على رادار طهران: الأردن يواجه تهديدات أكبر من “المخدرات” عبر حدوده مع سوريا
تشير العمليات العسكرية الأردنية على حدودها الشمالية مع سوريا إلى تراجع عمان عن سياسة "الدبلوماسية الناعمة" مع دمشق، يرافقه شعور بتورط إيران في بث الفوضى داخل الأراضي الأردنية.
18 يناير 2024
عمان- بعد ساعات من زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني لقيادة المنطقة العسكرية الشرقية للجيش الأردني، شنت طائرات حربية غارات جوية عدة، فجر اليوم الخميس، مستهدفة مواقع مهربي مخدرات في محافظة السويداء جنوب سوريا.
لم تعلن عمّان مسؤوليتها عن أي من الغارات الجوية، التي استهدفت الأراضي السورية للمرة الثالثة منذ مطلع الشهر الحالي، إلا أن وسائل إعلام سورية أشارت إلى أن مصدر الغارات أردني، لا سيما أن القصف جاءت في إطار تصعيد عسكري أردني على حدوده الشمالية ضد مهربي المخدرات.
وخلال زيارته للمنطقة العسكرية الشرقية بزيّه العسكري، استمع الملك الأردني إلى إيجاز من قائد المنطقة العسكرية الشرقية، بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، حول التطورات الأخيرة، الخاصة بالتصدي لمهربي المخدرات.
على الجهة المقابلة، قال الرئيس الروحي للموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، خلال استقبال وفد من قرى السويداء الجنوبية الحدودية مع الأردن، أمس الأربعاء، أن “عدونا وعدو الأردن مشترك ونحن يد واحدة لمحاربة ظاهرة المخدرات”، مؤكداً “رفض المجتمع المحلي لهذه الظاهرة”.
وسبق أن صدر بيان منسوب لعشيرة الرمثان في قرية الشعاب بالسويداء، في السادس من كانون الثاني/ يناير الحالي، نفت فيه “وجود ميليشيات مرتبطة بالخارج”، وتعهدت بحماية “حدود القرية الإدارية فقط… ومنع ومساءلة كل من يعبر الحدود الإدارية للقرية”، مشيرة إلى أن “موضوع تهريب المخدرات والسلاح خارج إرادة العشيرة”، وأنها لا تستطيع حماية حدود بطول مئات الكيلومترات.
تعرضت قرية الشعاب لقصف جوي في أيار/ مايو 2023، استهدفت منزل تاجر المخدرات مرعي رويشد الرمثان، وهو صاحب الميليشيا الأقوى التي تنتشر في بادية السويداء وتتبع للمخابرات العسكرية السورية.
بدأ التصعيد الأردني الأخير بعد مقتل الوكيل أول في الجيش الأردني، إياد النعيمي، في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أثناء اشتباك مسلح مع عصابات التهريب في المنطقة العسكرية الشرقية. وبعد أربعة أيام من مقتل النعيمي اشتبكت قوات حرس الحدود الأردنية لأكثر من 14 ساعة مع عصابات مسلحة أطلقت على الأمن الأردني قذائف “آر بي جي” من داخل الحدود السورية، قبل أن تنتهي العملية بمقتل عدد من المهربين والقبض على أحدهم.
وفي السادس من الشهر الحالي، طارد حرس الحدود مجموعات مسلحة من مهربي المخدرات على الحدود الشمالية، وأدت العملية إلى مقتل خمسة مهربين وإلقاء القبض على 15 آخرين، وملاحقة مهربين تسللوا إلى الأراضي الأردنية وحاولوا الاختباء في خيام بمنطقة الرويشد.
ومع أن عمليات الجيش الأردني ضد مهربي المخدرات على حدوده مع سوريا ليست جديدة، إلا أن الأحداث الأخيرة تشير إلى نقطة تحول في العلاقات بين عمان ودمشق في ظل تصعيد دبلوماسي وعسكري، وتوجيه أصابع الاتهام لإيران، التي تحاول بث الفوضى في الأردن، كما قالت مصادر أردنية لـ”سوريا على طول”.
منذ منتصف 2022، وصفت تصريحات رسمية أردنية ما يجري على حدوده الشمالية مع سوريا بـ”حرب مخدرات“، وحذر الملك الأردني حينها من أن تسد إيران ووكلاؤها الفراغ العسكري الروسي في الجنوب السوري، ما قد يؤدي إلى “تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
أقرأ أيضاً: “حرب المخدرات” في جنوب سوريا: توسع إيراني أمام خيارات أردنية “محدودة”
“لا صوت لها في دمشق”
بعد أشهر من “الدبلوماسية الناعمة” مع النظام السوري ومحاولة الأردن “عقلنة” موقف سوريا تجاه ملف تهريب المخدرات وضبط حدودها، صعدت الأردن مع موقفها تجاه الملف السوري علناً لأول مرة منذ إطلاق مبادرة “خطوة مقابل خطوة” التي أفضت إلى كسر عزلة بشار الأسد عربياً بعد غياب 12 عاماً، عندما قال الملك الأردني خلال مشاركته في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في أيلول/ سبتمبر الماضي 2023، “سنحمي بلدنا من أية تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية”.
وجاء التصعيد بعد أن “شعرت عمّان بأن لا صوت لها في دمشق، ولم تلمس استجابة واضحة” رغم اللقاءات الدبلوماسية والنيابية رفيعة المستوى التي عقدت بين الجانبين تناولت ملف تهريب المخدرات وضبط الحدود بين الجانبين، كما قال وزير الاتصال الحكومي د.مهند المبيضين لـ”سوريا على طول”.
بموازاة التصعيد مع جارتها، أبرقت عمّان عبر القنوات الدبلوماسية إلى وزير خارجية طهران حسين أمير عبد اللهيان، مطالبة بالسيطرة على الميليشيات المحسوبة عليها في سوريا، لكنها “لم نتلقى أي رد أيضاً”، بحسب المبيضين، وهو ما دفع الأردن إلى “متابعة حربه على المخدرات ومواجهة أي خطر يقترب من حدوده”.
وبعكس المأمول من نهج الدبلوماسية مع دمشق وطهران، ارتفعت وتيرة تهريب وتجارة المخدرات، وتطورت إلى تهريب الأسلحة، فيما يبدو أن الأردن يواجه عصابات منظمة تسعى لاختراقه وضرب أمنه الوطني من خاصرته الشمالية.
من “حمّالة” إلى ميليشيات تعمل “بالوكالة”
“تاريخياً، مثّلت الحدود الشمالية الأردنية، بوابة العبور الوحيدة للمخدرات القادمة من سوريا صوب دول الخليج والمنطقة”، بحسب ما قال مدير إدارة مكافحة المخدرات الأسبق، اللواء المتقاعد طايل المجالي لـ”سوريا على طول”، لكن “منذ عام 2011 تراجع التنسيق الأمني بين سلطتي عمّان ودمشق، وارتفعت وتيرة التهريب بشكل متدرج ومتسارع”.
ومنذ سيطرة النظام السوري على الجنوب السوري، وفتح الحدود بين الجانبين، عام 2018، “قفزت مضبوطات الكبتاجون من 10 ملايين حبة بالحد الأقصى إلى نحو 100 مليون حبة خلال عام 2023، أي بنحو عشرة أضعاف الكمية”، بحسب اللواء المجالي.
كذلك، شهدت عمليات التهريب منذ عام 2018 تحولات جذرية، وفقاً للمجالي، مشيراً إلى أن المهربين “تحولوا من أفراد يحملون المخدرات ويعبرون الحدود سيراً على الأقدام أو عبر الدواب (الحمّالة)، إلى ميليشيات يصل قوامها إلى مئتي عنصر مسلح، تمتهن القتال وتقتني الطائرات المسيرة (الدرونز)”.
وبينما كانت البيانات الرسمية الصادرة عن الجيش الأردني بشأن “تهريب المخدرات” من الحدود السورية قليلة ومتباعدة، صارت في العامين الأخيرين شبه يومية، وأسفرت العديد منها عن وقوع عدة إصابات وقتلى في الجانب الأردني، ما دفع الجيش الأردني إلى الإعلان عن تغيير قواعد الاشتباك مطلع عام 2022.
وأظهرت نحو 40 وثيقة لتحقيقات وقرارات قضائية تتعلق بـقضايا المخدرات، اطلعت عليها معدّة التقرير، تورط نساء وأحداث “أطفال” في عمليات التهريب، من أبناء البادية السورية، والسويداء بشكل خاص.
وعلى خلفية هذه التحولات المتزامنة مع سيطرة نظام الأسد والميليشيات الموالية له على جنوب سوريا، قبل ست سنوات، راود الأردنيين شعور بأن عمّان صارت الهدف التالي على رادار مشروع التوسع الإيراني، بعد أن أحكمت قبضتها على أربع عواصم عربية: دمشق، بغداد، بيروت، وصنعاء.
إذ على النقيض من نفي عشيرة الرمثان “وجود ميليشيات من الخارج” في الجنوب السوري، أكد الصحفي ريان معروف، الذي ينحدر من السويداء، تورط النظام وإيران وحزب الله في عمليات التهريب، مستنداً إلى شهادات السكان المحليين ومقابلات أجراها مع مهربين إحداها مع المهرب البارز مرعي الرمثان، الذي قتل في أيار/ مايو الماضي، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
ففي صيف 2018 أعاد نظام الأسد سيطرته على الجنوب السوري، بعد إجراء تسوية مع فصائل الجبهة الجنوبية، التابعة للمعارضة السورية، مقابل تعهده بإبعاد حزب الله والميليشيات الطائفية، لكن كان ذلك شكلياً، وصارت هذه الميليشيات تدير عمليات التهريب عبر “تجنيد السكان المحليين في البادية السورية وتدريبهم وتسليحهم مستغلين تردي الأوضاع الاقتصادية بينهم”، بحسب معروف، الذي يدير شبكة “السويداء 24″، لافتاً إلى أن المهرب المحلي “يتقاضى نحو خمسة آلاف دولار أمريكي عن كل حِمل، وهذا المبلغ يمثّل ثروة في بلد لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري لموظفيها 25 دولاراً فقط”.
بهذا المعنى، يتشارك النظام السوري مع إيران وحزب الله في إدارة عمليات التهريب، إذ “تضخ إيران لوكلائها المخدرات والأسلحة فيما تتولى الفرقة الرابعة المسؤولة عن الحواجز الأمنية تسهيل عبورها من لبنان إلى سوريا مقابل مبالغ ضخمة، بينما تتكفّل شعبة المخابرات العسكرية بتجنيد السكان المحليين في السويداء ودرعا من خلال عملائها من أهل البادية ممن يحملون بطاقات أمنية تثبت صلاتهم بالنظام، مثل مرعي الرمثان وناصر السعدي وفارس صيموعة وجامل بلعاس وشاكر شويعر”، وفقاً لمعروف.
أبعد من المخدرات
أرجع الخبير العسكري هاشم خريسات، إصرار المجموعات على دخول الأردن مرة بعد مرة، إلى كونهم جزءاً من مشروع “يقوده الحرس الثوري الإيراني لإغراق المنطقة في الفوضى عبر المخدرات والسلاح”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
واستبعد خريسات أن تنخرط الأردن في أي عمل عسكري خارج أراضيها، لكن في الوقت ذاته “ستحمي حدودها بكل الطرق الممكنة”، على حد قوله.
وبالنظر إلى أن “إيران من اللاعبين القدامى في الساحة العربية ولديها مشاريع توسعية قائمة على خلق الانقسامات في المجتمعات ثم استغلالها كما فعلت في جميع الدول التي مرت منها”، فهذا مؤشر على أن عمّان مستهدفة من طهران، من وجهة نظر الصحفي معروف. يعزز هذا الرأي ” توافد أنصار الحشد الشعبي على الحدود الأردنية العراقية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بذريعة دخول فلسطين بعد أحداث غزة، رغم أن الطريق الأقصر إليها تمر عبر سوريا أو لبنان وكلاهما مفتوحتان أمام الإيرانيين والفصائل التابعة لهم” وفق معروف.
وذهب وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة في هذا الاتجاه، معتبراً ما يحدث على الحدود الشمالية “تجاوز التهريب إلى حد استهداف الأردن أمنياً وعسكرياً”، كما وصف ذلك في حديثه لـ”سوريا على طول”.
ولا يساور المعايطة شك في أن “شبكات التهريب كثفت نشاطها مؤخراً سعياً لاستنزاف قوات حرس الحدود وإضعاف الخاصرة الشمالية لتتسرب منها المخدرات والأسلحة النوعية بهدف تشكيل ميليشيا محلية تستهدف الأجهزة الأمنية من داخل الأراضي الأردنية”، على حد تعبيره.
وفيما يبدو أن المسار الدبلوماسي لعمّان مع حكومتي دمشق وطهران “معطل ولم يأت بنتائج على أرض الواقع حتى اللحظة”، فإن الأردن “لا يملك إلا أن يفكك أزماته بذراعه استناداً إلى جهود قواته المسلحة وأجهزته العسكرية والأمنية”، وفقاً لمعايطة.
خيارات عمان
كان الحراك الدبلوماسي الأردني في ملف التهريب “ضاراً”، من وجهة نظر الخبير الاستراتيجي د.عامر السبايلة، ومع ذلك فإن “الحفاظ على القنوات المفتوحة مع دمشق وطهران يعتبر ضرورياً”، كا قال لـ”سوريا على طول”.
وأمام أزمة تهريب المخدرات المتصاعدة وتداعياتها على الأردن، قد يكون الحل بالنسبة لعمّان من أجل احتواء أزمة التهريب بـ”التعامل مع مستقبلي الأسلحة والمخدرات والمتعاونين مع المهربين على أراضيه”، إضافة إلى “التعامل الوقائي من خلال العمل الاستخباراتي الاستباقي والتعامل بحزم عسكري على الحدود”، وفقاً للسبايلة.
وأيضاً يمكن لعمّان “توظيف مشاركتها النشطة في التحالف الدولي ضد داعش، الذي يتشارك مع التهريب الخطورة ذاتها، للاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا والمساعدة المقدمة من الدول الحليفة، وخاصة الولايات المتحدة”، وكذلك “الضغط صوب تفعيل قوانين ذات علاقة، مثل قانون مكافحة الكبتاجون، الذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي في حزيران/ يونيو الماضي”، بحسب سبايلة، الذي اعتبر أنه “قد يستعصي القضاء على شبكات التهريب التي رسخت نفسها في المناطق الحدودية لسنوات من دون استراتيجية محددة بتعاون إقليمي ودولي”.
ويجدر بالنظام السوري، كونه يواصل نفي الاتهامات بتورطه في تجارة المخدرات، بـ”إظهار تعاونه مع السلطات الأردنية لضرب أوكار المخدرات على أرض بلاده”، بحسب السبايلة.
وفي إطار “حرب المخدرات” التي تخوضها الأردن على حدودها الشمالية، تسعى عمان إلى “تطوير استراتيجية عربية ودولية، تعينها في حربها الشرسة ضد ميليشيات مدربة ومسلحة تستهدف الحدود الشمالية الأردنية، فجر كل يوم وبإصرار غير مسبوق”، بحسب وزير الاتصال الحكومي د.مهند المبيضين.