ما بعد “فلحوط”: استمرار حذر لـ”هبّة” السويداء ضد “العصابات”
أول تصريح وخطاب من زعامة دينية بتاريخ السويداء يكسر واحدة من ثوابت الطائفة، المتمثلة بدم الدرزي على الدرزي حرام
3 أغسطس 2022
باريس- في الأول من آب/ أغسطس الحالي، ألقى مجهولون جثة محمد أبو حمدان عند دوار المشنقة، وسط مدينة السويداء، بعد ثلاثة أيام من اختطافه على يد مجموعة عسكرية محلية من منزله، وهو من أبرز أعضاء حركة “قوات الفجر”، التي يتزعمها راجي فلحوط، وواحد من أصل سبعة أشخاص من “مجموعة فلحوط” رميت جثثهم وسط المدينة في أقل من أسبوع.
وجاءت عمليات التصفية بحق هؤلاء بعد اجتثاث “قوات الفجر”، الأسبوع الماضي، ضمن حملة عسكرية أطلقتها فصائل محلية في السويداء بمساندة الأهالي ضد فلحوط، وامتدت لتطال مجموعات أخرى مدعومة من فرع الأمن العسكري في السويداء التابع للنظام.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تصفية القتلى المحسوبين على “قوات الفجر”، إلا أن ظهور رائد كمال الدين، وهو أحد القتلى، في تسجيل مصور نشرته “قوة مكافحة الإرهاب”، في 27 تموز/ يوليو الماضي، يعترف بتورطه في العمل مع راجي فلحوط، “قد يشير إلى إمكانية أنهم من قام بتصفية هؤلاء الأسرى”، كما قال أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة، لـ”سوريا على طول”.
أين راجي فلحوط؟
حتى إعلان القضاء على “قوات الفجر” حظيت العملية العسكرية بتأييد من مناهضي راجي فلحوط والمتضررين من انتهاكات المجموعات المسلحة المدعومة للنظام، لكن بعد مداهمة مقراته في بلدتي عتيل وسليم بريف السويداء، وخلو تلك المقرات من قائد المجموعة، الذي ما يزال مصيره مجهولاً، أثيرت موجة من الاتهامات والشائعات عن أن إحدى المجموعات المشاركة في العملية ساعدته على الهرب.
دفع ذلك حركة رجال الكرامة، باعتبارها إحدى الفصائل المحلية المشاركة في العملية، إلى توضيح ما جرى بعد اقتحام منزل راجي فلحوط من قبل عناصرها والمجموعات المحلية الأخرى، في بيان نشرته في 27 تموز/ يوليو الماضي، جاء فيه أنه “بعد اقتحام منزل الإرهابي راجي فلحوط من قبل عناصر حركة رجال الكرامة والشباب المؤازرين بعد مقاومة عنيفة لم يتم العثور عليه، خلافاً لما تم تداوله من اخبار وبقي مصيره مجهولاً”،
وأكد البيان على مقتل وأسر جميع العناصر المتواجدين في منزل فلحوط على يد عناصر الحركة والمؤازرين لها “الذين يعرفون أن المدعو راجي فلحوط لم يكن بالمقرات التي تمت مداهمتها”.
وفي ذلك، قال أبو تيمور أن مصير أربعة أشخاص من “قوات الفجر” ما يزال مجهولاً، وهم “راجي وتمام وحيان فلحوط، ومنهل السعيد”، مشيراً إلى عدم وجود معلومات عن ما إذا كانوا يختبئون داخل السويداء أو تم تهريبهم للخارج من الأجهزة الأمنية.
من جهته، ذهب المحلل السياسي سامر سلوم، من أبناء مدينة شهبا بريف السويداء والمقيم في لبنان، إلى أن “الأمن العسكري علم بساعة الصفر قبل موعد هجوم أهالي شهبا ومن ساندهم من الفصائل المحلية والأهالي، وجرى تهريب راجي فلحوط قبل محاصرة منزله”، بحسب قوله لـ”سوريا على طول”.
وبعيداً عن مكان فلحوط، قال ريان معروف، مدير شبكة السويداء 24، وهي مؤسسة إعلامية محلية، أن جميع ما أثير حول مصير قائد قوات الفجر وتورط الفصائل في تهريبه “مصدره النظام السوري وحسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بنشر هذه الأخبار الكاذبة”، بهدف بثّ الفوضى وزعزعة الثقة بالفصائل المحلية.
“دمهم مطروش على الجبل”
في صباح 29 تموز/ يوليو الماضي، استفاق أهالي السويداء على صوت إطلاق رصاص وسط المدينة، وتالياً عثروا على جثث القتلى الستة عند دوار المشنقة، وتبدو عليهم آثار تعذيب واضحة، كما ذكرت وسائل إعلام محلية، لتسارع الفصائل المحلية والعائلات المشاركة في العملية ضد “مجموعة فلحوط” إلى التبرؤ من الحادثة.
بعد الحادثة بيومين، ظهر ليث البلعوس، نجل مؤسس حركة رجال الكرامة وحيد البلعوس، الذي اغتيل عام 2015، بتسجيل مصور نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن فيه إطلاق ستة أسرى من ميليشيا فلحوط على مرحلتين، وجرى تسليمهم إلى ذويهم بعد أن تعهدوا بعدم الانجرار وراء أصحاب الفتن والمشاريع التي “تضرب النسيج الداخلي في الجبل، وبأن يكونوا مع أهلهم في حفظ كرامتهم وأرضهم وعرضهم”.
وفي سياق حديثه شدد البلعوس على أن “اقتلاع عصابة راجي فلحوط، هو اجتثاث للتمدد الإيراني في المنطقة”، ورغم عدم تبنيه عملية التصفية وسط المدينة إلا أنه هاجم كل من استنكرها، معتبراً أن الذين تمت تصفيتهم متورطون بالدماء ومسؤولون عن قتل عدة أشخاص، وبالتالي فإن “دماءهم يجب أن تتحملها جميع العائلات في الجبل”، مستنداً إلى بيان مشيخة العقل الذي دعا إلى “اجتثاث عصابة الإرهابي راجي فلحوط. اجتثاثها يعني دمهم مطروش على الجبل”.
وشارك البلعوس في عملية اقتحام مقر فلحوط في بلدة سليم، على رأس مجموعته المعروفة باسم “رجال الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس”، التي تتخذ من بلدة المزرعة غرب السويداء مركزاً لها، بعد أن استبعد من حركة “رجال الكرامة” التي أسسها والده، في عام 2016، والتحق بعدها بعدة فصائل محلية مختلفة الولاء.
من جانبه، نفى أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في “رجال الكرامة” مسؤولية الحركة عن عمليات التصفية الميدانية، مشيراً إلى أنهم أسروا 9 عناصر من مجموعة فلحوط “وجرى تسليمهم إلى آل طويل في مدينة شهبا، كونهم أولياء الدم، وبذلك أخلينا مسؤوليتنا، ولا نعلم ماذا حصل بعدها”.
وعزا المحلل السياسي سامر سلوم محاولة جميع الأطراف التبرؤ من الحادثة إلى “خشيتهم الانجرار لثارات عشائرية وعائلية داخل المحافظة”، مشيراً إلى أن دعوة الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة بإطلاق النار على أي عنصر من “مجموعة فلحوط” هو “أول تصريح وخطاب من زعامة دينية بتاريخ السويداء يكسر واحدة من ثوابت الطائفة، المتمثلة بدم الدرزي على الدرزي حرام”.
“التفويض الديني لعموم أهالي السويداء أعطى مبرراً لكل من حمل السلاح ضد العصابة”، وفق سلوم، الذي اعتبر من منظوره الشخصي أن “هؤلاء لا تنطبق عليهم صفة أسرى، وإنما أفراد عصابة نكّلت بالأهالي”.
السويداء ما بعد فلحوط؟
يبدو أن صفحة “قوات الفجر” طويت مع فرار قائدها، و”خسارته القاعدة الأساسية لمجموعته بقتل وأسر غالبية العناصر، ما يعني أنه من الصعب إعادة تنشيطها، إلا إذا أراد النظام إعادة بناء قوة راجي”، كما قال المحلل السياسي سامر سلوم.
وربما يستخدم النظام أشخاصاً من خارج السويداء لتعزيز صفوف المجموعات التابعة له في المحافظة، كما أوضح سلوم، مشيراً إلى أن “بعض عناصر راجي لم يكونوا من السويداء، إذ من بين الأسرى شخص من إدلب وثلاثة عناصر فلسطينيين”، وما يؤكد دعم النظام المباشر لفلحوط أن “الأسير الذي ينحدر من إدلب مجند إجباري لدى جهاز الأمن العسكري”.
من جانب آخر، حتى إن انتهت “مجموعة فلحوط”، فإن العملية التي بدأت باجتثاثه “لم تنته”، وفقاً لأبو تيمور، مشيراً إلى أن “رجال الكرامة مستمرة في مداهماتها بشكل شبه يومي، مستندة إلى وثائق وسجلات عثرت عليها في المقر واعترافات الأسرى”، وفي سياق ذلك “اعتقلت الحركة بعض المطلوبين ومستمرة في البحث عن آخرين”.
وأعطت الحركة مهلة “لباقي أفراد العصابات من أجل تسليم أنفسهم وسلاحهم ضمن مهل زمنية محددة”، كما أوضح أبو تيمور، مشيراً إلى أن “البعض تجاوب وسلم ما بحوزته من سلاح ووثائق ومعلومات”.
وفي هذا السياق، أعلن سليم حميد، قائد قوات الفهد، وهو فصيل محلي مدعوم من الأمن العسكري، وضع سلاح فصيله وعناصره “تحت خاطر وتوجيهات مشايخنا الأجلاء لوحدة الصف في تخليص الجبل من كل المظاهر المخلة بالقانون والأعراف والتقاليد”، كما نشرت المجموعة عبر صفحتها على “فيسبوك”، في 31 تموز/ يوليو الماضي، وجاء ذلك بعد توتر ليومين في بلدة قنوات شمال شرق السويداء، على خلفية إمهال فصيل لواء الجبل قوات الفهد 24 ساعة لتسليم سلاحهم.
وإلى جانب ملاحقة “عصابات الأمن العسكري”، ستواصل حركة رجال الكرامة عملياتها “ضد مروجي وتجار المخدرات، وجميعهم يعملون مع النظام”، وفقاً لأبو تيمور. وكانت صفحات محلية في السويداء نشرت صوراً خلال العملية ضد “مجموعة فلحوط” تظهر “آلات ومكابس لتصنيع حبوب الكبتاغون” في مقره.
وبحسب ما هو متداول محلياً، قد تبدأ خلال ساعات “حملة ضد عصابة فداء العنداري في قرية الطيبة، المرتبطة بالأمن العسكري”، وفقاً لريان معروف، على غرار ما حدث في بلدة قنوات بحق قوات الفهد.
وإذ يؤكد سلوم عزّم شباب السويداء على استمرار العملية “ولكن بحذر”، فإنه يشدد على ضرورة مواصلة هبّة السويداء التي بدأت شرارتها من شهبا “لاجتثاث العصابات التابعة للأمن العسكرية”، لأن التراجع عن العملية يعني ظهور 100 راجي بدلاً من واحد”.