6 دقائق قراءة

في الذكرى الحادية عشرة للثورة: سوريا غير مؤهلة لعودة اللاجئين

بعد مرور أحد عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية، يفتقر السوريون، خاصة في مناطق النظام لأبسط مقومات الحياة، وبدلاً من عودة اللاجئين قد تدفع الظروف مزيداً من السوريين إلى مغادرة البلاد


18 مارس 2022

باريس – منذ منتصف آذار/ مارس الحالي، بدأ سوريون في إحياء الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الثورة السورية في عدة مناطق بسوريا، آخرها خروج العشرات في مظاهرات مناهضة للنظام السوري، بمحافظة درعا جنوب سوريا، اليوم، رغم سيطرة الأخير عليها منذ صيف 2018.

وجدد المتظاهرون في حوران مطالبهم بـ”إسقاط النظام”، والإفراج على المعتقلين، في إشارة إلى أن التسويات الأخيرة والواقع الأمني الذي يفرضه النظام على “مهد الثورة” أو الفوضى التي يسهم على إشعالها لن تنجح في منع ارتباط المحافظة بتاريخها “الثوري”.

ورغم أن البلاد تعاني من دمار في البنية التحتية، وتدهوراً اقتصادياً ومعيشياً، بحيث يبلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدات الإنسانية والحماية في سوريا، 13.4 مليون نسمة، بينهم 6.7 مليون نازح، وفق أرقام مفوضية شؤون اللاجئين، تتزايد التصريحات الدولية بشأن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ومن ذلك، تصريح وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، مطلع آذار/ مارس الحالي، أن بلاده تعمل مع المملكة الأردنية من أجل عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، مشيراً إلى وجود نية بتنظيم مؤتمر وزاري لمناقشة هذا الغرض.

ويواصل السوريون في الدنمارك معركتهم القانونية ضد سياسة كوبنهاغن في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، معتبرة دمشق وريفها منطقتين آمنتين للعودة، وتعمل على توسيع هذه المناطق لتشمل: طرطوس واللاذقية.

كل ذلك، يدفع إلى التساؤل مجدداً إن كانت عودة السوريين إلى بلادهم ممكنة، وفق الظروف الأمنية والخدمية والاقتصادية الأخيرة.

عودة آمنة!

بعد عشر سنوات على وصولها إلى مخيم الزعتري، شمال الأردن، ما تزال نور المحمود (اسم مستعار)، 31 عاماً، تقاوم فكرة العودة إلى سوريا، معتبرة أن البلاد “غير آمنة بسبب وجود النظام”، الذي قتل شقيقها في منتصف العام 2012، أمام منزلهم في مدينة درعا البلد، ومن ثم اعتقل أبيها لعدة أسابيع قبل أن يغادروا البلاد، كما قالت لـ”سوريا على طول”. 

وبمناسبة الذكرى الحادية عشرة للثورة، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً تكشف فيه حصيلة الانتهاكات في سوريا منذ منتصف آذار/ مارس 2011، وثقت فيه مقتل 228,647 شخصاً، بينهم 14,664 قتلوا تحت التعذيب، واختفاء 151,462 شخصاً قسرياً.

وقبل ذلك، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حالات احتجاز تعسفي وتعذيب وقتل خارج نطاق القضاء في أوساط اللاجئين السوريين العائدين من لبنان والأردن.

وأبدت المحمود تخوفها من “انفجار الوضع في أي وقت، كما حدث قبل أشهر في درعا البلد”، عندما فرض النظام حصاراً على أحياء درعا البلد في الفترة بين حزيران/ يونيو، وتموز/ يوليو الماضيين، رافقها حملة عسكرية واسعة لاقتحام الأحياء المحاصرة استمرت لأسابيع، قبل أن تنتهي بتوقيع اتفاق تسوية جديدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، فرضت بموجبه على مقاتلي المعارضة السابقين تسليم سلاحهم الفردي.

وتشهد درعا فلتاناً أمنياً، يتمثل في استمرار تسجيل عمليات اغتيال تطال مدنيين وكذلك محسوبين على أطراف الصراع في المنطقة، إضافة إلى عمليات الخطف التي تستهدف مدنيين من بينهم أطفال.

وبدلاً من أن تستقبل البلاد مواطنيها، قرر الصحفي حبيب كسابرة مغادرة منزله في محافظة درعا، رفقة زوجته وطفليه، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلى إحدى دول الجوار عبر مهربين، “بعد وصول أن تلقيت تهديدات بالتصفية من ضباط في قوات النظام وحزب الله اللبناني”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”.

وأضاف كسابرة: “المنطقة ليست آمنة، ولن تكون كذلك، في ظل وجود نظام قمعي استبدادي ووجود الميليشيات الرديفة له”.

ورغم مرور أربع سنوات على سيطرة النظام على مناطق خفض التصعيد، التي أفرزتها مباحثات أستانة برعاية روسية، تركية، إيرانية، تواصل دمشق إجراء عمليات تسوية، في تلك المناطق، إضافة إلى مناطق شمال شرق سوريا، في الرقة ودير الزور، في محاولة لتثبيت وجودها.

وتستهدف عمليات التسوية المنشقين عن قوات النظام والأجهزة الأمنية، على أن يلتحقوا بقطعهم العسكرية فوراً، وكذلك المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، مقابل أن يوقف النظام “إذاعات البحث” الصادرة بحق المطلوبين منهم، وإزالة أسمائهم من الحواجز العسكرية قبل نهاية نيسان/ أبريل القادم.

وفي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شمال شرق سوريا، تشهد المنطقة فوضى أمنية وعمليات عسكرية من “قسد” ضد خلايا تنظيم داعش، الذي شنّ هجوماً على سجن الصناعة بمدينة الحسكة، في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وهو الأكبر منذ هزيمته في آذار/ مارس 2019.

أما في شمال غرب سوريا، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية، تشهد المنطقة خروقات مستمرة من قوات النظام السوري والميليشيات التابعة له، منذ هدنة آذار/ مارس 2020 المتفق عليها بين أنقرة وموسكو.

الواقع الخدمي

بعد مرور تسع سنوات على سيطرة النظام على الأحياء القديمة بمدينة حمص، تعاني المنطقة من “سوء الخدمات، ووجود أحياء مهجورة بأكملها”، وفقاً لنور الحمصي (اسم مستعار).

وتنحدر الحمصي، 28 عاماً، من حي باب الدريب، التي غادرته في آذار/ مارس 2013، هرباً “من الاشتباكات [بين الجيش الحر والنظام] التي أصبحت قرب منزلنا، إضافة إلى توقف كل مظاهر الحياة، بما في ذلك توقف التعليم”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

ورغم أن الأوضاع الأمنية في المدينة، الواقعة وسط سوريا، “آمن إلى حد ما”، على حدّ تعبير الحمصي، إلا أن “العودة مستحيلة في الوقت الحالي”، نتيجة الدمار الذي لحق بالمدينة، وسوء الخدمات فيها. إذ تعرض منزل الحمصي “للقصف عدة مرات، ما أدى إلى تعرضه لدمار جزئي، في سقفه وجدرانه”.

وفي العام 2019، نشر معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) أطلساً يبين مدى الدمار الذي لحق بالمحافظات والمدن السورية، خلال الأعوام الماضية، مستنداً إلى تحليل صور الأقمار الصناعية.

ووفقاً للأطلس، شهدت محافظة حلب النسبة الأكبر من الدمار في سوريا، بوجود 4773 مبنى مدمر كلياً، و14680 مبنى مدمراً بشكل بالغ، و16269 مدمراً بشكل جزئي، أما في محافظة الرقة تعرض 3326 مبنى لدمار كلي، و3962 مبنى مدمراً بشكل بالغ، و5493 بشكل جزئي.، وبلغ عدد المباني المدمرة بشكل كلي في محافظة حمص 3082، مقابل 5750 مبنى بشكل بالغ، و4946 بشكل جزئي، وبلغ عدد المباني المدمرة كلياً في الغوطة الشرقية بريف دمشق 9353 مبنى، و13661 مبنى مدمراً بشكل بالغ، و 11122 مبنى مدمراً جزئياً.

وفي ظل عجز حكومة دمشق عن إعادة ترميم البنى التحتية وتأهيلها، يعتمد المدنيون في جنوب سوريا، في بعض الأحيان على المبادرات الأهلية في ترميم المدارس أو المراكز الخدمية، وقد شهدت المنطقة خلال العامين الماضيين تنفيذ مبادرات لمواجهة جائحة كوفيد-19.

في المقابل، ما يزال خيار إعادة الإعمار في سوريا معلقاً، مع تشديد الولايات المتحدة ودول أوروبية على ضرورة “الحل السياسي” كشرط أساسي للبدء في عملية إعادة الإعمار، وتواصل هذه الدول فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري وشخصيات سياسية وعسكرية واقتصادية تابعة له.

وقدّر مركز “ستراتفور” الأميركي المتخصص في الدراسات الأمنية والاستخباراتية، فاتورة إعادة الإعمار في سوريا بنحو 500 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 8 أضعاف  الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قبل الحرب، البالغ 60 مليار دولار في العام 2010.

الواقع المعيشي

“لا ترجعوا. نحن عايشين من قلة الموت”، هذه وصية والدة محمد الحمادي، التي تقيم في مدينة جاسم شمال غرب درعا، لابنها المقيم في الأردن منذ العام 2013، مع كل اتصال بينهما عبر “الماسنجر”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وغالباً ما تعجز والدة الحمادي عن مغالبة دموعها شوقاً لولدها وأحفادها “الذين ولدوا بعيداً عنها ولم ترهم حتى اليوم، إلا أنها تفضّل بقاءنا خارج سوريا بسبب تردي الوضع الاقتصادي والأمني”، بحسب قوله.

ويرسل الحمادي 100 دولار أميركي شهرياً، أي ما يعادل 71 دينار أردني، من أصل راتبه البالغ 500 دينار أردني، بهدف “تخفيف الأعباء المعيشية” عن والديه، لكن “هذا المبلغ غير كاف لأن يعيشا حياة لائقة”، وفقاً له. 

وبدلاً من السياسات الاقتصادية التي من شأنها تحسين أوضاع مواطنيها في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، رفعت حكومة دمشق الدعم عن نحو 600 ألف عائلة.

ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 انخفضت قيمة الليرة السورية أمام الدولار من 47 ليرة إلى 3850 ليرة، بحسب سعر الصرف الحالي في السوق الموازية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات، وشح في توفرها، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة في البلاد.

وبدلاً من البحث عن حلول جذرية، يحمّل النظام مواطنيه تبعات الأوضاع الاقتصادية في البلاد، من قبيل رفع الدعم، وقد يوسّع قريباً دائرة المستبعدين من الدعم وصولاً إلى رفعه بشكل كامل، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” الباحث الاقتصادي مناف قومان في وقت سابق.

وبعد مرور أحد عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية، يفتقر السوريون، خاصة في مناطق النظام “لأبسط مقومات الحياة”، بحسب الصحفي حبيب كسابرة، محذراً من أنه “قد ينتهي بهم المطاف إلى بيع ممتلكاتهم من أجل الفرار بأرواحهم إلى خارج البلاد”.

شارك هذا المقال