7 دقائق قراءة

عام على حراك السويداء: مطالب لم تتحقق وتحديات تهدد استمراره

على مدى عام كامل، لم تغب الاحتجاجات عن ساحة الكرامة، وسط مدينة السويداء، وتمسك المحتجون بمطالبهم السياسية، التي لم يتحقق أي منها حتى الآن، وسط تساؤلات إلى أين يمضي الحراك، لا سيما مع تراجع أعداد المشاركين فيه.


السويداء- بعد مرور شهرين على انطلاق الحراك السلمي في محافظة السويداء، عزف عارف أحمد (اسم مستعار)، عن المشاركة في الاحتجاجات، بعد أن كان أحد أبرز المشاركين فيها خلال الأسابيع الأولى من انطلاقها، معللاً ذلك بأن “الاحتجاجات لن تحقق مطالبنا بإسقاط رأس النظام السوري، طالما هناك توافق دولي على بقائه”، لذا “لا جدوى من الاستمرارية بنفس الخطاب”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في 20 آب/ أغسطس 2023، انتفض الشارع في السويداء رداً على جملة من القرارات الحكومية، أبرزها رفع الدعم عن المحروقات، ثم تطورت الأحداث لتشهد المحافظة الجنوبية إضراباً عاماً في القطاع الخاص ودوائر الدولة، ومن ثم تحولت المطالب الاقتصادية إلى سياسية، من قبيل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، حتى بلغت حدّ المطالبة برحيل الأسد.

على مدى عام كامل، لم تغب الاحتجاجات عن ساحة الكرامة، وسط مدينة السويداء، ورغم الاستفزازات المستمرة من النظام السوري وأجهزة الأمنية التزم المحتجون بسلمية الحراك، وتمسكوا بمطالبهم السياسية، التي لم يتحقق أي منها حتى الآن، وسط تساؤلات إلى أين يمضي الحراك، لا سيما مع تراجع أعداد المشاركين فيه، بعد أن تخطى أعدادهم في الأسابيع الأولى حاجز الستة آلاف متظاهر في ساحة الكرامة وحدها، بينما لا يتجاوز أعدادهم خلال أيام الجمعة حاليا 800 متظاهر، بحسب تقديرات “السويداء 24″ و”سوريا على طول”.

وفي هذا السياق، قال علي العريضي، أحد الناشطين في الحراك، “بدأ التراجع مطلع العام الحالي”، ويعود ذلك لعدة أسباب، منها “برودة طقس الشتاء، وانشغال المشاركين في الأعمال اليومية الحياتية”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “الناس كانت تعتقد أن الحراك سوف يحقق نتائج مباشرة، لكن اتضح أن المسألة ليست بهذه السهولة وتحتاج إلى وقت”.

عدا عن “الظروف المعيشية للأهالي، والخطر الذي يحدق بالمتظاهرين كالقتل أو الاعتقال”، تراجع حراك السويداء بعد أن شعر المشاركون بـ”الخذلان” لأنهم أيقنوا أن “التغيير السياسي يحتاج إلى قرار دولي”، كما قال الناشط المدني خالد سلوم.

هذا لا ينفي تأثير “الخلافات الداخلية، ومحاولة احتكار الحراك من قوى سياسية ومدنية وفئوية” على الحراك، ما أدى إلى تراجع أعداد المشاركين، بحسب المحامي أيمن شيب الدين.

مظاهرة في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء رفضاً لعملية انتخابات مجلس الشعب، 2024/05/03،(نور الناشط/سوريا على طول).

مظاهرة في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء رفضاً لعملية انتخابات مجلس الشعب، 2024/05/03،(نور الناشط/سوريا على طول)

أساليب مواجهة الحراك

اتبع النظام السوري نهجاً مختلفاً في التعامل مع حراك السويداء عن باقي المحافظات السورية، التي حاول فيها قمع المظاهرات، إبان اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، بالعنف المفرط، بينما أدار ظهره لانتفاضة السويداء، واستخدم سياسة “التجاهل” و”الاحتواء”، مراهناً على عامل الوقت وما يترتب عليه من خلافات داخلية وانقسامات إضافة إلى الظروف المعيشية القاهرة، التي يعيشها أبناء المحافظة، حالهم حال مناطق سيطرة النظام في عموم سوريا، من سوء الخدمات وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي.

في الأيام الأولى للحراك، أرسل النظام وفوداً للتهدئة، وقدم وعوداً بتحسين بعض الخدمات كالكهرباء والمياه، عبر محافظ السويداء السابق بسام بارسيك، الذي نقلها بدوره إلى الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، لكن عرض النظام قوبل بالرفض لأن سقف المطالب في المحافظة ارتفعت، ما دفع النظام إلى استخدام أساليب الترهيب، من قبيل بث إشاعات بدخول إرهابيين وانتحاريين إلى السويداء عبر البادية الشرقية، مستخدماً إعلاميين محسوبين عليه في بثها.

من ناحية أخرى، قدّم النظام ثورة السويداء على أنها “ثورة درزية تُدار من الخارج” وهذا مناف للواقع، كون “مطالبنا وطنية بامتياز، وهي مطالب الشعب السوري كافة”، كما قال الناشط السياسي مروان حمزة، لافتاً إلى أن النظام سبق أن استخدم “زرع الفتنة بين أهالي السويداء ودرعا، بهدف تقسيم المنطقة والسيطرة عليها من خلال بث الخطاب الطائفي في السويداء، التي حاول على مدار أعوام إقصاءها عن المشهد السياسي”.

وبعد شهر واحد على انطلاق الاحتجاجات، استخدم النظام العنف ضد المحتجين، لأول مرة، عندما فرقت عناصر الأمن مظاهرة حاول المشاركون فيها اقتحام قيادة فرع حزب البعث في مدينة السويداء، ما أسفر عن وقوع ثلاث إصابات في صفوف المتظاهرين.

وفي أواخر شباط/ فبراير 2024، أعلن النظام عن فتح باب تسوية أوضاع المطلوبين والمتظاهرين، الذين شاركوا في ساحة الكرامة، وإزالة الطلبات الأمنية بحقهم، فتجمع المتظاهرون أمام مركز التسويات (صالة 7 نيسان)، وسط المدينة، معبّرين عن رفضهم للتسوية، وهتفوا بإسقاط النظام ورفعوا شعارات تؤكد على سلمية حراكهم.

رد عناصر الأمن المتواجدين في مركز التسوية بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل جواد الباروكي، أحد المتظاهرين، وبذلك سجلت السويداء ارتقاء أول متظاهر منذ اندلاع حراكها في آب/ أغسطس 2023.

ومن أساليب الترهيب التي اعتمدها النظام في السويداء، اعتقال النشطاء وطلبة الجامعات من أبناء المحافظة أثناء تواجدهم خارج المحافظة، كما في حالة الطالب داني عبيد، الذي اقتادته الأجهزة الأمنية من السكن الجامعي في اللاذقية، في شباط/ فبراير 2024، على خلفية منشور له على “فيسبوك يدعم فيه حراك السويداء.

دام اعتقال عبيد 75 يوماً، وفشلت جميع محاولات عائلته لإخراجه، ما دفع فصائل محلية في السويداء إلى احتجاز عدد من الضباط للضغط من أجل الإفراج عليه، وتحقق ذلك بعد يومين من اعتقال الضباط. رداً على ذلك، استقدم النظام تعزيزات عسكرية للسويداء دون الإفصاح عن وجهته، وهو ما اعتبره نشطاء محاولة من النظام إلى تحويل المحافظة إلى ساحة اقتتال عسكري.

وعاد النظام للتلويح بـ”العنف”، عندما دفع بتعزيزات عسكرية إلى السويداء، في أواخر نيسان/ أبريل، وأتبع ذلك بتعيين اللواء أكرم محمد محافظاً للسويداء، بموجب المرسوم 102 لعام 2024، في أيار مايو، وهو من أبرز ضباط إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، ومتهم بارتكاب جرائم حرب خلال رئاسته للأفرع الأمنية، وتنفيذ عناصره عمليات قتل تحت التعذيب.

وفي 23 حزيران/ يونيو، اندلعت اشتباكات بين الأجهزة الأمنية وفصائل محلية داعمة للحراك، على خلفية شروع النظام ببناء حاجز عسكري بالقرب من دوار العنقود عند مدخل السويداء الشمالي. تزامن ذلك مع اختطاف فرع أمن الدولة في السويداء لقائد فصيل “القوى المحلية في السويداء” رائد المتني، ما دفع فصيله إلى اختطاف أربعة ضباط للنظام السوري، وانتهى التوتر بعد الحصول على عود تفيد بنقل الحاجز بعيداً عن الشارع العام وتحويله إلى ثكنة عسكرية.

وفي 18 آب/ أغسطس الحالي، أي بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة السويداء، أعاد النظام إنشاء “حاجز العنقود”، مستقدماً تعزيزات كبيرة من العناصر والعتاد والسلاح، ما دفع الفصائل المحلية، وعلى رأسها “حركة رجال الكرامة” إلى رفع “حالة التأهب وإعطاء الحاجز إنذاراً بعدم التعرض لأهالي السويداء”، كما قال مصدر من الحركة لـ”سوريا على طول”.

ومن أخطر المنعطفات التي مرّ بها حراك السويداء، حادثة اغتيال مرهج الجرماني، قائد لواء الجبل، وهو من أبرز الشخصيات الداعمة للحراك ومن المساهمين في إشعال شرارته الأولى، لذا تخوف ناشطون من تأثير مقتله على الحراك، متهمين النظام وأجهزته الأمنية بتدبير اغتياله، في عملية مثيرة للجدل.

هيئة عامة للحراك

في التاسع من تموز/ يوليو الماضي، أعلنت فعاليات محلية من دارة الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، حكمت الهجري، في بلدة القنوات، عن تشكيل “هيئة عامة” لتمثيل الحراك الشعبي المناهض للنظام.

وضمت الهيئة ممثلين عن الحراك، في خطوة توافقية تهدف إلى دفع “عجلة الاحتجاجات الشعبية حتى تحقيق مطالبها”، ومن أهدافها “تنظيم خطوات الحراك السلمي، والابتعاد عن الأحزاب والتيارات السياسية، لتحقيق تطلعات ومطالب الشارع بالحرية والسلام”.

وبعد أيام، أعلنت الهيئة عن نيتها تشكيل لجنة سياسية تسعى إلى “الالتزام بالثوابت الوطنية، وحدة سوريا شعباً وأرضاً، الحفاظ على الحراك الشعبي حراكاً سلمياً مدنياً، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة”، وذلك “تماشياً مع المطالب المحقة للسوريين وبناء دولة العدالة والمساواة وانطلاقاً من حق الشعب السوري في تقرير مصيره ببناء دولته”، كما قال أحد أعضاء الهيئة لشبكة “السويداء 24”.

وفي أواخر تموز/ يوليو، أجرت الهيئة انتخابات لاختيار أعضاء اللجنة السياسية في بلدة قنوات، بحضور عشرات النشطاء، لينبثق عنها أحد عشر عضواً بعد أن حصلوا على أعلى عدد من الأصوات، من بين حوالي 50 مرشحاً.

شدد المحامي أيمن شيب الدين، وهو أحد نشطاء الحراك، على أهمية الهيئة، معتبراً أنه “من الطبيعي للحراك ومستقبله وانتظامه أن يكون له هيئة تُمثّله سياسيّاً وإعلاميّاً وتنظيميّاً، لأن التنظيم هو نقيض الفوضى والارتجال والعشوائية”.

وأشار شيب الدين إلى أن عموم أبناء الحراك ينظر إلى الهيئة العامة ولجانها المُشكّلة تباعاً “بعين من الايجابيّة، وهي تحت مجهره، بأن تُمثّله بالشكل والخطاب والممارسة الوطنيّة الديمقراطيّة التي تليق بهِ، وصولاً إلى تحقيق الحل السياسي العام للسوريين والبدء ببناء نظام ودولة جديدين”.

سبق تشكيل اللجنة السياسية عدة محاولات سابقة لتشكيل جسم سياسي يمثل السويداء عربياً ودولياً، قبل أن ينتهي الأمر بتشكيلها، كما قال جمال الشوفي، أحد أعضاء اللجنة السياسية وناشط في الحراك السلمي، مشيراً لـ”سوريا على طول” إلى أن مهامها “التنسيق مع كل الجهات سواء كانت مدنية أو سياسية أو دينية على مستوى المحافظة أو سوريا”.

“وسوف تعمل اللجنة على التنسيق بين  نقاط الحراك عامة وساحة الكرامة بشكل رئيسي، والتشبيك على المستوى السوري والوطني، وهذا “لا يلغي دور الأفراد في باقي التيارات والجهات السياسية التي تقوم بعملها، فاللجنة السياسية يمكنها أن تكون صلة الوصل المتعاونة مع كل الجهات وهذه الضرورة منها”، بحسب الشوفي.

إلى الآن، اقتصر عمل اللجنة السياسية على إصدار البيانات، واتسم عملها بالضبابية ما عرّضها للانتقادات والتساؤلات.

تعليقاً على ذلك، تساءلت راية سبيعي، ناشطة حقوقية من المشاركات في حراك السويداء، عن سبب تشكيل اللجنة السياسية، مشيرة إلى أنه “ليس لدي أي فكرة عن السبب”، إذ “في العادة يكون هناك هدف محدد ومنه ننطلق لتشكيل لجنة أو تيار أو فريق، من أجل تحقيق هذا الهدف، لكن في سياق الهيئة السياسية، هي شُكلت ثم قامت بوضع أهدافها، لذلك لم تكن الرؤية واضحة تماماً لدينا”.

من جانبها، رأت سلام النبواني، عضوة في لجنة تنظيم احتجاجات ساحة الكرامة، أن تشكيل اللجنة السياسية “ضرورة ولكن ظاهرها لا يشبه باطنها”، معبرة عن قلقها من مستقبل الحراك، ولا سيما أن  اللجنة السياسية التي تشكلت مؤخراً “تضم أشخاصاً ليسوا سياسيين”، وبالتالي “صار لدينا خوف وشكوك من مشروع قادم وواجهة حاضرة”، ناهيك عن “أنني لا أعلم مدى قدرة اللجنة السياسية التي تشكلت عن مدى قدرتها على الحوار السياسي”.

حزب بعث يطرد مئة عضو عامل

وفي الثالث عشر من الشهر الجاري، فصلت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي (الحاكم)، مئة “عضو عامل” في محافظة السويداء من صفوف الحزب من دون توضيح سبب الطرد، في الوثيقة التي يعود تاريخ صدورها إلى 28 أيار/ مايو الماضي، لكن “السويداء 24″، شبكة محلية تعنى بنقل أحداث المحافظة، عزت سبب فصل غالبيتهم إلى المشاركة في حراك السويداء.

تأكيداً على ذلك، قالت المحامية ريهام أبو يحيى، التي ورد اسمها في قائمة المفصولين، أن قرار فصلها جاء على خلفية مشاركتها في الحراك، معتبرة أن القرار “يهدف إلى الضغط على المتظاهرين لوقف نزولهم إلى الساحة”. 

لم يعد لحزب البعث سلطة في السويداء، لا سيما بعد أن أغلق المحتجون مقرات الحزب وكافة الشعب الحزبية في مدينة السويداء وقرى وأرياف المحافظة، وفقاً لأبو يحيى، مشددة على “التمسك والاستمرار” بالمشاركة رغم كل التحديات التي تعصف بالحراك.

تم إعداد هذا التقرير بالتعاون بين “سوريا على طول” و “السويداء 24” ضمن برنامج “صوتنا”.

شارك هذا المقال