لاجئ سوري في تركيا: أشعر أن حياتي وحريتي الشخصية ليست ملكي فهي مستباحة والسبب فقط أنني سوري!
عبد الله، 27 عاما، مصمم جرافيك وواحد من بين ما […]
24 فبراير 2017
عبد الله، 27 عاما، مصمم جرافيك وواحد من بين ما يقدر بـ2.8 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا.
هرب إلى البلدة التركية الحدودية، غازي عنتاب مع والدته وأشقائه، في تشرين الأول عام 2014، وذلك بسبب المعارك بين تنظيم الدولة والجيش السوري الحر، في مسقط رأسه، شمالي حلب.
وبالرغم من وجوده في تركيا، لم يتمكن عبد الله من الهروب من شبح تنظيم الدولة، الذي تبنى التفجيرات الانتحارية والقتل والاغتيالات داخل تركيا، فبعد منتصف الليل في الأول من كانون الثاني 2017، أطلق مسلح تابع لتنظيم الدولة النار على ملهى ليلي في إسطنبول، مما أسفر عن مقتل 39 شخصا وإصابة عشرات آخرين.
وجاء رد الحكومة التركية من خلال شن حملة اعتقالات طالت المشتبه في تعاونهم مع تنظيم الدولة. حيث داهمت الشرطة عشرات المنازل في شباط الجاري، وألقت القبض على مئات من المشتبه بهم في جميع أنحاء البلاد.
وفي اليوم الأول للحملة، اعتقلت قوات الأمن التركية 450 من المشتبه بهم، من بينهم 150 لاجئا سوريا. وكان عبد الله يعرف بعضهم حيث قال “كنت أعرف بعضهم وألتقي بهم في الحي بحكم جيرتهم (…) فعلاقتنا كانت سطحية مجرد تبادل السلام وبعض الكلمات”، مضيفا أنه بدأ يشعر بالريبة والخوف.
رسم حمد الحناوي. تصوير: الذاكرة الإبداعية للثورة السورية.
وقال عبد الله، لنورا الحوراني، مراسلة سوريا على طول “لم أستطع أن أنام عدة ليالي والتوتر والتفكير بهم لا يفارق مخيلتي، وكنت أحاول تذكر جميع اللحظات التي ربطتني بهم وأسأل نفسي ربما تأتي الشرطة بأي وقت لتعتقلني، ربما لأن شخصا ما قد رآني أقف مع أحدهم”.
كيف كانت حياتك في تركيا بداية فترة نزوحك في عام 2014؟
كنت أعيش حياة شبه طبيعية، ففي بداية نزوحي كنت أقيم في أورفا وأعمل بأحد المكاتب الإعلانية في مجال الجرافيك، كان المكتب يعود لمالك تركي وكانت معاملته جيدة جداً معي، مرت سنة ونصف في أورفا دون مشاكل تذكر.
إلى أن بدأت عمليات الاغتيال المتكررة من قبل تنظيم الدولة لصحفيين وناشطين وأيضاً عسكريين في المنطقة. بعد ذلك، بدأت تكثر الأحاديث بين السوريين في المقاهي والأماكن العامة عن مضايقات وتخوفات وحوادث هنا وهناك مع الأتراك في المنطقة.
في الواقع استشعرت الخوف والقلق الذي بدأ يدخل بيت كل عائلة سورية بسبب الخوف من اغتيالات التنظيم اولاً والحديث عن وجود عناصره بين الناس، ومن ردة فعل الشارع التركي على ما يحصل. شعرت بتغير المعاملة ونظرات الشك والريبة من صاحب العمل وعموم الموظفين الأتراك.
الحكومة التركية أطلقت حملة أمنية ضد المشتبه بتعاونهم مع تنظيم الدولة في بداية شهر شباط، هل أثرت الحملة عليك كونك لاجئ سوري تعيش في تركيا؟
في الواقع الحكومة التركية من حقها حماية أمن بلادها أولاً وأخيراً، وهي تعرضت لكثير من الأذى وخسرت الكثير الضحايا، ومن واجبها تحقيق الأمان لمواطنيها.
ولكن من ناحية أخرى، كان للحملة وحتى التفجيرات واقعاً وأثراً مأساوياً بالنسبة لي، هواجس وتخوفات تكبل تحركاتي وأصابع الاتهام التي قد تتوجه إلي في أية لحظة، تجعلني أعيش تحت وطأة ضغط نفسي كبير.
ففي الحي الذي أقطن فيه قامت الشرطة بمداهمات للبيوت التي يقطنها السوريون، جاءت الشرطة وحاصرت الحي، لم أجرؤ على الخروج للعمل في ذلك اليوم، حتى أنني منعت إخوتي من الذهاب للمدرسة.
اعتقلوا عددا من الشبان مشتبه بتعاونهم أو صلتهم بالتنظيم، كنت أعرف بعضهم وألتقي بهم في الحي بحكم جيرتهم، لم أكن أرى تحركات غريبة تظهر على تصرفاتهم، فعلاقتنا كانت سطحية مجرد تبادل السلام وبعض الكلمات.
لم أستطع أن أنام عدة ليالي والتوتر والتفكير بهم لا يفارق مخيلتي، وكنت أحاول تذكر جميع اللحظات التي ربطتني بهم وأسأل نفسي ربما تأتي الشرطة في أي وقت لتعتقلني ربما لأن شخصا ما قد رآني أقف مع أحدهم.
لم أعد أزور أحداً أو أستضيف أحداً إلا اذا كنت أعرفه تماماً، أعود باكراً للبيت وأتجنب السهر في الأماكن العامة قدر الإمكان، كما أتجنب الحديث عن التنظيم مع أحد.
منذ شهر تقريباً وفي وقت الظهيرة، أثناء عملي، سمعنا صوت إطلاق رصاص في الشارع وبدأت الاشتباكات، أغلقنا واجهة المكتب بشكل جزئي ولم نتجرأ على الخروج الى الشارع بدأت تزداد ضربات قلبي من شدة التوتر والفضول يأكل مخيلتي لمعرفة ما يجري.
استمرت الفوضى نصف ساعة وبعدها هدأت الامور، خرج مدير مكتبنا ليرى ما يحدث، وهنا تجرأت قليلاً واكتفيت بمشاهدة الشارع من النافذة، كانت إحدى الجثث ممددة على الأرض في منظر مؤلم، شعرت بالرعب كانت الشرطة في كل مكان، وعلمنا بعدها أن الشرطة قتلت شاباً واعتقلت اثنين آخرين من إحدى الشركات الملاصقة لمكتبنا، كانت الناس تقول أنهم مرتبطون مع التنظيم.
الشرطة التركية تداهم منزلا بحثا عن متعاونين مع تنظيم الدولة، 6 شباط. تصوير: وكالة أنباء الأناضول.
هل شعرت فعلاً ان هناك نقطة تحول في نظرة تركيا للاجئين السوريين؟
في الواقع كانت حادثة ذبح ناشطين من الرقة تذبح بصمت نقطة تحول كبيرة بالنسبة لي ولكثير من السوريين والاتراك أيضاً.
(الرقة تذبح بصمت، هي عبارة عن شبكة من الصحفيين المحليين الذين يغطون الأحداث في الرقة، عاصمة تنظيم الدولة في سوريا. وللمنظمة أعضاء داخل الرقة وفي الخارج. قتل فارس حمادي وإبراهيم عبد القادر، وهما أعضاء في الرقة تذبح بصمت، في تشرين الأول 2015 في أورفا. وبعد شهر، قتل ناجي الجرف، وهو صحفي ومخرج سينمائي في المنظمة، في وسط مدينة غازي عنتاب. وتبنى تنظيم الدولة عمليتي الاغتيال).
وبنظري هذه الحادثة البشعة بنت أول جدار أو حاجز من الخوف والحذر في نفوس السوريين والأتراك على حد سواء.
فقدت عملي بسبب الضغوط المستمرة من صاحب العمل، إلى أن طلب مني ترك العمل بصراحة قائلاً أنه لا يريد تعريض نفسه للخطر أو المسائلة الأمنية التي هو بغنى عنها.
كذلك بدأ صاحب المنزل يراقب تحركات عائلتي المكونة من أمي وإخوتي الثلاث، ويكثر التساؤلات عن خروجي ودخولي ويفرض قوانيين علينا ويمنعنا من استقبال الضيوف، بعد ذلك رفع آجار المنزل فعلمت أنه يضيق علينا لنخلي المنزل.
قررت عندها أن أغادر المدينة وأنتقل إلى منطقة أخرى فذهبت إلى غازي عنتاب أنا وعائلتي في الشهر الثامن من 2015، لم يكن الحال أفضل كثيراً فقد واجهت صعوبة في تأمين منزل وكان صاحب المنزل يرمقني بنظرات غير اعتيادية ويسأل لماذا لحيتك طويلة؟ أنا لا أفضل ذلك، ومن أي منطقة أنت في سوريا؟ ماذا تعمل؟ ومن أقرباؤك؟ وأسألة كثيرة. لم يقبل أن يؤجرني المنزل إلا بعد وساطة من جاره التركي الذي كان له صلة قرابة بأحد أصدقائي في غازي عنتاب.
وعملت هذه المرة مع سوريين في إحدى المنظمات الإغاثية تجنباً للعمل مع الأتراك، في الواقع كان هذا أفضل بكثير لكن معاناتي لم تنتهِ للأسف.
في نهاية 2015 تم اغتيال الناشط ناجي الجرف في غازي عنتاب وبعدها التفجير الذي وقع بحفلة زفاف في آب 2016 وعقبه تفجير آخر في تشرين الأول من نفس العام.
(هاجم انتحاري حفل زفاف في غازي عنتاب، في 20 شباط العام الماضي. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يعتقد بأن تنظيم الدولة قد يكون وراء الهجوم الانتحاري، الذي أسفر عن مقتل 57 شخصا).
هذه الحوادث الكارثية كانت نقمة على اللاجىء السوري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
بعد كل حادثة كان يزداد حجم الخوف في داخلي الذي أصبح ينعكس على كل تصرفاتي، لدرجة أنني أجري في الشارع لأختبىء عند سماع أي اشتباكات قريبة أو ملاحقات للشرطة.
أيقنت أن تنقلي إلى مدينة أخرى هذه المرة لم يعد نافعاً، لأن الوضع سيكون متشابهاً، رغم أن بعض أصدقائي تركوا عملهم وفضلوا الانتقال إلى المدن الداخلية البعيدة، والتي تكون فيها نسبة السوريين أقل.
كيف يتم التعامل أمنياً مع السوريين؟ وهل اختلفت المعاملة عن ما كانت عليه بداية لجوئك؟
بحكم عملي مع المنظمة أحياناً أضطر للسفر إلى مدن أخرى، لا أستطيع السفر بالطائرة ممنوع لأنني لا أحمل جواز سفر نظامي.
(حاملو جوازات السفر السورية لا يستطيعون السفر بالطائرة داخل تركيا دون إذن من سلطات الهجرة. وعادة ما يمنح الإذن للطلاب والحالات الطبية).
أحياناً تأخذ الرحلة مدة تتجاوز 18 ساعة براً وهذا متعب كثيراً بالإضافة إلى الحواجز على طول الطريق والتشديد الأمني، عند كل حاجز تقف الحافلة ويصعد رجال الشرطة ويقومون بإنزال السوريين من الباص ويتم تفتيشهم بدقة وكل أمتعتهم.
قبل السفر علي ان أحصل على موافقة أمنية، ويتم التحقيق مع الشخص عن مكان سفره؟ وعند من سيقيم؟ ولماذا سيسافر؟ واذا تم السماح له يعطى مدة أقصاها 15 يوماً وبعدها عليه العودة وكذلك تسليم الورقة لإعلامهم بعودتك.
مرة في إحدى المطارات أوقفني الضابط وطلب تفتيش موبايلي الشخصي ومن المفترض أن هذا ممنوع، والسبب أنني كنت أضع صورة لشخص من أقربائي الذين استشهدوا في سوريا يرتدي الزي العسكري كخلفية للموبايل، احتجزت لنصف ساعة وأنا أحاول أن أتفاهم مع الضابط وبعدها أعاد الموبايل لي وأطلقني.
اليوم أتجنب إطلاق لحيتي وكذلك أتجنب وضع أي شيء في موبايلي يثير أي شبهات حولي، وأشعر أن حياتي وحريتي الشخصية ليست ملكي، فهي مستباحة والسبب فقط أنني سوري!
ترجمة: سما محمد