ماذا تعني الانتخابات الرئاسية الأميركية بالنسبة لسوريا؟
بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، إن فوز المرشحة كاملا هاريس، نائبة بايدن، يعني استمرار الوضع الراهن، بينما ولاية ترامب الثانية تنطوي على احتمالات اتباع نهج أكثر نشاطاً وتقلباً
5 نوفمبر 2024
نيويورك- بينما يتوجه الناخبون الأميركيون إلى صناديق الاقتراع، اليوم الثلاثاء، في انتخابات رئاسية متقاربة ومتنازع عليها بشدة بين نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، والرئيس السابق دونالد ترامب، فإن قلة من هؤلاء يفكرون بسوريا.
نادراً ما تكون السياسة الخارجية هي العامل الحاسم في انتخابات الولايات المتحدة الأميركية. هذا العام، حدد معظم الناخبين الاقتصاد والهجرة والحفاظ على الديمقراطية والإجهاض كأهم اهتماماتهم. وفي أحد استطلاعات الرأي، التي جرت في أيلول/ سبتمبر، أشار 81 بالمئة من الناخبين إلى أن الاقتصاد يلعب دوراً “مهما جداً” في قرارهم، بينما قال 62 بالمئة -54 بالمئة من مؤيدي هاريس و70 بالمئة من مؤيدي ترامب – الشيء نفسه عن السياسة الخارجية.
عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن الحرب الروسية-الأوكرانية والأزمة في الشرق الأوسط -حرب إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، والتوترات غير المسبوقة مع إيران، ومصير الرهائن الذين تحتجزهم حماس – هي من الشواغل الرئيسية.
وقد تلعب الحرب في غزة بالفعل دوراً مهماً في نتيجة انتخابات هذا العام. ولاية ميشيغان، وهي ولاية متأرجحة حاسمة، موطن أكبر تجمع للناخبين العرب الأميركيين في البلاد، وكثير منهم مستاؤون من تعامل إدارة بايدن-هاريس مع ما يصفونه بحرب الإبادة الجماعية، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 43,824 شخصاً، وتسهم واشنطن في تمويلها وتمكينها.
ولكن سواء كان الأميركيّون يضعون سوريا في أذهانهم أثناء الإدلاء بأصواتهم أم لا، فإن نتيجة الانتخابات -وما تعنيه بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية- لها عواقب مباشرة على بلدٍ تشكلت أزمته، التي استمرت لأكثر من 13 عاماً، من قبل ثلاث إدارات رئاسية، وما تزال الولايات المتحدة تحتفظ بمئات الجنود على الأرض.
بالنسبة لسوريا، إن فوز هاريس يعني على الأرجح استمرار الوضع الراهن في السياسة الأميركية في عهد الرئيس الحالي جو بايدن: إبقاء سوريا في مرتبة متدنية من الأولوية والسعي لإدارة الأزمة واحتوائها، إلى جانب التركيز على مكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية والحدّ من نفوذ طهران. أما ولاية ترامب الثانية فهي أقل قابلية للتنبؤ، وتنطوي على احتمالات اتباع نهج أكثر نشاطاً وتقلباً، بالإضافة إلى فك الارتباط. كما أن للحرب في غزة ولبنان تبعات مباشرة على سوريا، وأي إدارة مستقبلية ستحدد مسارها بعمق.
إدارة بايدن
على مدى السنوات الأربع الماضية، احتلت سوريا مرتبة متدنية في أجندة السياسة الخارجية لإدارة بايدن، بحسب محمد بكر غبيس، عضو مجلس الإدارة والرئيس السابق لمنظمة ”مواطنون من أجل أمريكا آمنة وسالمة“ (C4SSA)، وهي مجموعة مناصرة أميركية سورية. وقال: ”تقديرنا لسياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا هو عدم وجود سياسة“، أي أن الانخراط بسوريا ”في حده الأدنى“.
وأضاف غبيس: ”تقديري أن الإدارة الحالية غير قادرة على الانخراط بشكل هادف في المنطقة“، معتبراً أن عدم اهتمام واشنطن، سواء في سوريا أو في الشرق الأوسط على نطاق أوسع، أدى إلى عدم الاستقرار، مستدلاً على ذلك بما يجري في غزة بقوله: “أعتقد أن ما يحدث في غزة هو مثال على كيفية تعامل الإدارة الحالية مع الشرق الأوسط“.
يتمثل نهج الإدارة الأميركية الحالية بـ”التعامل مع الصراع وإدارته وتجميده”، كما قال أيمن عبد النور، مدير منظمة ”مسيحيون سوريون من أجل السلام“، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها.
وأيده رضوان زيادة، وهو زميل بارز في مركز أبحاث المركز العربي في واشنطن العاصمة، قائلاً: ”بشكل عام، أعطي بايدن علامة متدنية في السياسة السورية خلال السنوات الأربع الماضية“، معبراً عن شعوره بأن إدارة بايدن تفتقر إلى استثمار سياسي واضح عندما يتعلق الأمر بسوريا.
من جهته، قال روبرت فورد، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، وشغل منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا بين عامي 2011 و2014، ودبلوماسي محترف في ظل إدارتي الجمهوريين والديمقراطيين، أن إدارة بايدن لديها سياسة محددة تجاه سوريا، ولكنها “سياسة لا يحبها منتقدوها”.
وترتكز هذه السياسة على أربع ركائز: مكافحة الإرهاب، والمساعدات الإنسانية، والعقوبات، والالتزام المعلن بالتسوية السياسية للصراع، بحسب فورد، معتبراً أن هذه الركائز مجتمعة ”لا تنتج تسوية، وإنما تنتج نوعاً ما الوضع الراهن”. وأضاف: ”حتى أكون منصفاً لإدارة بايدن، لا أعتقد أن الأمريكيين قادرون على حل المشكلة السورية بإدارة بايدن، ولا أعتقد أن الروس قادرون على حلها. إنه طلب مستحيل”.
كان استخدام العقوبات، وهو جزء أساسي من نهج الإدارة الأمريكية تجاه سوريا، محدوداً وبطيئاً في عهد بايدن. ولم يتم تنفيذ قانون قيصر -وهو قانون عقوبات تم تمريره في عهد ترامب- إلا بشكل جزئي، واستخدم بشكل أساسي ضد مهربي المخدرات.
وبينما تؤكد إدارة بايدن على أن سياستها المعارضة للتطبيع لم تتغير، إلا أنها عملت على عرقلة تمرير قانون مكافحة التطبيع مع نظام الأسد، الذي من شأنه تمديد قانون قيصر، المقرر أن تنتهي صلاحيته في نهاية عام 2024، وتوسيع نطاقه.
يذهب المنتقدون إلى أن إدارة بايدن مكنت بحكم الأمر الواقع من الاتجاه المتزايد للتطبيع مع نظام بشار الأسد من خلال عدم معارضته بشكل فعال. في عام 2021، ذكر الكاتب في صحيفة واشنطن بوست جوش روجين أن مسؤولاً داخل الإدارة أخبره بأنها ”لم تعد تعمل بنشاط لمنع الدول من التعامل مع الأسد، إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد“.
وأشار فورد إلى أن ”إدارة بايدن لم تكن تضغط بقوة من أجل تجديد قانون قيصر“، مضيفاً: ”قد يكون هذا تحولاً… إحساسي لا يعني أنهم غيروا رأيهم بقدر ما يعني أنه ليس أولوية“.
كيف ستبدو إدارة هاريس؟
من المرجح أن يكون نهج الولايات المتحدة تجاه سوريا في ظل إدارة هاريس امتداداً للوضع الراهن في عهد بايدن، كما يتفق معظم المراقبين، إلا إذا حدثت تحولات جذرية على الأرض.
منذ أن أصبحت مرشحة لمنصب الرئاسة عن الحزب الديمقراطي في آب/ أغسطس، سعت هاريس إلى تقديم ”جيل جديد من القيادة“ مع الدفاع عن سجل الإدارة الحالية، التي هي جزء منها.
عندما سُئلت هاريس خلال ظهور تلفزيوني، في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، عما إذا كان هناك شيئاً ستفعله بشكل مختلف عن بايدن خلال السنوات الأربع الماضية، أجابت هاريس: ”لا يوجد شيء يتبادر إلى الذهن”.
ومع ذلك، يأمل غبيس في أن يكون هناك بعض الاختلاف بين بايدن وهاريس عندما يتعلق الأمر بسوريا، قائلاً: “سواء كان ذلك بسبب ظروف أزمة غزة أو بسبب أسلوبها الخاص، أتوقع المزيد من المشاركة والاهتمام بالمنطقة بشكل عام”، وأضاف: “سيكون التقييم المختلف من قبل فريق جديد أمراً إيجابياً… ستكون هناك طاقة جديدة ودماء جديدة. وأعتقد أن هذا في حد ذاته أمر مطمئن”.
في حملتها الانتخابية، تحدثت هاريس بشكل أساسي عن الشرق الأوسط في إشارة إلى الحرب في غزة، قائلة إنها تتعاطف مع معاناة المدنيين مع التأكيد على “التزام بلادها الثابت بأمن إسرائيل”.
وقال غبيس: ”من خلال تفاعلنا مع الحملة، نعلم أن نائبة الرئيس كامالا مهتمة بدعم ومواصلة الدعم، ونأمل أن تزيد من التمويل الإنساني والمساعدات للشعب السوري بشكل عام“. تتواصل منظمة ”مواطنون من أجل أمريكا آمنة وسالمة” مع الديمقراطيين والجمهوريين، وقد تواصلت مع حملتي هاريس وترامب.
وتوقع عبد النور وزيادة وفورد اتساقاً بين بايدن وهاريس بشأن سوريا. ”لا يمكنني أن أتخيل أن هاريس ستغير سياستها بشأن بشار الأسد أو تسقط العقوبات. هذا أمر لا يمكن تصوره بالنسبة لي”، قال فورد.
ولاية ترامب الثانية
فيما يبدو أن رئاسة هاريس ستكون امتداداً لنهج بايدن، فإنه من الصعب تقييم ما قد تعنيه رئاسة ترامب الثانية لسوريا.
“مشكلة ترامب أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وهذا أمر خطير للغاية بالنسبة للسياسة الخارجية“، بحسب زيادة، متوقعاً عدم قبول ترامب في ولايته الثانية أي تقييد أو عوائق من أي شخص بخصوص قراراته، على عكس ولايته السابقة.
تميزت السنوات الأولى من رئاسة ترامب بمواصلة الحرب ضد تنظيم “داعش”، التي بلغت ذروتها، عام 2019، بانتهاء دولة “الخلافة”، التي أعلنها التنظيم في سوريا والعراق، فضلاً عن مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي. كما وجه ترامب أيضاً ضربات على أهداف عسكرية للنظام السوري في عامي 2017 و2018 رداً على الهجمات الكيماوية ضد مناطق سيطرة المعارضة. وصف فورد ما جرى بأنه “كان رداً مدروساً للغاية“، ومن الواضح أن “إدارة ترامب لم ترغب في التصعيد”.
أما فيما يتعلق بالضغط على نظام الأسد، فقد ”تحدثت الإدارة الأمريكية عن لعبة قاسية، ولكن في الواقع لم يفعل الأميركيون الكثير“، كما قال فورد، بينما “كان للروس المبادرة الدبلوماسية المتمثلة في عملية الأستانة [محادثات السلام التي تقودها روسيا وتركيا وإيران]، ولم يُدع الأميركيون في معظمها”.
وقد اتخذت إدارة ترامب، لا سيما وزير الخارجية مايك بومبيو، موقفاً متشدداً من إيران، إذ انسحبت من الاتفاق النووي المُبرم في عهد أوباما، وفرضت استراتيجية ”الضغط الأقصى“ المتمثلة في زيادة العقوبات. لذا فإن انخراط الولايات المتحدة بسوريا في عهد ترامب، بما في ذلك معارضة النفوذ الإيراني، كان “أكثر فاعلية” مما عليه في عهد بايدن، بحسب غبيس، من منظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة وسالمة”.
وأضاف غبيس: ”لقد انخرط مجتمعنا مع حملة ترامب وسمعنا تصريحات مطمئنة… حول سياسته من سوريا، التي تتماشى إلى حد ما مع السياسة المناهضة لإيران و[أن] احتواء الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا سيبقى أولوية لإدارة ترامب الجديدة”، كما “سمعنا عن مواقف مطمئنة فيما يتعلق بالإبقاء على الأسد كعدو للبلاد”.
من جهته، ذهب عبد النور إلى أن طبيعة السياسة الخارجية لترامب، التي لا يمكن التنبؤ بها، فرصة لاتخاذ إجراءات حاسمة، سواء بشأن إيران أو سوريا، قائلاً: “لن يكون الأمر متعلقاً بما سيفعله، [بل] كيف سيتفاعل مع شيء ما، أو حدث ما”، واعتبر أن ترامب الذي أصبح أكثر خبرة كسياسي مما كان عليه في ولايته الأولى “يستطيع الوقوف واستخدام قوة الولايات المتحدة، في حين أن الديمقراطي لا يستخدمها“، لذا “نحن نعول الآن على أنه أكثر حكمة”.
ومثل هاريس، فإن سياسة ترامب الخارجية تجاه الشرق الأوسط غير معروفة إلى حد كبير، باستثناء ”الوقوف مع إسرائيل“ و”استعادة السلام في الشرق الأوسط“، لا يقول البرنامج الرسمي للحزب الجمهوري سوى القليل. أدلى ترامب نفسه في العديد من التصريحات أنه فعل لإسرائيل أكثر من أي إدارة سابقة أخرى، وحث تل أبيب على “إنهاء ما بدؤوه” في غزة قبل أن يبدأ فترة رئاسية ثانية محتملة.
في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، تواصل ترامب مع قادة الجالية الإسلامية داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك السوريون الأميركيون، في محاولة لتحقيق الفوز بولاية ميشيغان.
معظم السوريين الذين تحدث إليهم زيادة يدعمون هاريس، في حين أن البعض “يعتقد أن خطاب ترامب ضد إيران قد يساعد السوريين”، لكن بالمحصلة “لا توجد سياسة متماسكة”، والحركات الاستفزازية مثل اغتيال الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني، عام 2020، “لا تطور أي سياسة ذات مغزى [من أجل] حياة السوريين”.
شبح الانسحاب
ثمة سؤال رئيسي يخيم على أي نقاش حول السياسة الخارجية الأميركية بشأن سوريا، وهو مرتبط بمستقبل الوجود العسكري الأميركي على الأرض. لدى الولايات المتحدة حالياً ما لا يقل عن 900 جندي وعدد من المتعاقدين العسكريين في سوريا، لا سيما في أجزاء من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي البلاد.
وقال غبيس: “إن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا كارثي في تقييمنا، وسيكون ذلك من أهم مخاوفنا مع سياسة إدارة ترامب الجديدة بشأن سوريا”.
يعود تاريخ الوجود البري الأميركي في سوريا إلى عام 2015، كجزء من دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لـ”قسد”، ضد تنظيم “داعش”. ويشكل الدعم المستمر لـ”قسد” مصدراً دائماً للتوتر بين الولايات المتحدة وتركيا. إذ تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني (التركي)، المدرج كمنظمة إرهابية من قبل الدولتين.
كما أن استمرار وجود القوات الأمريكية، التي من المفترض أن تكون مهمتها مكافحة الإرهاب لمنع عودة ظهور تنظيم “داعش” من جديد، هو بمثابة حصن ضد هجوم بري تهدد به تركيا منذ فترة طويلة ضد مناطق نفوذ “قسد” على طول حدودها.
أوعز ترامب، الذي طالما انتقد حروب بلاده “التي لا تنتهي“، بسحب جميع القوات الأميركية من سوريا مرتين خلال فترة إدارته. لكن شخصيات داخل إدارته أقنعته في نهاية المطاف بالإبقاء على بضع مئات من القوات على الأرض.
ومع أن الولايات المتحدة لم تسحب قواتها بالكامل من سوريا، إلا أن الانسحاب الجزئي والتهديد بالانسحاب كان له عواقب مباشرة. دفع إعلان ترامب عن الانسحاب في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 تركيا إلى شن عملية عسكرية جديدة ضد “قسد”، والسيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض وتشريد آلاف الأشخاص.
ظل احتمال الانسحاب مطروحاً على الطاولة في عهد بايدن. وفي عام 2023، شهد الكونجرس الأميركي محاولتين بقيادة الجمهوريين لإجبار قوات بلادهم على الانسحاب من سوريا، لكن المشرعين رفضوا في نهاية المطاف كلاهما. وفي أواخر كانون الثاني/ يناير، ذكرت صحيفة المونيتور ومجلة فورين بوليسي أن واشنطن تدرس سحب قواتها من سوريا، ما أثار قلقاً واسع النطاق في مناطق سيطرة “قسد”، شمال شرق سوريا، على الرغم من نفي البيت الأبيض.
اقرأ المزيد: مزاعم الانسحاب الأميركي تقض مضاجع سكان شمال شرق سوريا فماذا لو حدث؟
ويتوقع زيادة أن تُبقي إدارة هاريس على القوات الأميركية في سوريا، مردداً في الوقت نفسه مخاوف غبيس من أن إدارة ترامب قد تتابع جهوده السابقة.
وبدوره، قال عبد النور: ”الانسحاب، الذي يصب في المصلحة القومية الأمريكية، مطروح على الطاولة، حتى بالنسبة للديمقراطيين”، معتبراً أن “الانسحاب المفاجئ هو السيء”، بينما “الانسحاب المدروس والحكيم”، الذي يراه أكثر احتمالاً في ظل إدارة ترامب الثانية، “سيكون جيدا”، معتبراً أن التوصل إلى اتفاق لتمكين “قسد” من الوصول إلى مستوى كيفية الدفاع عن نفسها والتوصل إلى اتفاق مع العاصمة [دمشق] هو جزء من الانسحاب المدروس.
كان فورد مؤيداً قوياً لانسحاب الولايات المتحدة من سوريا، وبعث برسالة لدعم جهد تشريعي في مجلس النواب الأمريكي لفرض الانسحاب في شباط/ فبراير الماضي، مبرراً ذلك بالقول: “أنا ضد نشر قوات عسكرية أميركية في مهمات لا تمتلك فيها استراتيجية للنجاح، وتكتفي فقط بالتأجيل إلى أجل غير مسمى”.
وبالنظر إلى ولاية ترامب الثانية، قال فورد: “أعلم أنه عندما يدخل البيت الأبيض سيميل إلى الانسحاب، لكن الأمر يعتمد نوعاً ما على من حوله“.
وأضاف فورد: “يمكنني أن أتخيل بسهولة أن بومبيو يضغط بقوة على البيت الأبيض لإبقاء القوات في سوريا، لأنهم يرون أن تلك القوات… تكبح جماح إيران بطريقة أو بأخرى عن القيام بمزيد من الأشياء الشائنة في سوريا”، لكنها حجة غير مقنعة بالنسبة له، فحتى مع الوجود الأمريكي الحالي، استمرت الأسلحة الإيرانية في التدفق إلى سوريا عبر العراق ومنها إلى لبنان، إذ رغم أنهم “لا يستخدمون أفضل الطرق إلى دمشق”، لكن “هناك طرقاً ثانوية يستخدمونها”.
وسواء فازت هاريس أو ترامب في الانتخابات، فإن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد يكون مسألة وقت فقط. في 27 أيلول/ سبتمبر، أعلنت الحكومتان الأميركية والعراقية عن اتفاق لسحب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة مع نهاية عام 2026. وتنشر واشنطن حالياً حوالي 2,500 جندي في العراق.
وبموجب الاتفاق المكون من مرحلتين، من المقرر أن تنسحب القوات الأميركية من قاعدة الأسد الجوية ومطار بغداد بحلول أيلول سبتمبر 2025، على أن تنقل عملياتها إلى قاعدة الحرير في إقليم كردستان العراق شبه المستقل، ومن المقرر أن تنسحب القوات المتبقية مع نهاية عام 2026.
ويرتبط الوجود الأميركي في سوريا بوجودها في العراق، إذ توفر قواتها الدعم اللوجستي والجوي، لذا قال فورد: “لا أعرف كيف يمكن الحفاظ على الخدمات اللوجستيه من دون أربيل” بعد عام 2026.
في هذه الأثناء، لدى “قسد” “فرصة لإبرام اتفاق مع حكومة الأسد، لكن يتعين عليهم من أجل ذلك تقديم تنازلات، ولن يقدموا أي تنازلات طالما أن تلك القوات البالغ عددها 900 جندي موجودة هناك“، بحسب فورد.
التطلع إلى الأمام
يشكل المتفائلون بشأن ما يخبئه المستقبل لسوريا نسبة قليلة. قال غبيس: “إن غياب القيادة وعدم مشاركة الولايات المتحدة لم يؤد إلا إلى فراغ”.
في أيار/ مايو 2023، عاد بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عاماً من القطيعة، وكان التطبيع الإقليمي ”نتيجة طبيعية لعدم وجود سياسة أميركية ذات مغزى بشأن سوريا”، بحسب غبيس، لذا فإن انخراط الولايات المتحدة في الملف السوري بشكل أكبر سيجعل لدى حلفاء واشنطن “تصوراً أوضح عما يمكنهم القيام به بشأن سوريا”.
إقرأ المزيد: قهقهة الأسد في القمة العربية تثير غضب السوريين في المنفى
ودعا عبد النور السوريين إلى مزيد من الضغط للتأثير على اتجاه السياسة الأميركية، قائلاً: “نحن بحاجة إلى تقديم استراتيجية تستند إلى الأرضية المشتركة بين السوريين والولايات المتحدة، التي يمكن تبنيها”، مضيفاً: “لا تنتظروا حتى يرسموها لكم”.
ومن وجهة نظر واشنطن، فإن المطلوب من أي إدارة هو ”تحديد مصالح أمننا القومي في سوريا وترتيب أولوياتها بجدية”، وفقاً لفورد، مشيراً إلى أن أوباما أعطى الأولوية، في عام 2014، لمحاربة تنظيم “داعش” على السعي إلى تحقيق انتقال سياسي في سوريا. وأضاف: “لستُ متأكداً من أنني أتفق مع تحديده للأولويات، لكنه على الأقل حدد أولوياته”.
سواء قررت إدارة هاريس أو إدارة ترامب التركيز على مكافحة الإرهاب أو التسوية السياسية أو عودة اللاجئين أو مواجهة إيران في سوريا، لكن ”أياً كان هذا الهدف، حدّده وحدّد أولوياته“، قال فورد، إذ “قد لا تتمكن من القيام بأحدهما دون المساومة على الآخر”.