مدة القراءة: 5 دقائق |

غرفة عمليات فاثبتوا: رفض لهيئة تحرير الشام وعودة لملف المقاتلين الأجانب إلى الواجهة


يونيو 23, 2020

عمّان – أعلنت “هيئة تحرير الشام” اعتقالها القيادي السابق في صفوفها جمال زينية، المعروف بـ”أبو مالك التلي”، بعد محاصرة منزله من قبل أمنييها، على خلفية اتهامه، بحسب البيان الصادر أمس، الإثنين، عما يسمى لجنة المتابعة المركزية في “تحرير الشام”، بمحاولة “إضعاف الصف وتمزيق الممزق”.

ويأتي هذا الاتهام الذي استدعى اعتقال التلي، رداً على تشكيل الأخير فصيلاً عسكرياً جديداً ضمن “غرفة عمليات أُعلن عن إنشائها في 12 حزيران/يونيو الحالي، تضم ما تبقى من فصائل عسكرية محسوبة على تنظيم القاعدة في شمال غرب سوريا، تحت مسمى “فاثبتوا”، وهو الاسم الذي يشير، بحسب الباحث المتخصص في شؤون الحركات الدينية والجهادية في مركز جسور للدراسات بتركيا، عرابي عبد الحي عرابي، إلى استشراف الفصائل المنضوية في “الغرفة” وتوقعها قيام معارك عنيفة في مواجهة هيئة تحرير الشام، بحيث “يقولون لعناصرهم وللهيئة إننا سنثبت في وجه محاولات استئصالنا”.

وتضم “فاثبتوا” خمسة فصائل، هي: جماعة أنصار الدين وجماعة أنصار الإسلام وتنظيم حراس الدين، والذين كانوا منضوية في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” التي تشكلت في تشرين الأول/أكتوبر 2018. إضافة إلى فصيل تنسيقية الجهاد الذي يتزعمه القيادي السابق المنشق عن “تحرير الشام” أبو العبد أشداء، ويضم مقاتلين سابقين في حركة أحرار الشام، ينحدر غالبيتهم من مدينة حلب. وأيضاً لواء المقاتلين الأنصار الذي يترأسه التلي، 

وفيما يحسب التلي الذي شغل منصب أمير جبهة النصرة (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام) في القلمون الغربي بريف دمشق، على التيار المتشدد في الهيئة، فقد سبق أن أعلنت فصائل “وحرض المؤمنين” رفضها لاتفاق “سوتشي” بين روسيا وتركيا في أيلول/سبتمبر 2018، واتفاق الهدنة الأخير بين الطرفين ذاتهما بشأن شمال غرب سوريا في آذار/مارس الماضي، لاسيما فتح الطرق الدولية في المنطقة.

أبعد من “القاعدة”

يعد تنظيم حراس الدين، المنشق عن هيئة تحرير الشام نتيجة رفض قادته فك ارتباط الهيئة بتنظيم القاعدة، فرع الأخيرة في سوريا حالياً. وهو مدرج على اللائحة الأميركية للتنظيمات الإرهابية، واستهدف الطيران الأميركي العديد من قادة التنظيم، المتمركزين في ريفي إدلب الغربي واللاذقية الشمالي.

وفيما يحسب أيضاً فصيلا أنصار الدين وأنصار التوحيد على “القاعدة”، فإن هذا الأمر لا ينطبق على قائد فصيل تنسيقية الجهاد أبو العبد أشداء، بل هو يمثل، بحسب ما ذكر عرابي لـ”سوريا على طول”، “السلفية المحلية المستقلة التي تؤمن ببعض مقولات الجهاديين، مثل تحكيم الشريعة والاستقلالية”. مضيفاً: “لا نستطيع القول إنه يريد تنفيذ عمليات خارج القطر [سوريا]. وهي من أهم المفارقات بينه وبين بقية أفراد الغرفة [“فاثبتوا”]”.

مع ذلك، يبدو أن أبو مالك التلي وأبو العبد أشداء، يتشاركان أسباب انشقاقهما الآن عن “تحرير الشام”، كما يجمعهما تاريخ مشترك قبل اندلاع الثورة السورية، 

إذ قبيل انشقاقه عن الهيئة، تولى أشداء قيادة الكتلة العسكرية لمدينة حلب، ثم صار قائداً إدارياً لـ”جيش عمر بن الخطاب” داخل “تحرير الشام” إلى حين إعلان خروجه منها بتسجيل مصور، في أيلول/سبتمبر 2019، عنونه بـ”كي لا تغرق السفينة”. تحدث فيه عن الفساد الإداري والمالي والأخطاء الكبيرة والقاتلة، على حد وصفه، التي ارتكبها قادة تحرير الشام. وهو ما استجلب عليه الاعتقال من قبل الهيئة التي بررت إجراءها برفض أشداء تسليم نفسه للقضاء العسكري للنظر في أمره، قبل أن تعود وتطلق سراحه مطلع العام الحالي.

أما أبو مالك التلي الذي اشتهر بكثرة مغادرته أو استقالته من “تحرير الشام”، فقد عاد إلى صفوف الأخيرة في 10 نيسان/أبريل الماضي، بعد أيام من إعلان استقالته الأحدث منها، احتجاجاً على عدم علمه ببعض سياسات الهيئة وعدم قناعته بها.

وكما ذكر مصدر مقرب من “تحرير الشام” لـ”سوريا على طول”، فإن “الهيئة حاولت بشتى السبل أن لا تنجح هذه الغرفة [غرفة عمليات فاثبتوا]، وحاولت أن تثني أبو مالك التلي عن قرار الخروج من الهيئة، وقدمت له إغراءات”. وأنه “حتى يوم خروجه كان التلي مسؤول الملف التعليمي في المنطقة المحررة [الخاضعة لسيطرة “تحرير الشام”]”. معتبراً أن التلي “أغرق سفنه ورفض العودة إلى تحرير الشام”.

وإضافة إلى عدم رضاهما عن خط سير “الهيئة” الحالي، فإن بين التلي وأشداء “تاريخ ومساحة مشتركة من التفكير والماضي”، وفقاً لعرابي. إذ كان القياديان ينتميان قبل الثورة السورية إلى جماعة “الدعوة والتبليغ” التي  تعتبر على خلاف كبير مع منهج “القاعدة”.

أما الرسالة التي يمكن قراءتها من انشقاقهما عن “تحرير الشام”، فمضمونها برأي عرابي: “إننا مستقلون؛ لسنا من جماعة الجهاديين ولا نتبعهم، لكن نحن وهم نشكل مشروعاً جديداً ضد مشروع التفرد الذي تقوم به الهيئة، ونحن متفقون على وجوب مقاومة المحتل”. 

غرفة دفاع مشترك

على الرغم من أن غرفة عمليات “فاثبتوا” ضمت غالبية الفصائل والقادة الموالين لتنظيم القاعدة، فإنها “لم تجمع ما تبقى من تيار القاعدة في سوريا، بشكل كامل”، وفقاً لعرابي. 

ومع الأخذ بالاعتبار أيضاً وجود رافضين فحسب لسياسة “تحرير الشام” الحالية، تكون الغرفة بمثابة “تشكيل ينافس تحرير الشام، وغرفة دفاع مشتركة لمنع استئصال الجماعات الجهادية التي ليست ضمن الهيئة”، بحسب عرابي، هدفها “منع تحرير الشام من التفرد بالساحة”.

برغم ذلك، استبعد عرابي حدوث صدام بين “تحرير الشام” و”فاثبتوا”. مرجحاً في المقابل لجوء الهيئة إلى “التشديد على القادة الذين يريدون الانشقاق والانضمام إلى الغرفة الجديدة، لاسيما المعروف وجود رغبة سابقة لديهم في هكذا انشقاق وخروج”.

يعزز الرأي السابق قيام “تحرير الشام”، قبل أيام، باعتقال القيادي السابق في صفوفها سراج الدين مختاروف، الملقب بـ”أبو صلاح الأوزبكي”، والذي التحق بعد خروجه من “الهيئة” بجبهة أنصار الدين. إذ أعلنت “تحرير الشام” عن ملفات فساد “كيدية” بحق الأوزبكي، بحسب عرابي، لأجل تبرير اعتقاله. وهو ما دفع “أنصار الدين” إلى نشر بيان تدعو فيه الهيئة إلى عقد لجنة شرعية “تنظر في دعواه بشكل عاجل، وتقضي على جذور الفتنة المترتبة على الاحتكام للقوة والبطش بالمخالفين”.

كما أصدرت غرفة عمليات “فاثبتوا” بياناً، اليوم الثلاثاء، طالبت فيه “تحرير الشام” بإطلاق سراح الأوزبكي ومرافقيه والتلي، ومتوعدة الأخيرة “بتحمل تبعات اعتداءاتها”.

وفي مقابل الانشقاقات أو التخوف منها، أعلنت مجموعة من الجماعات والشخصيات “الجهادية” المعروفين باسم “المهاجرون”؛ أي الذين أتوا من خارج سوريا للقتال، دعمهم لهيئة تحرير الشام وسياستها في شمال غرب سوريا. وبحسب البيان الصادر، يوم الخميس الماضي، تحت عنوان “شكر وتأييد”، طالب “المهاجرون” بـ”لزوم الجماعة، ونبذ الفرقة، ورص الصفوف لصد العدو”، محذرين “من مغبة التشرذم كونه سبب الهلاك وذهاب الريح”.

في السياق ذاته أيضاً، أعلنت  “تحرير الشام”، أمس الإثنين، شروطاً تحدد الانشقاق أو مغادرة الهيئة. من أبرزها، كما جاء في بيان نشرته حسابات تواصل اجتماعي مقربة من الهيئة: منع العناصر والقادة من “مفارقة الجماعة قبل مراجعة لجنة المتابعة والإشراف العليا حصراً عبر ديوانها الخاص، وقبل إبراء الذمة من الجهة المسؤولة عن الأخ [الذي يرغب في الانشقاق]”. إضافة إلى منع القادة والعناصر الذين غادروا الهيئة من “تشكيل أي تجمع أو فصيل مهما كانت الأسباب”، كما يحظر عليهم الانتماء لأي تشكيل أو فصيل قبل مراجعة لجنة المتابعة وأخذ الموافقة منها.

مع ذلك، لا يتوقع عرابي انتهاء غرفة العمليات الجديدة “إلا إذا حصلت اتفاقات بشأن إنهاء الملف الجهادي”، وهو ما لا ينبئ به الوضع الراهن. متوقعاً بالتالي بقاء غرفة “فاثبتوا” وتوسعها، بحيث “قد يصل عدد مقاتليها إلى ما بين 3-4 آلاف مقاتل، وستكون لمواجهة روسيا وإيران بالذات”.