عناصر من الجيش السوري يرفضون أمراً عسكرياً: “حرب لاناقة لنا فيها ولا جمل”
بعد الخدمة في صفوف الجيش العربي السوري لثلاث سنوات، من […]
4 أكتوبر 2017
بعد الخدمة في صفوف الجيش العربي السوري لثلاث سنوات، من عام 2012 إلى عام 2015، قرر أبو ساري العودة لدياره.
وقاتل الجندي ذو الرابعة وعشرين عاماً، وهو من محافظة السويداء، جنوبي سوريا في جبهات شمالي إدلب وحلب وحماة، وتعرض خلال هذه الفترة إلى إصابتين، كادت إحداهما أن تودي بحياته.
وقال لمراسل “سوريا على طول” سامر الحلبي “أنا لست متخاذلاً ولا خائفاً… ولكن يكفي”.
وترك أبو ساري القتال مع الجيش في بداية عام 2015، وعاد إلى محافظة السويداء، حيث يقدر أن 90% من أهاليها، مثله، ينتمون للطائفة الدرزية.
ولكن ماهي إلا شهور، حتى عاد أبو ساري لصفوف الجيش.
وانضم إلى الفوج 127 قوات خاصة في السويداء، تابعة للجيش السوري، وهو على يقين أنه سيبقى هذه المرة قريباً من أهله وبلدته.
إذ أنهم كانوا يستندون إلى مرسوم حكومي صدر في منتصف 2015 بالتوجه إلى شعب تجنيدهم على أن تكون خدمتهم العسكرية ضمن حدود محافظة السويداء.
وفي منتصف أيلول، وبعد الخضوع لتدريب استمر لشهور مع الجنود الروس للمساعدة في تنفيذ اتفاق محلي لوقف التصعيد، تم إبلاغ أبو ساري مع 75 عنصر من الفوج بصدور أمر يقضي بفرزهم إلى محافظة حماة، شمال البلاد لمؤازرة الجيش السوري هناك في مواجهة قوات المعارضة.
تمركز جنود الجيش العربي السوري في شرقي محافظة السويداء في آب. حقوق نشر الصورة لـ بطولات الجيش السوري.
توجه أبو ساري وجنود آخرين إلى شيوخ العقل، مجموعة ذات نفوذ من القادة الروحيين الدروز وتربطهم صلات وثيقة بالنظام، ومنذ ذلك، ألغي الأمر بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”.
وقال أبو ساري “من الأولى أن تدافع عن أهلك والأرض التي نشأت فيها حتى لا تكون ضحية بلا مقابل لحرب طائفية”.
وختم “ولن أخرج منها مجدداً”.
كيف كانت ردة فعلك وزملائك على أمر الخدمة بمحافظة حماة؟
رفضنا جميعاً الأوامر وأبلغنا بقية رفاقنا في الفوج من أبناء السويداء بما حدث فتكاتفوا معنا على الفور وتجمعنا 170 عنصر في الفوج وقلنا للضباط أننا لن نتحرك خارج المحافظة، وإن حاولتم إجبارنا سنترك الخدمة ونعود لبيوتنا ونحن متسلحين بالمرسوم الرئاسي [2015] الذي يتيح لنا الخدمة داخل السويداء فقط.
وبعدها بأيام توجه عدد منا إلى مقام عين الزمان في مدينة السويداء، وهو دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز، والتقينا بمشيخة العقل وأبلغناهم بالأوامر التي أُصدرت ورفضنا لها، فكانوا متعاطفين معنا، وقالوا لنا أنهم سيتحدثون مع قائد الفرقة 15 ولن يسمحوا لأحد بأخذنا خارج المحافظة.
ألم تخشوا أنكم ترفضون أمر الحكومة بالخدمة بمحافظة حماة؟
حتى أكون صريحاً، لو كان العصيان الذي قمنا فيه ورفض الأوامر داخل قطعة عسكرية في محافظة غير السويداء أعتقد أن الأمر سيكون مختلف تماماً، حتى أنه لن يجرؤ أحد على هكذا خطوة خارج السويداء، وبصراحة نحن أقدمنا عليها بناء على تجارب سابقة مرت فيها المحافظة تؤكد أن الحكومة ترفض أي تصعيد وتحاول احتواء أي توتر مع أبناء السويداء.
هل لا يزال الأمر ساري المفعول إلى الآن؟ وكيف استطاع الوجهاء المحليين التأثير على قراركم؟
نعم ألغي، حسب ما قال لنا أحد الضباط، ونحن الأن موجودين في الفوج وننتظر أوامر فرزنا حسب ما قال إلى نقاط خفض التصعيد ولكن ليس هناك شيء رسمي حتى الآن.
مشيخة العقل هم دائماً صلة الوصل بيننا وبين القيادة وهم ينقلون مطالبنا عندما نتوجه لهم، مشيخة العقل كانت لها مواقف مشرفة بخصوصنا كأبناء محافظة، وعندما توجهنا لهم وقصدناهم كنا متأكدين أنهم لن يخذلونا.
لقاء أحد شيوخ العقل مع قادة من الجيش السوري في عام 2016. حقوق نشر الصورة لـمشيخة عقل المسلمين الموحدين الدروز.
بصراحة أكثر إن تأييد مشيخة العقل لنا ولقرارنا بعدم الخروج من المحافظة وقولهم أنهم سينقلون رسالتنا ويعالجون الأمر، أعطانا دافع قوة جعلنا متمسكين بقرارنا، ومشيخة العقل هم المرجعية الأولى للطائفة ولهم احترام وتقدير من معظم أبناء المحافظة وحتى من القيادة[العسكرية].
كيف ترى العلاقة بين محافظة السويداء والنظام السوري؟ هل يمكن وجود السويداء بمعزل عن النظام؟
نعم، السويداء تستطيع أن تكون موجودة دون النظام لكنها لا يمكن أن تكون موجودة دون سوريا.
قلت لك هناك فرق شاسع بين سوريا وبين نظام الحكم،وستبقى السويداء سورية ونحن نرفض أي مشاريع تقسيم، أما علاقة المحافظة مع الحكومة تحددها المواقف والظروف.
الحكومة استجابت للعديد من مطالب أبناء المحافظة وأبرزها أنها أتاحت لنا الخدمة في السويداء، وقد تسلحنا بالمرسوم الرئاسي الذي يتيح لنا الخدمة في السويداء عند صدور أمر النقل من ضباط الفوج الذي نخدم فيه إلى خارج المحافظة، ولم تقم بأي تصعيد مباشر حتى اليوم ضد أبناء المحافظة.
كيف توفق ما بين هويتك كدرزي، وسوري، ومواطن من أهالي السويداء؟
نحن في السويداء نقتدي بشعار سامي رفعه قائد الثورة السورية الكبرة سلطان باشا الأطرش عام 1925 وهو “الدين لله والوطن للجميع”.
نحن لا نحبذ الطائفية ولكن الحرب في سوريا أجبرتنا على الميول لها في بعض الأمور، وأؤكد لك لو أن الحرب في سوريا كانت مع عدوان خارجي سترى أبناء السويداء في المقدمة كما حصل تاريخياً، ولكن كونها حرب أهلية أو طائفية فنحن لا شأن لنا فيها.
وصفت الحرب بالطائفية، هل يمكن أن ُتفصّل أكثر؟
نعم بالطبع، ليس شعور فقط بل هو واقع ملموس، وقد لحظته بشكل واضح خلال مشاركتي في العمليات القتالية خصوصا عندمت كنت في حلب.
كنت أشاهد مئات المقاتلين من جنسيات لبنانية وعراقية وإيرانية حتى الأفغانية تقاتل معنا في بعض الأحيان أو في جبهات منفردة، يرفعون شعارات دينية وعندما نتحدث مع العرب منهم العراقيين أو اللبنانيين كانوا يقولون لنا أنها حرب وجود أو عدم وجود بالنسبة لهم، وأنهم جاؤوا إلى سوريا بدافع ديني للدفاع عن المقدسات والمراقد، وبعضهم يقولها بصراحة أنهم موجودين في سوريا لقتال الطائفة (السنية).
وبالمقابل التنظيمات الإرهابية التي كنا نقاتلها كانت ترفع أيضا شعارات ورايات دينية وتدعو لقتل جميع الأقليات والأديان المختلفة عنها.
عندما تصبح في وضع كهذا ستكون على يقين تام بأنه ليس لك ناقة أو جمل في هذه الحرب ومن الأولى أن تدافع عن أهلك والأرض التي نشأت فيها حتى لا تكون ضحية بلا مقابل لحرب طائفية فإن استشهدت في السويداء فهذا شرف لي ولكن إذا حدث هذا خارج المحافظة بين رايات دينية متصارعة فلن أكون سوى ضحية بلا أي مقابل.
أنا لست متخاذل ولست خائف قلت لك شاركت في عشرات المعارك سابقا [في شمال سوريا] ولكن يكفي.
أنا مستعد للقتال حتى آخر رمق دفاعاً عن محافظتي وأهلي، ولكنني لن أخرج منها مجدداً إلى مكان أخر.
ترجمة: فاطمة عاشور