في دائرة العنف: الإدمان على المخدرات في شمال سوريا يزيد من الانتهاكات ضد النساء
تمثل زيادة أعداد متعاطي المخدرات في شمال غرب سوريا كابوساً للمجتمع، وتحديداً النساء، لأنه غالباً ما يترافق ذلك مع زيادة العنف ضدهنّ، خاصة إذا كان الشريك أو أحد أفراد الأسرة من المدنين.
13 سبتمبر 2023
عفرين- تتحمل النساء في مناطق سيطرة المعارضة، شمال غرب سوريا، النصيب الأكبر من العنف المرتبط بتعاطي المخدرات، حيث تشهد المنطقة تزايداً في أعداد المتعاطين وانتشاراً للمواد المخدرة بأسعار في متناول الجميع، كما قالت الأخصائية النفسية سندس فلفلة، مديرة الحالة في منظمة شفق سابقاً.
وفي ظل الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطق الجيش الوطني في شمال غرب سوريا، المدعوم من تركيا، وغياب مراكز حماية عائلات المدمنين، تجد النساء أنفسهن مجبرات على “تحمل تقلبات مزاج” المتعاطين الناجم عن التعاطي أو عدم توفر المواد المخدرة، كما قالت مرام الآغا (اسم مستعار)، وهي إحدى المعنفات على يد شقيقها، مقيمة في عفرين منذ آذار/ مارس 2018 بعد تهجيرها من الغوطة الشرقية.
“كان شديد الغضب، يستخدم الضرب بسبب وبدون سبب، وهو ما دفعني القبول بأول متقدم يتقدم للزواج مني”، أضافت الآغا، التي تزوجت عام 2019، لتُفاجأ لاحقاً بأن زوجها أيضاً يتعاطى المخدرات، على حد قولها لـ”سوريا على طول”.
تزوجت الآغا بعد فترة خطوبة امتدت لأسبوعين فقط، وبعد زواجها مباشرة صارت تشعر بتصرفات غريبة من زوجها، لتعرف لاحقاً أنه يتعاطى المخدرات، لكن لا مجال للانفصال عنه والعودة إلى بيت شقيقها، ففي كلا البيتين متعاطٍ للمخدرات.
كشف المركز السوري لمحاربة المخدرات -مؤسسة مدنية مستقلة متخصصة في محاربة المخدرات وعلاج الإدمان والتعاطي- عن تزايد نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في مناطق شمال غرب سوريا في عام 2023 مقارنة بعام 2021، كما قال حسن جنيد، مؤسس المركز لـ”سوريا على طول”. قدر المركز نسبة المتعاطين في المنطقة بين 25 و30% من عدد السكان، مستنداً على استبيان طرحه على مجموعة من المستهدفين. ولم يتسنّ لـ”سوريا على طول” التأكد من دقة النسبة من مصادر رسمية.
وأضاف جنيد: “قال 21% من المشاركين في الاستبيان أن الحصول على المخدرات في مدن الباب واعزاز وعفرين بريف حلب سهل جداً، بينما قال 37% بأنه سهل، و22% صعب قليلاً، و6% صعب، و14% صعب جداُ”. تلقى مركزهم في الفترة بين الأول من آذار / مارس 2023 حتى نهاية شهر تموز/ يوليو 2023، اتصالات من 72 مدمن في شمال غرب سوريا، أبدوا رغبتهم بشكل ذاتي في تلقي العلاج.
تمثل هذه الأرقام كابوساً للمجتمع، لا سيما النساء، لأن الإدمان على المخدرات “غالباً ما يترافق مع زيادة العنف ضد النساء، خاصة عندما يكون الشريك أو أحد أفراد الأسرة أو أكثر من المتعاطين للمواد المخدرة”، بحسب جنيد، مشيراً إلى أن للعنف الناجم عن التعاطي عدة أشكال، منها “في مقدمتها الاعتداءات الجسدية والجنسية، وتصل حد القتل في بعض الأحيان”.
من جهتها، أوردت الأخصائية النفسية سندس فلفلة عدة أشكال للعنف القائم ضد النساء بسبب التعاطي، وهي: “العنف الجسدي، العنف النفسي والعاطفي، الاستغلال الجنسي، التهديد، الابتزاز”.
لذلك، يؤدي انتشار المخدرات إلى “سوء الحالة النفسية للنساء، لأنهن يعشن حالة خوف وحذر دائمين من خطر المتعاطين، ناهيك عن إجبارهن على التعاطي أو تأمين المواد المخدرة”، بحسب جنيد، مستنداً إلى الشهادات التي وصلت لوحدة حماية المرأة والطفل في المركز، وهذا يؤكد “وجود علاقة طردية وثيقة بين نسب تعاطي المخدرات ونسب العنف والجرائم”.
في كانون الأول/ ديسمبر 2022، هزت مدينة الراعي بريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا جريمة قتل ضحيتها سبعة أشخاص من عائلة واحدة، على يد أحد أفرادها، الذي أوقف عدة مرات بسبب تعاطيه المخدرات.
جحيم في بيوت المدمنين
عندما حملت مرام الآغا بجنينها تفاءلت بأن تتغير معاملة زوجها “المدمن” معها، لكنه استمر في تعنيفها حتى بعد ولادتها، وزاد قسوة “بعد فقدان وظيفته في أحد فصائل المعارضة”، بحسب قولها، وكثيراً ما وصلت إلى “حالة الانهيار العصبي من شدة التعنيف”.
في أحد المواقف حاول زوجها خنقها مع طفلها، إذ “فتح عبوة الغاز بعد أن أحكم إغلاق المنزل”، ناهيك عن مواقف “العنف الجنسي السادي، وكنت مضطرة لتلبية رغباته اتقاء لشره رغم الآلام التي شعرت بها”، بحسب الآغا.
في جميع مرات العنف الجسدي أو الجنسي كان زوج الآغا تحت تأثير “الكبتاغون أو الحشيش”، وتسبب سلوكه الجنسي بـ”التهابات نسائية اضطرتني دخول المستشفى أكثر من مرة”، وفقاً لها.
لم تتوقف معاناتها عند الاعتداء، وإنما الاستغلال أيضاً، إذ أثناء وجودها في المستشفى، التقط زوج الآغاص صوراً لها وطلب المساعدة المالية من الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي متذرعاً بـ”الفقر والمرض، ولكنه كان يشتري مواد مخدرة بالمبالغ التي وصلته”. تنتشر ظاهرة “التسول” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً ما يرجع هؤلاء سبب طلب المال إلى الفقر أو لعلاج حالة مرضية.
كذلك، استخدم زوج الآغا كرت المساعدات الصادر عن إحدى المنظمات الإنسانية، يُشحن برصيد 65 دولار أميركي، لشراء المخدرات، إذ كان يبيع المساعدات ليشتري بها “الكبتاجون”.
رغم “الجحيم” الذي تعيشه، امتنعت الآغا عن إبلاغ الجهات المختصة في عفرين “لعدم قناعتي بوجود دور لهم في مكافحة المخدرات وملاحقة المدمنين”، إضافة إلى خشيتها من “إطلاق سراحه بعد سجنه لمدة شهر أو بضعة أشهر، ومن ثم ينتقم مني”، كما قالت.
وأضافت الآغا: “لو توفرت جهة داعمة للنساء المعنفات، وأماكن حماية لهن، لتقدمت جميع نساء الحي، من ذوي المدمنين، بشكاوى ضد الأشخاص المتعاطين ضمن عائلاتهم”، مشيرة إلى كثرة الحالات التي تشبهها في الحي الذي تسكنه.
تأكيداً على ذلك، قالت سندس فلفلة: “في الداخل السوري لا يوجد مراكز لإيواء المعنفات من المخدرات، أو العنف الأسري، أو اللاتي تعرضن للاغتصاب”، قائلة: “كنا نطالب بمراكز إيواء للمعنفات، لكن حتى يكون هكذا مركز، يجب أن يكون هناك دولة، وأن يكون المركز تحت حمايتها”.
تعليقاً على ذلك، قال حسن جنيد، مؤسس المركز السوري لمحاربة المخدرات، أن لدى مؤسسته “برامج لدعم ذوي المتعاطين، خاصة النساء والأطفال، عبر وحدة حماية المرأة والطفل”، مشيراً إلى أنهم يقدمون تدريباً للنساء حول “كيفية التعامل مع الأفراد المتعاطين ضمن العائلة”، بالإضافة إلى “وجود خط ساخن للتبليغ عن عمليات العنف الذي ارتفع معدله بشكل ملحوظ”، ويتعامل المركز “مع كل حالة على حدة”.
“رجلينا بالفلقة سوا”
من مكان إقامتها في مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، روت سعاد الأحمد (اسم مستعار)، المهجرة من مدينة حريتان بريف حلب، لـ”سوريا على طول” عن معاناتها وأطفالها من زوجها المدمن، إذ صار تعرضها للضرب “فعلاً اعتيادياً يومياً”، حتى طفلتها ذات العامين “لم تنجُ من الضرب والأذى”.
كثيراً ما تقضي الأحمد ليلتها يقظة “خشية أن يؤذينا، لأنه في حال عدم توفر الحبوب يؤذي نفسه بأدوات حادة، ولا أستبعد أن يؤذينا أيضاً”، على حد قولها.
خسرت الأحمد جميع مقتنيات خيمتها، لأن زوجها يبيع شيئاً من أثاث الخيمة عند عجزه عن تأمين المواد المخدرة، وبقيت العائلة “على الحصيرة فقط”، ناهيك عن بيعه سلة الإغاثة المقدمة من قبل المنظمات الإنسانية لسكان المخيمات، وتُقدر قيمتها بنحو 75 دولار أميركي، مقابل شراء الحبوب المخدرة.
ورغم معاناتها، تتخوف الأحمد من التبليغ عن زوجها، الذي استخدمها أكثر من مرة لاستلام حبوب مخدرة من مروجي المخدرات في عفرين “كون مرور النساء على الحواجز أسهل من الرجال، ولا يتم تفتيشهم جسدياً بنفس الطريقة التي يتم فيها تفتيش الرجال”. بعد ذلك، أخذ مساعدتها له مستمسكاً عليها، وصار يهددها بالقول “رجلينا بالفلقة سوا في حال بلغتُ عنه”.
لم تستطع الأحمد رفض مساعدة زوجها “لأنني لو رفضت في المرة الأولى سأتعرض للضرب والتعذيب”، ولاحقاً صار يهددها إذ لم تواصل مساعده بـ”الشرطة”، ويذكّرها بأنها شريكة في الجريمة.
أيضاً، وجدت أحلام الناعس (اسم مستعار)، نفسها مضطرة لتأمين الحبوب المخدرة لابنها “حفاظاً على زوجته وأخته من الأذى”، إذ “حاول أكثر من مرة الاعتداء على زوجته وأخته بالسكين بسبب عدم وجود الحبوب المخدرة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
تعيش عائلة الناعس ظروفاً معيشية ونفسية صعبة، خاصة بعد مقتل زوجها وأحد أبنائها في قصف للنظام على مدينة حلب سنة 2014، لتلاحظ بعد ذلك “انحراف ابني الآخر وتعاطيه المخدرات، منذ كان في سن السابعة عشرة من عمره”، على حد قولها حيث يبلغ من العمر حاليا 22 سنة.
بعد معرفتها بتعاطيه المخدرات، أقدمت الأم على تزويج ابنها وهو تحت الثامنة عشرة، بهدف “إبعاده عن المخدرات”. لكن في الواقع صارت زوجته ضحية التعنيف إلى جانب أمه وأخواته.
تعمل الناعس في بعض الأحيان بتنظيف المنازل، وتجني شهرياً ما يعادل 50 دولار أميركي، بالكاد تكفي تأمين احتياجات العائلة “بما في ذلك الحبوب المخدرة، لأنني أخاف من نتائج انقطاعها”، على حد قولها، كون انقطاعها يزيد من انفعال ابنها، ويزيد من عنفه على أفراد عائلته.
انتهى المطاف بابن الناعس في السجن، بعد أن اشتكت زوجته عليه، وربما يقضي داخله ستة أشهر، كما قالت الأم، معترفة بخطئها في مساعدته بتأمين المواد المخدرة. ومع ذلك، تعتبر أن ابنها ضحية الحرب السورية، لأنه “فقد والده، وبقي بلا أب يرعاه”.
في دوامة العنف
في شمال غرب سوريا، الذي يقطنه نحو ستة ملايين نسمة، بينهم نحو 2.9 مليون نازح، يقاسي المدنيون من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، لكن واقع النساء والأطفال، ونسبتهم 80% من النازحين، هو الأسوأ مقارنة بشرائح المجتمع الأخرى، نتيجة تعرضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأشار بيان مشترك للأمم المتحدة، صادر في كانون الأول/ ديسمبر 2022 أن نحو 7.3 مليون شخص في سوريا، معظمهم من النساء والفتيات، بحاجة إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأن النساء والفتيات السوريات تواجهن قيوداً على الحركة “وإمكانية محدودة للوصول إلى فرص العمل وخدمات الحماية والرعاية الصحية، وغيرها من المساعدات الحيوية.
تعليقاً على ذلك، قالت الأخصائية النفسية سندس فلفلة أن “حالات العنف في المجتمعات تزداد خلال الحروب والظروف الطارئة”، وفي هذه الظروف “تُجبر النساء مجتمعياً على تقبل العنف من الشريك الحميم أو مقدم الرعاية بغض النظر عن درجة العنف”، مشيرة إلى أنها تلاحظ “ازدياداً كبيراً في حالات العنف المرتبط بتعاطي المخدرات، رغم وجود عدد كبير من برامج الحماية الخاصة بالنساء شمال سوريا”.
وعزت تنامي العنف ضد النساء المرتبط بالمخدرات إلى أن “أغلب المتعاطين من الذكور”، وهذا لا يقتصر على مناطق شمال غرب سوريا، وإنما “يمتد لكل سوريا”، بحسب فلفلة.
وحذرت فلفلة من أن تطور أزمة المخدرات إلى مرحلة “تُجبر فيها النساء على التعاطي، يؤدي إلى تقبل العنف وممارسة الدعارة والجرائم، لأن المرأة بذلك تصبح شريكة المتعاطي في كل أعماله”.
لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد النساء المعنفات بسبب المخدرات في شمال سوريا، إلا أن مديرة قسم حماية المرأة والطفل في المركز السوري لمحاربة المخدرات قالت لـ”سوريا على طول” أنها استقبلت 12 حالة لنساء تعرضن للعنف الزوجي والأسري نتيجة تعاطي المخدرات، خلال السبعة أشهر الأخيرة، كما أنها وثقت أربع حالات طلاق لنفس السبب.
وبعد عام ونصف من إنشاء مركز حقوق المرأة والطفل التابع للشرطة المدنية بريف حلب الشمالي، وصل إلى المركز 200 بلاغ عن عنف ضد النساء والأطفال في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، من بينها حالات عنف مرتبط بتعاطي المخدرات، كما أوضح مصدر أمني لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول للتصريح إلى وسائل الإعلام.
الانتشار الكبير للمخدرات في شمال غرب سوريا، دفع الجيش الوطني إلى إطلاق حملة أمنية ضد شبكات الاتجار بالمخدرات ومروجيها، في حزيران/ يونيو 2023، أشرفت على تنفيذها إدارة الشرطة العسكرية. في آب/ أغسطس الماضي، أعلنت الشرطة العسكرية عن اعتقال 15 شخصاً من تجار المخدرات في ريف حلب الشمالي.
ومع ذلك ما تزال النساء في عين العاصفة، يبحثن عن مساحة آمنة تمكنهنّ من الإبلاغ عن العنف القائم ضدهنّ، وإلى أن يتحقق ذلك ستواصل مرام الآغا كتمان ما تعرضت وتتعرض له من عنف على يد أخيها وزوجها، وتبقى حياتها مع طفلتها في خطر.
تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” بالتعاون مع منظمة بنفسج لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال غرب سوريا.