5 دقائق قراءة

فصائل عملية “ردع العدوان” تدخل مدينة حلب: لماذا الآن؟

برز في عملية "ردع العدوان" التقدم السريع لفصائل المعارضة على حساب قوات النظام، تراجعت على نحو غير متوقع، وخسرت نقاطاً استراتيجية، بما في ذلك أحياء من حلب المدينة وأجزاء واسعة من الطريق الدولي M5.


29 نوفمبر 2024

باريس- في اليوم الثالث من معركة “ردع العدوان” العسكرية ضد قوات النظام والميليشيات التابعة له في محافظة حلب شمال غرب سوريا، دخلت فصائل المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام مدينة حلب من جهة الغرب، اليوم الجمعة، بعد أن سيطرت على مناطق واسعة من ريف حلب الغربي وإدلب الشرقي.

تهدف العملية العسكرية، التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، إلى توسيع “المناطق الآمنة وتأمين عودة النازحين إليها بكرامة وأمان”، كما قال المقدم حسن عبد الغني، القيادي في “إدارة العمليات العسكرية”، وهي بغرفة تابعة تشترك فيها عدة فصائل معارضة للإشراف على سير المعارك.

برز في العملية العسكرية الحالية التقدم السريع لفصائل المعارضة على حساب قوات النظام، التي تراجعت على نحو غير متوقع، وخسرت نقاطاً استراتيجية، بما في ذلك أجزاء واسعة من طريق دمشق-حلب الدولي، المعروف بـ “M5”، الذي انتهكت لأجله دمشق اتفاق وقف إطلاق النار مع تركيا أكثر من مرة.

واللافت أن فصائل المعارضة لم تقف عند حدود المناطق التي خسرتها سابقاً في معارك حلب الشرقية عام 2016، أو أثناء العمليات العسكرية بغطاء روسي بين عامي 2019 و2020، وإنما واصلت تقدمها نحو مناطق تسيطر عليها لأول مرة، كما هو الحال بالنسبة لأحياء حلب الغربية.

في المقابل، تركز قصف طيران النظام السوري وحليفته روسيا على محافظة إدلب، إذ بلغ عدد الغارات الجوية منذ ساعات صباح اليوم 23 غارة جوية، طالت مدينة إدلب وعدة مدن وبلدات في ريفها، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي غضون 48 ساعة، بلغ عدد القتلى 255 شخصاً، من بينهم 144 شخصاً من هيئة تحرير الشام والمعارضة، و87 من قوات النظام والميليشيات الموالية لها، إضافة إلى 24 مدنياً، بحسب المرصد. فيما بلغ عدد النازحين في غضون ثلاثة أيام نحو 14 ألف نازح، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التابع للأمم المتحدة.

ومع ذلك، يطرح الانهيار السريع لقوات النظام عدة تساؤلات حول جدّية موقف موسكو من دعم دمشق في مواجهة فصائل المعارضة، وموقف أنقرة من “ردع العدوان”، باعتبارها طرف في اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع موسكو في آذار/ مارس 2020. 

توقيت المعركة

جاءت عملية “ردع العدوان” بعد أربع سنوات من الهدوء النسبي الذي شهدته منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب)، وبموجبه انخفضت وتيرة العمليات العسكرية، التي صارت تقتصر على القصف المتقطع بين فترة وأخرى، واشتباكات محدودة على خطوط التماس.

وفي هذا الإطار، قال المقدم عبد الغني أن العملية تهدف إلى “إبعاد خطر الميليشيات [الإيرانية] ومرمى نيرانهم عن القرى والبلدات المأهولة بالسكان”، خاصة “بعد تصاعد وتيرة القصف الأخير، الذي أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى وتهجير أكثر من 1600 عائلة”.

وبذلك، تسمح العملية الحالية بـ”إيجاد بيئة آمنة لعودة أهلنا المهجرين، واستعادة المناطق المحتلة من النظام والميليشيات الإيرانية”، كما أضاف عبد الغني في حديثه لـ”سوريا على طول”، أمس الخميس.

وفيما تشير المعطيات إلى أن العملية أطلقت بموجب “ضوء أخضر” تركي أو غربي، إلا أن عبد الغني لم يعلق على ذلك، مكتفياً بالقول أنها “جاءت بعد اكتمال الاستعدادات والتجهيزات ورسم الخطط بشكل واضح”، وأن “مختلف الفصائل العسكرية شاركت فيها بدعم وإسناد شعبي ومجتمعي”.

وبدوره، قال فراس فحام، الباحث في مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، والمقيم في تركيا، أن “المعركة هي محاولة من المعارضة لاستثمار الظروف الدولية الحالية، إذ إن روسيا منشغلة بشكل أكبر اليوم في حربها مع أوكرانيا، خاصة بعد أن انتقلت المواجهات إلى الداخل الروسي، بينما تعاني إيران من ضغوطات وتراجع في نفوذها [الإقليمي]”.

لذا فإن توقيت المعركة الحالية “هو الأنسب لاستعادة المناطق التي سيطر عليها النظام عام 2019، رغم أنها من ضمن منطقة خفض التصعيد”، ويتزامن ذلك مع “استياء الجانب التركي من سلوك النظام الميليشيات الإيرانية، واستمرارهم في قصف المنطقة وخرق اتفاق خفض التصعيد”، بحسب فحام.

وأيضاً، ربما يكون توقيت العملية العسكرية مرتبطاً بالتطورات الإقليمية، “المتمثلة بحرب غزة وجنوب لبنان” من جهة، والتطورات الدولية حيث “التصعيد بين روسيا والغرب في الملف الإيراني”، بحسب المحلل السياسي والاستراتيجي، العميد الركن مصطفى الفرحات، معتبراً أن “الملف السوري يؤثر ويتأثر بأي تصعيد دولي”.

وأضاف الفرحات في حديثه لـ”سوريا على طول”: “كان يجب أن يبدأ العمل العسكري قبل هذا التاريخ، في وقت كان هناك ضغط أكبر على النظام والميليشيات الإيرانية، أي قبل شهرين على الأقل، إذ كانت الفرصة سانحة أكثر للاستثمار”.

مستقبل “ردع العدوان”

في أول تعليق رسمي تركي على عملية ردع العدوان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، أونجو كيتشيلي، أن “الحفاظ على الهدوء في إدلب والمنطقة المحاذية لها، التي تقع عند نقطة الصفر من حدودنا، يمثل أولوية بالنسبة لتركيا”.

وأضاف: “لقد حذرنا على مختلف المنصات الدولية من أن الهجمات الأخيرة على إدلب قد بلغت مستوى يقوض روح وتنفيذ اتفاقيات أستانا”، التي كانت أنقرة جزء منها، لذا “أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تصعيد غير مرغوب فيه”.

رد أنقرة “دبلوماسي وسياسي”، لكن في الواقع “هي متواجدة على الأرض وتدعم فصائل الثورة، مبررة العملية بأنها ضمن حدود الاتفاقيات التي خرقها النظام”، بحسب الفرحات، معتبراً أن هناك “تغيراً في المواقف الدولية وخطوط الاشتباك على المستوى الدولي”، وبما أن “الأمور [في سوريا] مستعصية على الحل، كان لا بد لكانتون الشمال من التوسع من أجل إيجاد مكان للكثافة السكانية”.

يبلغ عدد سكان شمال غرب سوريا نحو 6.5 مليون نسمة، بحسب آخر تحديث من فريق “منسقو استجابة سوريا”، نحو 4.5 مليون في محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب، والباقي في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون بريف حلب الشمالي، الواقعتين تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني المدعوم من أنقرة.

ربما ما يحدث في حلب ليس بموجب ضوء أخضر تركي فحسب، وإنما دولي أيضاً، لأنه “لا يمكن حدوث أي عمل عسكري على نطاق واسع من دون تغاضي [موافقة] الأطراف الدولية الكبرى”، وفقاً للفرحات، لافتاً إلى أن “الفصائل المشاركة موالية لتركيا وتنسجم مع المعسكر الغربي”.

من جهته، اعتبر النظام السوري أن ما يجري في شمال غربي البلاد “انتهاك سافر لاتفاق خفض التصعيد”، وأن العملية العسكرية جاءت “بإيعاز من المشغلين الإقليميين والدوليين”، معترفاً بتعرضه لهجوم “كبير وعلى جبهة واسعة”، كما جاء في بيان صادر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة.

كذلك، وصف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، الهجوم بأنه “انتهاك لسيادة سوريا”، مؤكداً دعم بلاده للنظام وداعياً إياه “إعادة فرض السيطرة وإعادة النظام الدستوري بأسرع وقت ممكن”.

وبدوره، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، اسماعيل بقائي، تصاعد نشاط الفصائل في إدلب معتبراً أنه “انتهاك صارخ لاتفاقيات أستانة، مما يعرض الإنجازات الإيجابية لهذه العملية [أستانة] لخطر نجدي”، واتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء العملية “لزعزعة أمن المنطقة”.

لعبت موسكو وطهران دوراً كبيراً في سيطرة النظام على حلب الشرقية عام 2016، والعديد من مناطق المعارضة في ربيع وصيف 2018، وسط سوريا وجنوبها، وعدا عن أن تراجع النظام السريع يؤكد ضعفه دون دعم حليفيه، فإنه يثير الشكوك عمّا إذا كان هناك مقايضة أو تبدلاً بين حلفاء النظام والمعارضة قد تؤدي إلى تغيير خريطة السيطرة التي حافظت على حدودها لسنوات.

قال فحام: “الوضع ضبابي، وموقف روسيا غير واضح”، لذا لا يمكن التنبؤ بمآلات المعركة وتطوراتها على أرض الواقع.

شارك هذا المقال