5 دقائق قراءة

في ظل القصف الإسرائيلي: السوريون في لبنان بلا مأوى وخياراتهم محدودة

بينما فر عشرات الآلاف من لبنان إلى سوريا خلال أيام، فإن العديد من السوريين يخاطرون بالبقاء تحت القصف تفادياً عوضاً عن المخاطرة بالعودة إلى بلادهم غير الآمنة


28 سبتمبر 2024

مرسيليا- عندما كان سعيد أيوب درويش يحتمي مع عائلته في حقل مفتوح بسهل البقاع الشرقي في لبنان، مساء الثلاثاء، استهدفت غارة جوية إسرائيلية نقطة على بعد أمتار قليلة من المخيم العشوائي، الذي يعيش فيه مع عائلته، منذ فراره من سوريا عام 2013.

أظهرت صور ولقطات فيديو أرسلها أحد سكان المخيم أعمدة كثيفة من الدخان الرمادي تتصاعد فوق سماء مخيم السعيد، وهو مخيم صغير غير رسمي، فرّ غالبية قاطنيه، بما في ذلك درويش، إلى حقل قريب قبل يوم من القصف، تجنباً للغارات التي تستهدف المناطق المأهولة بالسكان. 

وبعد مرور أيام، ما يزال درويش وأمثاله عالقين في العراء، لأنهم غير قادرين على تحمل تكاليف النقل إلى ملاجئ عامة قد تستقبلهم.

في اتصال هاتفي مع “سوريا على طول”، قال درويش، الذي ينحدر من مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة، ويعمل في مزارعاً في لبنان: “نحن عايشين من قلة الموت. جميع أرباب عملنا هربوا إلى سوريا وتركونا دون أن يدفعوا لنا“، مضيفاً: “ليس لدينا طعام أو حليب لأطفالنا”.

كما هو حال جنوب لبنان، يقع سهل البقاع، الذي يستضيف الحصة الأكبر من اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان، في مرمى النيران الإسرائيلية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 700 شخص منذ يوم الإثنين، بينهم 150 امرأة وطفلاً على الأقل، سقطوا ضمن هجوم تل أبيب الكبير ضد حزب الله.

يأتي التصعيد الأخير بعد نحو عام من تبادل إطلاق النار عبر الحدود، عندما فتح حزب الله ما وصفه بـ”جبهة دعم” رداً على الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وهناك توقعات حالياً بأن تتوغل إسرائيل برياً في جنوب لبنان.

قُتل في الغارات الإسرائيلية على لبنان أكثر من مئة سوري، في غضون أسبوع، بحسب مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، وتشهد الأعداد ارتفاعاً مطرداً مع انتشال الضحايا من تحت الأنقاض. في غارة إسرائيلية واحدة على قرية يونين البقاعية، يوم الخميس، قتل 19 سورياً ومواطناً لبنانياً واحداً.

أدى الهجوم الإسرائيلي خلال أسبوع إلى نزوح أكثر من 90 ألف شخص، بينهم 30 ألف – سوري ولبناني- دخلوا الأراضي السورية عبر الحدود. يوازن السوريون على وجه الخصوص بين مخاطر العودة إلى بلادهم أو البقاء تحت القصف.

ولكن بالنسبة لكثير من السوريين في لبنان، البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، فإن العودة إلى بلادهم أمر لا يمكن تصوره. بعضهم لا يستطيع تحمل تكاليف العودة، بينما يخشى آخرون من التجنيد الإجباري أو من بطش النظام، لذا فإن خياراتهم أمام الظروف الحالية محدودة.

“لا يمكننا قطع بضعة كيلومترات إلى بعلبك، ناهيك عن العودة إلى سوريا“، قال درويش لـ”سوريا على طول”. حتى لو توفرت الإمكانيات المادية للعودة، فليس هناك ما يعودون إليه “لقد أخذوا كل شيء من منزلنا، ولم يبق سوى الجدران قائمة”.

سعيد أيوب درويش، 50 عاماً، يقف أمام خيام في مخيم السعيد، قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير، 12/ 07/ 2024، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

سعيد أيوب درويش، 50 عاماً، يقف أمام خيام في مخيم السعيد، قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير، 12/ 07/ 2024، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

عوائق العودة

“عشنا الخوف في سوريا والآن يعود إلينا. لا يوجد مكان نهرب إليه”، قال رامي وفائي، 25 عاماً، ابن مدينة حمص وسط سوريا، الذي فرّ منها إلى لبنان عام 2013، ويعيش حالياً في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، القريب من الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعرضت لقصف إسرائيلي.

وبدوره، قال حسن مصطفى عمر، 42 عاماُ، “لا نعرف ماذا نفعل”، مشيراً إلى أنه لم يغادر منزله، إذ يحتمي حالياً مع زوجته وأطفاله الأربعة في منطقة شتورة بالبقاع الشرقي، ويسمع أصوات “القصف المدوي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ومثل البعض، فكر عمر في العودة إلى سوريا، قائلاً: ”أريد العودة، ولكن ليس لدي منزل أعود إليه، ناهيك عن أني مطلوب للتجنيد الاحتياطي، ولا أعرف ماذا سيكون مصيري لو عدت إلى سوريا”.

أما ريزان الحسن، 40 عاماً، فقد عاش في جنوب لبنان حتى بدء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، حيث كان يعمل في الأراضي الزراعية ويسكن منزلاً قدمه له صاحب العمل، لكن “هرب الجميع من الجنوب، لأن الوضع صعب للغاية، لذلك أجبرت على ترك عملي ومنزلي هناك”، قال الأب لأربعة أطفال.

قبل بدء الأعمال العدائية عبر الحدود في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان ما لا يقل عن 90 ألف لاجئ سوري يعيشون في محافظتي الجنوب اللبناني والنبطية المتاخِمتين لإسرائيل، وفقاً لأرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كانون الثاني/ يناير. 

لا يفكر الحسن بالعودة إلى سوريا التي فرّ منها عام 2015، متسائلاً: “كيف أعود وأنا لا أملك منزلاً هناك ومطلوب للخدمة العسكرية؟”، مشيراً إلى أن قوات النظام وضعت يدها على منزله، الواقع في قرية على خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم من تركيا في ريف عفرين.

وجد الحسن منزلاً في منطقة كسروان، شمال شرق بيروت، بإيجار شهري 300 دولار أميركي، لذا قرر البقاء في لبنان والعمل في مكان سكنه الجديد، متوقعاً أن يكون “الهجوم مؤقتاً ولن يستمر طويلاً”.

ومن جهته، استبعد وفائي العودة إلى سوريا أيضاً، قائلاً بتهكم: “سوريا آمنة للبنانيين والجميع، ولكنها ليست آمنة للسوريين”.

قال ممثل مفوضية شؤون اللاجئين، غونزالو فارغاس يوسا، في مؤتمر صحفي يوم الجمعة، إن السوريين يشكلون حوالي 80 بالمئة من آلاف الذين عبروا إلى سوريا من لبنان خلال أسبوع. ومع ذلك، فإن عدداً من الذين يلتمسون اللجوء إلى دمشق وغيرها من المناطق، التي تسيطر عليها الحكومة، هم من النساء والأطفال، بينما العودة إلى سوريا، بالنسبة للرجال على وجه الخصوص، محفوفة بالمخاطر لأن العديد منهم مطلوبين للخدمة العسكرية. 

اعتبر أليكس سايمون، المؤسس المشارك لمركز سينابس البحثي ومقره بيروت، أن المخاطر التي تواجه العائدين إلى سوريا مؤكدة “في أحسن الأحوال، يواجهون اقتصاداً منهاراً، وخدمات عامة ضعيفة أو غير موجودة، ودولة وأجهزة أمنية تمول نفسها عن طريق انتزاع الرشاوى من المواطنين”.

وأضاف سايمون: “السوريون الأكثر عرضة للخطر، ولا سيما المعارضين السياسيين والمنشقّين العسكريين، الذين يمكن أن يواجهوا ما هو أسوأ بكثير: بما في ذلك الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري”.

أزمة نزوح

في حين أن العودة إلى سوريا أمر لا يمكن تخيله بالنسبة لمعظم السوريين، إلا أن البقاء في لبنان يعني معايشة الحرب من جديد ومواجهة طبقات متعددة من نقاط الضعف، خاصة أن ما يحدث “جاء في عام شهدنا فيه بالفعل زيادة في عمليات الترحيل التعسفية وعمليات الطرد والعنف الأهلي. وتزيد هذه الخلفية من هشاشة أوضاع النازحين السوريين الجدد، حيث أفاد بعضهم أنه تم إبعادهم عن الملاجئ أو عن بلديات بأكملها”، بحسب سايمون.

وأعطت العديد من مراكز الإيواء الأولوية للبنانيين والفلسطينيين، وحرمت السوريين. كما أفادت التقارير أن بعض السوريين تعرضوا للطرد من قبل مالكي العقارات لإفساح المجال أمام النازحين اللبنانيين.

وقال محمد حسن، المدير التنفيذي لمركز وصول لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مقرها بيروت وباريس، لـ”سوريا على طول”، أن السوريين “يواجهون تمييزاً يمنعهم من الوصول إلى مراكز الإيواء الجماعي أو استئجار مساكن أو دخول المخيمات في العديد من المناطق“، مضيفاً: “لقد تقطعت بهم السبل في شوارع شمال لبنان ومنطقة البقاع، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم أقارب في مناطق أخرى من لبنان”.

وحذرت البلديات في البقاع السوريين في بعض المخيمات من استضافة أصدقائهم وأقاربهم النازحين حديثاً، “مهددة بالطرد الفوري في حال عدم الامتثال”، وفقاً لحسن، مستنداً على ما تلقاه مركزهم من الشكاوى بهذا الخصوص.

ويرى حسن أن آلاف السوريين الذين عبروا الحدود خلال أسبوع تعرضوا لهذا “الإقصاء”، لذلك قرروا العودة “بعد أن لم يعد لديهم أي خيار”.

شارك هذا المقال