في معركة هيئة تحرير الشام من أجل فتح معبر مع النظام: ما الدوافع ومن المستفيد؟
رغم أن طبيعة إدلب والحركة الصناعية فيها لا تسمح لها بتصدير صناعاتها إلى مناطق النظام، إلا أنه يمكن أن تكون مركز عبور تجاري للمواد الاستهلاكية والصناعية المستوردة من تركيا ودول أوروبية إلى مناطق النظام
6 أكتوبر 2022
إدلب- في إطار سعيها فتح معبر مع النظام السوري في قرية مجيزر، بريف إدلب الشرقي، شنت هيئة تحرير الشام هجوماً مباغتاً، في 29 أيلول/ سبتمبر، على نقطة تابعة للجبهة الوطنية للتحرير على طريق إدلب-سراقب، لأنها تكشف منطقة المعبر المزمع افتتاحه بين مدينتي سرمين الواقعة تحت سيطرة الهيئة وسراقب الواقعة تحت سيطرة النظام.
استعادت الجبهة الوطنية النقطة في اليوم ذاته، لكنها تتوقع أن “تعاود الهيئة هجومها في حال أصرّت على فتح المعبر”، وفقاً لسيف أبو عمر، مسؤول المكتب الإعلامي في الجبهة الوطنية، مشيراً إلى أن “الهيئة انتهت من تجهيز ساحة المعبر والطريق الواصلة إليه”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، نافياً أي علاقة لفصيله بمعبر “مجيزر” أو المعابر السابقة.
وسبق لهيئة تحرير الشام افتتاح معبر معارة النعسان التجاري، شمال شرق إدلب، مع النظام، في نيسان/ أبريل 2020، لكنها اضطرت إلى إغلاقه بعد يوم واحد من افتتاحه بعد ضغط شعبي في المنطقة، وشهدت الاحتجاجات آنذاك إلى مقتل مدني وإصابة آخرين بجروح على يد عناصر أمنيين تابعين للهيئة.
حاولت “سوريا على طول” الحصول على رد من المكتب الإعلامي لهيئة تحرير الشام عن دوافع فتح المعبر، لكن لم تتلق رداً حتى نشر هذا التقرير، فيما نفى مسؤول التواصل في مكتب حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة، وهي السلطة التنفيذية في مناطق نفوذ الهيئة، علاقة حكومته بموضوع المعابر.
لكن، عند افتتاح معبر معارة النعسان في عام 2020، عزت الهيئة فتح المعبر لأغراض تجارية، معتبرة أن “التصدير يعطي القدرة على الاستيراد، ولولا التصدير لعاش سكان المناطق المحررة على الإغاثة فقط”، بحسب سعيد الأحمد، المسؤول في الإدارة العامة للمعابر، موضحاً أن 5% من احتياجات المنطقة مصدرها النظام، مقابل 95% من تركيا، في حين يصدر الشمال السوري 50% من المنتجات الفائضة عنه، وتذهب 90% منها إلى مناطق النظام مقابل 10% إلى تركيا.
وأضاف آنذاك أن “إغلاق المعابر وعدم البحث عن تصريف لمنتجات المنطقة، يعني تكدس البضائع، ما سيدفع الناس للتوقف عن الإنتاج الزراعي”، كما نقلت عنه وكالة “إباء” التابعة للهيئة.
مواقف متضاربة
عبّر إبراهيم الحسني، 36 عاماً، المقيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي منذ عام 2019، عن رفضه فتح المعبر مع النظام، معتبراً أنه “من الطبيعي أن أرفض التعامل مع من هجرني من مدينتي كفرنبل”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
كذلك، إن فتح معبر تجاري بين مناطق هيئة تحرير الشام والنظام السوري “الذي يعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة، تتمثل في عدم توفر الكثير من المواد الأساسية، نتيجة العقوبات الأميركية والدولية” يأتي في سياق مساعدة حكومة دمشق، بحسب الحسني، الذي يعمل موظفاً في منظمة مجتمع مدنى بإدلب. لذلك “يجب ألا نكون سبباً في دعم النظام الذي هجرنا وحاربنا بكل شيء، حتى في لقمة عيشنا”، مستذكراً “حصار مضايا وداريا والغوطة الشرقية”.
طيلة السنوات الماضية لم تكن إدلب بحاجة لفتح معبر مع النظام، لأن “جميع المواد والمنتجات متوفرة في الأسواق، ويمكن توفير احتياجاتها من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي”، كما قال الحسني، مشيراً إلى أنه استطاع “شحن قطع تبديل جهاز إيكو من أميركا لطبيب في إدلب”.
خلافاً لذلك، عبّر جهاد العمر، النازح من جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة إدلب، عن تأييده افتتاح معبر “خاصة مع نشاط حركة التهريب من مناطق النظام إلى إدلب وبالعكس، وهو ما يؤدي إلى زيادة ثمن البضائع المهربة إلى الشمال السوري”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “الأدوية أهم المواد التي تُهرّب من مناطق النظام”.
أكثر من ذلك، تمنى العمر أن لا يقتصر المعبر على الحركة التجارية، وإنما “على حركة المدنيين الراغبين بالتنقل بين مناطق النظام والمعارضة”، لأن ذلك من شأنه “تسهيل حركتهم ويقلل تكاليف انتقالهم عبر طرق التهريب وحجم المخاطرة”، على حد قوله. تعد مناطق المعارضة السورية شمال غرب سوريا مقصد السوريين الراغبين مغادرة مناطق النظام هرباً من التجنيد الإجباري أو بهدف الهجرة إلى أوروبا.
رأي العمر يتوافق مع “توجه الناس هذه الأثناء”، مشيراً إلى أنه يلاحظ “تراجع حدة الرفض بين الناس”، بحسب قوله، وعزا ذلك إلى أن “الناس سلمّوا بالأمر الواقع أو ربما غيّروا وجهة نظرهم كما غيرت أنا وجهة نظري”.
من جهته، قال إبراهيم الحسني، أن “وجود تبادل تجاري مع النظام ربما يفرض تهدئة مع النظام”، حيث تتعرض مناطق هيئة تحرير الشام بين فترة وأخرى لقصف من النظام السوري. واستدرك الحسني: “لكن كان معبر العيس شرق إدلب يعمل بشكل طبيعي، في عام 2018، رغم المعارك بين النظام والمعارضة، ولم يغلق المعبر إلا مع اقتراب النظام إليه ومن ثم سيطرته الكاملة على المنطقة”
من المستفيد؟
ربما يشكل افتتاح معبر تجاري مع مناطق النظام “خطوة إيجابية لتجار إدلب”، كما قال إبراهيم شيخ أحمد (اسم مستعار)، الذي يعمل محاسباً في شركة لتجارة الأعلاف بإدلب.
ورغم أن طبيعة إدلب والحركة الصناعية فيها “لا تسمح لها بتصدير صناعاتها إلى مناطق النظام”، إلا أنه يمكن أن تكون “مركز عبور تجاري للمواد الاستهلاكية والصناعية المستوردة من تركيا ودول أوروبية إلى مناطق النظام”، بحسب ما قال أحمد لـ”سوريا على طول”.
في المقابل، قد يتأثر سكان شمال غرب سوريا سلباً بافتتاح المعبر مع النظام، إذ إن “افتتاح معبر مع النظام سيؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية”، بحسب أحمد، مستدلاً على ذلك بـ”تجاربنا السابقة مع افتتاح المعابر، حيث يزيد الطلب، ما يؤدي إلى رفع الأسعار”.
هذا لا ينفي أن افتتاح المعبر “سيوفر فرص عمل إضافية في أسواق إدلب المحلية، نتيجة الحركة التجارية الإضافية، التي تتطلب زيادة في عدد الآليات واليد العاملة”، ناهيك عن “استفادة هيئة تحرير الشام مالياً، لأنها ستفرض رسوم عبور على البضائع بالدولار على غرار باقي المعابر التي تديرها حاليا” على حد قول أحمد.
تبلغ رسوم مرور شاحنة محملة بـ26 طناً من الشعير عبر المعابر التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام نحو 185 دولاراً أميركياً، كما قال الأحمد، منها 75 دولاراً رسوم مكتب الشاحنات في المعبر، و52 دولاراً رسوم على البضاعة المحملة بواقع 2 دولار لكل طن، و15 دولاراً رسوم تخليص جمركي، و10 دولارات رسم تعليم، و10 دولارات للحصول على بيان حمولة.
من منظور الفرق بين الصادرات والواردات “لن تكون الفائدة كبيرة بالنسبة للمعارضة، التي لا تمتلك حركة إنتاجية كبيرة، تجعلها تبحث عن منافذ تصريف إنتاجها المحلي”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مناف قومان، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
وعليه، قد تكون “تركيا الرابح الأكبر” من فتح المعبر لأن مناطق المعارضة ستكون “مجرد نقطة عبور” للواردات التركية”، كما أن “مناطق النظام قد تشهد انتعاشاً اقتصادياً بتدفق السلع والخدمات والعملة الصعبة عن طريق الضرائب والرسوم التي تفرضها على مرور المعابر”، وفقاً لقومان.
وحذّر الباحث الاقتصادي يونس الكريم في حديثه لـ”سوريا على طول” من أن افتتاح معبر بين مناطق هيئة تحرير الشام ومناطق سيطرة النظام “سيزيد حجم عمليات تهريب المخدرات من مناطق النظام”.
من الحدود إلى خطوط التماس
جاء توقيت الحديث عن افتتاح معبر تجاري مع النظام، بالتزامن مع دخول شاحنات مساعدات إنسانية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي WFP عبر دمشق، إذ دخلت 16 شاحنة في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، عبر معبر ترنبة-سراقب، وبذلك يصل عدد الشاحنات إلى 30 شاحنة دخلت من مناطق النظام منذ تطبيق القرار الأممي 2642 لعام 2022.
لكن افتتاح معبر تجاري مع النظام لا يمكن ربطه بدخول المساعدات “عبر خطوط التماس”، وفقاً للدكتور محمد كتوب، الخبير في مجال المناصرة للاستجابة الإنسانية وحماية عمال الإغاثة في سوريا، معتبراً أن “المساعدات مرتبطة بقرار سياسي، وعندما يقرر الروس استخدام حق النقض (الفيتو) لفرض مرور المساعدات عبر النظام إلى الشمال السوري لا ينتظرون وجود معبر سواء كان تجارياً أم إنسانيا”، بحسب قوله.
الأكثر من ذلك، النقاشات الدولية الخاصة بتجديد قرار دخول المساعدات إلى سوريا “لا تعتمد على ما يجري على أرض الواقع ولا على احتياجات الناس”، بحسب كتوب.
ومع أن افتتاح معبر عبر خطوط التماس مع النظام “لا يؤثر مستقبلاً على انتقال ملف المساعدات الإنسانية إلى يد النظام السوري”، إلا أنه “يشكل دلالة على قبول افتتاح المعابر من قبل الأطراف الفاعلة، بما في ذلك المعارضة السورية على الأرض، لأي غرض كان”، كما أوضح كتوب.
تعليقاً على ذلك، قال الباحث يونس الكريم أن “النظام يدفع باتجاه فتح المعابر”، فيما تسعى حليفته روسيا “من خلال استخدام الفيتو إلى أن تكون المساعدات الإنسانية الأممية عبر دمشق”، معتبراً أن في افتتاح المعبر الجديد رسالة من موسكو لأنقرة “مفادها أن المناطق المزمع إعادة اللاجئين إليها ستكون محمية من القصف”.
كذلك، يتزامن الحديث عن افتتاح المعبر مع “ترويج النظام لعودة النازحين إلى مدنهم وقراهم القريبة من خط التماس”، كمدينة معرة النعمان وريفها الشرقي، “وبالتالي طي صفحة الحرب في هذه المنطقة”، بحسب كريم.
إضافة إلى ذلك، فإن افتتاح المعبر “يتيح عملية التبادل التجاري بين تركيا والنظام، ليس على مستوى الحكومات فحسب، وإنما على مستوى التجار”، ما يعني “الالتفاف على قانون العقوبات الأميركية قيصر”، وفق كريم.