في مواجهة “كورونا”: إغلاق المعابر يفاقم العجز الطبي في شمال غرب سوريا
إن نحو "200 مريض سرطان ينتظرون فتح معبر باب الهوى مع تركيا، لتلقي العلاج في المشافي التركية"، كما يشكل مرضى السرطان " 40% من الحالات الباردة التي تحتاج إلى العلاج في المشافي التركية".
20 مايو 2020
عمان- بعد عجزه أمام فعل أي شيء لابنه “الذي يصارع الموت ولا أستطيع إنقاذ حياته” نجح والد الطفل قاسم العكاب، في إدخال ابنه المصاب بمرض “السرطان” إلى تركيا لتلقي العلاج في مشافيها، اليوم الأربعاء، بعد عدة محاولات فاشلة، كما قال لـ”سوريا على طول”.
إذ أغلقت تركيا معابرها الحدودية مع شمال غرب سوريا، كأحد التدابير الاحترازية التركية في مواجهة فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك وقف استقبال الحالات الباردة [غير الإسعافية] منذ 14 آذار/مارس الماضي، ليشمل تشديد الإجراءات أيضاً “إغلاق معبر باب الهوى أمام استقبال الحالات الأسعافية منذ 29 آذار” كما قال الدكتور بشير اسماعيل، مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى لـ”سوريا على طول”. هذه القرارات أخّرت دخول الطفل قاسم، ذو الخمسة أعوام، إلى الأراضي التركية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع إدلب.
وتم اكتشاف إصابة الطفل قاسم، وهو من مدينة دير الزور شرق سوريا، ويقيم مع عائلته في مدينة سلقين شمال غرب إدلب، بـ”السرطان” في شهر نيسان/أبريل الماضي، و”يحتاج إلى جرعات دوائية كيميائية غير متوفرة في مشافي إدلب”، كا قال والده، معتبراً أنهم “أغلقوا المعابر لمواجهة كورونا، ولكنهم قتلوا أبناءنا بأمراض أشد خطورة”.
وفيما دخل الطفل قاسم، فإن نحو “200 مريض سرطان ينتظرون فتح معبر باب الهوى مع تركيا، لتلقي العلاج في المشافي التركية” بحسب ما ذكر الدكتور إسماعيل. لافتاً إلى أن “مرضى السرطان يشكلون 40% من الحالات الباردة التي تحتاج العلاج في المشافي التركية”. مؤكداً كذلك “تسجيل وفيات بين مرضى السرطان منذ إغلاق المعبر” .
وكان مرضى السرطان والقلبية يدخلون إلى تركيا، “بعد الحصول على تحويل طبي من المكتب الطبي في معبر باب الهوى، بناء على تقرير طبي صادر عن إحدى مشافي إدلب”، كما قال الدكتور يحيى نعمة، رئيس دائرة الرعاية الثانوية والثالثية في مديرية صحة إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، نتيجة “ضعف المنشآت الطبية، والعجز في تأمين الأدوية والجرعات الخاصة بمرضى السرطان”، إذ “تم تحويل 2014 مريض سرطان للعلاج في تركيا في عام 2019” بحسب الدكتور اسماعيل.
عجز طبي
تبدو مخاوف انهيار المنظومة الصحية في شمال غرب سوريا أكثر من أي وقت مضى، بحسب ما ذكرت مصادر طبية ومدنية لـ”سوريا على طول”، لا سيما وأن القطاع يعاني أصلاً من “خسارة نحو 60 منشأة طبية، تشمل مشافٍ ومراكز صحية ومنظومات إسعافية، نتيجة القصف الممنهج عليها من النظام السوري خلال السنوات الماضية” بحسب الدكتور نعمة. وقد وثق تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر في 11 أيار/مايو الحالي 18 حالة استهداف لمدارس ومشاف في إدلب وغرب حلب في الفترة بين كانون الأول/يناير وشباط/فبراير 2020.
ومع الكثافة السكانية في شمال غرب سوريا، لا سيما في أماكن المخيمات، تعاني المنطقة من ضعف الإمكانات الطبية، إذ تشير أرقام صادرة عن مديرية صحة إدلب، التابعة للحكومة السورية المؤقتة، إلى وجود نحو 600 طبيب لتقديم الرعاية الصحية لأربعة ملايين نسمة شمال غرب سوريا، أي بمعدل 1.4 طبيب لكل 10,000 شخص. فيما يبلغ عدد الأسرّة في أقسام العناية المركزة 201 سرير، أو سرير واحد لكل 20,788 شخص. أما عدد أجهزة التنفس للبالغين، والتي تؤدي دوراً حاسماً في علاج الإصابة بـ”كورونا”، فيبلغ 95 جهازاً، مقابل 30 جهازاً للأطفال.
لذلك، فإن إغلاق السلطات التركية معبر باب الهوى الحدودي أمام عبور المرضى رغم عدم تسجيل أي إصابة بالفيروس المستجد هناك، حتى أمس الثلاثاء، عمّق من العجز الطبي في شمال غرب سوريا. إذ رغم الجهود التي تبذلها المؤسسات الطبية في تقديم الخدمات الطبية شمال غرب سوريا، ضمن الإمكانات المتاحة، “لا يمكننا إلا أن نعتمد بشكل كبير على نظام التحويل إلى المشافي التركية، للحالات التي لا يمكن علاجها في المناطق المحررة [التي تسيطر عليها المعارضة]” كما قال الدكتور نعمة.
ومن جانب آخر، فإن ضعف الإمكانيات الطبية في شمال غرب سوريا لمواجهة أي إصابات محتملة بالفيروس المستجد، من شأنها تعزيز المخاوف من انتقال الفيروس من تركيا إلى شمال غرب سوريا “عبر المرضى العائدين أو جثامين الوفيات التي يتم إدخالها عبر معبر باب الهوى” بحسب الدكتور نعمة، ما فرض ضرورة “اتخاذ إجراءات صارمة وفحوصات مشددة للمرضى العائدين أو الجثامين، لمنع دخول الفيروس إلى مناطقنا، لأنه سيتسبب بكارثة أكبر من تلك التي نعيشها”.
لذلك، يتولى المكتب الطبي في معبر باب الهوى “استلام جثامين الوفيات من السوريين المقيمين خارج سوريا، عبر المعبر، وينظم عملية توثيق بياناتهم، ومن ثم نقلهم بسيارات مخصصة لنقل الجنائز يتم تعقيمها بشكل يومي منعاً لانتقال الفيروس” بحسب الدكتور إسماعيل.
عبور محدود
في 13 أيار/مايو الحالي، ناشدت الدكتورة إكرام حبوش، مديرة مشفى الأمومة في إدلب، عبر تسجيل مصوّر، السلطات التركية فتح معبر باب الهوى أمام الحالات الإسعافية والحرجة، محذرة من وفاة أطفال خدّج بحاجة إلى الرعاية الصحية، ولكن “لا نستطيع استقبالهم في مشافينا لعدم وجود أجهزة تنفسية شاغرة، كما لا يمكن تحويلهم إلى تركيا”. إذ بحسب الدكتورة حبوش لا يوجد في المشفى الذي تعمل بها سوى “5 أجهزة تنفس مخصصة للأطفال الخدج [حديثي الولادة]”.
ومع أن إغلاق معبر باب الهوى أمام الحالات الإسعافية ما يزال سارياً منذ الإعلان عن ذلك في آذار/مارس الماضي، إلا أنه “يتم إدخال بعض الحالات الحرجة جداً” من قبيل أمراض القلب، أو الورم الدماغي أو الحروق الشديدة، التي “لا يمكن علاجها في المشافي السورية أو لا يوجد شاغر لاستقبالها” بحسب ما أكد الدكتور بشير اسماعيل، موضحاً أنه يتم “إدخال 3 حالات يومياً من مختلف الأعمار، وتندرج هذه الحالات في إطار الاستثناءات من والي هاتاي التركية”.
إذ يتم إدخال هذه الحالات، كما كشف الدكتور اسماعيل، بعد “تصوير فيديو للحالة وإرفاقه بتقرير طبي وبيانات المريض”، بعد ذلك يقوم المكتب الطبي في معبر باب الهوى “بترجمة المعلومات إلى اللغة التركية ورفع الطلب لمكتب الوالي التركي”. هذه العملية “قد تستغرق 10 ساعات تقريباً، كما أنه يمكن لفرق الإسعاف التركية رفض إدخال أي حالة غير إسعافية حتى ومع وجود موافقة من الوالي”.
ولكن هذه الاستجابة المحدودة، إضافة إلى أنها لا تتناسب مع حجم الكارثة الطبية في شمال غرب سوريا، فإنها تتأثر بـ”الدعوات والرسائل الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي” كما قال لـ”سوريا على طول” الصحفي حمزة خضر، وهو من مدينة إدلب ويقيم في تركيا، مشيراً إلى أن معظم الحالات التي تم الاستجابة لها من الجانب التركي، هي التي وجدت زخماً وتفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي”.
لذلك فالمشكلة “ليست بحالة أو اثنتين. فهناك الكثير من أصحاب الحالات الحرجة، ولكنها غائبة عن الإعلام” بحسب خضر، معتبراً أن التعامل مع الحالات المرضية “بشكل فردي، يعني أننا سننقذ حياة مريض ونخسر آخرين”.