“في أكبر قافلة حتى الآن”.. آلاف النازحين يغادرون الركبان مع تزايد الضغوط الروسية السورية
تحرك طابور طويل من الشاحنات المكتظة بالأشخاص، والأثاث، وما خلفته حياة النزوح لسنوات، خارج الصحراء القاحلة.حيث شهد، يوم الاثنين، مغادرة قافلة جديدة من مخيم الركبان المعزول، وهو مخيم غير رسمي من المنازل الطينية، ويأوي حوالي 40,000 نازح سوري على الحدود السورية الأردنية.
23 أبريل 2019
تحرك طابور طويل من الشاحنات المكتظة بالأشخاص، والأثاث، وما خلفته حياة النزوح لسنوات، خارج الصحراء القاحلة.
حيث شهد، يوم الاثنين، مغادرة قافلة جديدة من مخيم الركبان المعزول، وهو مخيم غير رسمي من المنازل الطينية، ويأوي حوالي 40,000 نازح سوري على الحدود السورية الأردنية.
وفي الأسابيع الأخيرة، كان السكان يغادرون المخيم على شكل مجموعات بلغت المئات من النازحين، بينما يغادرون الآن بالآلاف.
وبحسب أحد مسؤولي المخيم، فإن قافلة الإثنين التي غادرت الركبان هي الأكبر حتى الآن، حيث تقوم كل من روسيا والقوات الحكومية السورية بالضغط من أجل إجلاء الحافلات إلى الأراضي الحكومية.
وقال المسؤول الذي يرأس إحدى الإدارات المدنية في المخيم، لسوريا على طول، متحدثاً شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية “لقد غادر أكثر من 3000 شخص يوم الاثنين”، واصفاً القافلة بأنها “أكبر قافلة غادرت مخيم الركبان”.
وغادر على متن هذه القافلة أشخاص من فئة الشباب والمسنين والعائلات.
ولم يستطع ممثل من الهلال الأحمر العربي السوري، وهي وكالة غوث تابعة للحكومة السورية، كانت حاضرة خلال عملية إجلاء الحافلات من مخيم الركبان، تأكيد أعداد العائدين، لكنه أكد أن الهلال الأحمر العربي السوري متواجد عند نقاط التفتيش الحكومية خارج المخيم.
“نرى جيراننا يغادرون”
يقع مخيم الركبان في منطقة حدودية صحراوية تمتد بين الحدود السورية – الأردنية والمعروفة باسم “الساتر الترابي”.
وقبل الحرب، لم يكن المخيم أكثر من مجرد قطعة أرض صغيرة ومعزولة في الصحراء، ففي السابق لم تكن هناك مستشفيات ولا مدارس أو بلدات أو متاجر بقالة أو غيرها من الخدمات الأساسية، فقط كان هناك طريق سريع وحيد عبر الصحراء المقفرة، يربط دمشق ببغداد.
و مع تقدم تنظيم الدولة شرق سوريا في 2014، هرب الآلاف من السوريين باتجاه المنطقة الصحراوية جنوباً على أمل التمكن من اجتياز الحدود والدخول إلى الأردن.
إلا أن انفجار سيارة مفخخة مزعوم من قبل تنظيم الدولة والذي أدى إلى مقتل عدد من الجنود الأردنيين في موقع قريب من الحدود عام 2016، دفع عمّان إلى إغلاق حدودها وإعلان المنطقة المحيطة بها منطقة عسكرية.
وعلى الجانب السوري من الحدود، لا تزال المنطقة البالغ طولها 55 كيلومتراً، والتي يديرها الجنود الأمريكيون وقوات المعارضة المدعومين من قبل الولايات المتحدة، تمنع القوات الموالية للحكومة من الوصول إلى الحدود واستعادة السيطرة على كامل الصحراء الجنوبية التي تحيط بمخيم الركبان.
حيث أكدت الولايات المتحدة بأن قاعدة التنف العسكرية، التي تقع داخل منطقة 55 كيلومترًا، هي منطقة حاسمة في قتالها ضد تنظيم الدولة.
وحوّل النازحون المحاصرون في مخيم الركبان “الساتر الترابي” شيئاً فشيئاً إلى منطقة ممتدة من المنازل الطينية والمحلات والأسواق.
وكانت حفنة من الإمدادات الحيوية من مواد غذائية وأدوية، تصل المخيم عبر طرق التهريب الصحراوية من الأراضي الحكومية، بينما كانت الأمراض تنتشر في المخيم الذي غالبًا ما تنقطع عنه المياه.
وفي الشتاء القارس، كانت الأمطار الغزيرة تحول أزقته الترابية إلى طين كثيف، حيث لقى أكثر من عشرة أطفال حتفهم، بمن فيهم حديثي الولادة، الشتاء الماضي، بسبب الظروف الجوية ونقص الأدوية.
وضاعفت الحكومة السورية وحلفاؤها الروس الضغط على المخيم في الأشهر الأخيرة، حيث تحدثوا بشكل متزايد عن تفكيك المخيم كلياً.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية في شباط، أنها ستشرف على “الممرات الإنسانية” للسماح بالنقل الآمن لأعداد غير معروفة من سكان الركبان إلى مواطنهم.
ووفقاً للبيان، سيتم إنشاء حواجز على مشارف الركبان “لاستقبال وتوزيع وتقديم المساعدة اللازمة للنازحين” الراغبين في مغادرة المخيم.
وتنشر وسائل الإعلام السورية بشكل مستمر آخر الأنباء حول القوافل الخارجة من الركبان، لتخدم بذلك رواية مفادها أن المخيم يتلاشى ببطء.
وقال خضر الحسين، أحد سكان المخيم والذي يدير مركز توزيع مساعدات في الركبان، لسوريا على طول “يقول الناس بأن المخيم بدأ يفرغ، وفعلياً بدأنا نرى المنازل والمحلات التجارية الفارغة، ونرى جيراننا يغادرون”.
“ولكن هذا لا يعني أن المخيم فارغ، على الأقل ليس للحد الذي يصوره النظام”، بحسب ما ذكر الحسين.
وفي الأسابيع والأشهر التي تلت إعلان روسيا عن إقامة “الممرات الإنسانية” في شباط، غادر الآلاف من سكان الركبان المنطقة الصحراوية المحاصرة.
ووردت أنباء غير مؤكدة عن أعمال عنف ضد العائدين من قبل قوات الأمن السورية رافقت التحركات من الصحراء، إلا أن ذلك لم يثني الآلاف عن العودة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، انتشرت أنباء مفادها أن رجلين، كانا قد عادا من الركبان إلى الأراضي التابعة للحكومة السورية عبر “ممر إنساني” تدعمه روسيا، قد قتلا برصاص رجال الأمن بعد محاولتهما الهرب من مركز إيواء للعائدين تابع للحكومة في محافظة حمص.
ولم يتمكن ممثلان عن الهلال الأحمر العربي السوري من تقديم مزيد من المعلومات حول مراكز الإيواء في ذلك الوقت.
كما لم يتسن لسوريا على طول الاتصال بممثل عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والذي شارك في عمليات تسليم المساعدات السابقة إلى الركبان، للتعليق قبل نشر التقرير.
وقال أحد العاملين في المجال الطبي من داخل المخيم، في وقت سابق من هذا الشهر، لسوريا على طول “إن قضية العودة بأكملها محاطة بالغموض”.
“هناك الكثير من الضغوط علينا”
إن الاتصال بالأصدقاء والأقارب يصبح صعباً للغاية بمجرد عبورهم إلى الأراضي الحكومية، حيث يدخل أولئك الذين عادوا في المجهول.
ومع ذلك، قال مدير المخيم إن العائدين الذين غادروا الآن مراكز الإيواء التي تديرها الحكومة بدؤوا بالتواصل مع أقاربهم في الركبان.
وأوضح قائلاً “بدأت الأخبار بالوصول إلى النازحين في المخيم من أفراد عائلاتهم الذين غادروا مراكز الإيواء”، وأضاف “تَشَجع الأشخاص الذين ما زالوا في المخيم عندما سمعوا بأنه تم إطلاق سراح العائدين”.
وتابع قائلاً “أصبحوا يريدون المغادرة أيضاً”.
وبات النازحون الذين بقوا في المخيم الآن أمام خيارات متناقصة، حيث انخفضت الإمدادات الطبية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية المتبقية في أسواق المخيم.
وقال أحد نازحي الركبان الذي زار سوق المخيم مؤخراً، أن بعض أصناف المواد مفقودة في السوق، وأن سعر الخبز قد ارتفع، وأصبح من الصعب العثور على الدقيق هناك.
وقال لسوريا على طول “أصبح الوضع في الركبان لا يحتمل”.
وبالنسبة لغالبية النازحين الذين لم يغادروا المخيم حتى الآن، بات المستقبل أمامهم غير واضح أكثر من أي وقت مضى.
وقال الحسين “هناك الكثير من الضغوط علينا، لا أحد لديه أدنى فكرة عما سيكون عليه الوضع في المخيم بعد شهر من الآن”.
شاركت مادلين إدواردز في إعداد هذا التقرير.