8 دقائق قراءة

كريس ودز، مدير منظمة الحروب الجوية: هناك حرب أحادية للولايات المتحدة في سورية

“هناك حربان منفصلتان للولايات المتحدة تجريان الآن في سورية”، يقول […]


12 أبريل 2017

“هناك حربان منفصلتان للولايات المتحدة تجريان الآن في سورية”، يقول كريس ودز، مدير منظمة “إيرورز” (الحروب الجوية)، وهي منظمة رصد مستقلة، تتعقب مسار الغارات الجوية وتقيمها في سورية والعراق؛ “فهناك حرب التحالف، التي لا تخفى على أحد، وهناك حرب منفصلة في الظل ضد ما يسمى فلول القاعدة (هيئة تحرير الشام)”.

خلال الأسابيع الآخيرة الماضية، قفز رقم الغارات الجوية التي يشنها التحالف ضد تنظيم الدولة في سورية والعراق أضعافاً مضاعفة. ومعه أيضاً أرقام الضحايا المدنيين. وشهد هذا الشهر مقتل أكثر من 1000مدني بغارات التحالف في العراق وسورية، وفق تقارير “إيرورز”، المنظمة التي تقود الطريق لإيضاح أين ومدى تكرر الغارات الجوية.

وفي سورية، شن التحالف ما يقارب 7800 غارة جوية بالمجمل. و”تظهر الأرقام الآخيرة من التحالف أن 95% من الغارات الجوية في سورية مصدرها الولايات المتحدة”، وفق ما قال ودز لـ كريستين ديميليو، رئيسة التحرير في سوريا على طول.

كثيراً ما أقابل أناس، في أميركا على الأقل، لا يعُون الدور الذي تلعبه الحكومة في سورية. أتساءل هل هذا يعود لمصطلح “التحالف” والذي يبدو دقيقاً ولكنه مضلل بطريقة ما. فهناك تقرير لـ الإيرورز منذ بضع شهور يشير إلى أن نحو 92% من الغارات الجوية على سورية كانت أميركية.

منذ كانون الأول عام 2014، ونحن نسأل التحالف أسبوعياً ما هو عدد الغارات الجوية التي تُنفذ في سورية والعراق في كل أسبوع من قبل الولايات المتحدة وشركاء التحالف الآخرين. وحصلنا على بيانات شاملة ومكثفة عن ذلك. وتظهر الأرقام الآخيرة من التحالف أن 95%من الغارات الجوية في سورية مصدرها الولايات المتحدة. فنحن في الواقع، نتكلم هنا عن حرب أحادية للولايات المتحدة، ورغم أن شركاء التحالف الآخرين، وبشكل رئيسي البريطانيين والفرنسيين والبلجيكين والسعوديين والإماراتيين ما زالوا بين الحين والآخر ينفذون غارات جوية في سورية (…) ولكن في الحقيقة، هذه حرب للولايات المتحدة في سورية.  

هناك الكثير من الدعم لحملة القصف الأميركية من الحلفاء، كألمانيا، على سبيل المثال. ولكن فيما يتعلق بالحرب الحقيقية التي تُشن ضد ما يسمى تنظيم الدولة، فإنها حملة أميركية. وعادة ما نشير إليهم (قوات سورية الديمقراطية) بوصفهم وكلاء الولايات المتحدة، وليس وكلاء التحالف، لأنهم هم القوى التي اختارتها الولايات المتحدة في سورية.

(قوات سورية الديمقراطية(SDF) ، تحالف متعدد الأعراق، تم تأسيسه في تشرين الأول عام 2016. وتتألف قوات سورية الديمقراطية بشكل رئيسي من وحدات حماية الشعب الكردية YPG، ونظرائهم الإناث YPJ. وتضم هذه المجموعة تحت مظلتها أيضاً كتائب كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية. ويحارب التحالف الذي يقوده الكرد، بدعم من الولايات المتحدة والطيران الجوي للتحالف، تنظيم الدولة في شمال سورية).

إنها حرب أميركية في سورية، ولم نفهم أبداً لماذا هي كذلك. في العراق، ثلث الغارات الجوية يشنها الحلفاء؛ فالغارات العنيفة جداً للبريطانيين وغارات الفرنسيين والبلجيكيين والاستراليين جميعها تنصب على العراق. وحالما نتخطى الحدود إلى سورية، نرى أن هناك تردد ملحوظ بالنسبة للحلفاء الآخرين بشن الغارات الجوية. وعادة ما يقوم البريطانيون بضربة واحدة تقريباً في الأسبوع في هذه الأيام. والأمر مشابه بالنسبة للفرنسيين.

نفس العدو، ولكن طبيعة مختلفة، وتركيبة مختلفة جداً لقوات التحالف، وهذا يشير إلى أن هناك شيئاً ما يزال يقلق شركاء التحالف الآخرين في سورية. ولم يصرحوا يوماً عنه. ولكن من الواضح أن هناك سبب ما يجعل الولايات المتحدة  تنفذ 95% من الضربات الجوية في سورية.

إذا نظرت إلى العمليات العسكرية للولايات المتحدة، بعيداً عن البيانات، ما الذي تراه؟

أول شيء يمكنني قوله هو أن هناك حربان منفصلتان للولايات المتحدة تجريان الآن في سورية.فهناك حرب التحالف، التي لا تخفى على أحد، وهناك حرب منفصلة في الظل ضد ما يسمى فلول القاعدة (هيئة تحرير الشام).

(يشن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حرباً جوية ضد جبهة فتح الشام، الجناح السوري في شمال غرب سورية. لتنظيم القاعدة سابقاً. في آواخر كانون الثاني، اندمجت جبهة فتح الشام المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة مع عدة فصائل إسلامية في سورية لتشكل هيئة تحرير الشام. تابع تغطية سوريا على طول لضربات الولايات المتحدة على جبهة فتح الشام في سورية بحسب الخط الزمني، هنا).

وعلى المدى البعيد، حتى مع هزيمة ما يسمى بتنظيم الدولة، أعتقد أن كل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة ستبقى دولة محاربة في سورية بعد زمن من سقوط آخر مقاتل في تنظيم الدولة بسبب حرب أميركا هذه ضد المتطرفين الآخرين في سورية. وعلى صعيد التحالف، فالوضع في العراق في الواقع ثنائي. لديك حكومة منتخبة ديمقراطياً في بغداد أضاعت ثلث أراضيها للغازي، المحتل. فيما تحاول الحكومة والقوات المسلحة في العراق التصدي لتستعيد السيطرة على الأراضي.

كما تعلمين، ليس هناك من ثنائية في سورية. وإنما كشكول معقد النسيج للغاية من التحالفات يتغير أسبوعياً وأحياناً يومياً. وتحاول الولايات المتحدة أن تحيك طريقها وسط هذه البيئة الصعبة جداً لتهزم ما يسمى بتنظيم الدولة. وهذا يتغير من محافظة لأخرى، كما رأينا ما تقوم به الولايات المتحدة حول منبج في الوقت الراهن. والرقة هي المكان الذي نُقلت إليه موارد ضخمة للتحالف، موارد أميركية في الحقيقة، على مدى الشهور الستة الآخيرة. 

 مخطط بياني من تقرير “إيرورز” في شباط 2017 يظهر الانتقال باتجاه ضربات الرقة. حقوق نشر الصورة لـ ايرورز

وهذا جهد مكثف على الأرض لدعم قوات سورية الديمقراطية التي تحاول استكمال تطويق الرقة. أعتقد أن هذه هي الصورة التي أراها؛ حملتان للولايات المتحدة، وكيف يمكن أن يختلف قتال الولايات المتحدة لتنظيم الدولة بدرجة كبيرة من محافظة إلى أخرى مع محاولة الولايات المتحدة أن تتعامل مع التوترات المحلية في خضم الحرب الأهلية.

هل تعتقد أن تنظيم الدولة يمكن أن يٌهزم عسكرياً؟ هل ترى أنها استراتيجية صحيحة؟

أعتقد أنه من الأمور المسّلم بها أن ما يسمى بتنظيم الدولة سيُهزم عسكرياً. لن يعد بإمكانهم السيطرة على أراض. سنصل إلى نقطة تسقط فيها كل من الرقة والموصل؛ ربما نرى معاقل منعزلة لداعش (تنظيم الدولة) في مناطق محددة في العراق أو سورية. وتوقعاتي كصحفي، وأنا أغطي العراق منذ ما يسبق عام 2003 حيث كانت تتأتى بعض جذور تنظيم الدولة، أننا آتون إلى مرحلة جديدة في القتال سيعود فيها تنظيم الدولة، بطريقة ما إلى أصوله كتمرد مُرتكزه الإرهاب، والذي سيخلق كل أصناف المشاكل المبتكرة لسورية والعراق.  

كيف سيستجيب التحالف لذاك، أو هل سيصمد التحالف إلى تلك المرحلة من القتال، هو مسألة أخرى. ولكننا سنرى استئناف نوع من التمرد الذي رأيناه في العراق خلال الاحتلال والذي سيستهدف في المقام الأول ليس المدنيين فحسب وإنما سيحاول ما يسمى بتنظيم الدولة أن يمزق ويفتت عمداً المجموعات الإثنية في العراق، وهذا ما فعلوه في الماضي بنجاح.

في سورية، لا نعلم حالياً كيف سيتبلور ذلك. أقصد كيف سيتجسد داعش كتمرد في خضم الجنون الموجود أصلاً في سورية؟ لا أعلم حقيقة كيف سيتجلى ذلك؟

وما الذي سيأتي بعد سقوط تنظيم الدولة كقوة بحوزتها أراضي ـ هنا يكمن السؤال.

ستعود عشرات القبائل لاستقرارها. في شرق سورية حين آتى تنظيم الدولة لهذه المناطق القبلية واغتصب نظامها القبلي وأقحم نفسه على رأس النظام القبلي، استحلوا القبائل واستخدموها وقتلوا المنشقين (…) وهذه هي صورة ما حدث إلى حد كبير. وكانت مناطق متفرقة السكن، ونجحت استراتيجيتهم فيها؛ فهم لا يحاولون الاستيلاء على دمشق بهذه الطريقة.

هذا تكتيك مثير جداً للاهتمام؛ لم أسمع أبداً بوصف دقيق مماثل كهذا، ولكن هذا ما فعلته القاعدة في المناطق القبلية في باكستان بعد عام 2011. حرفياً وبكل ما تعنيه الكلمه هذا ما قاموا به في باكستان.

لماذا لم تأخذ روسيا على عاتقها هذه المعركة مع تنظيم الدولة بالنيابة عن الولايات المتحدة. لماذا لم تستمر روسيا وتوسع ما كانت تقوم به أساساً في سورية؟

أعتقد أن في هذا توصيف غير عادل، لا شك وأنه في المراحل المبكرة، حين انخرطت روسيا في حرب سورية، كان تركيزها الآولي لا ينصب على تنظيم الدولة. ولكن في عام 2016، رأينا فعلياً  أن روسيا توجه قدراً مهماً من قوتها النارية على تنظيم الدولة. 

 الحد الأدنى المقدر من وفيات المدنيين جراء الغارات الجوية الروسية حتى 30 نيسان 2016. المخططات البيانية لـ  Airwars – باسيل سيمون. تحديد الموقع الجغرافي من قبل كريستيان تريبرت.

يمكنك أن تري أن هناك مجموعة كبيرة من الضحايا المدنيين هنا. كل شيء إلى الشرق وباتجاه تدمر أيضاً، فهو تنظيم الدولة. لذا، كنا دائماً ندحض ما يقال عن أن روسيا لا تستهدف تنظيم الدولة. هي تمر في مراحل؛ فأحياناً يكثفون القصف على الرقة طيلة شهر، ومن ثم يتوقفون. نؤوا بالنظر كلياً عن تدمر لأجل حلب ودفعوا ثمناً باهظاً لأجل ذلك. يمكنني القول أن انخراط روسيا بمحاربة تنظيم الدولة كان متقطعاً، ولكنه مهم، وفق ما يظهر عدد أرقام الضحايا.   

كثيراً ما غطيت الغارات الجوية على الرقة، أريد أن أشاركك اقتباسا من 22 أذار لـ عمر، أب نازح قاله لنا من مآواه الذي كان مدرسة في الرقة: “لا أظن أن الحال سيطول هنا بنا في هذه المدرسة، فقريباً سنكون قتلى تحت ركامها بقصف قسد أو التحالف”. ما ردك؟

بحزن، نسمع تعليقات كهذه من السكان المدنيين المتأثرين بما يجري حول الرقة باستمرار. ونسمع ذلك منذ شهور. ومنذ زمن ونحن نرصد ارتفاعاً حاداً في عدد الضحايا المدنيين حول الرقة، وبالعودة إلى الشهور الآخيرة من إدارة أوباما. فنحن في كدر عميق من هذا.

سأريك مخططاً بيانياً آخر:

ضربات التحالف في العراق وسورية: عدد قتلى المدنيين ومستوى الرضى عن تغطية التقارير. حقوق نشر الصورة لـ الإيرورز.

(يظهر الجدول البياني عدد قتلى المدنيين من غارات التحالف في كل من سورية والعراق منذ آب 2014، مصنفة بفئات. وكل حدث تم تغطيته على نحو منفرد في ضحايا المدنيين).

يمكنك أن تري الارتفاع الكبير والمفاجئ الذي طرأ منذ أذار، وهو يشير إلى الموصل، واللون الأخضر يعني متنازع عليه. لا نعلم على وجه اليقين من الذي نفذ تلك الغارة الجوية. انظري إلى الاختلاف في سورية: فرقم الضحايا المدنيين الوارد في سورية لم يسجل رقما قياسيا فحسب، وإنما صنفنا قسم كبير منه كـ”مُنصِف”، فمن المرجح من وجهة نظرنا أن التحالف وراءه، وباحتمال أقل أن قوات سورية الديمقراطية هي المسؤولة عن تلك الوفيات. وهذا يظهر بوضوح أن ما كان يقوله الأهالي في الرقة صحيح. أحياناً نرصد ثلاثة أو أربعة أو خمسة أحداث في اليوم حول الرقة الآن والكثير من هذه الهجمات تقع في قرى وبلدات ذات كثافة سكانية أقل حول مدينة الرقة، حيث لم نكن نتوقع هذا العدد الكبير من الضحايا، حتى قبل بضعة شهور.

إذن، هناك شيء ما قد تغير حقاً في الرقة، مما وضع المدنيين على المحك وجعلهم في خطر أكبر. لا نعي تماماً لماذا ارتفع عدد القتلى بشكل كبير وبهذه السرعة.

لهذا أسألك. لا أدرك لماذا يجب على عدد كبير من الناس أن يتشردوا، ويعيشوا في صدمة وخوف ويحتجزوا في منازلهم أو بلداتهم المتضررة والمدمرة. وها نحن نقرأ عن هذا الرجل الذي ذكرته للتو، وهو ليس لوحده، يتنبأ بموته بغارة أميركية. أمام هذا الارتفاع الضخم في الضحايا، أعترف أني لا أستوعبه، ولا أرى طريقاً للمساءلة.

أتفق معك. إننا نتوقع أن قوات سورية الديمقراطية هي قوة خارجية بالفعل. فهي ليست ابنة المنطقة؛ فهي تفتقر للمعرفة المحلية. ونحن واجهنا صعوبة حقيقية في أن نجعل قوات سورية الديمقراطية تناقش بصراحة وانفتاح مسألة الضحايا المدنيين، وأن نتحرى الضحايا التي قد تكون متورطة بها. وهذا يدل على أنها لا تتعاطف مع السكان المحليين كما كنا نأمل أن تكون.

كشخص يقوم بشيء مشابه لما نقوم به، وهو أن تكون شاهداً نوعاً ما على مآساة، وأنت ترى أناس يسيؤون ويسيؤون في كل الأوقات، في جو الحزن الذي يحيط بك، ما الذي يدفعك للاستمرار في هذا العمل؟

هناك عدد كبير في فريقنا من العراقيين والسوريين. وهم يغطون بحرفية، وبكل إخلاص ما يحدث في بلادهم ومن منظور المدنيين. وكانت وجهة نظري دائماً كصحفي أن الناس تنجر للصراع لأسباب مختلفة لا نهاية لها، والمدنيون يمكن أن يقعوا بين الأقدام، لا سيما وأن الحروب في هذه الأيام حروب عن بعد، فليس لنا جيشنا الخاص على الأرض، وكل ما نفعله هو الغارات الجوية، ولسنا على تواصل مع السكان.

وبالنسبة لأعضاء الفريق كله، أعتقد أن القوة المحفزة، أن يكونوا صوتاً للسوريين والعراقيين وأن يناصروهم. وأن يدحضوا ما تقوله القوى العسكرية حين يزعمون أنه ليس هناك قتلى مدنيين بينما تظهر الدلائل على الأرض عكس ذلك. وكل أبحاثنا تُؤرشف على الدوام. وهناك مصادر ضخمة بُنيت على مقالاتنا. حين ينتهي القتال في العراق وسورية، سيتم تسليم كامل مواردنا إلى المجتمع المدني العراقي والسوري. وهذا مهم جداً بالنسبة لنا. الكثير والكثير من أعمالنا في هذه الأيام هي حول الانخراط مع االقوى العسكرية حين سيجلسون معنا ويقولون، هذا ما تعتقدون، وهذا ما تم تسجيله من الأرض. هل يمكننا العمل معكم لمساعدتكم في فهم ما حدث هنا؟

الجميع في إيرورز، أعتقد أن دافعهم حين ينهضون في كل صباح هو أن يكونوا شهوداً على ما يجري وربما، على الأقل ربما يحدثون اختلافاً ما.

ترجمة: فاطمة عاشور

(لقراءة المادة الأصلية من هنا)

 

 

 

شارك هذا المقال