في الذكرى الثانية عشرة: مسار الثورة السورية لا يلبي تطلعات أبنائها
في الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية، التي انطلقت في آذار/ مارس 2011 "يبدو كل شيء مختلف على الأرض عمّا كانت عليه الظروف في عامها الأول"، وتحولت إلى مسار لا يلبي تطلعات أبنائها.
15 مارس 2023
إدلب، باريس- مع حلول منتصف آذار/ مارس من كل عام، يشارك سوريون في إحياء ذكرى الثورة السورية، التي اندلعت شرارتها عام 2011، لكن في الذكرى السنوية الثانية عشرة لها، التي تصادف هذا العام، “يبدو كل شيء مختلف على الأرض عمّا كانت عليه الظروف في عامها الأول”، بحسب أبو علاء، المهجر من مدينة حمص.
“مرّت الثورة بعدة مراحل ومتغيرات، وهناك أطراف حاولت العبث بها، لكن الروح الثورية التي حملناها في عام 2011، وأحلامنا بواقع أفضل لبلادنا ما زالت ترافقنا، وستبقى معنا في كل دقيقة وبكل مظاهرة”، قال أبو علاء، 62 عاماً، لـ”سوريا على طول”، من مكان إقامته في مدينة إدلب.
قبل يوم واحد من بدء فعاليات إحياء ذكرى الثورة، وصل بشار الأسد إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إطار فك عزلته دولياً، وتعزيز مسار التطبيع مع دمشق، الذي أسهمت به دول عربية، على رأسها دولة الإمارات. ومع ذلك لا يتخوف أبو علاء من التطبيع “لأنه لن ينقذ النظام”، لكن “موقف المعارضة الخدمي والعسكري والمدني هو المخيف”، على حد وصفه.
في الذكرى الثانية عشرة لاندلاع الثورة السورية، التي تحولت إلى حرب، يعيش أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، في مناطق سيطرة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، شمال غرب سوريا، ظروفاً إنسانية صعبة، زاد من صعوبتها زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، الذي ضرب أجزاء من سوريا وتركيا، وتسببت بمقتل وإصابة عشرات الآلاف في كلا البلدين.
“ورغم كل الصدمات، وكل المعاناة التي حملناها معنا لسنوات، سنبقى متمسكين بمطالبنا في الحرية، ونبذ الاستبداد والتفرد بالسلطة ونهب خيرات البلاد”، قالت المحامية رابية الحرامي، 56 عاماً، من مكان إقامتها في إدلب، وهي مهجّرة من مكان إقامتها الأصلي في ريف المحافظة الجنوبي منذ أواخر عام 2019 بعد سيطرة النظام على المنطقة.
“الثورة مستمرة” شعار رفعه سوريون في إحياء الذكرى السنوية، وتتمسك به الحرامي “بعد مرور 12 عاماً على الثورة بحلوها ومرها، ورغم الثمن الباهظ الذي دفعناه من قصف ونزوح واعتقال”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية عشرة، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في 12 آذار/ مارس الحالي، تقريراً رصد أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا في الفترة بين آذار/ مارس 2011 و2023، وثقت فيه مقتل ما لا يقل عن 230,224 مدنياً، بينهم 30,007 طفلاً و16,319 امرأة على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، منهم: 201,055 مدنياً، بينهم 22,981 طفلاً، و11,976 سيدة على يد النظام السوري.
العودة إلى سيرتها الأولى
يتصدر النظام السوري قائمة مرتكبي الانتهاكات في البلاد، لكن هذا لا ينفي تورط جميع أطراف النزاع، بما في ذلك فصائل المعارضة، التي تعتبر نفسها ممثلاً عن المدنيين المناهضين للأسد. بحسب تقرير الشبكة السورية، قُتل 4,206 مدنياً، بينهم 1,007 أطفال، و885 سيدة على يد جميع فصائل المعارضة، بما فيها الجيش الوطني المدعوم من تركيا، الذي يسيطر على ريف حلب الشمالي.
وكذلك، قُتل 517 مدنياً على يد هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على محافظة إدلب وأجزاء من محافظتي اللاذقية وحلب، بينهم 74 طفلاً، و79 سيدة، بحسب الأرقام الصادرة عن الشبكة السورية.
سجلت مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام سلسلة من الانتهاكات، لا سيما الجيش الوطني المدعوم من تركيا، من قبيل التضييق على الإعلام، وتنفيذ اغتيالات، واقتتال بين مكونات الجيش الوطني.
لذلك، في أثناء الحديث عن الثورة لا بدّ من “العودة بها إلى مسارها الصحيح، والتفكير بالأهداف التي خرج الناس لأجلها” إضافة إلى “ترك كل خلاف أو مشكلة تشتت السوريين وترهقهم داخلياً”، قال سليم أبو رشيد، 27 عاماً، من مكان إقامته في مدينة إدلب لـ”سوريا على طول”.
بعد 12 عاماً على الثورة، يرى أبو رشيد، المهجّر من مدينة داريا بريف دمشق، عام 2016، أن “الثورة ليست في الطريق الصحيح، وإنما تتخبط في مشاكل داخلية وخارجية، وتمر في أوقات عصيبة من التدخل الخارجي، وعدم الاستقرار الداخلي”، على حدّ وصفه.
ومع ذلك “لا بديل عن تحقيق أحلامنا وأهدافنا، التي دفعنا لأجلها أرواحاً ودماءً، وأخذت منا أغلى ما عندنا”، بحسب أبو رشيد، وهذا لا يكون إلا بـ”اجتماع السوريين على كلمة واحدة، ووجود قيادة ذات قرار وطني لا ينصاع لأوامر الخارج ولا تنسف مبادئ الناس وأهدافها التي خرجت من أجلها”.
قبل اندلاع ثورة آذار/ مارس 2011 كان أبو رشيد طالباً في المرحلة الثانوية بمدينة داريا، يعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية جيدة، لكن خلال سنوات الثورة فقد والده، الذي “استشهد في المعتقل”، ويعيش بعيداً عن عائلته “المشتتة داخل سوريا وخارجها”.
ولا تمحى من ذاكرة أبو رشيد مواقف كثيرة عاشها خلال سنوات الثورة السورية، منها مجزرة داريا الكبرى، التي وقعت في آب/ أغسطس 2012، على يد النظام السوري، وراح ضحيتها أكثر من 500 مدني، مروراً بحصار المدينة إلى تهجير من بقي فيها في آب/ أغسطس 2016.
كل هذه الذكريات المؤلمة، والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها أبو رشيد وغيره من السوريين، في شمال غرب سوريا، تزيد الشابّ المهجّر إصراراً على ضرورة تصحيح المسار، وتصويب الأخطاء التي وقعت بها.
رغم المنعطفات التي مرّت بها البلاد خلال 12 عاماً، انتهت به في خيمة بالمخيم الأزرق في معرة مصرين بريف إدلب، بعد نزوحه من ريف سراقب عام 2019، لم يندم محمد أحمد الداعور، 38 عاماً، على المشاركة في الثورة، معتبراً أن ذلك ضرورة “لأن الوضع لم يعد يحتمل من النظام، في ظل سياسة سلب الحريات، والظلم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
لكن هذا لا يعني رضاه عمّا آل إليه واقع الثورة بعد أن “فقدت قرارها، وصار الداعم يتحكم فيها بسبب قلة خبرات السوريين وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”. وتالياً، جمود الملف السوري “وتركنا في المخيمات نعاني الفقر والتشريد، في ظل انخفاض الدعم”، بحسب الداعور.
البحث عن مخرج
خلال مزاولته المحاماة، قبل عام 2011، كان المحامي فهد الموسى، 53 عاماً، يستشعر “الظلم الواقع على شعبي في سوريا، وانعدام العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، وهذا كان من أسبابه مشاركته كناشط حقوقي وسياسي، كما قال لـ”سوريا على طول”.
بعد 12 عاماً “لم تعد الثورة في طريقها الصحيح، وأصبحت مسلوبة القرار من أشخاص يدعون تمثيلها وهم لا يملكون أي شرعية لتمثيلها”، ناهيك عن أن “قرارات الثورة الاستراتيجية صارت مرهونة لتركيا كدولة ضامنة”، وفقاً للموسى.
من خيمتها في المخيم الأزرق بمعرة مصرين، تستذكر ندى عثمان الحصرم، 49 عاماً، قريتها معرشمارين المدمرة في ريف معرة النعمان الشرقي نتيجة قصف النظام لها، ولا تنسى “المجزرة” التي ارتكبها الطيران السوري في عام 2012، وراح ضحيتها عشرات المدنيين “من بينهم أختي وزوجها”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
منذ سنوات الثورة الأولى وحتى الآن، مرت الحصرم بظروف صعبة، تمثلت بـ”قصف ضيعتنا، ودمارها، مروراً بتشريدنا منها، لينتهي بنا الحال هنا في هذه الخيمة، وسط ظروف معيشية صعبة”، وفقاً لها.
كانت الحصرم مع عائلتها تعمل في الزراعة “نزرع كل أصناف الخضروات والفواكه في أرضنا، وأوضاعنا جيدة، لا نحتاج شيئاً، بينما اليوم أوضاعنا الاقتصادية تحت الصفر”، على حد تعبيرها. أما على الصعيد الاجتماعي، تفرق شمل العائلة بعد أن كانت تعيش “أجواءً من الألفة والقرب بين الأهل”.
يزيد من آلام الحصرم المعنوية عدم اكتراث مؤسسات المعارضة الرسمية بواقع المدنيين في شمال غرب سوريا، وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه السوريين، متمنية من “المعارضة والدول مساعدتنا للعودة إلى قرانا التي هجّرنا منها النظام وروسيا”.
من جهتها، اعتبرت المحامية رابية الحرامي أن المخرج بالنسبة للسوريين، لا سيما أولئك النازحين في شمال غرب سوريا، يكون بـ”العمل المدني، والانتقال السلمي للسلطة، وفق قرار جنيف 2254″، وأن “يأخذ العمل المدني مجراه من دون تدخل العسكر”.
ولأجل ذلك، يجب “عقد مؤتمر ثوري وطني جامع لكل السوريين، غير المرتهنين لأي دولة، لانتخاب أشخاص يمكنهم تمثيل الثورة تمثيلاً حقيقياً”، بحسب المحامي الموسى.
وعلى صعيد محاسبة مرتكبي الانتهاكات، قال الموسى: “عند تحقيق الانتقال السياسي، يجب تأسيس قضاء عادل ونزيه، يمكنه محاسبة جميع المجرمين من كل الأطراف، وخصوصاً المحسوبين على الثورة، الذين أساؤوا لها بالعمالة أو ارتكاب جرائم بحق المدنيين”.
أما أبو علاء، المهجر من حمص، تتمثل أمنيته الوحيدة وهو “في عمر 62 عاماً، وأحمل من الأمراض في جسمي ما أحمل، أن ينتصر الشعب، وأن يعود كل مهجّر من أبناء الشعب السوري إلى بيته”.