في مواجهة “فيروس كورونا”: عزل الغوطة الشرقية يعيد شبح الحصار
رغم أن حظر التجول ومنع الحركة شمل المدن السورية جميعاً، فإن للغوطة الشرقية خصوصيتها في هذا السياق، كون عزلها "يعيد ذكريات الحصار لأهالي الغوطة، وينذر بتدهور الأوضاع المعيشية فيها كونها تعتمد في اقتصادها على دمشق"
6 أبريل 2020
عاملان في بلدية دوما يعقمان أحد الأسواق الرئيسة في المدينة، 29/ 3/ 2020 (مجلس مدينة دوما)
عمان- في إطار إجراءاتها لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، عمدت حكومة دمشق، مؤخراً، إلى عزل الغوطة الشرقية عن محافظة دمشق، كما عزل مدن الغوطة عن بعضها بعضاً. إذ منعت الحواجز العسكرية المنتشرة في المنطقة حركة المدنيين بين مدن الغوطة وبلداتها، كما منعت تنقلهم من دمشق وإليها، بحسب ما ذكرت مصادر محلية لـ”سوريا على طول”.
ويأتي هذا التشديد في ظل استمرار سياسة التكتم التي تتبعها دمشق بشأن عدد الإصابات منذ دخول الفيروس مرحلة الوباء العالمي، وعلى الرغم من تحذير رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية، عبد النصير أبو بكر، في 19 آذار/مارس الماضي، من “انفجار في حالات الإصابة بالوباء” في سوريا. فحتى يوم أمس، أعلن رسمياً عن وجود 19 إصابة مؤكدة بالفيروس فقط، بينها حالتا وفاة. وبحسب جدول نشرته وسائل إعلام محلية موالية لتوزع إصابات فيروس كورونا في سوريا، فقد انحصرت هذه الإصابات في محافظة دمشق بـ12 حالة، ومحافظة ريف دمشق التي تتبع لها الغوطة الشرقية، سجلت سبع حالات ضمنها حالتا الوفاة.
في المقابل، تؤكد مصادر حقوقية وإعلامية، تسجيل إصابات في 7 محافظات سورية، لاسيما أماكن وجود المليشيات المدعومة من إيران في محافظة دير الزور شرق سوريا.
من حصار إلى آخر
رغم أن حظر التجول ومنع الحركة شمل المدن السورية جميعاً، وحتى مدناً وبلدات أخرى في ريف دمشق، لاسيما السيدة زينب ومنين، فإن للغوطة الشرقية خصوصيتها في هذا السياق، كون عزلها “يعيد ذكريات الحصار لأهالي الغوطة، وينذر بتدهور الأوضاع المعيشية فيها كونها تعتمد في اقتصادها على محافظة دمشق” كما أوضح لـ”سوريا على طول” عدنان سعيد (اسم مستعار)، من مدينة دوما. مستدركاً بأن “الغوطة لم تستعد حياتها الطبيعية كما كانت عليه قبل 2011، رغم مرور عامين على خروج المعارضة منها”. إذ سيطرت دمشق على المنطقة في آذار/مارس 2018، بعد خروج فصائل المعارضة ومدنيين إلى الشمال السوري، بموجب اتفاق تسوية مع النظام بضمانة روسية.
وذهب محمد حمزة (37 عاماً)، من مدينة حمورية في الغوطة الشرقية أيضاً، إلى أن المنطقة “لم تحاصر من المليحة [جنوباً] وحتى أوتستراد دوما [شمالاً] من قبل النظام السوري، بسبب كورونا، لأنها محاصرة أصلاً”. موضحاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “النظام لم يزل الحواجز من مداخل الغوطة منذ سيطرته عليها. والتشديد الأمني على سكانها موجود. لكن ما تغير الآن هو منع الحركة تماماً، إلا للحاصلين على موافقات أمنية أو طبية”.
لا مقومات لمواجهة “كورونا”
بحسب مصادر إعلامية سورية معارضة، تضمنت إجراءات عزل الغوطة الشرقية منع إدخال المحروقات إلى كبرى مدنها، دوما، سبقه أيضاً منع إدخال الأدوية إليها. في المقابل، قال سعيد إن “قرار العزل فُرض على حركة المدنيين فقط، من دون أن تتأثر عملية إدخال المواد الأساسية والوقود” مستدركاً بأن ما ما يحصل عليه السكان من محروقات عبر البطاقة الذكية يبلغ “نصف الكميات المستحقة، وأحياناً لا يكون الوقود متوفراً نهائياً”.
لكن حتى في حال استمرار إدخال المواد الأساسية في ظل العزل، تظل الغوطة أبعد ما يكون عن القدرة على مواجهة وباء كورونا وتداعياته، لاسيما على المستويين الصحي والاقتصادي.
فعدا عن العجز الحكومي، بعد سنوات من الحرب، عن تأمين المستلزمات الطبية الضرورية لمواجهة “كورونا” في سوريا بشكل عام، تعد “المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً”، لاسيما الغوطة الشرقية التي ثارت ضد حكم الأسد منذ الايام الأولى للثورة، ضمن “الأقل حظاً في الاستجابة الحكومية للفيروس”، بحسب مصدر مطلع على الواقع الطبي في الغوطة الشرقية. معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن التحدي الأكبر هو “التكتم الشديد عن الحالات المصابة أو المشكوك في إصابتها”، إذ “ينتشر موظفو الأمن في المراكز الصحية لأخذ إفادات من المراجعين لتلك المراكز، ويتم إجبار الأطباء على تشخيص أي أعراض مشابهة لأعراض كورونا على أنها التهاب رئوي حاد”.
كذلك، ما تزال إمكانات مشفى ريف دمشق التخصصي، وهو المستشفى الحكومي الوحيد في دوما، قاصرة عن تقديم أي خدمات طبية سوى الأساسية، بحسب عضو سابق في الهلال الأحمر السوري، تحدث إلى “سوريا على طول”، فيما “يعمل مستشفيان يتبعان للقطاع الخاص في المدينة لكن لا إمكانات مادية لدى المدنيين للحصول على خدماتهما”، وبحيث “يتم نقل بعض الحالات الحرجة إلى خارج الغوطة الشرقية” كما قال.
وحتى ما قبل العام 2011، لم تتوافر في مدينة دوما، وفقاًَ لطبيب مخبري، إمكانية “إجراء تحاليل بي.سي.آر [PCR] الضرورية للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا، فكانت تُجرى في دمشق”. مضيفاً أن “إجراء هذه التحاليل في المختبرات الخاصة غير ممكن أيضاً في دمشق”، نتيجة اعتبار النظام الإصابة بالفيروس “ملفاً أمنياً”.
يتضافر العجز الصحي مع عجز معيشي في ظل العزل، تلخصه حالة محمد الخير (18 عاماً)، من دوما، والذي أجبر على انقطاع عن عمله في أحد مصانع المواد الغذائية في مدينة صحنايا بريف دمشق الغربي، كما ذكر والده لـ”سوريا على طول”، ما يعني بقاء الأب “بلا معيل حتى إشعار آخر”، كونه يعاني، كما قال، من “إعاقة دائمة بسبب إصابتي في قصف على الغوطة الشرقية العام 2016، ولذلك أعتمد على ابني وبعض المساعدات المالية من عائلتي خارج سوريا لتأمين احتياجاتنا المعيشية”.
وحتى خيار المساعدات لم يعد متاحاً مع القرارات الأخيرة. إذ مع توقف محمد عن العمل تم “منع خروج المدنيين إلى دمشق، ما يعني عدم إمكانية استلام الحوالات المالية عبر الشركات المرخصة لها من الحكومة” بحسب الأب.
بشكل عام، فإن الغوطة الشرقية التي كانت أحد أهم مراكز العمل الإغاثي للمنظمات المحلية والدولية قبل سيطرة القوات الحكومية عليها العام 2018، باتت تعاني اليوم من انعدام هذا الدور “باستثناء بعض منظمات تعمل بتنسيق مع الحكومة السورية، من مثل الهلال الأحمر السوري”، بحسب العضو السابق في الهلال الأحمر. لافتاً إلى أن “المساعدات المقدمة من الهلال الأحمر، وكذلك المواد المدعومة عبر البطاقة الذكية لا يمكن أن تسد احتياجات المدنيين” حتى قبل فرض العزل.