7 دقائق قراءة

عودة مشروطة للتأشيرات وطلبات “تعجيزية” لتجديد إقامات السوريين في أربيل

أعادت حكومة كردستان العراق منح تأشيرات دخول للسوريين بعد أن علقت منحها في نيسان الماضي، لكن حصرتها بمن لديهم مواعيد مقابلات في القنصليات والسفارات الأجنبية، ووضعت شروطاً "تعجيزية" لتجديد الإقامات.


30 مايو 2024

الحسكة- تقدم كمال نور الدين (اسم مستعار)، بطلب تأشيرة دخول إلى إقليم كردستان العراق لزوجته وطفلته، ذات الخمسة أعوام، المُقيمتين في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، في 29 أيار/ مايو، بعد أن تلقى خبراً من شركة سياحية في الإقليم بإمكانية تقديم طلب تأشيرة بغرض إجراء مقابلة “لم شمل” في القنصلية الألمانية بأربيل.  

دفع نور الدين مبلغ 250 دولار أميركي لكل شخص للمكتب، على أن تستلم العائلة التأشيرتين خلال عدة أيام، كما قال الشاب من مكان إقامته في ألمانيا لـ”سوريا على طول”، وهو من الأشخاص المتضررين بقرار حكومة أربيل تعليق إصدار التأشيرات لحاملي جوازات السفر السورية اعتباراً من 29 آذار/ مارس 2024.

في غضون ذلك، استخرج علي حاجي، موظف في شركة “سكاي فرانكفورت” للسياحة والسفر، قبل عدة أيام، تأشيرات لأربعة سوريين، كان لديهم مواعيد مقابلات في قنصليات وسفارات أجنبية بأربيل، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ويأتي ذلك في إطار إعادة حكومة إقليم كردستان العراق، الأسبوع الماضي، منح تأشيرات دخول للسوريين، بعد أن علقت منحها في مطلع نيسان/ أبريل الماضي، لكنها حصرت التأشيرات الجديدة بمن لديهم مواعيد مقابلات في القنصليات والسفارات الأجنبية في الإقليم، حسبما أوضح محامون وشركات سياحية مختصة باستصدار التأشيرات لـ”سوريا على طول”.

يتعين على مقدم الطلب “إرفاق إثبات يؤكد وجود موعد في السفارة أو القنصلية الأجنبية في الإقليم مع جواز السفر من أجل تقديم الطلب رسمياً”، وفقاً للحاجي، الذي تختص شركته في استخراج تأشيرات السوريين وتجديد إقاماتهم.

صورة تأشيرة دخول إلى أربيل لسيدة سوريا لديها موعد في سفارة أجنبية، حصلت "سوريا على طول" عليها من أحد مكاتب السياحة والسفر

صورة تأشيرة دخول إلى أربيل لسيدة سوريا لديها موعد في سفارة أجنبية، حصلت “سوريا على طول” عليها من أحد مكاتب السياحة والسفر

خسارة مالية

أدخل قرار أربيل في نيسان/ أبريل الماضي السوريين في حالة إرباك وقلق شديدين من أن يعيق القرار لم شمل عائلاتهم في أماكن إقاماتهم، ناهيك عن الخسارة المالية التي تكبدوها، المتمثلة في رسوم التأشيرات وتذاكر الطيران، إذ شمل القرار آنذاك عدداً من الحاصلين على تأشيرات، ومع لم يتم الموافقة على دخولهم إلى الإقليم، وفقاً لعدة مصادر تواصلت معها “سوريا على طول”.

في السادس من آذار/ مارس الماضي، حصلت زوجة نور الدين وطفلته على تأشيرتي دخول صادرتين عن حكومة أربيل مقابل 125 دولاراً لكل تأشيرة، وبناء على ذلك حجز لهما تذكرتي طيران ذهاباً في 28 نيسان/ أبريل، أي قبل موعدهما في القنصلية الألمانية بيومين، وإياباً في 12 أيار/ مايو، مقابل 508 دولارات، ولكن قرار منع دخول السوريين أعاق وصولهما في الموعد المحدد، رغم أن القرار لم يذكر صراحة السوريين الحاصلين على التأشيرة قبل صدوره، وبدد حلم الأم وطفلتها بـ”لم الشمل” مع زوجها الذي وصل إلى ألمانيا في آب/ أغسطس 2022.

“لم تقبل الشركة إعادة رسوم التأشيرتين البالغة قيمتها 250 دولاراً، واكتفوا بإعادة 308 دولارات من ثمن تذكرتي الطيران”، بحسب نور الدين، محملاً حكومة أربيل مسؤولية خسارته المالية وحالة الفوضى التي عمت في أوساط السوريين “لأنها لم تصدر بيانات توضح تفاصيل القرار، وتركت الأمر للشائعات على السوشيال ميديا”.

أمام غياب الرد حكومي، تواصل نور الدين المنظمة الدولية للهجرة (IOM) طالباً تأجيل موعد مقابلة عائلته في القنصلية الألمانية، ليتم تحديد موعد آخر في 26 حزيران/ يونيو القادم، فتقدم بطلب تأشيرة جديد، على أن يحجز تذكرتي طيران لزوجته وطفلته بعد حصولهما على التأشيرة.

في المرة الثانية، دفع نور الدين ضعف رسوم التأشيرة، ومع ذلك “لو كانت الفيزا الواحدة بألف دولار سأضطر دفع المبلغ، لأنه ليس لدينا خيارات أخرى”، كما قال الشاب الذي يترقب لقاء زوجته وطفله بفارغ الصبر.

بدورها، خسرت عائلة دلشاد عمر (اسم مستعار)، 36 عاماً، مبلغ 210 دولارات، بعدما أعاد مكتب السياحة والسفر أتعابه فقط من دون رسوم التأشيرة، كما قال الشاب، الذي ينحدر من حلب ويقيم في ألمانيا، لـ”سوريا على طول”.

حصل والدا عمر وشقيقه على تأشيرة دخول لأربيل، مقابل 125 دولاراً لكل شخص، وكان من المفترض أن تجتمع العائلة بكردستان العراق، في 25 نيسان/ أبريل الماضي، لكن قرار تعليق منح تأشيرات الدخول للسوريين حال دون لقاء العائلة، وهو ما دفع العائلة إلى البحث عن بلد آخر “وكان الخيار المتاح أمامنا هو الأردن، رغم ما يترتب من دفع مبالغ إضافية”، وفقاً للشاب.

مصير السوريين المقيمين

تأثر السوريون المقيمون في كردستان العراق بقرار وقف منح السوريين تأشيرات دخول إلى أراضيها، رغم أن القرار الصادر في نيسان/ أبريل لا يتضمن ذلك.

ومع العودة المشروطة لمنح التأشيرات، تداولت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من الشروط الجديدة لتجديد إقامات السوريين المقيمين في كردستان، وسط غياب أي معلومات أو بيانات على مواقع حكومة أربيل الرسمية، وهو عزز حالة الإرباك التي تعصف بالسوريين منذ نيسان/ أبريل.

“هناك توجيهات داخلية ضمن دائرة الإقامات حول الشروط الجديدة لتجديد الإقامات”، كما قال عمر آغا، محامي من سكان أربيل لـ”سوريا على طول”.

تضمنت التوجيهات، التي تداولها أصحاب شركات سياحية على وسائل التواصل الاجتماعي: إلزام الراغبين في تجديد إقاماتهم بتسجيل أنفسهم في دائرة العمل والضمان الاجتماعي، عن طريق أرباب العمل (المحلات، المطاعم، الكافيتريات، والمعامل وغيرها) التي يعمل السوريون فيها.

ويتوجب على صاحب الشركة تسجيل الموظفين العاملين لديه في دائرة الضمان الاجتماعي، ليقوم بعدها محامي الشركة بتجديد إقامات الموظفين في دائرة الإقامات، ما يعني أن التجديد بات “غير ممكن” عبر الشركات السياحية، وإنما يقتصر التجديد على محامي الشركات، كما قال آغا. 

التسجيل في الضمان الاجتماعي يعني خصم خمسة بالمئة من راتب العامل مقابل دفع صاحب العمل نسبة 12 بالمئة من راتب الموظف يودع في صندوق التقاعد، وبذلك يمكن للعامل الحصول على التقاعد عند بلوغه السن القانونية للتقاعد.

يستفيد الرجل من التقاعد بعد أن يخدم مدة 20 عاماً ويبلغ الستين من عمره، بينما تستفيد المرأة من ذلك إذا حققت سنوات الخدمة ذاتها وبلغت سن 55 من عمرها.

لكن المشكلة التي تواجه العمالة السورية في كردستان العراق، أنه يُشترط تسجيل ثلاثة عمال محليين مقابل كل عامل أجنبي من أجل تسجيل الأخير في الضمان، إذ يُجبر قانون محلي صادر في أيلول/ سبتمبر 2022، صاحب الشركة على توظيف عمال محليين بنسبة 75 بالمئة مقابل 25 بالمئة للعمال الأجانب بما فيهم السوريين.

ربط تجديد الإقامة بالتسجيل في الضمان شكّل “خيبة وصدمة” للمقيمين، كما قال سامر علي (اسم مستعار)، 23 عاماً، شاب سوري ينحدر من مدينة حماة، لأن عدد الموظفين العاملين في الجهة التي يعمل بها “يفوق أضعاف عدد المواطنين المحليين”، وهذا يعني أنه لا أمل بتجديد إقامته التي انتهت في 23 أيار/ مايو الحالي.

قبل انتهاء إقامته، قدم علي المقيم في أربيل منذ عامين، أوراقه إلى محامٍ على أمل أن يتمكن من تجديد إقامته قبل انتهاء فترة صلاحيتها لكن المحامي أخبره بـ”استحالة التجديد”.

وبعد تداول الشروط الجديدة للتجديد، طلب الشاب الذي يعمل في توصيل الطلبات (عامل ديلفري)، من صاحب العمل تسجيله ضمن دائرة الضمان الاجتماعي ليتمكن من تجديد إقامته، لكنه “أخبرني بعدم إمكانية فعل شيئ حالياً إلى حين صدور قرار رسمي” ، كما قال الشاب لـ”سوريا على طول”.

وفي تسجيل صوتي عبر “الماسنجر”، قال علي بنبرة استياء: “بدأت الغرامات تتراكم علي. الحكومة صامتة لا تصرح بأي تفاصيل، أين نذهب بحالنا؟”.

وفي الوقت الذي لم يتمكن علي من تجديد إقامته لعدم تحقيق شركته نسبة الأيدي العاملة المطلوبة، تمكن محامٍ من تجديد إقامة شابين سوريين يعملان في الكافتيريا، التي يعمل بها أحمد مصطفى (اسم مستعار) في مدينة أربيل، رغم عدم تحقيق النسبة المحددة في القانون، إذ يعمل 15 سورياً مقابل عامل عراقي واحد، كما قال الشاب الذي ينحدر من دمشق لـ”سوريا على طول”.

استلم المحامي مبلغ 200 دولار أميركي عن كل شخص من أجل تجديد الإقامة، على أن يُخصم من كل واحد منهما 68 ألف دينار عراقي شهرياً (50 دولاراً تقريباً) لصندوق الضمان. 

تجديد إقامة العاملين السوريين في الكافتيريا يثير تساؤلات حول إمكانية تعميم تجربتهما على باقي السوريين، أو أن العملية تمت “عبر واسطة”، كما توقع مصطفى، لافتاً إلى أن صاحب الكافتيريا التي يعمل بها وشركاؤه “ينتمون لعشيرة معروفة ولهم حضور في البلد”، خاصة أن العديد من المصادر الذين تواصلت معهم “سوريا على طول” أكدوا فشلهم في تجديد إقاماتهم لعدم استيفاء شروط الضمان.

تواصلت “سوريا على طول” مع حكومة إقليم كردستان العراق ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الإقليم، للحصول على تعليق رسمي بخصوص شروط التجديد المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعرفة مصير السوريين الذين لا يستوفون شروط الضمان الاجتماعي، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

واعتبر المحامي عمر آغا شروط التجديد المتداولة بأنها “تعجيزية”، لا سيما أن عدد الموظفين الأجانب في جميع قطاعات العمل يفوق كثيراً عدد العمال المحليين، وبذلك “يستحيل تطبيق النسبة المطلوبة”.

وقدر المحامي آغا نسبة السوريين غير المسجلين في الضمان الاجتماعي بنحو 98 بالمئة، لأن الحكومة لم تلزمهم سابقاً بذلك، لافتاً إلى أن سعيها إلى تطبيق قانون الضمان حالياً يهدف إلى “تشغيل الأيدي العاملة المحلية وتقليص عدد العمال الأجانب، ولأجل ذلك بدأت إلزام الشركات بتحقيق النسبة المطلوبة”.

في حال رفض رب العمل تسجيل الموظف السوري في الضمان، أو لم يتمكن من ذلك، يمكن للموظف تأسيس شركة باسمه وتسجيلها في الضمان، وبهذه الحالة يمكنه تجديد إقامته بصفته مستثمر، كما يمكنه تجديد إقامة أفراد عائلته، وفقاً لمنشورات نشرها أصحاب شركات سياحية، وهو ما أكده علي حاجي الموظف في شركة “سكاي فرانكفورت”.

وإذا لم تسعف القدرة المالية للشخص في تأسيس شركة لوحده، يمكنه أن يؤسس شركة مع آخرين، شريطة أن يكون لكل شخص 20 بالمئة من أسهم الشركة، حتى يتمكن من تجديد إقامته وإقامة أفراد عائلته.

رداً على ذلك، نفى المحامي عمر آغا ما قيل عن إمكانية تجديد الإقامات عبر تأسيس شركات جديدة، قائلاً: “هذا الكلام غير صحيح. حكومة الإقليم تمنع تأسيس أي شركة باسم شخص أجنبي، ويجب أن تكون الشركة باسم شخص كردي عراقي”.

إلى أن تتضح الصورة ويجد السوريون مخرجاً لأزمتهم، يخشون من أن يدفع قانون الضمان الاجتماعي أرباب العمل إلى فصلهم من وظائفهم في سبيل تحقيق نسبة الأيدي العاملة المحلية، كما قال عدد من العمال السوريين لـ”سوريا على طول”.

الأسوأ من ذلك، أن تتمسك الحكومة بشروطها، وبذلك تتوقف خسارة السوريين على فقدان أعمالهم، وإنما سيجدون أنفسهم مجبرين على “مغادرة أراضي الإقليم، خاصة أن الغرامات ستتراكم عليهم”، بحسب المحامي آغا، لافتاً إلى أنه “يحق لحكومة الإقليم ترحيل الأشخاص الذين انتهت اقاماتهم ودخلوا مرحلة المخالفة”.

في الوقت الذي قدمت حكومة أربيل استثناء تمنح بموجبه السوريين الذين لديهم مواعيد في القنصليات تأشيرة دخول إلى أراضيها، يتطلع المقيمون إلى استثناء أو قرار يتيح لهم تجديد إقاماتهم ومواصلتهم حياتهم في كردستان العراق.

شارك هذا المقال