عبد الحليم خدام الذي انشق عن بشار الأسد ومات وفياً لنظام الأسد
إذ رحل خدام غير آبه، والمقربون منه، بماضيه في خدمة الأسد الأب، فإن هذا الموت كان، وللمفارقة، مبعث أشد إحراج لمن يفترض أن يكونوا أشد مناوئي نظام الأسد؛ جماعة الإخوان المسلمين.
1 أبريل 2020
عمان- “لن نسمح بشكل من الأشكال أن تتحول سورية لا جزائر ولا يوغوسلافيا ولا غيرها. هذا الأمر يجب أن يكون واضحاً”. بهذه العبارة، التي كانت بمثابة شرارة الانطلاق نحو الإجهاز على ربيع دمشق مطلع العام 2001، سيتذكر كثير من السوريين نائب بشار الأسد آنذاك، وقبله حافظ الأسد، عبد الحليم خدام الذي توفي في فرنسا فجر أمس عن عمر يناهز 88 عاماً.
مع ذلك، سيرحل خدام متهماً من قبل أنصار النظام، على الطرف الآخر، بالخيانة، نتيجة انشقاقه في كانون الأول/ديسمبر 2005. ولن يشفع له تاريخ طويل جداً، بدأ مذ كان عمره 17 عاماً، في خدمة البعث وآل الأسد، وضمنها في العام 2000 وراثة “سلسلة” للأسد الابن لعرش والده، عقب تعديل دستوري استغرق دقائق.
فخلال أيام، تحول نائب رئيس الجمهورية لقرابة عقدين كاملين، إلى خائن وفاسد؛ إذ صوت مجلس الشعب، في 31 كانون الأول/ديسمبر 2005، على اتهام خدام بالخيانة وتهريب الأموال ودفن نفايات نووية في صحراء تدمر شرق سوريا. بعد ذلك، أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق، في 17 آب/أغسطس 2008، حكماً غيابياً بسجن “الخائن” مدة 13 عاماً قابلة للتمديد، مع الأشغال الشاقة، بتهم من بينها الافتراء الجنائي على القيادة السورية، والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية في قضية مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، كما صلته غير المشروعة مع إسرائيل.
من لا يملك لمن لا يستحق
ولد خدام في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس الساحلية العام 1932. وتخرج في كلية الحقوق بجامعة دمشق. وقد تقلد بحكم عضويته في حزب البعث مناصب متقدمة في الدولة السورية، إذ شغل منصب محافظ حماه العام 1964، والقنيطرة منذ العام 1966 وحتى إعلان حافظ الأسد سقوطها ضمن هضبة الجولان بيد الاحتلال الإسرائيلي قبل وصول الجنود الإسرائيليين فعلياً، في واحد من أكثر الإعلانات إثارة للجدل في تاريخ سوريا الحديث.
لكن إعلان السقوط هذا سيكون بالنسبة لخدام بداية مزيد من الصعود في هرم قيادة البعث، لاسيما مع انقلاب حافظ الأسد، فيما سمي “الحركة التصحيحة” في تشرين الثاني/نوفمبر 1970.
فبعد شغله منصب محافظ دمشق في العام 1967، تولى خدام وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية في العام 1969، ثم وزارة الخارجية منذ العام 1970 وحتى تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية في العام 1984.
بحكم منصبه الأخير، أصبح خدام رئيساً مؤقتاً لسوريا إثر وفاة حافظ الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، لمدة 37 يوماً، كانت كافية لإدخال تعديل على المادة 83 من الدستور بتخفيض الحد الأدنى المطلوب لسن الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً هو سن بشار الأسد آنذاك. وقد أصدر خدام المرسوم التشريعي رقم (9) في 11 حزيران/يونيو 2000 بتعديل تلك المادة الدستورية، والمرسوم رقم (10) القاضي بتعيين بشار الأسد قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة، بعد ترفيعه من رتبة عقيد إلى رتبة فريق، متجاوزاً رتب عميد، ولواء، وعماد.
إنشقاق عن الابن ووفاء للأب
في كانون الأول/ديسمبر 2005، أعلن خدام الذي احتفظ بمنصب نائب رئيس الجمهورية في عهد الأسد الابن، انشقاقه عن النظام، متهماً هذا الأخير، من فرنسا مكان لجوئه، بالمسؤولية عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط/فبراير من العام ذاته، وطالب بديمقراطية في سوريا، بعد أن كان يعدها الطريق إلى “الجزارة”، في إشارة إلى سنوات الحرب الأهلية العشر التي عرفتها الجزائر عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها الإسلاميون العام 1991.
مع ذلك، سيتبين سريعاً أن نائب الأسد، أباً وابناً، إنما انشق عن بشار الأسد فحسب، فيما احتفظ بولاء لا يتزحزح للأب، صانع دولة الرعب والفساد في سوريا. يظهر ذلك جلياً جداً في أغلب تصريحات خدام، إن لم يكن جميعها، منذ العام 2005، والتي حفلت بالدفاع عن حافظ.
وحتى إذ ارتكب الأسد الأب “خطيئته الكبرى”، بوصف خدام في مقابلة صحفية، وهي تحويله “النظام الجمهوري إلى عائلي”، فقد استدرك رفيق الأسد المقرب بالإشادة بالوريث السابق لعرش الجمهورية، باسل الأسد الذي قضى قبل موت أبيه بسنوات، باعتباره “عاقلاً، أما بشار فهو ضعيف الشخصية، والحاكم الضعيف دائما ما يكون أسوأ وأخطر وأشرس”؛ ما يعني حتماً أنه لم يكن من ضير لو ورث باسل الرئاسة.
الموت المحرج
في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، نشرت وسائل إعلام صور حفل زفاف وصف بـ”الأسطوري” في دار الأوبرا بباريس، قدرت تكلفته بمليون يورو، لحفيدة خدام “لارا”. وهو ما يدلل كفاية على حياة الأخير المرفهة حتى مماته الذي جاء من دون أن تتحقق فرصة مساءلته وعقابه عما ارتكبه بحق السوريين، نهباً وفساداً وإفساداً إن لم يكن قتلاً مباشراً، ومثلهم لبنانيون كثر عندما كان خدام “المندوب السامي” في بلادهم.
لكن إذ رحل خدام غير آبه، والمقربون منه، بماضيه في خدمة الأسد الأب، فإن هذا الموت كان، وللمفارقة، مبعث أشد إحراج لمن يفترض أن يكونوا أشد مناوئي نظام الأسد؛ جماعة الإخوان المسلمين. إذ أعادت الوفاة التذكير بوصمة تحالف الجماعة مع خدام في العام 2006، ضمن ما سمي “جبهة الخلاص الوطني”، والتي انفرط عقدها في العام 2009، بإنجاز وحيد ربما؛ حملات تشهير متبادلة بين ركنيها.