في ملاحقة الفلول بالساحل: دعوات للتفريق بين منظومة الأسد والطائفة العلوية
في ظل الحملة العسكرية التي شنتها "إدارة العملية العسكرية" ضد فلول النظام في الساحل، انتشرت فيديوهات ومنشورات تحمل خطاباً طائفياً، وهذا ما دفع أبناء الساحل إلى المطالبة بالتمييز بين العلويين ومنظومة الأسد
26 ديسمبر 2024
باريس- تواصل وزارة الداخلية السورية في الحكومة الانتقالية الجديدة، اليوم، حملتها الأمنية التي أطلقتها مساء الأمس، لملاحقة “فلول النظام البائد” في محافظة طرطوس، على خلفية مقتل 14 عنصراً تابعاً لها وإصابة 10 آخرين، أثناء اشتباكات مع مسلحين في “خربة المعزة”.
انتشرت عناصر إدارة العمليات العسكرية في مدينة طرطوس وعدد من القرى والبلدات التابعة لها إدارياً، بما في ذلك قرية “خربة المعزة”، التي شهدت اشتباكات، أمس الأربعاء، أثناء محاولة اعتقال مدير إدارة القضاء العسكري ورئيس المحكمة الميدانية في سجن صيدنايا (المسلخ البشري) بعهد النظام السابق، اللواء محمد كنجو حسن، الذي ألقي عليه القبض اليوم، كما نقلت وسائل إعلام سورية نقلاً عن “إدارة العمليات العسكرية” المسؤولة عن عملية “ردع العدوان” التي انتهت بسقوط الأسد.
وتزامنت الاشتباكات أمس مع خروج متظاهرين من الطائفة العلوية في حمص واللاذقية وطرطوس تنديداً بانتشار فيديو لحرق مقام “الخصيبي”، وهو أحد الرموز الدينية للعلويين، في منطقة ميسلون بمدينة حلب.
أوضح شيوخ المقام أن الفيديو قديم، مشيرين إلى أن الحادثة وقعت في فترة دخول المعارضة إلى المدينة، أي في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، كما ذكرت منصة “تأكد” المعنية بالتحقق من المعلومات ومواجهة التضليل الإعلامي.
ما حصل في الساحل “ممنهج ومقصود، لن يشتعل الساحل بهذه الطريقة والسرعة”، قالت الصحفية لارا عيزوقي لـ”سوريا على طول”، مشددة على أن “وراء الاحتجاجات يد خفية تهدف إلى تأجيج الفتن. نحن في طرطوس أو في كل سوريا نعلم أن فلول النظام سيحاولون التحريض، لأن الكبار منهم يعلمون أن المظاهرات والاحتجاجات ستواري الأنظار عنهم”.
من جهتها، أشارت منصة “تأكد” إلى أن فيديو حادثة المقام نُشر بشكل مضلل، وإحدى الصفحات التي نشرت الفيديو تم إنشاؤها من قبل حساب يدعى “رعد الأسد”، وهو نشط في دمشق و”مرتبط بشبكة كبيرة تدير صفحات أخرى تعمل على نشر الفيديوهات بشكل مضلل وبأهداف واضحة”.
وأوضحت عيزوقي أن “خربة المعزة”، التي حدثت فيها الاشتباكات معروفة بـ”وجود شخصيات تابعة للنظام سيئة السمعة، منهم علي مهنا، الذي حول قريته إلى دولة بحدّ ذاتها ونشر السلاح فيها، إضافة إلى وجود شبيحة للنظم وتجار مخدّرات”، هذا لا ينفي ضرورة التعامل مع مثل هذه القرى “بحذر وحكمة”، لأن “المدنيين هم من يدفع الثمن، وفي مثل هذه الضيع هناك نساء وأطفال وشيوخ، كذلك شباب مدنيون لا علاقة لهم بكلّ ما يجري”.
منذ الصباح، يحذّر سكان طرطوس بعضهم بضرورة “الالتزام في المنازل”، مع “سماع إطلاق رصاص كثيف، وورود أنباء عن قطع بعض الطرقات واستمرار وصول التعزيزات العسكرية القادمة لدعم هيئة تحرير الشام”، كما قال رأفت حسين (اسم مستعار) من مكان إقامته في طرطوس لـ”سوريا على طول”.
وبينما كانت “الحركة معدومة” في مكان سكن حسين، عند الكورنيش البحري بطرطوس، خرج العديد من أبناء طرطوس في مظاهرة أمام مبنى المحافظة، تعبيراً عن دعمهم لـ”إدارة العمليات العسكرية”، هاتفين بعبارات من قبيل “الشعب يريد إعدامك بشار“.
موقف المتظاهرين في طرطوس، اليوم، هو ذاته منذ اليوم الأول لسقوط الأول، “عندما استقبلنا عناصر الهيئة بأذرع مفتوحة، وكنا على اختلاف طوائفنا من سنة وعلويين ومسيحيين على أمل الخلاص من عهد الأسد وما مارسه من اعتقال وابتزاز ولصوصية”، بحسب حسين، وهو ابن لوالدين علويين.
محاسبة من دون طائفية
بعد إعلان سقوط الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، ودخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى مدن ومحافظات الساحل السوري، انتشرت العديد من الفيديوهات لعناصر من المعارضة يتلفظون بعبارات طائفية أو يتعاملون مع الأسرى بطريقة مهينة.
وصف حسين هذه الممارسات بأنها “تشبه إلى حدّ ما الممارسات الأسدية، حيث التعامل بتجبّر مع أهالي الساحل”، كأن “يمرّ أحد العناصر أمام مدني في طرطوس ويقول سبحان من أعزّنا وأذلّكم”.
وأضاف حسين: “السوريون بأطيافهم، بما في ذلك العلويين، عندهم نوع من عزة النفس والإباء”، ناهيك عن أن “عدد السجناء العلويين في سجون النظام السابق كبير مقارنة بنسبتهم في سوريا، وبالنسبة لي لم يبق فرع مخابرات إلا وطلبني مرات ومرات”، وبالتالي يجب على الإدارة الجديدة تعي ذلك، ولا تضع الجميع في “خانة الاتهام”.
تأكيداً على ذلك، قالت عيزوقي: “أنا معارضة للنظام منذ وعيت على الدنيا، لأنني من بيئة حاضنة لمعارضين ومفكرين في طرطوس”، وهنا يجب التأكيد على “أبناء الطائفة العلوية شعب طيب بسيط، ضحى كثيراً، ولكن النظام لعب بحقه لعبة قذرة”.
في المقابل، هذا لا ينفي أن النظام “استخدم العديد من أبناء الساحل، وغرّر بهم، وأعطاهم السلطة والسلاح من أجل أن يتبعوه تبعية عمياء لبشار الأسد”، وبينما يعيش الكثير من أبناء الساحل في “بيئة فقر وجوع، كان أزلام النظام يعيشون في أبراجهم العاجية، ويقولوا لهؤلاء إن لم تقفوا معنا سيأتي أهل السنة وسيقتلوكم”، بحسب عيزوقي، لافتة إلى أن “السوريين برمتهم لم ولن يقفوا عند أي كلمة أو تجييش طائفي”.
وأضافت: “نحن مع المحاسبة، ولا يمكن أن نسكت على أي متورط، ولكن لا يمكن ملاحقة الفلول من الصغار وترك كبار المجرمين”، كما أنه يجب أن يكون المشاركون في العملية الأمنية في الساحل “على دراية بالمنطقة المستهدفة، لأن بعض قرى طرطوس فيها أهل سلطة وزعامات وكأنهم ما زالوا في عهد بشار الأسد”، وهؤلاء “لم يتحملوا أن يأتي من يحاسبهم ويوقفهم عند حدّهم”، وبالتالي إذا “لم تتخذ الهيئة التدابير الأمنية المناسبة” ربما تتكرر حادثة “خربة المعزة”.
وفي نفس الوقت، شددت عيزوقي على ضرورة التمييز بين “الطائفة العلوية والطائفة الأسدية”، لأن منظومة الأسد “ليست من العلويين فقط، وإنما من كل أنحاء سوريا ومن كل طوائفها”، مشيرة إلى أن “العلويين حالياً يعيشون في حالة رعب كبيرة، ويخشون من تأثير التجييش الإعلامي الخطير ضدهم”.
من جهتها، أصدرت وزارة الإعلام في الحكومة الانتقالية بياناً، اليوم، حذرت فيه من تداول أي “محتوى خبري ذي طابع طائفي يهدف إلى بث الفرقة والتمييز بين مكونات الشعب السوري”. علماً أن “سوريا على طول” حاولت التواصل مع وزارة الداخلية التابعة للحكومة الانتقالية أو أحداً من قيادات “إدارة العمليات العسكرية”، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
خصوصية وتنوع
في مقابلة أجرتها “سوريا على طول” مع المهندس نبيه نبهان، سيتم نشرها كاملة في وقت لاحق، قال أن طرطوس “تتميز بخصوصية ديمغرافية عن سائر المدن السورية، بما في ذلك اللاذقية، إذ يشكل العلويون 65 بالمئة منها، بينما السنة والمسيحية أقلية، كلّ منهما يشكلون 10 بالمئة فقط”.
وبدورها، “منعت السلطة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات في طرطوس بهدف توجيه الناس ليكونوا خزاناً بشرياً لجهاز الأمن والجيش”، لهذا العامل وعوامل أخرى مرتبطة بتنوع المنطقة “نعيش مرحلة تحول خطيرة، تحتاج إلى وعي كبير وتثقيف كبير”، بحسب نبهان، معتبراً أن “أي حركة خاطئة من القوى الجديدة ستحدد موقف أهل طرطوس واللاذقية” من الدولة الجديدة.
“عندما دخل عناصر الهيئة إلى الساحل نزلت إلى شوارع طرطوس، ومشيت بينهم، ولم أرَ ما يزعجني أو يزعج الناس مني”، قالت عيزوقي.
وفي البداية، شعر حسين بالارتياح بعد التخلص من الأسد، لكن “بعد التدخل في بعض خصوصياتنا، كأن تُسأل امرأة عن سبب عدم ارتدائها الحجاب”، كما حدث أمام عينيه، شعر بنوع من الاستياء، وقال: “أحيانا تجد قريتين متجاورتين لهما ثقافتين مختلفتين، ويمكنك أن تلاحظ هذا الاختلاف بعد أول زيارة، لذا نرجو أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار”، في إشارة إلى ضرورة أن تراعي السلطات الجديدة حريات أهالي الساحل وثقافتهم، معتبراً أن “هناك نوع من الاستهزاء بالقيم”.
قبل يومين، التقى محافظ اللاذقية الجديد، حسن صوفان، الذي عينه أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) القيادي السابق في حركة أحرار الشام الإسلامية، مع ممثلين عن الطائفة العلوية، وكذلك “التقى ممثل عن [الشرع] مع ممثلين عن الطائفة في طرطوس”. بحسب حسين، قائلاً: “ذهبت إليه لأخبره عن أهمية لقاء المجتمع المدني، وتساءلت لم التركيز على لقاء الشخصيات الدينية من السنة والمسيحيين والعلويين، علماً أن المجتمع في الساحل ليس له علاقة بهم”.
يحمل حسين الجنسية الأميركية، ولديه إقامة ذهبية في الإمارات، ومع ذلك لم يغادر سوريا خلال سنوات الثورة السورية إلا مرتين في عام 2012 و2018 بهدف الزيارة، قائلاً: “لم أخرج من هذا سوريا لأنني أحب بلدي، لكنني أموت في اليوم الواحد ألف مرة على ما يجري، فما بالك إن كانت عائلتك ليس معها ثمن الطعام والشراب؟”.