عائلة سورية تبحث بين آلاف الصور لمعتقلين ماتوا في سجون النظام لتتحقق من مصير ولديها
في إحدى ليالي عام 2012، داهمت قوات النظام منزل شقيقين […]
6 سبتمبر 2016
في إحدى ليالي عام 2012، داهمت قوات النظام منزل شقيقين شابين يعيشان في محافظة طرطوس الساحلية، شمال غرب سوريا وألقت القبض عليهما.
ولم يسمع، حذيفة، 32 عاما، أي شيئ عن أخويه رشاد وبشير بعد ذلك.
وبعد ستة أشهر وصلتهم أنباء من معتقلين تم إطلاق سراحهم عن موت رشاد، وهو ما لم تود العائلة تصديقه، حيث لم يكن هناك أي دليل على ذلك.
وقال حذيفة لمراسلة سوريا على طول بهيرة الزرير، “بالرغم من أننا أعلنا على الملأ ما نحن مقتنعون فيه من استشهاده، فقد كانت لدينا ثغرة من أمل نعيش عليها”. وأشار إلى أنه تم اعتقال أخويه على أثر مشاركتهما بالمظاهرات السلمية التي كانت تخرج ضد الحكومة السورية.
وفي عام 2014، وجد حذيفة وعائلته فرصة لاكتشاف الحقيقة؛ ففي كانون الثاني من ذلك العام، تم تهريب مجموعة تضم 28 ألف صورة، لمعتقلين ماتوا في سجون النظام، إلى خارج سوريا من قبل منشق عسكري، والمعروف بالاسم المستعار “قيصر”.
ونشرت هذه الصور على مواقع عدة.
بحث حذيفة وعائلته بين آلاف الصور، إلى أن وجدوا صورة رشاد، في موقع الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي.
عائلة رشاد وجدت صورته في موقع الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي. حقوق نشر الصورة لـ: أحمد حذيفة.
لكنهم لم يجدوا صورة بشير، ولاحقا أكد أحد الأقارب وفاته، حيث كان يقيم معه في نفس السجن.
وقال حذيفة “آلاف الوجوه لشهداء قضوا تحت التعذيب، تأملناها وجهاً وجهاً، وعشنا معهم في محنتهم في سجون الطاغية الإرهابي (النظام)”.
حدثني عن شعوركم عند تقليبكم لآلاف الصور لسجناء وأنتم تبحثون عن إخوتكم؟
كان ذلك موجعاً إلى حد لا يمكن وصفه، كانت كل أفراد أسرتنا تحدق بالصور على أمل ألا تكون صورة رشاد أو بشير ضمن الصور، لنبقى على أمل أنهما مازالا على قيد الحياة، هناك مئات الوجوه التي شعرنا أنها يمكن أن تكون وجه رشاد، آلاف الشهداء الذي ظننا أنهم رشاد، كانو رشاداً آخر له أحباؤه الآخرين الذين لا يريدون أن يشاهدوا صورته وهو مسجل بتلك الصورة المروعة!
قلبنا بلا مبالغة (حوالي 2000 صورة )، آلاف الوجوه لشهداء قضوا تحت التعذيب، تأملناها وجهاً وجهاً، وعشنا معهم في محنتهم في سجون الطاغية الإرهابي (النظام )، ريثما وجدنا صورة أخينا الشهيد، تأكدنا أنها صورة تعود لرشاد من بعض علامات وجهه، مثل الجرح في حاجبه، و”الشامية” فوق عينه، فضلاً عن وجهه بالكامل. كل الكلمات لم تصف ما شعرنا به، وصورة بشير لم تكن موجودة، ولكن الخبر اليقين جاء من ابن خالتنا عمر الذي كان مسجونا مع إخوتي، والذي أفرج عنه عام 2015 بصفقة “شراء” تمت من خلال شخص مقرب من النظام، مقابل مبلغ كبير من المال.
حيث وثق لنا تاريخ استشهاد أخوينا “استشهد رشاد بتاريخ 3-3-2013، وبشير استشهد 15-3-2015”.
حدثني عن رشاد وبشير؟ وكيف تم اعتقالهما؟
أخي رشاد عمره، (18 عاماً حين اعتقاله)، أخي بشير عمره (19 عاماً)، كانوا في المرحلة الثانوية تم اعتقالهما من منزلنا في بانياس، في محافظة طرطوس، في منتصف شهر تشرين الثاني عام 2012. كانوا وحدهما حينها في المنزل، حيث داهمت دورية كبيرة جداً المنزل، واقتادتهما بداية إلى فرع الأمن في بانياس، ومن ثم إلى فرع الأمن العسكري في طرطوس بقيا فيه فترة لا أعلمها، ثم تم نقلهما كما قال لنا أحد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم إلى الفرع 215، الكائن في العاصمة دمشق حي كفرسوسة.
ماهو سبب اعتقال أخويك رشاد وبشير؟
كان بشير ورشاد مطلوبين لكونهما متظاهرين وناشطين سلميين في المدينة، كان رشاد قد اعتقل ثلاث مرات قبل اعتقاله الأخير الذي قتل خلاله، وكانت أجهزة الأمن حاولت اعتقال بشير مراراً دون جدوى، إلى أن تمكنت هذه المرة من اعتقاله عندما تسلل إلى المنزل للاستحمام بعد طول غياب عنه، منذ لحظة اعتقالهما، وكما كل المعتقلين في سوريا، لم نعرف بشكل رسمي أي شيء عنهما.
كيف عرفتم مكان اعتقال رشاد وبشير؟
كل ما أمكننا معرفته، كان من معتقلين التقوا معهما في الزنازين بعد فترة من اعتقالهما، قرابة ستة أشهر، بدأت تتسرب إلى مسامع عائلتي، عبر معتقلين نالوا حريتهم، أنهم التقوا بإخوتي، وأن رشاد استشهد.
لم يكن لدى المعتقلين المفرج عنهم الشجاعة أن يتحدثوا معنا مباشرة، فكانوا يرسلون لنا تلك الأنباء، من خلال معارف مشتركين بيننا.
على الرغم من تلقيكم نبأ موت أخيك رشاد من أناس كانوا متواجدين معه داخل السجن، ما الذي جعلكم لاتصدقون هذا النبأ؟
أن الإنسان يبقى على أمل، لا أحد منا يريد أن يصدق أن أحباءه ماتوا، وأنه لن يراهم ثانيةً، فبالرغم من أننا أعلنا على الملأ ما نحن مقتنعون فيه من استشهادهم، فقد كانت لدينا ثغرة من أمل نعيش عليها، ولهذا عندما ظهرت صور وتسريبات ما يعرف بـ”سيزر”، بدأنا البحث في ما نشر منها، ولكن لم نصل لنتيجة.
وبقي الأمل حاضراً عندنا، ففي آذار عام 2015، تمكنا أخيراً من خلال موقع الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي” الذي رتب صور ووجوه الشهداء بطريقة يسهل تصفحها، من العثور على صورة رشاد.
ترجمة: سما محمد