6 دقائق قراءة

كيف تواجه “الخوذ البيضاء” تحديات ما بعد الحرب في سوريا؟

بعد سقوط نظام الأسد، أعاد الدفاع المدني نشر عناصره، البالغ عددهم 3300 متطوع ومتطوعة، في تسع محافظات سورية ويستعد للانتشار في محافظتين جديدتين


13 يناير 2025

بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، انتشرت عناصر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في مدن سورية دخلها لأوّل مرة منذ إعلان تأسيسه في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، من قبيل طرطوس واللاذقية وأحياء حلب الغربية.

انتشرت فرق الدفاع في تسع محافظات سورية حتى الآن، وتستعد للانتشار في محافظتين إضافيتين خلال الأيام القريبة القادمة، بعدما ما انحسر تواجدها طيلة السنوات الخمس الماضية في محافظتي إدلب وحلب إثر سيطرة النظام البائد على مناطق واسعة من البلاد بدعم روسي.

وبينما ارتبط اسم “الخوذ البيضاء” بالحرب والاستجابة للكوارث، من قبيل عمليات إجلاء القتلى والمصابين، ورفع الأنقاض في أعقاب عمليات القصف والكوارث الطبيعية، كما حدث في زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، يبرز اسمها اليوم بالسلم، عبر تنفيذ العديد من المشاريع والأنشطة التي تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سوريا الجديدة، الخاضعة حالياً لـ”إدارة العمليات العسكرية”، التي يقودها أحمد الشرع (الجولاني)، وحكومة تصريف الأعمال المكلفة من قبله.

لدى الدفاع المدني 3300 متطوع ومتطوعة، ويعاني بعد إعادة انتشاره في البلاد من “ضغط على مستوى الأعداد، وحاجة لقدرات جديدة تكون على مستوى سوريا”، كما قال أحمد يازجي، عضو مجلس الإدارة في لقاء صحفي أجراه معه الزميل وليد النوفل من “سوريا على طول”، للحديث عن دور “الخوذ البيضاء” في المرحلة الراهنة والتحديات التي تواجهه.

كيف تعاملتم مع واقع سوريا الجديد بعد سقوط النظام السوري، وكيف انعكس ذلك عليكم؟

بعد سقوط النظام، صار الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) يغطي تسع محافظات سورية ونستعد حالياً للعمل في محافظتين جديدتين، بينما اقتصر عملنا خلال السنوات الأخيرة في محافظتي حلب وإدلب. إعادة الانتشار ليس تجربة جديدة بالنسبة لنا، لأننا كنا نعمل بين عامي 2014 و2018 في البحث والإنقاذ بتسع محافظات سورية، وبالتالي نحن معتادون على الإدارة والبحث والإنقاذ على مستوى الجغرافية السورية ولا مشكلة عندنا في ذلك، وإنما كان من غير الطبيعي أن ينحصر عملنا في محافظتين.

يمتلك الدفاع المدني نظام إداري وعملياتي متطور بدءاً من أبسط الأمور في المؤسسة إلى أعقدها، وهو نظام مؤتمت فيما يتعلق بالتوزيع والتوريد وقادة الفرق وغيرها، وهذا يساعدنا على إدارة العمليات ويعطي فاعلية ومرونة بإدارة العمليات على الأرض، وبالتالي فإن النظام موجود لكن مع التغيرات الأخيرة فقط أعدنا تعميمه على الأرض السورية.

كان لدينا تصور أن المرحلة التي انحسر فيه عملنا إلى محافظتين، هي مرحلة مؤقتة، وأننا سوف نعود للعمل على المستوى الوطني كمؤسسة وطنية، لذلك كنا نبني فرقنا على هذا الأساس، ونعمل حالياً على الاستفادة من قدرات السوريين داخل وخارج سوريا لنعزز قدراتنا وشراكاتنا.

كوادرنا التي هُجّرت من مناطقها الأصلية في السنوات الماضية من جنوب سوريا والغوطة الشرقية وحلب وغيرها من المناطق، عادت إلى مناطقها لتخدم أهلها وناسها ومجتمعاتها.

لدينا 3300 متطوع ومتطوعة، أعدنا توزيعهم على تسع محافظات سورية، وقريباً سوف ننتشر في 11 محافظة، لذا يتمثل الضغط بالنسبة لنا في الأعداد والقدرات حتى نكون على مستوى سوريا، علماً أننا قمنا بدمج قدراتنا مع فوج الإطفاء الذي كان تابعاً لنظام الأسد، والآن نحن ندير عمليات البحث والإنقاذ على المستوى الوطني.

برز دور “الخوذ البيضاء” في وقت الحرب، فما هو دوركم حالياً؟

تختلف الاحتياجات السابقة في شمال غرب سوريا عن الاحتياجات اليوم بباقي المناطق السورية. كنا نعمل في منطقة هشة تعيش حرباً وتنتشر فيها مخيمات النزوح [بلغ عدد سكان شمال غرب سوريا نحو ستة ملايين نسمة نصفهم نازحون]، وفي اليوم الواحد [أثناء القصف] كنا نستجيب لنحو 30 إلى 40 هجوماً، إضافة إلى وجود عالقين تحت الأنقاض، بينما اليوم نحن نتحدث عن مناطق مستقرة.

سوريا مدمرة والبنى التحتية فيها منهارة والخدمات مفقودة، مع ذلك نقوم اليوم بكامل دورنا كجهاز حماية مدنية ومؤسسة سورية تساعد على سد الاحتياجات من برامج إزالة مخلفات الحرب، والحماية، والتوعية، والمشاريع الخدمية وغيرها.

من الإجحاف مقارنة مؤسسة الخوذ البيضاء بكونه جهاز حماية مدنية ومقارنته بأجهزة الحماية في العالم، التي عادة تعمل على جانب واحد وهو الإطفاء والإنقاذ وأحياناً الإسعاف، بينما بالنسبة للدفاع المدني لدينا عمليات أخرى غير الأطفاء، لدينا مهام تفوق عمليات الإطفاء بأضعاف، مثل: الإسعاف، والخدمات العامة، وإزالة مخلفات الحرب. لا يوجد دفاع مدني في العالم يعمر مدارس ومشافي مراكز سرطان ويعبد الطرق، بينما نحن نقوم بذلك.

مضى أكثر من شهر على سقوط النظام، ما هي أبرز التحديات التي واجهتكم حتى الآن؟

في الأيام الأولى واجهنا تحديات أمنية ولوجستية، وهذا أمر طبيعي، إذ لا يمكن في يوم وليلة الانتشار بكامل الجغرافية السورية وسط الحاجة إلى مراكز وتقييم احتياجات كل منطقة.

فوج الإطفاء الذي كان يعمل في مناطق النظام وضعه سيئ جداً، وتعرض جزء كبير منه للنهب والسرقة والحرق، ناهيك عن أن معداته قديمة ومهترئة. 

إلى جانب مهامِنا المعتادة في المخيمات وتعبيد الطرق، نستجيب لعمليات الإنقاذ وإطفاء الحرائق، ونواصل مشاريعنا الخاصة بتأهيل المدارس والمستشفيات.

مشكلتنا اليوم لا تكمن في إعادة الانتشار، بل في زيادة ضغط العمل على كوادرنا، والاستجابة لعدد أكبر من الحرائق والحوادث وغيرها من العمليات.

كيف يتعامل الدفاع المدني مع التمويل ومشاكله؟

نحاول بشكل مستمر تطوير قدراتنا في الحصول على تمويل، سواء التمويل المباشر أو التقديم على المنح. لدينا فريق كامل للمنح والتقارير والتواصل مع المانحين، الحصول على التمويل مرتبط ببناء القدرات والشفافية والمهنية والقدرة على معرفة تقييم احتياجات المجتمع والتواصل مع المانحين، ونحن نعمل مع ثلاثة أنواع من الشركاء: شركاء حكوميين، منظمات مجتمع مدني، وحملات التبرع، ونحاول التكيف دائماً مع هذا الوضع والصعوبات التي تمر بها.

عملنا على استراتيجية طويلة الأمد مرتبطة ببناء القدرات داخل المؤسسة في كل القطاعات: المالية، الإمداد، التوريد، الإعلام، والإدارات العليا والمتوسطة والدنيا والعملياتية، وخطة متكاملة لبناء الكوادر والقدرات عبر التطوير الذاتي للقدرات والكفاءات والاستفادة من الكوادر، وتدريب مدربين بكافة الاختصاصات ليكونوا بدورهم قادرين على التدريب الإداري والعملياتي.

يضم فريقنا على مستوى الإدارات العليا خمسة أشخاص يحملون شهادات الدكتوراه، وأكثر من 50 شخص يحملون شهادات الماجستير، ونفذنا العديد من الدورات المتقدمة للكوادر.

بعد سقوط النظام، انتشرت العديد من الأخبار عن إصابة أو مقتل أشخاص بانفجار ألغام أو مخلفات حرب، هل لديكم مسح أولي لمخلفات الحرب؟ وما هي الإمكانيات المتوفرة للتعامل معها؟

يمكننا القول أن سوريا كلها ملوثة بالألغام ومخلفات الحرب، حجم الترسانة العسكرية والألغام ومخلفات الحرب هائل، هناك مئات آلاف الذخائر غير المنفجرة والألغام، وهذا يشكل تهديداً كبيراً.

لدينا ثلاثة مستويات من التلوث بمخلفات الحرب في سوريا: المستوى الأعلى، مناطق خطوط التماس مع النظام، وهي مناطق شديدة التلوث كونها كانت مناطق عمليات عسكرية والنظام تعمد تلويثها، حيث جرى تلغيم البيوت والمباني السكنية والأراضي الزراعية، وتحتوي على كميات هائلة من مخلفات الحرب، وهي مناطق تغيرت بتغير خرائط السيطرة خلال السنوات الماضية، وتشكل الجزء الأكبر من مساحة سوريا، وتضم مساحات واسعة من البلاد، وغالبية الضحايا يصابون أو يقتلون في هذه المناطق.

أما المستوى الثاني، فهي المناطق المدمرة، أو المناطق الداخلية خلف خطوط التماس، التي تعرضت لقصف عنيف مثل مدن الغوطة الشرقية وأحياء حلب الشرقية ودرعا ومحافظة دير الزور، التي تضم حجم مخيف جداً من الألغام وفق تقييماتنا الأولية. المستوى الأخير يتمثل في باقي المناطق السورية، وهذه تحتوي كميات أقل من مخلفات الحرب.

التخلص من الألغام يحتاج سنوات طويلة، هناك الكثير من دول العالم التي تعاني من مخلفات الحرب مثل كمبوديا، ميانمار، أفغانستان، العراق، اليمن، ومصر، رغم أن الحروب انتهت في بعضها منذ سنوات أو عقود. مخلفات الحرب هي خطر طويل الأمد، لا ينتهي بيوم، ويحتاج إلى فرق دولية وفرق عالية التدريب، وعمل طويل الأمد للتخلص منها.

الدفاع المدني لا يزيل جميع أنواع الألغام، وإنما يزيل بعض الألغام والذخائر غير المنفجرة، بينما الألغام شديدة التعقيد لا يمكننا التعامل معها. النظام السوري استخدم أساليب خطرة في الألغام، منها الألغام المفخخة بألغام، التي تحتاج لإمكانيات كبيرة غير متوفرة لدينا أو في سوريا، لذا نحن بحاجة اليوم إلى فرق دولية لإزالة هذه المخلفات.

بناء على ما سبق، من الصعب مسح كامل الخارطة السورية، لأن بلدنا فيها مدناً كاملة مدمرة وجبالاً من الركام لا يمكن مسحها وتحتاج إلى فترات طويلة.

ما هو مستقبل الدفاع المدني في ظل الإدارة السورية الجديدة، وهل ستعمل “الخوذ البيضاء” تحت سقف الحكومة السورية أسوة بفرق الدفاع المدني في العالم؟

عملنا في ظل حكومة سورية يختارها السوريون أمر محسوم، منذ يومنا الأول نحن مع الشعب، وقلنا ذلك في ميثاق الدفاع المدني عام 2014.

نحن نقف إلى جانب السوريين في خياراتهم، ولكن في الوقت الراهن ينصب تركيزنا على تعزيز قدراتنا وإعادة الانتشار والاهتمام أكثر بالاستجابة.

شارك هذا المقال