“لا نعرف إن كان على قيد الحياة أو فارقها”.. شخصيات معارضة تختفي رغم وعود المصالحات في درعا
ميكروباص في مدينة درعا في 2 تشرين الثاني. تصوير محمد […]
18 نوفمبر 2018
ميكروباص في مدينة درعا في 2 تشرين الثاني. تصوير محمد أبازيد.
في صباح 7 تشرين الثاني الباكر، عثر سكان بلدة داعل على جثة ممددة على حافّة طريق فرعي، في مكان ما على مشارف بلدة داعل في جنوب سوريا.
وتجمع بعض الناس حول الجثة، في حين وقف ضباط الأمن وهم يرتدون ثياباً مدنية – عناصر فرع المخابرات الجوية سيئة السمعة في سوريا – في طريقهم ليمنعوا أي شخص من النظر إلى الجثة عن قرب، وفقاً لما أكده شهود عيان، ومع ذلك، فإن عدداً من المارة تمكنوا من تحديد هوية الضحية ومعرفته.
وكان قبل ساعات قليلة، اختفى غانم الجاموس، قائد الشرطة السورية الحرة في داعل التابعة للمعارضة، من منزله، مما أثار قلق أسرته، حيث خرجت إلى الشوارع للبحث عن قريبها.
وأنهى الجاموس عمله مع الشرطة السورية الحرة منذ عدة أشهر وبدأ عملية المصالحة مع دمشق، وهو إجراء مبهم يقوم به المعارضون في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقاً ليمنحهم الفرصة في العيش تحت سيطرة الدولة دون عقاب، والجاموس ضابطٌ سابق في الجيش السوري، انشق عنه وأعلن انضمامه إلى المعارضة بعد وقت قصير من بدء القتال.
وناشد المفاوضون الحكوميون سكان مدينة درعا الذين لم يعودوا بعد بالعودة إلى “حضن الوطن”، حيث سيتم العفو عن الأنشطة السابقة المناهضة للحكومة – لكلا المقاتلين والنشطاء.
وبدأت المصالحة في جنوب سوريا في شهر تموز، عندما سيطرت القوات الموالية للحكومة بدعم من القوات الجوية الروسية على كامل محافظة درعا، بالإضافة إلى القنيطرة المجاورة، فيما استقل آلاف السكان – بما في ذلك المقاتلين والمدنيين الذين رفضوا شروط الحكومة – حافلات الإجلاء وغادروا إلى الشمال الواقع تحت سيطرة المعارضة في سوريا.
أما البعض، بما فيهم الجاموس، أخذوا فرصتهم، وبقوا في مناطقهم.
وبالعودة إلى جانب الطريق في ذلك الصباح في تشرين الثاني، تمكن العديد من أقارب الجاموس أخيراً من إقناع ضباط الأمن بالسماح لهم بالاقتراب والتعرف على الجثة.
وبعد إزالة الغطاء عن الجثة، رؤوا جثة قائد الشرطة السابق عليها آثار تعذيب واضحة، وجروح منتشرة في أنحاء جسمه، بالإضافة إلى عدة ثقوب في الصدر، كما تم بتر أحد أصابعه، وفقاً لمصدر مقرب من الأقارب الذي تمكن من التعرف على الجثة في داعل.
وسارع الأقارب بتوجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة السورية بعد اختفاء الجاموس، وانتشار القتل وما رافقه من موجة اعتقالات استهدفت مدنيين ومعارضين سابقين في جميع أنحاء محافظة درعا منذ المصالحة، وقال أحد أقارب الجاموس لسوريا على طول “عدد من أفراد العائلة تأكدوا أن المخابرات الجوية [فرع الأمن] وراء ماحدث”.
ووافق العديد من أقارب المتوفى التحدث مع سوريا على طول حول اختفاء ضابط الشرطة السابق ومقتله، ولكن بشرط عدم الكشف عن أسمائهم خوفاً من الانتقام.
وذكر أحد أقارب الجاموس لسوريا على طول أن “لم يكن لديه مشاكل مع أي شخص، كان رجلاً هادئاً ومسالماً”.
ولم تكن عملية اختفاء الجاموس فريدة من نوعها، ووفقاً لإحصاءات قامت بها سوريا على طول استناداً إلى وثائق ومقابلات مع عشرات النشطاء المحليين ومسؤولي المعارضة السابقين وأقارب المختفين، فإن القوات الموالية للحكومة اعتقلت ما لا يقل عن 23 شخصاً من قادة المعارضة السابقين وشخصيات من المعارضة في محافظة درعا منذ أن استعادة سيطرتها على الجنوب الغرب في تموز.
كما قاموا باعتقال العشرات من المدنيين، ومعظمهم من الشبان، وفقاً للسجلات التي قدمها مكتب توثيق شهداء درعا لسوريا على طول.
ومن الصعب الحصول على معلومات موثوقة عن ملابسات حالات الاختفاء والاعتقال هذه، وعلى الرغم من أن عدد الاعتقالات أكبر من ذلك على الأرجح، إلا أن سوريا على طول لم تتمكن من التأكد من جميع الحالات المبلغ عنها بشكل مستقل.
ووصفت المصادر المحلية، بما في ذلك أحد المفاوضين الذي ساعد في التوصل إلى الاتفاق النهائي الذي يحدد مصير الجنوب، أن المحافظة تمر بحالة اضطراب وغموض مستمر خلال التحول السياسي الحالي والذي أحياناً ما يكون عنيفاً، وفي نفس الوقت، تستمر الاعتقالات وعمليات الاختفاء القسري الواسعة في خرق بنود الاتفاق الذي كان من المفترض أن يهدف إلى إعادة دمج مساحات من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقا والعودة إلى حضن الحكومة.
“لا نعرف حتى ما إذا كان على قيد الحياة”
وفي حزيران، شنت الحكومة السورية حملة جوية وبرية واسعة النطاق على مواقع المعارضة في كل من محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبية، مما أدى إلى حدوث أكبر عملية نزوح سكاني في الحرب السورية، حيث تم تشريد حوالي ربع مليون مدنياً من منازلهم.
وتوقع العديد من المراقبين حدوث معركة طويلة ودامية، ولكن في تموز، بعد أسابيع قليلة من بدء الحملة، انتهى القتال بالفعل، واستولت القوات الموالية للحكومة على المناطق الاستراتيجية الحرجة – بما في ذلك البلدات والجبال المطلة على مواقع المعارضة – وبدأت تفاوض على خضوع قوات المعارضة للمصالحات من بلدة لبلدة ومن مدينة إلى أخرى.
وقام الآلاف من سكان درعا والقنيطرة، من نشطاء ومقاتلين تابعين للمعارضة بالصعود إلى الحافلات الحكومية المتجهة إلى الشمال الغربي كجزء من اتفاق التسليم، وكان مطلوباً من أولئك الذين يرغبون في البقاء في مدنهم التوقيع على عملية مصالحة غامضة من أجل العودة إلى الحياة تحت سيطرة الحكومة.
وفي إطار عملية المصالحة التي تديرها الحكومة، والتي يتم دعمها من قبل روسيا في بعض المناطق، يُمنح الذكور العسكريون فترة مدتها ستة أشهر – ابتداء من آب- للذهاب إلى مراكز المصالحة الحكومية وتسوية وضعهم مع السلطات، أما بالنسبة لأولئك الذين لم يكملوا خدمتهم العسكرية يتوجب عليهم أن يفعلوا ذلك عند انتهاء فترة السماح المحددة بستة أشهر.
وعملية المصالحة لاتزال مستمرة، مع منح سكان درعا والقنيطرة مدة شهرين لتسوية أوضاعهم.
ولكن أكدت مصادر على الأرض لسوريا على طول أن المصالحة تبدو بالفعل في حالة انهيار، مع وجود روايات عن اعتقالات واسعة وحالات اختفاء قسري، ومضايقات عند نقاط التفتيش، فضلاً عن حل ميليشيا موالية للحكومة مدعومة من روسيا، أنشئت لاستيعاب مقاتلي المعارضة الذين قاموا بتسوية أوضاعهم.
وظهرت أولى علامات هذا الانهيار في منطقة اللجاة، وهي منطقة ريفية إلى حد كبير في ريف درعا الشرقي، حيث شنت الحكومة السورية حملة اعتقالات واسعة في أوائل شهر أيلول، وذكرت تقارير إعلامية تابعة للحكومة أن عشرات المدنيين اعتقلوا لصلاتهم المزعومة بتنظيم الدولة، ورغم أن تنظيم الدولة كان يسيطر في السابق على أجزاء كبيرة من حوض اليرموك في محافظة درعا في جنوب غرب البلاد، إلا أن غالبية المعتقلين لم تكن لهم صلات واضحة بالجماعة المتشددة، كما أخبر النشطاء سوريا على طول في ذلك الوقت.
وبعد اللجاة، بدأت حملة الاعتقالات تتوسع وفي 3 أيلول، واعتقلت القوات الموالية للحكومة قائد الجيش السوري الحر أيهم الجهماني في مدينة نوى بمحافظة درعا الغربية.
وكان الجهماني قائداً للواء المنصور التابع لفرقة أحرار نوى في الجيش السوري الحر، الذي يتخذ من نوى مقراً له، عندما استسلمت المدينة للحكومة في تموز، قبل أن تبدأ عملية المصالحة مع الحكومة، وفقاً لمواقع إعلامية تابعة للمعارضة، ولم تتضح ظروف اختفائه على الفور.
وقال اثنين من أقارب الجهماني الذين تحدثوا إلى سوريا على طول، أن شهود عيان شاهدوا سيارة ذات نوافذ سوداء تقترب من قائد الجيش السوري الحر السابق خارج متجر محلي، قبل أن يتم اختطافه من الشارع، ولم تتمكن سوريا على طول من التأكد من الادعاء بشكل مستقل.
وقال أبو محمد، أحد أقارب الجهماني الذي يعيش الآن في إدلب بعد إجلائه من نوى في تموز، لسوريا على طول “لا أحد يعرف من ألقى القبض عليه”.
وأكد أفراد عائلته أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى أي شخص لديه تفاصيل عن كيفية اعتقاله، كما أنهم لم يتمكنوا من تحديد مكان تواجده من خلال القنوات الرسمية.
وأضاف أبو محمد “نحن لا نعرف حتى ما إذا كان على قيد الحياة أو أنه فارقها”.
“القاضي والجلاد”
ويخمّن أحد أقارب الجهماني أن اختفاء قائد الجيش السوري الحر السابق يمكن أن يرتبط بإقامته القصيرة قبل عدة أشهر في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، حيث تلقى رعاية طبية من الأطباء الإسرائيليين.
وقدت إسرائيل في وقت سابق العلاج لمدنيين سوريين مصابين بالإضافة إلى مقاتلي المعارضة في المستشفيات داخل مرتفعات الجولان المحتلة – بهدف إقامة علاقات عبر الحدود والحفاظ على أمن الأراضي الإسرائيلية (اسمياً) من تشكيلات المعارضة غير المستقرة وغير الموثوقة، وفقاً لما أفادت به الباحثة في الشأن السوري إليزابيث تسركوف في أيلول.
وفي الوقت نفسه، من المؤكد أن الدعم المادي الإسرائيلي لمقاتلي المعارضة السوريين وضع القادة والمقاتلين من تلك الفصائل في مرمى الحكومة السورية وحلفائها.
ومع ذلك، فإن كل الروايات هي مجرد تكهنات مع عدم وجود أي إشارة على الإطلاق عن ماحدث، ناهيك عن المعلومات التي حصل عليها أقارب الجهماني من المسؤولين الحكوميين، وأكدوا أن “لا أحد يعرف على وجه اليقين” ما حدث للجهماني.
ورغم إطلاق سراح بعض قادة المعارضة من قبل الحكومة، في الأسابيع الأخيرة، إلا أن معظم من اعتقلوا أو اختفوا لا يزالون رهن الاحتجاز. وفي كثير من الحالات، لا يمكن معرفة أماكن وجودهم، ولا تزال الاعتقالات مستمرة في بعض مناطق درعا، بحسب ما قالته المصادر على الأرض.
وقال أبو محمود، البالغ من العمر 25 عاماً، ويقيم في بلدة إنخل غربي درعا “كل يوم يقوم النظام بمداهمة المنازل بحثاً عن المطلوبين.. من المفترض ألا يحدث هذا – فمهلة الستة أشهر لم تنته بعد”.
وتركزت غالبية حالات الاعتقال والاختفاء، حتى الآن، على الريف الغربي من درعا، وتحديداً في المناطق التي سارعت بالدخول في مفاوضات مع الحكومة وقبول تسوية سياسية، بحسب ما قاله قيادي سابق في المعارضة يقيم حالياً في محافظة القنيطرة، لسوريا على طول.
وقال القيادي الذي صرّح شريطة عدم الكشف عن هويته أن تلك المجتمعات التي أطالت أمد المفاوضات واستسلمت في وقت لاحق من الصيف كان لديها وقت لبناء علاقات أعمق مع الحكومة والضباط الروس.
وأضاف لسوريا على طول “لقد تمكنوا أيضاً من إخفاء الأسلحة وإعداد أنفسهم – النظام يعرف ذلك ويخطط وفقاً لذلك، أما بالنسبة لمناطق أخرى مثل داعل، غرب درعا، فقد سلموا أنفسهم – لا يوجد من يدير الأمور هناك ويمكن للنظام اعتقال أشخاص جدد كل يوم”.
وبالرغم من أن غالبية قادة الجيش السوري الحر المعتقلين أجروا تسوية أوضاعهم مع دمشق، إلا أنه يمكن للحكومة متابعة القضايا الجنائية أو الدعاوى الفردية ضد السوريين الذين وقعوا على التسوية.
وتابع قائلاً إن “المصالحة لا تشمل الجرائم الفردية، كثير من أولئك الذين تم اعتقالهم متهمون ببيع المخدرات، والسرقة، والخطف وغيرها”.
ورغم أن القيادي اعترف بأن بعض القضايا الجنائية ضد قادة الجيش السوري الحر السابقين قد تكون مشروعة، فإنه وآخرون يشعرون بالقلق من أن الاتهامات تستخدم – في كثير من الحالات – كذريعة لاعتقال الأشخاص المحميين بالمصالحة.
وقال إن “النظام يستغل التهم الجنائية، والمصالحة لن تنفعك بشيء إذا كنت تواجه دعوى قضائية”.
وقال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن الحكومة السورية تسيطر “سيطرة تامة” على الإجراءات القضائية في البلاد.
وأضاف لسوريا على طول إن “النظام لا يحتاج إلى جمع الأدلة، ولا يحتاج إلى تقديم قضية إلى المحكمة… النظام في حالة سيطرة كاملة”، وأوضح قائلاً “لا يمكن أن تفصل بين القاضي والجلاد في سوريا”.
وهناك شيء آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو أن نقل القضايا – من محكمة جنائية إلى محكمة مكافحة الإرهاب أو أي فرع أمني، على سبيل المثال – يعني أنه يمكن محاكمة المشتبه به وحكمه دون شفافية أو مساءلة.
وبحسب بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة ” في النهاية، المشكلة تكمن في الأفرع الأمنية والمحاكم في المقام الأول”.
ويمكن أن يواجه المعتقل – سواء كان مقاتلاً أو غيره – “محاكمة غير عادلة” في مكان ما، في عمق النظام القانوني السوري المعقّد والأجهزة الأمنية، وفقاً للأحمد.
وتابع الأحمد “هذا ليس دفاعاً عن أولئك الذين ارتكبوا جرائم، لكن يجب محاكمة المقاتلين والمدنيين على حد سواء محاكمة عادلة”.
“المصالحة لن تنفعك”
وجاءت أكثر القضايا العلنية في التهم الجنائية التي حلت محل المصالحة، في أواخر الشهر الماضي، عندما بث التلفزيون الرسمي السوري مقابلة مع قيادي سابق في الجيش السوري الحر – تحت الإكراه – وهو يعترف.
وبدا صوت أحمد الفاروق يرتجف خلال فيديو الاعتراف الذي بثه التلفزيون السوري، أواخر الشهر الماضي، وألقت الحكومة السورية القبض على القيادي السابق في الجيش الحر قبل عدة أيام من السيطرة على بلدة الحارة في غرب درعا وبقي محتجزاً لدى الدولة منذ ذلك الحين.
ووفقاً لبيان أذاعته قناة سما الإخبارية الموالية للحكومة، فقد اعتقلت قوات الأمن السورية الفاروق لدوره في عملية اختطاف مزعومة، ولإطلاق “هجمات إرهابية” على مواقع الجيش السوري، والتعاون مع إسرائيل، وقام أحد ضحايا الفاروق المزعومين بتأكيد الاتهامات الموجهة إلى القيادي، مما أدى إلى احتجازه.
وقال الفاروق لصحافي قناة سما أمام الكاميرا، وقد بدا غير مرتاح بشكل واضح – ولحيته غير مشذبة وشعره كذلك، أثناء اعترافه بجرائمه المزعومة “إذا كنت متورطاً في ملاحقات قضائية خاصة، فالمصالحة لن تنفعك”.
وعند نقطة معينة، تحركت الكاميرا لتظهر يدي الفاروق المكبلتين وهما ترتجفان.
ساهم محمد الحاج علي في إعداد هذا التقرير.
هذا التقرير هو جزء من مشروع مشترك، لمدة شهر، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور لتدريب الصحفيين على إنتاج التصميم الغرافيكي (الرسوم البيانية).