كيف سيؤثر “كورونا” على الاقتصاد السوري الهش؟
بالنسبة لأغلبية السوريين، قد لا يكون ثمة وقت أسوأ من الآن لتفشي فيروس كورونا المستجد، لاسيما على الصعيد الاقتصادي. إذ يتزامن انتشار الوباء، وتداعياته المختلفة، مع انهيار متواصل في قيمة الليرة السورية وتضخم في الأسعار
13 أبريل 2020
عمان – بالنسبة لأغلبية السوريين، قد لا يكون ثمة وقت أسوأ من الآن لتفشي فيروس كورونا المستجد، لاسيما على الصعيد الاقتصادي. إذ يتزامن انتشار الوباء، وتداعياته المختلفة، مع انهيار متواصل في قيمة الليرة السورية وتضخم في الأسعار، وبما يضع حكومة دمشق على المحك بشأن القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والصحية الجديدة، لاسيما مع وجود العديد من الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد.
وحتى مساء أمس السبت، أعلنت دمشق عن 25 إصابة مؤكدة بالفيروس، في وقت تؤكد مصادر إعلامية وحقوقية مختلفة وجود أعداد أكبر من المصابين.
في هذا السياق، وإضافة إلى مجموعة سابقة من التدابير الوقائية للحد من تفشي الفيروس، من قبيل عزل المدن وتعليق دوام المدارس والجامعات ومؤسسات حكومية، عمدت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى احتواء تداعيات الوباء على الاقتصاد السوري.
تسهيل عمليات الاستيراد
في 18 آذار/مارس الماضي، أعلن مصرف سورية المركزي تعليق العمل باستيفاء التأمين النقدي للاستيراد، في محاولة لتخفيف القيود على المستوردين المعتمدين من الدولة، وبالتالي ضمان “تأمين الاحتياجات الضرورية من المواد الأساسية ومستلزمات الإنتاج”، كما جاء في الإعلان.
عقب ذلك بأيام، وضمن هدف زيادة الدولار من خلال القنوات الرسمية، والحد من التضخم وانهيار الليرة، خفض المصرف سعر صرف الأخيرة، لعدد من المعاملات الاقتصادية، إلى 704 ليرات للدولار الواحد، بدلاً من 438 ليرة سابقاً، باستثناء ما تستورده وزارة التجارة أو المستوردون المعتمدون من الدولة، إذ سيظل هؤلاء قادرين على استيراد سلع معينة بسعر الصرفي الأصلي (438 ليرة).
وكان “المركزي السوري” قد وسع، منذ بداية آذار/مارس الماضي، نطاق استخدام سعر الصرف التفضيلي البالغ 700 ليرة للدولار الواحد، في مقابل سعر الصرف الرسمي المحدد بـ438 ليرة، وبحيث يطبق الأول لأغراض الاستيراد والتحويلات المالية وشراء الدولار من المواطنين، بغية الحفاظ على الاقتصاد السوري مستقراً. ويشير تخفيض قيمة الليرة لبعض الحالات والأغراض إلى سعي حكومة دمشق إلى ردم الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء الذي سجل في أواخر آذار/ مارس رقماً غير مسبوق بلغ 1360 ليرة للدولار.
مع ذلك، خفض “المركزي” قائمة السلع التي يمكن للبنوك تمويلها بالسعر التفضيلي (700 ليرة) من 41 إلى 18 سلعة، بعد أن وافقت الحكومة في أوائل شباط/ فبراير الماضي، على تمويل البنوك العامة والخاصة واردات 41 سلعة بالسعر التفضيلي. وبحيث يشير التراجع عن هذا القرار إلى تنامي القلق لدى “المركزي” بشأن وضع الاحتياطي النقدي السوري من العملات الأجنبية، والذي يلعب دوراً حاسماً في استقرار العملة الوطنية والتخفيف من ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
لكن سماح النظام السوري لمستثمرين ورجال أعمال باستيراد سلع أصبح عاجزاً عن استيرادها بسبب العقوبات الاقتصادية ومنها قانون قيصر (سيزر) الأميركي، أو لعدم وجود العملة الصعبة وإغلاق الحدود الدولية لمواجهة فيروس كورونا، “سيكون مشكلة” برأي الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم. إذ إن هؤلاء المستوردين سيقومون، كما أضاف لـ”سوريا على طول”، “باستيراد البضائع والسلع بطريقة التهريب. ما يعني مزيداً من الاحتكاك بين المواطنين وزيادة فرص [انتشار] كورونا. بالإضافة إلى أن الاعتماد على الطرق غير الرسمية للاستيراد يجعل أسعار السلع مرتفعة”.
ووفق الكريم، يفاقم المشكلة أكثر أن “النظام سمح بالاستيراد من دون أن يحدد آلية التسعير، ومن دون أن يساعد في تمويل السلع. وبالتالي، فإن كثيراً من السلع لن تكون في متناول المواطنين، وهو ما نلاحظه من خلال الطوابير الطويلة [لشراء] الخبز والسلع الاستهلاكية والغاز وغيرها”.
تدهور اقتصادي وارتفاع الأسعار
مع انخفاض قيمة الليرة، وتالياً إغلاق الحدود، بدأ مؤشر أسعار السلع الأساسية بالصعود. إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة تصل إلى 40% في أجزاء مختلفة من البلاد، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة مطلع الشهر الحالي. بالتوازي مع ذلك، نشرت وسائل إعلام صوراً تظهر طوابير الناس أمام المخابز متجاوزين إجراءات السلامة العامة لمنع تفشي “كورونا”، من قبيل التجمع وعدم ترك مسافات أمان.
وشمل ارتفاع الأسعار متطلبات الوقاية الشخصية ووسائل التعقيم، بحيث بلغت نسبة الزيادة وفقاً لتقارير إعلامية، نحو 5000% في سعر مطهرات الأيدي والكمامات نتيجة زيادة الطلب، والاحتكار، والتلاعب بالأسعار. وفيما حاولت الحكومة زيادة إنتاج المطهرات والأدوات الصحية ومنتجات التنظيف، يظل غير واضح مدى نجاح ذلك في كبح جماح الأسعار.
أيضاً، مع اعتماد جزء كبير من السوريين على القطاع غير الرسمي لتحصيل الدخل، إضافة إلى اعتمادهم على الحوالات المالية المرسلة من خارج البلاد، والتي تأثرت بتقييد القطاع المصرفي في عدد من دول المنطقة حالياً، فإن العزلة الذاتية والحجر الصحي ينذران بكارثة اقتصادية، خصوصاً في ظل تقديرات بتشكيل الحوالات المالية مصدراً مهماً للدخل السوري، إذ بلغ حجمها في العام 2018 نحو 1.6 مليار دولار.
وبحسب صحيفة “الوطن” الموالية، شكلت التحويلات المالية نسبة 19% من الإيرادات الوطنية العام 2016، مقارنة بحوالي 2% فقط العام 2011. ما يعني أن امتداد أزمة كورونا قد يتسبب بوقف تدفق الحوالات المالية التي اعتمد عليها السوريون طيلة السنوات الماضية.
أزمة مصرفية محتملة
ضمن تأثيرات اقتصادية متعددة، تبدو التداعيات المحتملة لفيروس كورونا على القطاع المصرفي خصوصاً في سوريا نتيجة سماح مصرف سورية المركزي، في 26 آذار/مارس الماضي، بتجميد سداد القروض المصرفية من قبل الشركات والأفراد لمدة ثلاثة أشهر. واستناداً إلى القرار، أعلن مجلس إدارة مصرف التوفير، أحد المصارف المملوكة للحكومة، تأجيل أقساط القروض الاستثمارية المقدمة من المصرف لثلاثة أشهر بدءاً من نيسان/ أبريل الحالي، على أن يجدد دفع الأقساط في مطلع تموز/يوليو المقبل.
كذلك، أعلن بنك التسليف الشعبي، وهو أيضاً مملوك للحكومة، تجميد مدفوعات القروض. علماً أن كلا البنكين استثنيا من قراريهما القروض الشخصية التي يحصل عليها العاملون في الدولة، مدنيين وعسكريين، لأن مدفوعات قروضهم تؤخذ مباشرة من رواتبهم وتحول إلى البنكين.
ومع أن مثل هذين القرارين يعنيان حدوث نقص في السيولة في القطاع المصرفي السوري، مع عدم حصول البنوك على قدر معين من الإيرادات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، يظل خطر هذا الأمر منخفضاً عند هذا الحد. لكن الخطورة قد تتفاقم في حال لجأت الحكومة إلى البنوك الخاصة والعامة لشراء سندات خزينة. إذ سيضع هذا الأمر البنوك تحت ضغط متزايد.
العوامل التعويضية
رغم الاتفاق على تداعيات كبيرة لأزمة “كورونا” على الاقتصاد العالمي ككل، فإن عزلة سوريا الاقتصادية، بفعل العقوبات الاقتصادية خصوصاً، قد تساعد في تخفيف نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية المتوقعة على الاقتصاد السوري. إذ رغم أن سوريا مثقلة بالديون، بحيث خصصت أكثر من 30٪ من موازنتها للعام 2020 لخدمة الديون، فإن وضعها المعزول نسبياً في الاقتصاد العالمي يعني أن غالبية ديونها محلية، ولا يتم تقييمها بالدولار الأميركي. وبالتالي، فرغم أن التقلبات في قيمة الدولار أثرت على قيمة الليرة السورية، إلا أن البلاد محمية نسبياً من التقلبات في قيمة ديونها الوطنية.
من جانب أخرى، ربما تستفيد دمشق من الانخفاض السريع والكبير في أسعار النفط، بعد أن عانت لسنوات من أزمات وقود متكررة بسبب فقدان السيطرة على آبار النفط والغاز شرق البلاد خصوصاً، وتجميد الخط الائتماني الإيراني، وارتفاع أسعار النفط نسبياً، إلى جانب العقوبات.
وفقاً لـ”تقرير سوريا”، وهو موقع اقتصادي متخصص، زادت الإمدادات الإيرانية من النفط الخام إلى سوريا بشكل كبير. الأمر الذي يعود ربما إلى سعي إيران إلى شحن فائض إمداداتها من النفط لمواصلة إنتاجها وتجنب التخزين في الداخل. لكن بغض النظر عن السبب، يساعد هذا الأمر في استقرار سوق المحروقات في سوريا وخفض أسعارها. في الوقت نفسه، وبشكل مناقض لما سبق، فإن انخفاض أسعار النفط العالمية، والتي سجلت مؤخراً أدنى مستوياتها، قد يجعل إيران غير قادرة على تقديم مساعدات مالية لدمشق، خاصة فيما بالعملات الأجنبية.
الأسوأ لم يأتِ؟
عقب تسع سنوات على اندلاع الثورة السورية، شهد الاقتصاد السوري تدهوراً حاداً، بلغ ذروة مؤشراته منذ العام الماضي بانخفاض قيمة الليرة إلى أدنى مستوياتها.
ومع أن سعر صرف الليرة يبدو مستقراً حالياً عند حدود 1285 ليرة للدولار، إلا أن ذلك لا يمثل بالضرورة مؤشراً على الاستقرار الاقتصادي. كما إن التدابير التي اتخذها “المركزي السوري” لمنع الانهيار التام لليرة قد لا تؤتي ثمارها طالما بقيت سلطة المركزي قاصرة عن تقديم المساعدة للاقتصاد السوري ككل.
لذلك، ومع استمرار الحكومة وبعض مؤسسات القطاع الخاص في صرف الرواتب، فإنه من غير الواضح المدة التي يمكن أن تستمر فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة في ظل الحظر الصحي المفروض. بالإضافة إلى أن حظر التنقل بين المدن والمحافظات قد ينهي النشاط الاقتصادي القائم على التجارة الداخلية والإقليمية.
في المقابل، تشكل الأزمات فرصاً لفئات أو شخصيات محدودة. إذ قد تستغل شركات الغذاء الكبرى التي تواصل عملها في جميع أنحاء البلاد الوضع الحالي لتعزيز قوتها. وربما يجد بعض المستوردين الذين يواجهون قيوداً طرقاً غير تقليدية لجمع الدولارات وزيادة أرباحهم.
إضافة إلى ذلك، شرع بعض رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، مثل محمد حمشو، سامر الدبس، وفارس الشهابي، باتخاذ خطوات لإنشاء مبادرات للمساعدة في جهود الإغاثة، وتحسين صورتهم العامة. ما يعني أن النخبة المتنفذة في سوريا قد ترى من الظروف الحالية فرصة استثنائية، فيما عامة السوريين يعيشون حالة من عدم اليقين والخوف مما يلوح في الأفق.