا النوع قبل انشقاقه.
وقال الدمشقي، المحامي المقيم في دمشق، لسوريا على طول، إن قضايا الأشخاص المفقودين كانت شائعة نسبيا قبل اندلاع الحرب.
يقول “هناك احتمال كبير لكسب القضية في حال كان السجل الأمني للمفقود نظيف”.
ولكن في السنوات الأخيرة، يقول الدمشقي والحميدي أن عدد القضايا انخفض، حتى مع زيادة عدد المفقودين. وبحسب اللجنة الدولية لشؤون المفقودين فإن هناك ما يقدر ب ٦٠ ألف سوري مفقود منذ بدء الحرب.
وقال الدمشقي “هناك فرصة كبيرة لخسارة القضية”، وأضاف “ما نراه الآن أن الحكومة السورية تتهرب من الالتزام بالتعويض بسبب الحرب وزيادة عدد المفقودين والشهداء”.
ويعتقد المحامي أن انخفاض عدد حالات الأشخاص المفقودين قد يرجع أيضاً إلى احتمال أن الجندي الذي اختفى انشق عن الجيش.
ويقول أبو سعيد، وهو مدرس فيزياء للمرحلة الثانوية في دمشق، لسوريا على طول أنه واجه شكوكا بشأن ولاء ابنه سعيد للحكومة منذ فقده في عام ٢٠١٣.
فبعد ستة أشهر من اختفاء سعيد من قاعدة عسكرية للجيش السوري في ضواحي الغوطة الشرقية، قال والده إنه تلقى اتصالاً من إدارة الشؤون الاجتماعية في الجيش السوري، وسألوه عما إذا كان سعيد يتواصل معه، إذ أخبروه “ربما انشق ابنك عن النظام وانضم إلى الإرهابيين”.
ويضيف “بصراحة، أتمنى أن يكون الأمر كذلك على أن يكون ميتاً”.
وفي حين أنه قد مضى أكثر من أربع سنوات على اختفاء سعيد، فإن والده لا يرى الذهاب إلى المحكمة خيارا ممكنا. كما يخشى أن تكون الرسوم المطلوبة لرفع الدعوى تفوق أي تعويض مادي قد يحصل عليه.
يقول الأب “بلدنا في حالة حرب وفوضى… ليس هناك عدالة”
كرامة
بالنسبة لعائلات المفقودين، فإن تسمية “الشهيد” ليست مهمة فقط للامتيازات المرتبطة بها، وإنما أيضا هي اعتراف بأن أحد أفراد الأسرة قد فقد حياته دفاعا عن قضية نبيلة – وفي هذه الحالة، دفاعا عن الوطن.
تقول سعاد “زوجة الشهيد يكون لها تقدير واحترام أينما ذهبت”، وفي بعض الأيام، تحاول أن تتخيل ما ستكون عليه الحياة إذا تم العثور على جثة زوجها، وأصبح اسمه ضمن قائمة الشهداء.
فتقول “سنعيش بكرامة”.
إن الصعوبات التي تواجهها سعاد الآن دفعتها إلى التساؤل عما إذا كان زوجها قد اختار الخيار الصحيح لخدمة بلده، وكثيراً ما تسأل نفسها “يا ترى لو كان زوجي يعرف أن كل ما فعله من أجل الوطن ذهب سدى أكان وقف مع النظام ؟!”.
وتتابع “لم يعترف أحد بتضحياته”.
وأما أبو سعيد، الذي اتُهم ابنه بالانضمام إلى المعارضة، يشعر بخيبة مماثلة.
“ذهب ابني ليخدم جيشه وقد يكون ميتاً منذ خمس سنين، وما من أحد اعترف أنه قدم روحه فداء للوطن، أليس هذا قهرًا”.
ترجمة: سما محمد