“عفرين لأهلها”: تزايد أعداد العائدين الكرد وسط ترقب الإعلان عن عودة جماعية
تزايدت حركة العائدين إلى عفرين، التي بدأت في كانون الأول/ ديسمبر، وارتفعت نسبة الكرد إلى نحو 60 أو 70 بالمئة، كما شهدت بعض القرى عودة أكثر من 80 بالمئة من سكانها
30 أبريل 2025
عفرين- في الخامس من نيسان/ أبريل الحالي، عادت أمينة علي، 58 عاماً، مع زوجها إلى ناحية معبطلي في ريف عفرين، بعد رحلة نزوح استمرت سبع سنوات، عندما قررت العائلة مغادرة منزلها أثناء عملية “غصن الزيتون” العسكرية، التي أطلقتها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) بعدم تركي عام 2018 ضد وحدات حماية الشعب الكردية.
كما أن النزوح لم يكن مجرد انتقال عابر، كانت العودة “مشحونة بالمشاعر وأشبه بالحلم الذي تحقق”، قالت علي لـ”سوريا على طول” عبر اتصال واتساب، بينما كانت تجلس مع جارتها في حديقة منزلها.
“كنت أبكي طوال الطريق إلى عفرين، لم أصدق أننا عائدون إلى منزلنا، وعندما اقتربت من مدخل عفرين شعرت كأن ثقلاً انزاح عن صدري، لأنني تنشقت هواء عفرين بعد سبع سنوات من الفراق”، بحسب علي، مضيفة: “جلست أمام البيت واستعدت شريط الذكريات، كأن كل السنوات التي عشتها في البيت عادت دفعة واحدة… عدت أخيراً إلى المكان الذي لم يفارقني لحظة”.
التف الجيران حول السيدة العفرينية، وبكى بعضهنّ تأثراً بالموقف، بينما علت الزغاريد من أخريات، حتى “امتزج صوت البكاء مع الزعاريد في لحظة مشحونة بالعواطف”، على حد وصفها.
ورغم أن العودة لا ترتبط -مباشرة- بالاتفاق الموقع مطلع الشهر الحالي بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي تضمن عدة بنود، منها: انسحاب “قسد” من حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب مع الحفاظ على هوية الحيين وخصوصيتهما، وإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين، إلا أن أعداد العائدين تزايدت بعد الاتفاق.
منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، شجعت الإدارة الجديدة للبلاد أهالي عفرين على العودة إلى ديارهم، وقدمت العديد من رسائل الطمأنة، إلا أن أهم هذه الرسائل تجسدت بتوصل الرئيس أحمد الشرع إلى اتفاق مع قائد “قسد”، مظلوم عبدي، ومن ثم اتفاق حلب.
عاشت عائلة أمينة علي عدة تجارب نزوح قبل أن ينتهي بها المطاف في مسقط رأسها. في 11 آذار/ مارس 2018، نزحت العائلة من المعبطلي باتجاه مدينة عفرين، عندما اقتربت فصائل الجيش الوطني من البلدة، وبعدها بأربعة أيام انتقلت العائلة إلى بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، وبقيت هناك حتى الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024.
بالتزامن مع عملية “ردع العدوان”، التي انتهت بسقوط النظام، أطلقت فصائل الجيش الوطني عملية “فجر الحرية” في محافظة حلب، بما في ذلك تل رفعت، ما دفع عائلة علي إلى النزوح مجدداً إلى محافظة الرقة، شمال شرق سوريا، وبقيت هناك لمدة ثلاثة أشهر، قبل أن تعود إلى حلب ومنها إلى المعبطلي بريف عفرين.
منذ عودتها إلى منزلها، تجتمع علي مع جاراتها صبيحة كل يوم في منزل إحداهنّ لارتشاف القهوة وتبادل أطراف الحديث، “تماماً كما كنا نفعل قبل النزوح”، وفقاً لها.
في شباط/ فبراير الماضي، دخلت قوات الأمن العام التابعة للإدارة السورية الجديدة إلى عفرين، ما أعطى بارقة أمل للكرد، بأن تضع الحكومة السورية حداً لانتهاكات فصائل الجيش الوطني، لكنّ اتفاق الشرع-عبدي هو أساس عودة اللاجئين، كونه تناول ضمان عودة كافة المهجرين، ناهيك عن انسحاب العديد من الفصائل من عفرين في الأسابيع التالية للاتفاق.
وفي هذا السياق، قال أحمد مستو، ناشط من مدينة عفرين، أن “نحو 70 إلى 80 بالمئة من فصائل الجيش الوطني قد غادرت عفرين حتى الآن”.
في شهر سقوط الأسد عاد نحو 70 ألف نازح إلى عفرين، واستمرت حركة العائدين حتى ارتفعت نسبة الكرد في عفرين إلى نحو 60 أو 70 بالمئة، كما قال إبراهيم شيخو، مدير منظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن بعض القرى شهدت عودة من 80 إلى 90 بالمئة من سكانها، بينما كانت النسبة أقل في قرى أخرى.
في المقابل، تراجع عدد العائلات النازحة من مناطق سورية أخرى إلى ناحية شران بريف عفرين إلى 2400 عائلة، بعدما كان عددها قبل سقوط النظام نحو 18 ألف عائلة، بحسب محمد عثمان جلوسي، رئيس المكتب الإغاثي في مجلس الناحية.
وفي هذا السياق، قدّر خليل بكر، رئيس المجلس المحلي لناحية راجو عدد العائلات التي عادت إلى الناحية بنحو 550 إلى 600 عائلة.
وهناك العديد من العائلات التي عادت إلى عفرين خلال أيام عيد الفطر بغرض الزيارة فقط، على أن يعودوا بشكل نهائي بعد خروج كامل فصائل الجيش الوطني من عفرين وخروج النازحين من مناطق سورية أخرى من منازل سكان عفرين الأصليين، كما ذكرت عدة مصادر مدنية لـ”سوريا على طول”.
عودة فردية
منذ عودتها إلى بيتها، تحاول أمينة علي إعادة ترتيب منزلها، الذي “لم يبق منه شيئاً سوى الجدران”، لأن العائلة النازحة التي كانت تسكنه “نهبت ما فيه”، بينما يقضي زوجها نهاره في أرضه الزراعية، بين حراثة وعناية وتقليم أشجار، وفقاً للسيدة، التي قالت أن “60 شجرة لوز تعرضت للقطع خلال فترة نزوحنا”، وبالتالي “تحتاج الأرض عدة سنوات حتى تعود إلى ما كانت عليه كما كانت قبل 2018”.
تبدو عائلة علي محظوظة مقارنة بغيرها من عائلات عفرين العائدة، إذ كان من المفترض أن تدفع 150 دولاراً مقابل خروج العائلة التي حازت على المنزل من دون إذن، لكن قبل عودتهم إلى عفرين وصلتهم رسالة من المجلس المحلي بأن منزلهم خالٍ وبإمكانهم استلامه.
رغم كل المآسي التي تكبدتها العائلة، بالإضافة إلى الأضرار المادية بالمنزل، تشعر علي بسعادة غامرة منذ العودة إلى منزلها وأرضها، قائلة: “يوم في منزلي يعادل سنوات من الغربة”، وكلها أمل بأن “يعود كل شيء أفضل مما كان عليه سابقاً”.
في المقابل، حلّت عائلة عزيز حمدو، 28 عاماً، عدة أيام في منزل ابن عمه، لأن عائلة نازحة كانت تقطن في منزله بناحية راجو، “ورفضت الخروج قبل أن الحصول على مبلغ 400 دولار أميركي”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنه رضخ لشروطهم، لكن عندما استلم المنزل “تبين أنهم نهبوا كامل محتوياته قبل الخروج منه”.
في الثاني من نيسان/ أبريل الحالي، عاد حمدو إلى قرية شران، التي تنحدر منها والدته، بهدف تقييم الوضع، وبعد عودته وصلته رسائل طمأنة من أقاربه بأن الظروف في قريته راجو مناسبة للعودة، فقرر في اليوم التالي العودة إليها.
نشأ حمدو في مدينة دمشق وكان يقيم فيها، وفي عام 2016، جهّز والده المنزل في القرية بهدف العودة النهائية إلى راجو عام 2018، لكن عملية “غصن الزيتون” أعاقت عودتهم. منذ عامين انتقل حمدو إلى حلب، ومن حينها “نعيش حسرة العودة إلى قريتنا”.
رغم ذلك، عبّر حمدو عن سعادته بالعودة، قائلاً: “عندما وصلت قبلت الأرض وفاء لنذر نذرته في وقت سابق”.
على خلاف علي وحمدو، لم تشعر شادية سيدو، 40 عاماً، بالسعادة أثناء عودتها إلى عفرين في 20 آذار/ مارس الماضي، لأنها كانت تتمنى أن تكون “العودة جماعية، في قافلة تضم جميع الأهالي الذين نزحوا قسراً، “لا أن تبقى عودة فردية تحمل في طياتها الغصة أكثر من الفرح”، على حد تعبيرها.
عادت سيدو رفقة ثلاثة من أولادها، تتراوح أعمارهم بين 12 و 16 عاماً، بينما بقيت ابنتها الكبرى، 19 عاماً في حلب، لأنها تتحضر لتقديم امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، كما قالت السيدة، التي اضطرت إلى استئجار منزل في عفرين لأنها باعت منزلها قبل سنوات.
في عام 2018، عندما نزحت سيدو وأطفالها، تمسك زوجها بالبقاء في عفرين، لكنه اعتقل على يد فصائل الجيش الوطني “بتهمة تنفيذ تفجير، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، قضى ثلاثاً منها ومن ثم أطلق سراحه بعد دفع مبلغ 17 ألف دولار”، ما اضطر العائلة إلى “بيع المنزل ومصاغ ذهبي”، بحسب زوجته.
ورغم كل ذلك، “تبقى العودة أفضل من البقاء بعيداً، يكفي أن أولادي التقوا بأبيهم بعد سنوات من الفراق”، وفقاً لسيدو، التي تشعر بالخوف كلما لمحت عناصر مسلحة في عفرين، لأنها تعود بها إلى ما حلّ بمنطقتها طيلة السنوات الماضية.
بداية فرج؟
لأول مرة منذ سبع سنوات يشعر علي حسن حسني، 45 عاماً، من سكان بلدة راجو بريف عفرين أن “عفرين لأهلها”، وأن “لنا سند وقوة”، إذ اجتمع العائدون مع الذين تمسكوا بالبقاء سابقاً -وهو واحد منهم- في مقبرة البلدة في أول أيام عيد الفطر، الموافق 31 آذار/ مارس، وهو طقس يتمسك به العديد من السوريين في أيام الأعياد.
“التجمع كان لحظة ذاكرة جماعية استعادت شيئاً من الدفء الذي افتقدناه منذ سنوات”، كما قال حسني لـ”سوريا على طول”، رغم أن المكان الذين اجتمعوا فيه هو مكان يرمز للموت.
وفي 23 نيسان/ أبريل الحالي، عاد أولاد عمة حسني وجيرانه راجو، في لحظة تعبر عن “بداية فرج، وخطوة إيجابية أعطتنا راحة نفسية، لأن الناس تقوى ببعضها”، وفقاً له. ومع ذلك “لم نصل إلى نشوة السعادة الحقيقية، كنا نتمنى أن يعود الجميع بقافلة وأن تشهد عفرين مراسم استقبال منظم للعائدين”.
في موقف مشابه، عبرت إلهام رشو، من سكان ناحية بلبل بريف عفرين عن سعادتها بعودة والدتها وشقيقها الأصغر وعائلات أخرى إلى قريتها، قائلة: “عند عودتهم اشتد ظهرنا، بينما كنا في السابق لا نستطيع التحرك من شدة الخوف”.
طيلة السنوات السبع الماضية، كانت رشو لا تذهب إلى مدينة عفرين من دون زوجها، لكنها اليوم تذهب بمفردها، وهو ما يشير إلى شعورها بالأمان، الذي كانت تفتقده سابقاً.
في حديثها لـ”سوريا على طول”، تمنت رشو أن يعود شقيقها الآخر، المقيم حالياً في مدينة القامشلي، مؤكدة “عدم وجود أي تضييق أو مخاطر على العائدين إلى الناحية مؤخراً”. بينما في ناحية راجو “لم يتغير الوضع كثيراً، إذ ما زال فصيل أحرار الشرقية متواجداً، ويفرض إتاوات على أصحاب المحلات ويستولون على أملاك النازحين”، بحسب حسني.
وأشار حسني إلى أن الأمن العام “لم يتمكن حتى الآن من السيطرة على الوضع”، وما زالت هناك عائلات في راجو “ترفض الخروج من المنازل التي تقيم فيها دون استلام مبالغ مالية، في حين يعمد البعض الآخر إلى إخلاء المنازل بعد أخذ الأثاث والأغراض، رغم أنها تعود بالأصل إلى سكان عفرين الأصليين”.
وفي هذا السياق، قال إبراهيم شيخو، مدير منظمة حقوق الإنسان عفرين-سوريا، أن التحديات الحالية تقتصر على “عدم تمكن العديد من العائدين من استعادة أملاكهم حتى الآن”، لكن في الآونة الأخيرة لم تشهد المنطقة عمليات اعتقال واختطاف “وإن وجدت فهي حالات قليلة جداً”.
ومع كل المؤشرات الإيجابية، استبعد فاضل محمد، صحفي من عفرين مقيم في مدينة حلب، العودة إلى مسقط رأسه هذه الفترة، إلا “بغرض الزيارات القصيرة، وهو توجه أغلب أهالي المنطقة المقيمين بحلب”، إلى حين “ترتيب أوضاعهم وتفقد أملاكهم واستردادها وتثبيت ملكيتها”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وهناك عوامل إضافية تعيق عودة محمد، وهو “غياب إعلان رسمي حكومي يرحب بعودة الأهالي ويقدم ضمانات بعدم التعرض لهم”، إضافة إلى “الحالة الأمنية ووجود فصائل عسكرية في القرى والنواحي، والملاحقات والاعتقالات والابتزاز المادي للعائدين، والحالة المعيشية والبطالة ونقص فرص العمل خاصة لما تعرضت وتتعرض لها كروم الزيتون من قطع جائر وتحطيب”.
ورأى محمد أن التعليم والمناهج المتبعة في عفرين منذ سنوات “تحدياً كبيراً أمام أهالي عفرين الذين ينوون العودة، خاصة أن أطفالهم ارتادوا لسنوات مدارس الإدارة الذاتية، وتعلموا مناهج مغايرة لما هو متوفر في عفرين حاليا أو في مناطق الحكومة السورية الجديدة”.
في عيد الفطر الماضي، زار محمد عفرين “زيارة خاطفة لمدة ساعتين فقط”، وهي أول مرة يزور مسقط رأسه منذ نزوحه عام 2018، وكان الطريق في فترة زيارته “مفتوحاً من حلب إلى عفرين دون وجود أية حواجز أمنية”.
ترقب العودة الجماعية
في اتفاق الأول من نيسان/ أبريل الحالي، الخاص بحيي الشيخ مقصود والأشرفية، كانت عفرين حاضرة باعتبارها تابعة إدارياً لمحافظة حلب، وكان من أبرز المحاور الخاصة بها التركيز على آلية عودة سكان عفرين إلى منطقتهم، بما “يضمن لهم الأمن والاستقرار والحياة الكريمة بعيداً عن الخوف والتهديد”، كما قال نوري شيخو، الرئيس المشترك للمجلس العام في الشيخ مقصود والأشرفية وعضو لجنة التفاوض مع مندوبي حكومة دمشق.
وأضاف شيخو في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن اللجنة توصلت إلى اتفاق مع دمشق على تشكيل لجنة باسم سكان عفرين تتألف من خمسة إلى سبعة أشخاص من الذكور والإناث، تمثل وجهاء عفرين، وتشكيل لجنة مقابلة تابعة لحكومة دمشق، للعمل بشكل مشترك على قضايا عودة السكان وحماية حقوقهم.
وأيضاً، اتفق الطرفان على أن تكون إدارة عفرين بما في ذلك المجالس والبلديات والأمن العام من أبناء عفرين، بحسب شيخو، قائلاً: “أبناء عفرين هم الأحق بإدارة شؤونهم أمنياً وإدارياً”.
تتطلب العودة توفير الأمان ووقف الانتهاكات وإنهاء حالة الفلتان الأمني والاعتقالات والإتاوات والإهانات، بحسب شيخو، مشدداً على أنه “لا يمكننا إرسال الناس إلى منطقة لا يشعرون فيها بالأمان”، لذا “يجب أن تكون العودة كريمة، تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه”، ولأجل ذلك “يجب إخراج الفصائل المسلحة من عفرين وإعادة النازحين الذين يستقرون في منازل أهل عفرين، إلى مناطقهم”.
حتى الآن ما زالت اللجان قيد التشكيل وتحديد مهامها، بهدف “التمهيد لعودة نازحي عفرين بشكل آمن وجماعي”، بحسب شيخو، مؤكداً أن “عودة السكان لن تطول وأن اللقاءات والمفاوضات مستمرة لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع في أقرب وقت”.
وإلى حين تحقيق ذلك، تترقب العائلات، لا سيما المقربة من الإدارة الذاتية وعائلات مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، صدور قرار العودة الجماعية، الذي من المتوقع أن تحدد موعده وتشرف عليه الإدارة الذاتية.