“فساد منظم”: المال يحكم مناطق نفوذ الجيش الوطني شمال غرب سوريا
تشهد مناطق نفوذ الجيش الوطني موجة احتجاجات ضد الشرطة العسكرية والجيش الوطني، على خلفية إطلاق سراح متهم بارتكاب جرائم بحق مدنيين خلال فترة خدمته العسكرية في صفوف النظام
19 مايو 2022
باريس – بعد ساعات من الإفراج عن المدعو محمد حسان المصطفى، المتهم بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين خلال خدمته العسكرية في صفوف النظام السوري، أعادت الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري (المعارض) اعتقاله، أمس الأربعاء، استجابة لمطالب المدنيين المحتجين في المنطقة.
وكان المصطفى موقوفاً لدى الشرطة العسكرية في مدينة الباب، التي أنكرت في البداية إطلاق سراحه، مشيرة في بيان صدر عنها، أمس الأربعاء، أن المتهم “لا يزال تحت التوقيف، وسيتم عرضه على القضاء أصولاً للبت في قضيته، بعد الاعترافات التي أدلى بها”.
وصل المصطفى، 30 عاماً، إلى مناطق الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي، قبل 6 أشهر، حيث يقيم اثنان من أشقائه في مدينة الباب، ورغم اعترافه بارتكاب عمليات قتل واغتصاب أثناء قتاله في صفوف الفرقة الرابعة، بقيادة ماهر الأسد، وتنفيذ عمليات اقتحام في عدة مدن سورية، أطلق سراحه بعد دفع رشوة لأحد المسؤولين في الشرطة العسكرية.
خدم المصطفى، الذي ينحدر من حي الصالحين في مدينة حلب، أكثر من ثماني سنوات في صفوف النظام، إلى أن تم تسريحه في آذار/ مارس 2021، وحصل في نهاية خدمته الإلزامية على مبلغ مليوني ليرة سورية (500 دولار أميركي تقريباً، بحسب سعر الصرف في السوق الحالي، البالغ 3980 ليرة للدولار)، وفق ما جاء في اعترافاته المدونة بمحضر تحقيق للشرطة العسكرية، المؤرخ في 12/ أيار مايو الحالي، حصلت “سوريا على طول” على نسخة منه.
وأمضى المصطفى الأشهر الماضية متخفياً في أحد مصانع البلاستيك بمدينة الباب، حيث يعمل مع شقيقه هناك، إلى أن ألقت الشرطة العسكرية القبض عليه في 10 أيار/ مايو الحالي.
أثارت قضية المصطفى غضباً عاماً في مناطق الجيش الوطني، المدعوم من تركيا، إذ شهدت مدينة الباب، لليوم الثاني على التوالي، احتجاجات شعبية أمام مقر الشرطة العسكرية، وعبّر المحتجون عن استيائهم من حادثة إطلاق سراحه، واعتبروها “خيانة لدم الشهداء”، وأن كل من يدافع عن “الشبيحة هو شبيح مثلهم”.
وكشفت هذه الحادثة عن قضايا فساد مشابهة، تشير إلى تورط قادة من الفصائل والشرطة العسكرية في إطلاق سراح موقوفين لديهم مقابل دفع رشى، أو التستر عليهم بسبب وجود صلة قرابة.
تداعيات الحادثة
تضاربت الروايات حول أسماء المتورطين في تلقي المال مقابل إطلاق سراح المصطفى، إذ اتهم ناشطون محليون قائد الشرطة العسكرية في مدينة الباب، العقيد عبد اللطيف الأحمد، المعروف بـ”أبو خالد”، باستلام مبلغ مقدارها 1500 دولار، بتنسيق مع القيادي في فرقة السلطان مراد، التابعة للجيش الوطني، حميدو الجحيشي، فيما ذهب آخرون إلى أن الجحيشي هو من حصل على الرشوة.
لكن الرواية الرسمية لقائد الشرطة العسكرية في الباب، تشير إلى أنه “رفض وساطة القيادي حميدو الجحيشي لإطلاق سراح الشبيح”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مالك أبو عبيدة، صحفي يقيم في مدينة الباب، وعليه “توجه الجحيشي للمخابرات التركية طلباً للمساعدة، التي أوعزت لقائد الشرطة العسكرية في الباب بإطلاق سراح المصطفى”.
وبدوره، تبنى العميد أحمد الكردي، قائد الشرطة العسكرية في مناطق نفوذ الجيش الوطني شمال سوريا، رواية العقيد الأحمد خلال حديثه مع وجهاء وممثلين عن الفعاليات الثورة في مدينة الباب وقادة من الجيش الوطني، بحسب ما قال مصدر حضر الاجتماع لـ”سوريا على طول”.
وأضاف المصدر: “قال العميد أحمد الكردي في الاجتماع أن القيادي حميدو الجحيشي راجع فرع الشرطة العسكرية في الباب أكثر من مرة” لأجل إطلاق سراح المصطفى، وبعد فشله “أحضر ورقة من المخابرات التركية تفيد بتسليم المتهم له، من أجل نقله إلى القضاء العسكري، بحجة تعرض المتهم للتعذيب في فرع الباب”.
لا يكفي بالنسبة لسكان المنطقة اعتقال المتهم بعد إطلاق سراحه، استجابة للمحتجين، كذلك لا يكفي افتضاح المتورطين في تلقي الرشاوي، إذ “قد يعود هؤلاء المسؤولين لإطلاق سراح ذات الأشخاص أو أشخاص آخرين”، وفقاً لمالك أبو عبيدة، مشدداً على أن “مطلبنا ليس تسليم الشبيحة، وإنما أيضاً قائد الشرطة العسكرية في الباب والجحيشي وكل من تورط في الحادثة”.
رداً على الاتهامات الموجهة إليه، قال القيادي حميدو الجحيشي، المتهم بإطلاق سراح المصطفى، أن الأخير “مختل عقلياً”، ونفى في تسجيل صوتي نشر على وسائل التواصل الاجتماعي الاعترافات التي أدلى بها المتهم.
ونفى الجحيشي إطلاق سراح المصطفى، مشيراً إلى أنه كان من المقرر تسليمه للقضاء العسكري، لكن أعيد للشرطة العسكرية “درءاً لأي اقتتال فصائلي في المنطقة”.
من جهته، أعلن العقيد عبد اللطيف الأحمد، قائد الشرطة العسكرية في الباب، عن استقالته من منصبه، بعد أن وجهت له اتهامات بإطلاق سراح المصطفى، مشيراً في تسجيل صوتي، تداوله ناشطون، أمس الأربعاء، عبر تطبيق “واتساب” إلى عدم قدرته على متابعة عمله “تحت أي ظرف، وجعني راسي وصحتي تدهورت”.
وبدورها، أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، عن تشكيل لجنة تحقيق عسكرية مؤقتة، للتحقيق في قرار الإفراج عن المتهم محمد حسان المصطفى، وتتألف اللجنة من: العميد أحمد الكردي مدير الشرطة العسكرية، والعميد عبد الله الخطبي، والرائد بشار الحمود.
وأعطت الوزارة اللجنة المكلفة مهلة 72 ساعة، قابلة للتمديد مرة واحدة فقط، وأن ترفع للوزارة نتائج التحقيق لإجراء المقتضى القانوني أصولاً.
وفي أحدث التداعيات التي أفرزتها قضية المصطفى، أصدرت هيئة ثائرون للتحرير، التابعة للجيش الوطني، أمراً إدارياً، اليوم الخميس، أحالت فيه محمد يحيى خضير، المعروف بـ”حميدو الجحيشي”، إلى اللجنة العسكرية الداخلية على خلفية ورود اسمه في قضية إخلاء سبيل المصطفى.
ويبدو أن موجة الغضب الشعبي ضد المؤسسات العسكرية والأمنية في مناطق نفوذ الجيش الوطني، ستدفع بالأخير إلى احتواء المحتجين وإعادة النظر في قضايا الفساد التي ظهرت بعد حادثة إطلاق سراح المصطفى.
في 18 أيار/ مايو الحالي، أعادت الشرطة العسكرية اعتقال أحمد حسن الحميدي، 26 عاماً، الذي ينحدر من قرية السكرية الصغيرة بريف مدينة الباب، وهو عسكري سابق في صفوف قوات النظام، ودخل إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني قبل ثمانية أشهر.
وكانت دورية تابعة للشرطة العسكرية، أوقفت الحميدي لساعات، في 14 أيار/ مايو الحالي، واعترف الأخير بأنه خدم عاماً واحداً في صفوف النظام قبل أن يفرّ من الخدمة العسكرية، إذ تم سوقه أثناء عودته من لبنان إلى سوريا، بحسب تقرير صادر عن قسم المباحث التابع للشرطة العسكرية في الباب، حصلت “سوريا على طول” على نسخة منه، وقد أطلق سراحه بموجب تزكية من هيئة ثائرون للتحرير، التابعة للجيش الوطني، وفقاً للتقرير. لكن الشرطة العسكرية أعادت اعتقال الحميدي بالتزامن مع قضية المصطفى.
الكيل بمكيالين!
في حادثة تبدو أكثر إثارة، اعتقلت الشرطة العسكرية، في مدينة عفرين، الناشط محمود الدمشقي، مهجر من جنوب دمشق، على خلفية إبلاغه عن تستر القيادي في جيش الإسلام، حسام القعدان، التابع للفيلق الثالث في الجيش الوطني، على شقيقيه قاسم وزين، المتهمين بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين في درعا، خلال خدمتها في صفوف النظام.
في مطلع الشهر الحالي، كشف الدمشقي عن تورط القيادي في جيش الإسلام، مستنداً في ذلك “على معلومات وشهادات حصل عليها من الضحايا”، وقد أخبر أحد الضحايا جيش الإسلام “عن القصة قبل شهرين لكنه لم يكترث”، وفقاً لمصدر مقرب من الدمشقي على اطلاع بتفاصيل الحادثة.
وشغل قاسم العقدان، 35 عاماً، أحد شقيقي القيادي في جيش الإسلام، منصب نائب قائد مفرزة الأمن العسكري، في مدينة الحارة شمال درعا، حتى سيطرة المعارضة عليها في العام 2014.
وبعد نشر تفاصيل القضية، أطلع الدمشقي رئيس القسم الأمني لغرفة “عزم”، والعميد أحمد الكردي قائد الشرطة العسكرية، على المعلومات والوثائق التي بحوزته، فطلب من الدمشقي تقديم المعلومات لقسم المباحث العسكرية في الشرطة العسكرية لمتابعة القضية، وفقاً للمصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.
وبدلاً من اعتقال المتهمين ومساءلة القيادي في جيش الإسلام، اعتقلت الشرطة العسكرية في عفرين الدمشقي، في العاشر من أيار/ مايو، بعد دعوى قضائية رفعت ضده من جيش الإسلام، متهماً إياه بثلاث تهم: “التشهير بجيش الإسلام، والتشهير بالقيادي القعدان، والطعن بالدين الإسلامي”، بحسب المصدر.
بعد توقيف لسبعة أيام أطلق سراح محمود الدمشقي من السجن، في 16 أيار/ مايو الحالي، إذ “لم تثبت أياً من هذه التهم عليه”، فيما اعتقلت الشرطة العسكرية الشقيقين المتهمين قاسم وزين القعدان، وما يزال مصيرهما مجهولاً حتى اللحظة.
لكن منذ إطلاق سراحه “يتلقى محمود تهديدات من حسابات وهمية على الفيسبوك، تتوعده بخطف ابنته وزوجته واغتصابهما، وحرق ابنه والمنزل”، كما قال المصدر.
على عكس قضية عائلة القعدان، اعتقلت الشرطة العسكرية في ضواحي مدينة اعزاز، بريف حلب الشمالي، الناشط عمر نزهت، قبل ستة أشهر، على خلفية تسهيل دخول معتقل سابق لدى النظام إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني.
ورغم أن عملية إدخال المعتقل السابق تمت بالتنسيق مع فصيل عسكري في الجيش الوطني، الذي قدم لنزهت ورقة “مهمة عسكرية” لتنفيذ المهمة، إلا أنه أوقف مع صديقه بعد ساعات من دخول الأخير، كما قال لـ”سوريا على طول”.
كان عمر نزهت شاهداً على عدد من الانتهاكات داخل سجون الشرطة العسكرية خلال فترة اعتقاله، منها: دفع الرشى للسجانين مقابل الحصول على السجائر أو الوجبات السريعة أو غيرها من الاحتياجات، بحسب قوله.
وبعد يومين من توقيفه، تم تحويل نزهت وصديقه إلى المحكمة المدنية في مدينة اعزاز للنظر في قضيتهما، قبل أن يتم الإفراج عنهما مقابل دفع غرامة قيمتها 200 دولار أميركي، بتهمة “الانتفاع المعنوي من الاتجار بالبشر”.
لكن إجمالي ما دفعه نزهت تجاوز 1000 دولار، بين غرامة ورشى “أو حلوان كما يسميها بعض العناصر”، وفك الحجز عن سيارته وأماناته الشخصية لدى الشرطة العسكرية.
وأضاف نزهت: “في الشرطة العسكرية تستطيع أن تخرج من السجن حتى لو كنت مجرماً، شريطة دفع الرشوة”، في المقابل “يوجد في السجن أشخاصاً اعتقلوا بتهم باطلة، من أجل إجبارهم على دفع المال”، معتبراً أن “الفساد منظم وليس حالة فردية”، ناهيك عن “المعاملة السيئة”.
“من دون الواسطة كنت سأتعرض للضرب مثل باقي الموقوفين، وقد أقضي فترة شهرين في السجن”، قال نزهت، معتبراً أن “أي شخص ليس لديه واسطة أو مال يدفعه كرشاوي سوف يبقى في السجن”.