عناصر مثيرة للجدل في صفوف الأمن العام بدرعا عبر بوابة “خلف الخطوط”
شهدت محافظة درعا انتهاكات وتعدّيات "خطيرة" على يد منتسبين جدد إلى الأمن الداخلي، بما في ذلك عمليات قتل وتصفية وتمثيل بالجثث، وإقحام لجهاز الأمن في ثارات وعمليات انتقام شخصية من قبل عناصر مثيرة للجدل
30 يونيو 2025
باريس- خلال الأسابيع الأخيرة، شهدت محافظة درعا، جنوب سوريا، عدة انتهاكات وتعدّيات “خطيرة” على يد منتسبين جدد إلى جهاز الأمن العام (الأمن الداخلي)، التابع لوزارة الداخلية، بما في ذلك عمليات قتل وتصفية وتمثيل بالجثث، ناهيك عن استغلال الأمن العام وإقحامه في ثارات وعمليات انتقام شخصية. وطالت بعض العمليات عناصر من الأمن العام نفسه.
بالتوازي مع ذلك، انضم إلى الأمن العام والجيش السوري الجديد، خلال الأشهر الماضية، عناصر سابقين من تنظيم “داعش” وأشخاص متورطين في قضايا المخدرات وقطع الطرق وعناصر في أجهزة النظام البائد، ما أثار استياء شعبياً في حوران.
ورصدت “سوريا على طول” العديد من المنشورات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشير إلى حالة من الغضب تجاه عمل الأمن العام وانتساب عناصر من خلفيات “مثيرة” إلى صفوفه.
وقد تناول اجتماع أمني عسكري، ضم قائد الأمن الداخلي في المحافظة والشرطة العسكرية وعدد من المسؤولين في وزارة الدفاع، في 25 حزيران/ يونيو، الخروقات و”نشاط العناصر الخارجة عن القانون” إضافة إلى ملفات أخرى، وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على “تشكيل غرفة تنسيق مشتركة بين كافة الأجهزة الحاضرة”، كما أوضحت محافظة درعا.
ثارات داخل الأمن العام
في 20 حزيران/ يونيو الحالي، قُتل القياديان الشقيقان في فصائل المعارضة سابقاً ثائر وخالد الزعبي، والشاب محمد نور الزعبي، أثناء اشتباكات مع مجموعة مسلحة من نفس العائلة في مدينة طفس بريف درعا الغربي، على خلفية قضية ثأر قديمة، أسفرت حتى اليوم عن مقتل أكثر من 30 شخص، بحسب أحد وجهاء مدينة طفس.
مشهد الثأر ليس جديداً في درعا، لكن اللافت أن طرفي الاشتباكات عناصر في صفوف الأمن العام، التابع لوزارة الداخلية في الحكومة السورية الجديدة، وقد انتسبوا إليه قبل عدة أشهر في إطار عمل الإدارة السورية على دمج المجموعات المحلية والفصائل ضمن وزارتي الدفاع والداخلية.
وقال مصدران من أبناء مدينة طفس أن مفرزة الأمن العام في المدينة، ممثلة برئيسها ومجموعة من العناصر، انخرطوا بشكل مباشر في حادثة الثأر مستخدمين سلطتهم. وحمّل المصدران في حديثهما لـ”سوريا على طول” الدولة السورية المسؤولية الكاملة عن الحادثة وتطورها بهذا الشكل.
وفي هذا السياق، قال ناشط إعلامي من أبناء المدينة، مطلع على تفاصيل الحادثة، أن “الدولة تتحمل ما جرى، إذ أنه بعد التحرير [عملية تحرير سوريا من النظام البائد] قُتل أحد أشقاء ثائر الزعبي وهو مدني لا علاقة له بالثأر، على يد المجموعة ذاتها التي قتلت ثائر وأخيه”، وعلى إثرها تدخلت قوات تابعة للأمن العام ووزارة الدفاع لفض الاشتباك بين الطرفين وحل المشكلة، رافقها محافظ درعا وعدد من القادة الأمنيين والعسكريين.
وطيلة الأشهر الماضية، “لم تقم الدولة بأي إجراء في القضية سواء محاسبة القتلة، أو عقد صلح عشائري بين الطرفين من شأنه أن ينهي قضية ثأر معقدة”، كما قال الناشط لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم كشف هويته لأسباب أمنية.
“تعقدّت المشكلة وصارت الدولة طرف فيها بعد أن تورط فيها المسؤول التنفيذي للأمن العام في غرب درعا ورئيس مفرزة طفس”، قال أحد وجهاء مدينة طفس لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أنه يملك “إثباتات ووثائق مصورة تؤكد تورطهما”.
وأضاف المصدر، شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب “حساسية الموقف” على حد وصفه، أن “عناصر الأمن مثلوا بالجثث وداسوا عليها والتقطوا صوراً معها في مشهد وحشي”، متهماً الأمن العام بتصفية الشخص الثالث (محمد نور الزعبي) ميدانياً، بعد تسلمهم إياه بغية نقله إلى مشفى مدينة درعا جراء إصابته في الاشتباكات.
ومع ذلك، ما تزال العناصر المتورطة بحادثة الثأر الأخيرة على رأس عملها في الأمن العام بمدينة طفس، ولم يتم توقيفهم أو إحالتهم للتحقيق، بحسب ثلاثة مصادر من أبناء المدينة.
“من الطبيعي أن نرى هكذا قضايا في ظل القبول العشوائي للعناصر [في الأمن العام] وغياب عناصر مؤهلة ومدربة ومنضبطة في منطقة عشائرية تكثر فيها الثارات بسبب سنوات طويلة من الحرب”، قال ضابط منشق عن نظام الأسد مقيم في ريف درعا الشمالي، طالباً من “سوريا على طول” عدم الكشف عن هويته.

عينة من تعليقات على منشور فيسبوك، توضح غضب وتهكّم العديد من الأشخاص على وجود شخصيات مثيرة للجدل في الأمن العام بمحافظة درعا
وأضاف الضابط المنشق: “بدأت الثارات والخلافات الشخصية تنتقل إلى داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لتصبح [الدولة] طرفاً فيها، وتكررت حوادث استغلال العناصر لوظائفهم الأمنية والعسكرية في خلافات شخصية”، لذا من الضروري “سن قوانين وأنظمة تضبط العمل الأمني والعناصر، بالإضافة إلى تفعيل آليات محاسبة شديدة”.
“خلف الخطوط تجب ما قبلها”
صار مصطلح “خلف الخطوط” مثار غضب وسخط في حوران، لا سيما في ريف درعا الغربي، وهو مصطلح يشير إلى العناصر الذين كانوا ينسقون مع هيئة تحرير الشام قبل سقوط نظام الأسد في درعا، إذ من هذا الباب ضمّت المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للإدارة السورية الجديدة في صفوفها عشرات المقاتلين من خلفيات مثيرة للجدل، من قبيل: عناصر سابقين في “داعش”، قطاع طرق ولصوص، وعناصر محسوبين على مجموعات النظام البائد في درعا.
وفي هذا السياق، قال الناشط الإعلامي من طفس أن العديد من مجموعات “داعش” في المنطقة انضموا إلى صفوف الأمن العام بعد فتح باب الانتساب، في إشارة إلى المجموعات التي كانت ضمن صفوف جيش خالد بن الوليد في حوض اليرموك، الذي بايع التنظيم.
وقدمت عدة مصادر لـ”سوريا على طول” أسماء قادة مجموعات محلية من “داعش” وفلول النظام يعملون الآن مع الأمن العام، وتقاطعت الأسماء مع رواية أكثر من مصدر، ما يشير إلى وجود اتهامات عامة من الأهالي ضدها. تتحفظ “سوريا على طول” على نشر قائمة الأسماء لصعوبة التحقق من صحة تورطها.
“تشعر أن تنسيب العناصر يجري بشكل عشوائي أو دون دراسات مسبقة عليهم”، بينما “هناك آلاف الأشخاص من أبناء المنطقة الذين تقدموا بطلبات انتساب تم رفضهم”، بحسب الناشط، متسائلاً: “على أي أساس تم قبول الدواعش والفلول والزعران؟”.
وأضاف: “عبارة خلف الخطوط صارت مشهورة لدينا، وغالبية من خلفها هم قطاع الطرق والفلول والدواعش، بمعنى أشخاص كانوا مزدوجي الولاء، وهم اليوم يسيئون لنا وللدولة، فما هي المصلحة العامة من تنسيبهم؟”.
تعليقاً على ذلك، قال مصدر إعلامي مقرب من اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي -لجنة أهلية تشكلت بعد اتفاق التسوية في عام 2018 لإدارة شؤون التفاوض مع النظام البائد- أن “الكثير من عناصر داعش في حوض اليرموك غرب درعا قدموا البيعة لهيئة تحرير الشام بعد توقيع التسوية، وصاروا ضمن ما يعرف خلف الخطوط”، وبالتالي “سقط عنهم ما حدث سابقاً، بحسب نظر الهيئة والإدارة السورية الجديدة، وكأن خلف الخطوط تجب ما قبلها!”.
وقال المصدر لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: “أعرف العديد من الأشخاص، ومنهم أقاربي لديهم سجل إجرامي، واليوم صاروا في الأمن العام، إما بفضل تنسيب عشوائي، أو تزكية من شخص من قيادات الهيئة، أو بفضل خلف الخطوط”.
في مدينة درعا، يبدو الحال أفضل قليلاً، لكن “لا يخلو الأمر من وجود عناصر اعتبرتهم القوات القادمة من إدلب والتي تسلمت زمام الأمور أنهم من جماعة خلف الخطوط، وهم في الغالب شخصيات جدلية في المجتمع”، قال صحفي من المدينة لـ”سوريا على طول”.
“أحد الأشخاص من جماعة خلف الخطوط كان يعمل ضمن ميليشيا الكسم الموالية للنظام البائد، وشارك في عمليات اقتحام درعا البلد التي شنتها قوات النظام على المدينة في عام 2021″، لكنه انتسب إلى الأمن الأمن العام لأن “أخاه كان في هيئة تحرير بإدلب”، وهو ما “أثار غضب الأهالي في درعا”، بحسب الصحفي.
“تهميش تام”
اعتمدت الإدارة السورية الجديدة على عناصرها من أبناء المنطقة القادمين من إدلب بشكل أساسي لإدارة المحافظة أمنياً، “من مبدأ الولاء هو أساس الاختيار، بعيداً عن الخبرات، وهذا تهميش تام للعناصر المحلية من ضباط منشقين وقادة الثوار في درعا، الذين رفضوا التهجير للشمال، وفضلوا البقاء ومقارعة النظام طيلة السنوات الماضية”، قال الضابط المنشق من شمال درعا.
وأضاف: “حاولت الحكومة الجديدة استقطاب بعض الضباط المنشقين والقادة من خارج الهيئة، لكن للعمل تحت إشراف عناصر من الهيئة لا يمتلكون خبرة أو مؤهلات سوى كونهم من الهيئة”، معتبراً أن هذا المبدأ “قد يكون مرفوض من الكثيرين”.
مقابل هذا التهميش، فُتح الباب لـ”العناصر المسيئة والمتهمين بارتكاب انتهاكات وأصحاب الثارات للانتساب إلى المؤسسات الأمنية”، بحسب الضابط.
أكثر من ذلك، “يتعامل بعض القادة الجدد مع الواقع في درعا بمنطق هيئة تحرير الشام وليس الدولة، والبعض منهم يحاول تصفية الحسابات مع اللجنة المركزية، التي تم تهميش قيادتها بشكل كامل”، بحسب الضابط، لافتاً إلى وجود “خلافات بين قيادات اللجنة المركزية غرب درعا، التي كانت تدير المنطقة من جهة، وقيادات تحرير الشام من جهة أخرى، وعناصر داعش الذين تسلموا عدداً من المفارز الأمنية”.
“خلال السنوات الماضية من إدارة المنطقة، صار للجنة المركزية الكثير من الأعداء من تجار المخدرات واللصوص والدواعش، الذين كانت تعمل على محاسبتهم أو ملاحقتهم، والمشكلة أن غالبيتهم اليوم صاروا في الأمن، وهو أمر خطير ينذر بالكثير من الدماء”، قال المصدر من اللجنة المركزية.
وذهب الصحفي من مدينة درعا إلى أن تكرار بعض الحوادث المسيئة لقادة الثورة في درعا، من قبيل: “اقتحام منازلهم وتفتيشها، والتعدي عليهم، وتهميشهم، كل هذه التصرفات تخفي أمور أعمق لمجموعات وعناصر تنتمي للأمن الداخلي، تتحرك بدوافع عمليات انتقامية تحت بند الأمن الداخلي”.
المشاكل المعقدة هذه في الأمن العام، ووجود شخصيات “سيئة” أصبحت منفرة لـ”العناصر الشريفة وأبناء البلد الحقيقيين من التطوع في الأمن العام حتى لا يدخلون في صدام مع الزعران والمجرمين”، قال الوجيه من طفس، مطالباً الحكومة السورية بضرورة “تنظيف الأجهزة الأمنية والعسكرية من العناصر المسيئة ومحاسبتهم”.
الوضع الأمني في انحدار
تكررت حوادث الاعتداء والانتهاكات من قبل عناصر ينتسبون للأمن العام في محافظة درعا، لاسيما أثناء تنفيذ عمليات تفتيش ومداهمات، أو حتى خلال الاحتكاك اليومي مع المدنيين. في مطلع الشهر الحالي، اشتكى أهالي بلدة العجمي غرب درعا، من عمليات سرقة ونهب وتكسير وتخريب للممتلكات على يد عناصر من الأمن العام، أثناء تنفيذ عمليات تفتيش في البلدة.
تعليقاً على ذلك، قال الناشط الإعلامي من طفس، أن “ما حدث في العجمي من تشبيح على الأهالي أثناء ملاحقة شخص مطلوب هو أمر خطير، يجب على الأمن العام أن يعطي بديل حقيقي للناس، وأن لا يقوم بنفس ممارسات المجموعات التي يلاحقها”.
“هناك أخطاء وإساءات كثيرة تصدر عن الأمن العام، والرد دائماً هي تصرفات فردية، لذلك يتوجب محاسبة مرتكبي هذه الأخطاء حتى لا تصبح منهجية”، بحسب الناشط من طفس، مضيفاً: “قبل أيام اعتقل شخص من الأمن العام، كان قيادياً سابقاً في اللجنة المركزية غرب درعا، على خلفية دعاوى شخصية رفعت ضده من الأهالي”، ولكن “بعد أن جرى توقيفه لعدة ساعات أطلق سراحه بعد تدخل قيادات من المنطقة والتوسط له”.
الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة سوف “يؤدي إلى تكرار الحوادث الفردية واستخدام سلطة الدولة لتحقيق ثارات شخصية، ما يعني انزلاق المنطقة في مستنقع دموي خطير”، قال الضابط المنشق.
“الوضع الأمني إلى انحدار في محافظة درعا، والسبب وجود هذه التناحرات والخلافات بين العناصر في الأمن، التي أتت من خلفيات مختلفة أو متصارعة في الأساس”، لذلك “يجب على الحكومة الفصل بين العناصر وإرسالهم للخدمة خارج المحافظة بعد إجراء دورات تدريبية وتأهيل ومحاسبة المجرمين”، قال المصدر المقرب من اللجنة المركزية.